جوعى وعطشى على مقربة من منجم ذهب أرياب التاريخي بالسودان  

جوعى وعطشى على مقربة من منجم ذهب أرياب التاريخي بالسودان

 تقرير: 19 فبراير2020م

الفقر وانعدام الخدمات الاساسية، الملمح المشترك بين أكثر من 5 قرى تحيط بأقدم منجم في السودان لتعدين الذهب والفضة والنحاس في منطقة ارياب شرقي السودان، وطوال سنين ادارة العمل المتقلبة في المنجم بين شراكات حكومية واجنبية والتي قاربت ال29 عاماً، ظلت المجتمعات المحلية ذات الاغلبية من قومية البجا تشكو فقرها على الرغم من ان المنطقة اعتمد اقتصادها تاريخياً على استخراج الذهب بالوسائل التقليدية، وزاد فقر هذه المجتمعات بعد دخول شركة ارياب للتعدين مناطق التعدين وحولت بعض السكان إلى عاملين.

تأسست شركة أرياب للتعدين في العام 1991م، كشراكة سودانية فرنسية للتنقيب عن الذهب في مناطق أرياب، وعرفت وقتها باسم المشروع السوداني الفرنسي للتعدين، إلا أن الشركة دخلت حيز الإنتاج الفعلي في العام 1991، رغم أن أعمالها بدأت منذ العام 1986م، وعرفت الشركة في السنين الأخيرة من عملها بسيطرة النظام البائد على مفاصلها، حيث أنه لم يكن أحد يعلم إنتاجها وأين تصب عائداتها. قبل ان تتحول مؤخرا الى شراكة بين البنك الصناعي وشركة جياد الصناعية، وكل هذه الشركات إدارتها تحت وزارة الطاقة والتعدين .

تلاميذ جوعى

ونظراً للتعقيدات الأمنية وحالة السرية التامة التي كان يدير بها النظام البائد انشطة الاقتصاد السوداني، كان من الصعب الوصول إلى المنطقة والتحدث الى مسؤولي الشركة و المواطنين في القرى المحيطة بالمنجم الضخم الذي زارته (عاين) وأول ما لاحظه موفدها، البؤس المخيم على اكثر من 5 قرى مأهولة بالسكان تحيط بالمنجم وتنعدم فيها المقومات الأساسية للحياة كالماء والكهرباء وخدمات التعليم والصحة على الرغم من أن المنطقة هي إحدى أكثر المناطق غزارة في انتاج الذهب بالسودان.

يشتري سكان هذه القرى مياه الشرب المنعدمة في المنطقة من شاحنات تتبع للشركة وتمدها بالمياه، ويتم تخزين الماء في اواني حديدية مكشوفة ويأكل الصدأ جنباتها، ويتم استهلاك الماء بحذر شديد لصعوبة توفره، كما أن المنطقة لا يوجد بها تيار كهربائي، وتتم الاستعانة بمولدات صغيرة بقدر الحاجة.

وفي مدرسة هوشيب الأساسية المختلطة والتي تضم حوالي أكثر من 200 طالب، يفتقد الطلاب لوجبة طعام يومية نظرا لسكنهم في أماكن بعيدة عن المدرسة، كما ان مسؤوليها  يشتكون من مشكلة تسرب التلاميذ لجهة أن بعض الطلاب يضطرون لترك الدراسة نسبة لحوجة أسرهم إليهم في تغطية تكاليف المعيشة، ويتجه عدد كبير منهم في سن مبكرة للعمل في مناجم الشركة والمساهمة في تغطية تكاليف أسرته المعيشية.

تأسست المدرسة من البند المالي المخصص من قبل الشركة للمسؤولية الاجتماعية في المنطقة، ويقول مدير المدرسة مختار محمد الرافع لـ(عاين)، ” لا يوجد سكن للمعلمين ويضطرون للسكن في غرف داخل المدرسة، كما يوجد نقص حاد في المعلمين يتم تعويضه باستجلاب معلمين متعاونين..وهؤلاء بحاجة للتدريب حتى يتمكنوا من إيصال المعلومة بشكل ملائم للتلاميذ”.

نهب حكومي

عضو لجنة مقاومة منطقة أرياب، بشير عثمان، يقول لـ(عاين)، إن “ما أنتجته جبال أرياب طيلة السنين الماضية يكفي لتنمية شرق السودان كافة، إلا أن نصيب المنطقة من الخدمات كان صفرا كبيراً”. وينوه إلى معاناة المواطنين من فقدان التعليم والخدمات الصحية اللائقة، إلى جانب معاناتهم من العطش الحاد بسبب غياب الآبار الجوفية. ولفت بشير، إلى أن الشركة قامت بحفر بعض الآبار في منطقتي هوشيب وموسيد، إلا أنها لم تدم طويلا، كما أن كل المنطقة يوجد بها مركز صحي يعاني من غياب الكادر الطبي العامل وخدمات الاسعاف، وتابع :”أرياب ظلت تقدم خيراتها للسودان لأكثر من 30 عاما، نتمنى أن نلقى بعضاً من خير منطقتنا لنتمكن من العيش بسلام”.

 

 وفي سياق توجيه المسؤولية الإجتماعية، نجح أهالي المنطقة في توظيف بعض أبنائهم في قسم المسؤولية الاجتماعية للشركة، إلا أن مساعد مدير المسؤولية الإجتماعية محمد كرار، اشتكى من تغول الولاية على حصة المنطقة من المسؤولية الاجتماعية، واستنكر ذلك موضحا أن الأولوية في التنمية يجب أن تكون لمواطن أرياب وبيئتها المنتجة دون المناطق الأقل إنتاجا والتي يستفيد مواطنها من موارد أرياب، وكشف أن تعداد سكان قرى أرياب يصل حوالي 8 آلاف مواطن يعانون من التهميش وغياب الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم وغيرها.

جوعى وعطشى على مقربة من منجم ذهب أرياب التاريخي بالسودان
ولاية البحر الأحمر منذ العام 2010 في عهد الوالي الأسبق محمد طاهر إيلا، بدأت في أخذ حصة المسؤولية الإجتماعية لصالح الولاية بحجة توزيعها بمعرفتها على جميع مناطق الولاية، والتي تعادل أكثر من 300 ألف يورو، الأمر الذي أضر بقرى أرياب المنتجة للذهب وأفقدنها أهم مقومات الحياة في ظل غياب التنمية المطلوبة.

 ورغم أن الشركة، في سياق ما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية، تقدم بعض الخدمات للمنطقة في شكل بناء مؤسسات تعليمية وصحية في ظل غياب كامل لدور الدولة تجاه المواطنين، كشف مدير حقل التعدين بالشركة، المهندس عبد المنعم بلال لـ(عاين)، أن ولاية البحر الأحمر منذ العام 2010 في عهد الوالي الأسبق محمد طاهر إيلا، بدأت في أخذ حصة المسؤولية الإجتماعية لصالح الولاية بحجة توزيعها بمعرفتها على جميع مناطق الولاية، وعلمت (عاين) أن الحصة السنوية تعادل أكثر من 300 ألف يورو، الأمر الذي أضر بقرى أرياب المنتجة للذهب وأفقدها أهم مقومات الحياة في ظل غياب التنمية المطلوبة.

تمكين اسلاميين

وإزاء هذا الظلم التاريخي، بحسب ما يرى السكان المحليون، إلا انهم يأملون في ظل الحكومة الانتقالية تحسين الأحوال الحياتية بالمنطقة. وفي غضون ذلك تشكلت لجنة من قبل اللجنة العليا لتفكيك تمكين نظام الجبهة الاسلامية الذي لم تنج منه شركة ارياب ويتغلغل عدد كبير لعناصر النظام البائد حيث تعتبر الشركة إحدى بؤر الإسلاميين المعروفة، الأمر الذي قاد لجنة تفكيك النظام البائد لتشكيل لجنة داخل الشركة لإزالة التمكين وإقالة كل من تم تعيينه بالشركة دون استحقاق، وتعكف حاليا على دراسة ملفات جميع العاملين لتصفيتها وإزالة المنتسبين للنظام البائد، ورغم أن اللجنة رفضت الإدلاء بأي معلومات عن عملها نسبة لسريته، إلا أن (عاين) علمت من مسؤول بها فضل حجب اسمه بأن اللجنة بدأت أولا بملف المدير العام للشركة، وتجري مراجعة ملفات أكثر من ألف عامل سيتم مراجعة تعيينهم بما يتوافق مع الكفاءة المهنية المطلوبة. 

جوعى وعطشى على مقربة من منجم ذهب أرياب التاريخي بالسودان

ويرى مهندسين في الشركة، بأن سوء الادارة قاد الى تدنى إنتاجها في السنوات الأخيرة بسبب نقص الآليات والقدرة على التنقيب، وتزامن ذلك مع فض الشراكة الفرنسية وبيع نصيبها للمستثمر المصري نجيب ساويرس ومن ثم بيع نصيبه لجهات سودانية لتصبح الشركة وطنية خالصة.

 ويعزي المدير العام للشركة المهندس مجذوب عثمان، تدني الانتاج لتخلف عمل الشركة عن رصيفاتها من الشركات الوطنية والأجنبية العاملة في التعدين، رغم أن الشركة ممنوعة بقرار سابق لمجلس الوزراء من استخلاص الذهب من مخلفات التعدين العشوائي “الكرتة”، وذلك بموجب عقدها الذي كان قائما على الشراكة الأجنبية والعمل فقط في مجال التنقيب والمناجم، وكشف مجذوب لـ(عاين)، أن الشركة لم تشتر آليات جديدة منذ 4 أعوام.