تصعيد حدود السودان وإثيوبيا.. أكثر من سبب لتجنب الحرب
عاين – 12-يونيو2020
لأول مرة، وفيما يشبه نذر الحرب، تطلق المليشيات الاثيوبية الاسلحة الثقيلة وقذائف “الهاون” على الاراضي السودانية بمنطقة الفشقة الحدودية وتستهدف معسكراً للجيش السوداني في 28 مايو الماضي، قبل أن يرد السودان متوعداً، بعد اتهامه الجيش الأثيوبي بمساندة رجال المليشيات الذين تكررت اعتداءاتهم على المنطقة الحدودية.
خلال الاشهر الماضية ومع تصعيد الاعتداءات من رجال المليشيات على الجانب السوداني، أعاد الجيش السوداني انتشاره في المنطقة بعد 25 عاماً من الغياب وزار قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان القاعدة العسكرية في المنطقة وبعث برسالة في البريد الاثيوبي مفادها الجاهزية للتصدي.
“يتواجد الاثيوبيون داخل الأراضي السودانية على الحدود المتاخمة لإقليم الامهرا والتقراي الإثيوبيين بطول الشريط الحدودي الذي يبلغ نحو 265 كلم. ونشأت مستوطنات داخل الحدود السودانية، ويسيطرون على 754 ألف فدان من الأراضي الزراعية الخصبة”. يقول مدير ادارة تنمية الحدود بولاية القضارف الحدودية مع اثيوبيا، أبو القاسم عبدالله محمود، لـ(عاين) ويضيف بان ” التمدد الزراعي والسكان من الجانب الاثيوبي داخل الاراضي السودانية يرسم وضعاً قاتماً لاهالي كل قرى الشريط الحدودي التي تقدر ب50 قرية، وهذا الوضع يتكرر بداية كل موسم زراعي، في ظل التراخي الدبلوماسي السوداني، والتواجد الأمني الضعيف من قبل الجانب السوداني، ما يجعل الوضع الإنساني لهؤلاء السكان في ال25 عاماً الماضية كارثياً”.
الجيش السوداني في رده على الاعتداء الإثيوبي، 25 مايو الفائت يقول، “أن مليشيات إثيوبية مسنودة بالجيش الإثيوبي اعتدت على أراضي وموارد البلاد، وان الاعتداءات أسفرت عن مقتل ضابط سوداني وإصابة ستة جنود، وفقدان آخر”.
هذا الاتهام السوداني، سارع على اثره رئيس الوزراء الاثيوبي، آبي أحمد، مستبعداً اندلاع حرب حدودية مع السودان، وقال امام البرلمان إن بلاده تحمل الجميل الذي قدمه السودان وشعبه على مر التاريخ، خاصة في اوقات الحرب الداخلية التي لجأ إليها عدد كبير من الشعب الإثيوبي.
في خضم مشاغل اي من الدولتين، تبقى فرضية الحرب مستبعدة- وفقا لما يرى محللون سياسيون ومراقبون من الجانبين السوداني والاثيوبي استطلعتهم (عاين)، لجهة ان السودان يريد أن تمر الفترة الانتقالية من دون أزمات جديدة، واثيوبيا تريد ان تستكمل مشروع القرن بالنسبة لها وهو بناء سد النهضة.
فرصة الحرب ضئيلة
يؤكد الصحفي والمحلل السياسي الإثيوبي، بيفيكايدو هايلو، ان هناك خلاف مستمر في الخط الحدودي بين السودان وإثيوبيا ، خاصة في الجزء الذي يتاخم السودان في منطقة امهرا الاثيوبية، ويقول هايلو لـ(عاين) ان هناك جدل بوجود اراضي يزرعها الاثيوبيون، لكن السودان يدعي ملكيتها، وانه يدرك على هناك عمليات تبادل إطلاق النار في المنطقة الحدودية الزراعية، يضيف أن السودان وجه اصابع الاتهام الى جماعات مسلحة بمهاجمة، وقتل أفراد من الجيش والمدنيين، ويظن أن السودان يتهم إثيوبيا تدعم الجماعة المسلحة.
ويوضح هايلو، ان السودان وإثيوبيا تربطهما علاقات سياسية واجتماعية قوية لعقود طويلة، وفرصة أن يصل التوتر الى حرب، فرصة ضئيلة جدا، يأمل أن يتمكن الطرفين في القضية مرة واحدة إلى الأبد من خلال طاولة التفاوض.
ويشير هايلو باصابع الاتهام الى جهات ومجموعات تريد تصعيد النزاع، لخدمة مصالحها، مشيرا إلى الحزب الحاكم في ولاية تيغري الاقليمية في اثيوبيا، انها المجموعة التي كانت تهيمن على دولة أثيوبيا الفيدرالية قبل عام 2018، انهم يشكون من التهميش منذ ذاك الوقت، يرغبون في وضع الحكومة الفيدرالية تحت الضغط، كي يستعيدوا نفوذهم، وليس مستبعدا، انهم يثيرون صراعا على تلك الحدود لان إقليمهم يتاخم السودان في شمال غرب إثيوبيا.
طرف ثالث
يذهب الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عبدالله آدم خاطر، لعدم حدوث صدام بين أثيوبيا والسودان، ويقول لـ(عاين)، “الجارة اثيوبيا أكدت في مرات عديدة، ليس لها مطامع في السودان اطلاقا، حتى أنها طالبت بلجنة تحقيق مشتركة حول الاحداث الأخيرة في المنطقة الحدودية، يؤكد خاطر لا توجد أسباب تجعل السودان يدخل في نزاع حدودي في الفترة الراهنة، السودان يريد ان يدير الفترة الانتقالية بسلاسة، أما اثيوبيا هي مهتمة ببناء سد النهضة وحصتها من مياه النيل، والسودان جزء من قضية سد النهضة، احتمال وجود تحريض للزج بالسودان بالدخول في حرب مع إثيوبيا، يضيف ان السودان سوف يستفيد من سد النهضة، أنه ينظم جريان المياه، ويساعد في المجال الزراعي، وتوفير الكهرباء”.
بينما يقول الناشط المدني، بولاية القضارف جعفر خضر، أن “الاعتداءات من الجانب الإثيوبي طبيعية تحدث في مواسم الزراعة، ربما الجديد في هذا الأمر، رد الجيش السوداني على هذه الاعتداءات هذه المرة، انها تتكرر منذ التسعينيات من القرن الماضي. ويقدر خضر المساحة في الفشقة الصغرى والكبري بمليون فدان، وهي المساحة التي يزرعها الاثيوبيون، ويقول خضر لـ(عاين)، “الحكومة السودانية غضت الطرف عن الاعتداءات الاثيوبية على أراضيها، وصمتت عن ذلك، حتي لا تدعم الحكومة الاثيوبية المعارضة السودانية”.
ويشير خضر، إلى أنه دائما ما تكرر الاعتداءات على السودانيين من قبل الجانب الأثيوبي، والسكان على الحدود ليس لهم قدرة الدفاع عن أنفسهم، ولا يوجد رد فعل من القوات السودانية طيلة هذه السنوات، وهذا ما اغرى الإثيوبيين على الاستمرار، وكذلك نتيجة هذه الاعتداءات توفي العشرات، ويضيف خضر “أما هذه المرة، عقب الاعتداء الاثيوبي، تبعه رد فعل من الجيش السوداني، وبعض الاثيوبين توفوا في بركة نوريت هي تتبع لمحلية القريشة غرب نهر عطبرة، والاثيوبيين متمركزين في شرق نهر عطبرة”.
وسياسياً، لا يستبعد خضر وجود أياد مصرية في الخلاف الجاري بين السودان وإثيوبيا، الحكومة المصرية عبر اعلامها الموجه ترغب في حدوث صدام بين الجارتين، ومن يتابع الإعلام المصري يلاحظ ذلك بوضوح، اثارة موضوع الحرب بين الدولتين.
ويرى ان المصالح بين الاثيوبيين والسودانيين كبيرة، تحتاج إلى الحوار الدبلوماسي بين الطرفين، الجارة إثيوبيا تعترف رسميا ان الاراضي في الفشقة هي أرضية سودانية، ليست كالحكومة المصرية التي جعلت حلايب وشلاتين مصريتين بالقوة، موقف السودان من سد النهضة يعبر من مصالحه القومية، والاستفادة منه في الكهرباء.