حجب المواقع الإلكترونية ردة عن شعارات ثورة ديسمبر
عاين – 12 يوليو 2021م
آثار حجب السلطات السودانية لعدد من المواقع الإلكترونية في الأسابيع الماضية حفيظة المئات من الصحفيين السودانيين، حيث بلغ عدد المواقع المحجوبة التي امتدت إليها يد السلطات قرابة الـ30 موقعاً أبرزها باج نيوز، موقع صحيفة السوداني، الحاكم نيوز، تارا نيوز، النورس نيوز، عزة نيوز.
إلى جانب ذلك أعلن موقع فيسبوك يوم الخميس الماضي عن إغلاق 53 حسابًا و 51 صفحة وثلاث مجموعات و18 حسابًا على إنستجرام في السودان والتي جمعت مايقارب 1.8 مليون متابع، وبحسب موقع “ميدل إيست آي” ساعد في تحديد هذه الحسابات باحثون من مجموعة تدعى “Valent Group” وهي وكالة رقمية متخصصة في تقديم استشارات المخاطر للشركات والأفراد بما في ذلك خدمات المعلومات والوسائط الرقمية.
وكشف الخطاب الصادر من رئيس نيابة المعلوماتية والتحقق الرقمي عبد المنعم عبد الحافظ قرار حجب المواقع غير المسجلة والصفحات العشوائية لاعتيادها على بث الشائعات على حد زعمه، وأضاف أن ذلك جاء عقب التشاور مع النائب العام المكلف مبارك محمود، بموجب المادة (3) من قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2018 م و المعدل في العام 2020م، الا ان النائب العام نفى علمه بحجب المواقع المذكورة، كما أكدت النيابة أن قرر حجب المواقع الإخبارية غير قانوني.
حرية الصحافة والتعبير
وعلى الرغم من تقدم السودان خلال الفترة الانتقالية في مؤشر حرية الصحافة للعام 2020م، واحتلال السودان المرتبة 159 من إجمالي 180 دولة في العالم متقدماً 16 مرتبة عن موقعه في الأعوام السابقة وفقاً لتقويم منظمة ” مراسلون بلا حدود” المستقلة و المعنية بالحريات الصحافية وحماية الصحافيين، إلا أن القرار القاضي بحجب المواقع الالكترونية يعتبر ردة في الحريات الصحفية بحسب العديد من الصحافيين تحدثوا لـ(عاين).
و يرى الصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان فيصل الباقر أن الرقابة على الصحافة بكل أشكالها القبلية والبعدية سواء كانت مكتوبة أو مرئية ومسموعة، إضافة إلى حجب المواقع والمنصات الاعلامية “إدارياً”، أو إغلاق الصحف، أو منع إذاعة الآراء التي يتم التعبير عنها سلمياً هو انتهاك صريح لحرية الصحافة والتعبير.
كما تقول رئيس تحرير موقع باج نيوز لينا يعقوب لـ(عاين) إن أسباب حجب المواقع غير معروفة. وتضيف قائلة:” أن الجهة التي أصدرت القرار لم تكشف عن نفسها بصورة معلنة، لكن أصابع الاتهام تشير إلى وكيل نيابة المعلوماتية والنائب العام”. وكشفت لينا أن هناك عشرات التصريحات المتضاربة في المواقع الالكترونية، بعضها تنفي صلة النائب العام ووكيل النيابة بقرار الحجب، وأخرى تؤكد على ذلك.
وتضيف لينا :” هناك صمت غريب من الجهات المعنية بهذا الشأن في الدولة، حيث كان من المتوقع أن يخرج وزير الإعلام، أو الأمين العام لمجلس الصحافة والمطبوعات أو أي جهة معنية بالحريات الصحفية للتعليق حول هذا الموضوع ، الأمر الذي لم يحدث حتى اللحظة. بجانب أن الجهات التي أعلنت عن القرار لم تؤكد ذلك في أي بيان رسمي، مضيفة :”الجميع ينكر صلته بهذا القرار، ولا نعرف الأسباب التي قادت إلى حجب المواقع، غير خبر واحد يقول، انها تثير الكراهية”.
وفي ذات السياق يقول عضو شبكة الصحفيين السودانيين محمد الفاتح همة لـ(عاين):” إن ما قامت به الحكومة بإغلاق عدد من المواقع الالكترونية في أواخر يونيو المنصرم، أنها ردة كاملة عن الحريات الصحافية، ويرى أن حكومة الفترة الانتقالية حادت عن طريق الثورة، كما يضيف أن ذلك بداية ممارسة النهج الديكتاتوري، مستغرباً أن تتراجع حكومة الثورة عن أهدافها.
صحافة مهنية
وناشد الباقر الصحافة بكل أشكالها، بما في ذلك المواقع الإلكترونية، الابتعاد عن ممارسة خطاب الكراهية، وعدم إثارة العنصرية، والتحريض علي العنف، والإساءة وإحترام الخصوصية، والالتزام بمعايير الصحافة المعروفة والتي تلتزم جانب الحقيقة، ونشرها، والبعد عن نشر الأكاذيب والالتزام بالمهنية العالية، ويؤكد أن هناك حالة من الإغراق الإعلامي المقصود، بحيث يصعب التفريق بين الصالح والطالح.
كما ينصح فيصل بضرورة أن تعمل الصحافة في الضوء، ليتمكّن المتضررون من النشر، مقاضاة هيئات تحرير هذه المواقع، في حالة النشر الضار، لأنّ الصحافة مسئولية، ولا يمكن أن تعمل في الخفاء، كما يدعو الصحفيين والصحفيات والمؤسسات الصحفية إلى التوافق على التنظيم الذاتي للصحافة، ووضع مواثيق الشرف الصحفية التي تضبط الأداء الصحفي، ويوكد أنهم على استعداد للقيام بواجب بناء القدرات، والمساهمة في وضع مسودات أولية لمواثيق الشرف الصحفية، والعمل مع الجميع في سبيل صحافة مهنية، وصحافة حقوق إنسان تلتزم بالمعايير المهنية الدولية المعروفة.
أسباب حجب غير معروفة
توضح لينا ان قرار حجب المواقع شمل نحو 30 موقعاً اخبارياً، بعض هذه المواقع مستقلة، وبعضها معروفة بمعارضتها للنظام السابق. وتؤكد لينا انه قرار سياسي يشمل الجميع، رغم أنه الجهة التي قامت بالحجب لم تتحرى الدقة والمهنية والمصداقية في اتخاذ مثل هذا القرار.
وترى لينا أن هذه المسألة تنعكس بصورة سلبية على الحريات الصحفية، التي تعد من أكبر إنجازات حكومة الفترة الانتقالية، بالرغم من ضعفها في جوانب أخرى تتعلق بالأحوال الاقتصادية والاشكالات الامنية، والواقع السياسي المعقد، إلا أن هذا القدر من الحريات ذهب الآن في مهب الريح، بعد أن حقق السودان تقدماً في التصنيف العالمي للحريات الصحفية، لكنها تعتقد أن السودان ربما سيعود إلى نهاية القائمة في التصنيف، إذا تصرفوا بهذه الصورة التي تستهدف المواقع الالكترونية.
ممارسات ديكتاتورية
في الـ7 من يونيو الماضي طالبت اللجنة الدولية لحماية الصحفيين السلطات السودانية السماح بالوصول إلى كافة المواقع الإلكترونية و الإخبارية في البلاد والتوقف عن مضايقة الصحفيين وترهيبهم.وقد عمدت السلطات السودانية في الـ30 من يونيو الماضي إغلاق عدد من المواقع الإخبارية في مواجهة الاحتجاجات المناوئة لحكومة الفترة الانتقالية. إذ تم اعتقال الصحفي بقناة الجزيرة على ابو شالة أثناء تغطيته للاحتجاجات وسط الخرطوم و المطالبة بإسقاط حكومة الفترة الانتقالية وتحقيق مطالب الثورة.
ويوضح همة:”ان اغلاق الانترنت او حجب الصحف الإلكترونية أسلوب مرتبط بالحكومات الديكتاتورية والشمولية، مستشهداً بما حدث في عهد البشير في هبة سبتمبر 2013م، حيث اغلق الانترنت لمدة أسبوع كامل خلال تلك الفترة ، ويؤكد محمد رغم التزام الحكومة الصمت، الا ان الحادث واقع وحقيقي، وكشف قيام شبكة الصحفيين بالتواصل مع عدد من مسؤولي المواقع الالكترونية، مؤكدين أن مواقعهم يستحيل الوصول إليها من داخل السودان.
ويؤكد همة أن شبكة الصحفيين ستقاوم وتفضح هذه الممارسات قائلا :”إن الشبكة في أيام البشير كانت تدافع عن الصحفيين، وبعد الثورة ستدافع عنهم، كما طالب وزير الإعلام بالخروج والحديث للرأي العام، للاجابة على سؤال لماذا تم إغلاق هذه المواقع. لأن حجب هذه المواقع يعرض العديد من الصحفيين لمخاطر جمة، إضافة للعزوف الكامل عن صناعة الصحافة الورقية، وقد بدأت الصحافة الالكترونية تعطي فرص عمل لهؤلاء الصحافيين، ومع إغلاقها سيتم تشريد عشرات الصحفيين من جديد”.
ويدعو (همة) الوسط الصحفي والمدافعين عن حرية الصحافة والتعبير، الاستعداد لمعركة جديدة قادمة، كما يرى أن هذه الحكومة لا تتحمل الحريات، و تتغول على الحريات السياسية، ويطالب الجميع بالانتباه، معتبراً أن ما اقدمت عليه الحكومة جراء هذه الإجراءات يعد ناقوس خطر يهدد صناعة الصحافة ويرى أن القوانين المقيدة للحريات مازالت سارية.
ويختتم الباقر حديثة لـ (عاين) بالقول:” أن الصحافة يجب أن تخضع للرقابة القضائية فقط، ويكون ذلك عبر التقاضي، وآلياته المعروفة، في حال التضرر ممّا تنشره الصحافة، أمّا الحجب “إدارياً” فهو أمر مرفوض و مُدان تماماً، ولا يتّسق مع شعارات ثورة ديسمبر المجيدة، وأهدافها في الحرية والعدالة، ويعتبر ذلك على حد وصفه ردّة عن الحريات التي انتزعتها الثورة بتضحيات جسام”.