بالصور| آلاف السودانيون يتحدون القمع ويتظاهرون في الذكرى الرابعة للثورة
19 ديسمبر 2022
قاوم آلاف المتظاهرين السودانيين في العاصمة ومدن البلاد المختلفة العنف المفرط الذي واجهت به القوات الأمنية الاحتجاجات المناوئة للانقلاب العسكري والتي تتزامن مع الذكرى الرابعة لاندلاع ثورة ديسمبر 2018 والتي أطاحت بحكومة الرئيس المعزول عمر البشير.
بتاريخ 19 ديسمبر 2018 اندلعت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في بعض المدن السودانية بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور الأوضاع على كل المستويات، لكنها سرعان ما شملت كل قرى ومدن البلاد.
وفي السادس من أبريل 2019، أدت المواكب المستمرة والحراك الشعبي الواسع في الخرطوم العاصمة والولايات، إلى إعتصام ملايين الثوار في محيط مقار القيادة العامة للجيش السوداني.
وفي الحادي عشر من أبريل من نفس العام، أعلنت اللجنة الأمنية التي يقودها الجيش إزاحة البشير عن السلطة وأعلنت دعمها لثورة السودانيين.ولاحقاً قادت مفاوضات بين القوى المدنية والعسكرية إلى إتفاق سياسي أسفر عنه التوقيع على وثيقة دستورية في أغسطس 2019. ونتج عن ذلك تعيين عبد الله حمدوك كرئيس لوزراء حكومة الفترة الانتقالية فيما عُرف بحكومة الشراكة بين المدنيين والعسكريين.
وشهدت حكومتي الفترة الانتقالية، سيطرة العسكريين على أهم الملفات التي كان من المتوقع أن تؤول إلى المدنيين بموجب الوثيقة الدستورية، من بينها السلام والاقتصاد والعلاقات الخارجية. ومع إقتراب إستلام المدنيين لرئاسة مجلس السيادة الانتقالي، عمل العسكريين على افتعال مزيد من الأزمات مع الشريك المدني، لتعميق الهوة بينهم والمدنيين.
وبحلول الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، نفذ القائد العام للجيش السوداني،عبد الفتاح البرهان إنقلاباً، مدعوماً من بعض قادة الحركات المسلحة وبعض القوى المدنية الأخرى التي تدين بالولاء للإسلاميين.
واليوم الاثنين وبالتزامن مع الذكرى الرابعة لاندلاع الثورة السودانية وبعد أيام من توقيع اتفاقا اطاريا من شأنه اعادة الشراكة بين العسكريين وبعض القوى المدنية، تظاهر الآلاف في مدن البلاد المختلفة ووصل المئات منهم إلى شارع رئيسي قرب القصر الرئاسي وسط العاصمة الخرطوم اليوم الاثنين في “مليونية 19 ديسمبر” التي دعت لها تنسيقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم في الذكرى الرابعة للثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير.
وخرج في شوارع العاصمة الخرطوم مئات المتظاهرين في الذكرى الرابعة للثورة وهم يطالبون بالحكم المدني وإسقاط الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش مع أربعة جنرالات في 25 أكتوبر 2021 وأطاح بالشق المدني في السلطة الانتقالية.
تعامل أمني مختلف
واعتمدت قوات الأمن اليوم على تكتيكات متصاعدة لقمع المتظاهرين ونشرت أكثر عدد من مركبات عليها جنود يطلقون عبوات الغاز صوب المتظاهرين في شارع رئيسي بالخرطوم 3 وهو نقطة تجمع للتوجه إلى القصر الرئاسي.
وتعمد الجنود تصويب البنادق على أجساد المتظاهرين من داخل مركبات تتبع للشرطة ومحاولة الدهس التي نجا منها عشرات المحتجين في شارع “بيو يوكون” وهو مركز تجمع المتظاهرين وسط العاصمة.
واصلت القوات الأمنية انتشارها في الشوارع المحيطة بالخرطوم 2 والخرطوم 3 والسجانة والديوم وأطلقت القنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع داخل المنازل التي احتمى بها عشرات المتظاهرين.
وتعمدت القوات الأمنية التي انتشرت في الأنحاء بإطلاق الغاز المسيل للدموع داخل المنازل لإجبار المتظاهرين على مغادرتها بنية الاعتقال الأمني.
وتسيطر على المتظاهرين مخاوف القبض أو الاحتجاز من قبل العناصر الأمنية التي توثق لها مراكز الشرطة حالات ضرب المحتجين بمؤخرة البنادق ونهب الهواتف النقالة والمقتنيات الشخصية.
الانتشار الأمني في حي الخرطوم 2 والخرطوم 3 والذي يفصل بينهما شارع رئيسي اعتمد على تحريك مركبات تتبع للشرطة وبداخلها جنود يطلقون الغاز والقنابل الصوتية كما تحركت شاحنة المياه في المقدمة وهي ترش المتظاهرين بمياه باللون الأبيض ورائحتها نفاذة.
وأطلق الجنود الذين يلاحقون المتظاهرين في هذه الشوارع صرخات هستيرية وهم يطلقون الغاز على أجساد المحتجين وفق ما رصد مراسل (عاين)، كما انتشر رجال الأمن بالدراجات النارية لإرشاد رجال الشرطة إلى نقاط تجمع المحتجين.
تطويق أمني
كما اعتمدت المدرعات التابعة للشرطة على عنصر السرعة لمباغتة المتظاهرين في الشوارع الرئيسية قرب هذه الأحياء وهي خطط أمنية تطورت منذ أغسطس الماضي بإرسال المدرعات لتشتيت المتظاهرين.
وتتوزع القوات الأمنية التي تكافح الاحتجاجات بين مقدمة تعتمد على المركبات التي تطلق الغاز ورجال الأمن ينتشرون على الطرقات خلف هذه المركبات لغرض اعتقال المتظاهرين.
وقال ربيع 33 عاما لـ(عاين)، إنه نجا من موت محقق عقب سقوط عبوة غاز بالقرب منه أثناء محاولته الفرار من مركبة الشرطة. وأشار إلى إن الجندي شاهده يركض وصوب البندقية ناحيته لكن العبوة المعدنية سقطت بالقرب منه.
ويرفض المتظاهرون توقيع اتفاق مع الجيش لتقاسم السلطة ويقولون إن قائد الجيش ونائبه وثلاثة من أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة يجب أن يذهبوا إلى العدالة لاتهامات تتعلق بمقتل 122 متظاهرا منذ أكثر من عام.
أما في الخرطوم بحري في الضفة الشمالية للعاصمة السودانية لم يتمكن مئات المحتجين من عبور الجسر إلى مقار القصر والمؤسسات الحكومية المركزية لانتشار جنود من الجيش إلى جانب وضع الحواجز المعدنية من سلطات الأمن ليلة أمس.
هتافات قرب الجنود
وعلى مسافة قريبة لم يجد جنود من الجيش مفراً من الوقوف وهم يشاهدون مئات المحتجين الذين كانوا يهتفون “حامد يا جامد وين.. دفعة حامد” دون إظهار أي رد فعل من جانب الجنود، -وحامد هو ضابط في الجيش السوداني حمى المتظاهرين في اعتصام القيادة العامة 2019 أثناء هجوم الكتائب الأمنية على مقر الاعتصام.
وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز والقنابل الصوتية لإجبار المتظاهرين للعودة إلى شوارع الأحياء القريبة من جسر المك نمر في الخرطوم بحري.
واستبقت السلطات الحاكمة الذكرى الرابعة للثورة بإعلان اليوم الاثنين عطلة رسمية في جميع أنحاء البلاد إلى جانب إغلاق غالبية الجسور الرابطة بين مدن العاصمة السودانية.
البرلمان للشعب
وفي أم درمان تمكن المحتجين الذين تجمعوا في نقاط عديدة بينها شارع الاربعين وسوق الموردة من الوصول إلى مقر برلمان الشعب.
وقاوم المتظاهرون عنف الأجهزة الأمنية التي أطلقت القنابل الصوتية بكثافة- وفق مراسل شبكة (عاين) ما اسفر عن اصابات عديدة وسط المحتجين.
وكانت السلطات ووضعت المركبات الأمنية ورجال الأمن على أهبة الاستعداد في شارع النيل بمدينة أم درمان على بعد أمتار قليلة من مقر البرلمان وهي إجراءات مألوفة لمنع المتظاهرين من عبور الجسر الذي يربط المدينة بالخرطوم أو الاقتراب من البرلمان.
وفي مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور – ثاني أكبر المدن السودانية- أحتشد المئات بصينية السينما وسط المدينة في موكب الذكرى الرابعة لثورة ديسمبر. واستجاب المتظاهرون لدعوة لجان المقاومة بمدينة نيالا والأجسام السياسية الرافضة للتسوية السياسية والتي دعت قواعدها لإحياء ذكرى ثورة ديسمبر.
ورفع المتظاهرون شعارات تندد بالإتفاق الاطاري ودعت المواطنين لمواصلة الثورة حتى سقوط الانقلاب . ودعا “محمد علي عمر”- أحد القيادات المنظمة للموكب، لجان المقاومة والأجسام الثورية لمواصلة الخروج في المواكب السلمية لمقاومة الانقلاب.
وطالب محمد علي، في مقابلة (عاين) بضرورة وحدة قوى الثورة وعدم التراجع من مطلب الحكم المدني الديمقراطي والابتعاد الكامل للقوات العسكرية عن السلطة التنفيذية والسياسية.
وشهدت مدن سودانية عديدة بينها مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل، وود مدني والأبيض أواسط السودان، وبورتسودان والقضارف شرقي البلاد، والفاشر في ولاية شمال دارفور غربي البلاد احتجاجات مماثلة واجهت معظمها القوات الأمن بالقمع المفرط.