السودان: اعتقال قادة سياسيين واعضاء لجان مقاومة في اوضاع صعبة
17 فبراير 2022
يواجه عشرات المعتقلين السياسيين في السودان أوضاعاً بالغة السوء ويستمرون في تنفيذ إضراب عن الطعام منذ ايام بسجن سوبا شرقي العاصمة. وبحسب محامو الطوارئ، فعدد المعتقلين بسجن سوبا شرقي الخرطوم العاصمة بلغ 107، فيما يعتقل الانقلابيين خمسة ثائرات بسجن أمدرمان للنساء بينهم ثائرة مفقودة.
والأربعاء نظم محامو الطوارئ وهو جسم قانوني يتبنى الدفاع عن المعتقلين السياسيين، وأسر المعتقلين السياسيين وقفة إحتجاجية أمام المفوضية السامية لحقوق الانسان للضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات بسجني سوبا وأمدرمان. كما قدم المحامين مذكرة للمندوب السامي لحقوق الانسان بالسودان، تطالب بالتضامن مع ضحايا الحجز التعسفي بالشجب وإدانة الافعال واستصدار قرارات عبر آليات الامم المتحدة ومجلس الامن والمجموعات الاقليمية .
وفندت المذكرة التي تحصلت (عاين) على نسخة منها، عدم قانونية إعتقال المتظاهريين السلميين، كما قدمت المذكرة رجاءً لمكتب المندوب السامي بالسودان من أجل إصدار بيان بشأن تدهور حالة حقوق الانسان في البلاد ومخاطبة مجلس حقوق الانسان بذلك. ودرجت السلطات الأمنية الانقلابية، إلى جانب التصفية الجسدية عن طريق القتل، بالرصاص الحي أو عن طريق الاصابة بعبوات الغاز المسيل للدموع أو القنابل الصوتية، أو الإخفاء القسري؛ درجت على إعتقال أعضاء لجان المقاومة أثناء وبعد المواكب المناهضة للانقلاب العسكري أو من داخل الأحياء السكنية.
كما درجت السلطات على إقتحام المنازل بالسيارات المدججة بالسلاح من أجل اختطاف الثوار من الشوارع وأماكن العمل من غير إبراز أمر قبض ودون إعلان منفذي الإعتقال لهوية الجهة الأمنية التي ينتمون إليها. وكانت السلطات الأمنية إعتقلت كل من عضو مجلس السيادة السابق محمد سليمان الفكي ورئيس مجلس شوؤن الوزراء خالد عمر يوسف، إلى جانب وجدي صالح مقرر لجنة “إزالة التمكين” وآخرين.
ومنذ الاثنين الماضي وحتى اليوم، ينفذ المعتقلون بسجن سوبا إضراباً شاملاً عن الطعام رفضاً للإجراءات التعسفية التي تمارسها الأجهزة الأمنية لسلطات الإنقلاب و رفضاً للأوضاع السيئة التي يعيشونها داخل السجن. وأعلن محامو الطوارئ عن أن المحتجزين قسرياً لا يتلقون معاملة كريمة، حيث أنهم مُنعوا من الاتصال بزويهم أو بمحامييهم، كما مُنع عنهم الطعام و تلقى العلاج على الرغم من أن بعض المعتقلين السياسيين لديهم أمراض مزمنة.
والأثنين قال المكتب الموحد للأطباء، في بيان، إن ظروف سجن المعتقلين السيئة تهدف إلىى تعريضهم لمزيد من الأذى النفسي والجسدي. وتقول شقيقة أحد المعتقلين قسرياً لـ(عاين) أن شقيقها أعتقل ليلة الثالث والعشرين من الشهر الماضي مع إثنين من أصدقائه من أمام مقهى مجاور للحي الذي يقطنون فيه، مشيرة إلى أن الإعتقال تم بطريقة عنيفة بواسطة القوة التي نفذت الاعتقال، إلى جانب إستخدامهم لألفاظ مهينة لا تليق بالكرامة الانسانية.
“عرفنا بمشقة أنهم نُقلوا إلى سجن سوبا، دون توجيه تهم في مواجهتهم” تقول شقيقة المعتقل بسجن سوبا، التي طلبت حجب هويتها وتضيف: والدي إلتقى بشقيقي مرة واحدة، وفي المرات التي تلتها، أخبرهم حراس السجن بأن الزيارة مُنعت. وأضافت “فقدنا الاتصال به، نحن قلقون على صحته. لقد علمنا أن أن المعتقلين شرعوا في تنفيذ إضراب عن الطعام منذ الاثنين الماضي.
ويفيد المحامي والقانوني الحقوقي، عبد الباسط الحاج بأن الاعتقال التعسفي يُصنف ضمن انتهاكات حقوق الإنسان وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في المادة التاسعة على أنه لا يجوز اعتقال أيِّ إنسان أو حجزُه أو نفيُه تعسُّفاً موضحاً لـ(عاين) أن المعني هنا يشير إلى أن ” أي أمر قبض أو توقيف يجب أن يتم وفقاً لإجراءات قانونية مشروعة، بعد التأكد من وجود بينات أولية تشير إلي علاقة الشخص بالمخالفة القانونية.
“ومنحت القوانين والإتفاقيات الدولية التي وقع عليها السودان، والتي أصبحت جزء لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية، الشخص المعتقل أو المقبوض عليه، الحق في معرفة أسباب الإعتقال و الحق في التحري بواسطة محامي يدافع عنه” يقول الحاج ويضيف: “كما أن له الحق في التواصل مع أسرته و الحق في السلامة الشخصية من التعذيب و كل صنوف المعاملة القاسية” .
” كما أنه لا يجوز قانوناً الاعتقال العبثي دون مسوغ قانوني، وأي اعتقال مسبق دون فتح بلاغات أو حالة الاشتباه” يقول الحاج معتبراً أن أي إعتقال خارج القانون يعتبر “اعتقالاً تعسفياً” الأمر الذي يمنعه القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما تمنعه نصوص القانون الجنائي السوداني.
ولفت الحاج إلى أن القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أعلن حالة الطواريء في أعقاب إنقلابه علي الوثيقة الدستورية والحكومة الانتقالية، دون موافقة أو موافقة الجهازين التنفيذي والتشريعي، موضحاً أن الوثيقة الدستورية لم تمنح “البرهان” الحق في إعلان حالة الطوارئ بصورة فردية.
وأكد الحاج أن ما قام به “البرهان” في الخامس و العشرون من اكتوبر الماضي هو إنقلاب على الوثيقة الدستورية، لذلك فإن كل الخطوات التي تلت ذلك باطلة وتخالف الدستور والقانون. ويعتبر الحاج إن قانون الطواريء ساري المفعول تمت إجازته في العام 1997 بواسطة حسن عبد الله الترابي ـــ رئيس المجلس الوطني آنذاك ــــ لافتاً إلى أن نصوص القانون صُممت بحسب أهواء وبطش نظام الإنقاذ.
ومنح القانون بنصوصه الكارثية، بحسب الحاج، سلطة لرئيس الجمهورية، بعد الموافقة من المجلس الوطني ـــ الصوري ــــ سلطة إعلان حالة قانون الطوارئ الذي أعطى سلطة إصدار الأوامر الإضافية. مشيراً إلى أن هذا القانون يجب إلغاءه في أقرب عملية إصلاح قانونية قادمة، لأنه يتيح مساحة كافية لقمع المعارضة والشارع بإسم القانون.
وتصر سلطات الإنقلاب على منع زوي المعتقلين زيارتهم أو رؤيتهم، ويقول عثمان البصري، أحد أعضاء محامو الدفاع لـ(عاين): في البداية سمحت السلطات للأسر بزيارة المعتقلين، لكن ومنذ فترة طويلة تم منع الزيارات. ” كما لا يُسمح للمحامين بزيارة المعتقلين السياسيين” يؤكد البصري الذي شدد على أن هذا المنع يُعد إنتهاكاً لحقوقهم الأساسية المتمثلة في الأفراج عنهم أو تقديمهم لمحاكمة عادلة. لافتاً إلى أن أولى واجبات المحاكمة العادلة، إطلاع المعتقلين على التهم المنسوبة إليهم ومقابلة محاميهم ليتمكنوا من الدفاع عنهم.
وأشار البصري أن الواضح أن المعتقلين بسجن سوبا لم تُوجه إليهم أي تهم جنائية وإنما يتم حجزهم بموجب أمر “الطوارئ” المعيب الذي يُعطي القوات النظامية حق الإعتقال والقبض دون تحديد الجهة النظامية التي قامت بتنفيذه على وجه التحديد، كما لا يتم تحديد فترة الإعتقال الزمنية. وأكد على أن أكبر عيوب قانون إعلان الطوارئ الساري الآن أنه يجرم مخالفة بنوده، كما يجرم إحتمال أن يخالف الشخص أحدها.
ولفت البصري إلى أن الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية ينص على أن إعلان حالة الطوارئ لا يسلب الشخص الحقوق الأساسية المضمنة في الوثيقة الدستورية، مشيراً إلى أن أبرز الحقوق الأساسية حق المحاكمة العادلة وأن يكون للشخص محامي يدافع عنه.
وفي حديث لشبكة عاين، يقول مصدر بالنيابة العامة: “أنه لا بد من التأكيد على عدم قانونية الإعتقال بناءاً على أسباب سياسية”. وأشار وكيل النيابة، الذي فضل حجب إسمه، إلى أن الإعتقال بهذه الصورة، يُعتبر أمراً مخالفاً لما جاء في المواثيق الدولية لحقوق الانسان التي صادق السودان عليها، ولفت إلى أن القانون الجنائي لسنة 1991 جرم الاعتقال بنص المادة 165 والتي جاءت بعنوان (الإعتقال غير المشروع) في بندين، الأول عدم قانونية الحبس دون سند قانوني، والثاني “أن الإعتقال يعتبر أشد إجراماً إذا تم بطريقة سرية حتى ولو عُلِم مكان الحبس لاحقا”ً.
ويرى وكيل النيابة أن القبض على المعتقلين بالكيفية التي تُمارسها السلطات دون أساس قانوني، مشيراً إلى أن المسلك الطبيعي هو أن أن يتم القبض على المتهم بموجب أمر قبض صادر من الجهة المختصة (النيابة) على أن يخضع المقبوض عليه بعدها للحبس الذي يتفرع لنوعين إما للتحري أو للمحاكمة فيما بعد، مشيراً إلى أنه في كلا الحالتين يحق له الإفراج عنه بالضمان حسب مقررات قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991.