“عاين” تكشف خطة تجنيب البشير المثول امام الجنائية
تقرير: عاين 10سبتمبر 2019م
كشفت مصادر متعددة عن خطة محكمة أعدتها قيادات ورموز النظام السابق لتجنيب البشير المثول أمام المحكمة الجنائية وكذلك احتمالية تقديمه للمحاكمة في قضايا أخري أكثر تعقيدا وخطورة داخل البلاد. وقالت المصادر ذات صلة وثيقة بتنظيم الاسلاميين السودانيين ان البشير رفض السفر إلى خارج البلاد حتى آخر لحظات حكمه في محاولة لفرملة الانقلاب ضده من قبل قادة المجلس العسكري، وفضحت المصادر لـ(عاين) أن الحزب يعمل بكل قواه داخل وخارج المكون العسكري داخل مجلس السيادة من أجل تجنب التوسع في محاكمة البشير، فيما تتخوف قيادات اسلامية من توريطها في بعض الملفات التي كانوا يديريوها مع البشير.
منذ تلاوة وزير الدفاع السابق، عوض ابنعوف بيان الاطاحة بنظام البشير في 11 ابريل الماضي، وإعلان التحفظ على رأس النظام في اشارة للرئيس البشير بمكان آمن مضت الخطة المرسومة لعدم مواجهة البشير باي اجراءات قانونية حقيقة وتجنيبه أمرا التوقيف اللذان صدرا بحقه من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب ابادة جماعية في اقليم دارفور غربي البلاد، حسبما كشفت مصادر متطابقة ل (عاين) طلبت عدم الكشف عن هويتها. ذلك فيما تحولت محاكمته الحالية بتهمة حيازة النقد الأجنبى إلى ما يشبه حملة التأييد واجتماع انصار نظامه كل سبت لدعم رئيسهم الموقوف.
كيف خطط الاسلاميون؟
وتمضي المصادر للتأكيد بأن قادة نظام البشير في الجيش رسموا خطة تجنيب البشير للجنائية وتبناها وقتها رئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري الفريق أول عمر زين العابدين، بعد تأكيده في أول مؤتمر صحفي عقده المجلس العسكري بأن الرئيس البشير متحفظ عليه في مكان آمن ولن يقدم للمحكمة الجنائية الدولية. وقال نصا : “لن نسلم البشير للخارج” وأردف “محاكمة وفق قيمنا، لكن لا نسلمه”.
وأبلغ مصدر مطلع (عاين)، ان مخاوف قادة النظام السابق كانت كبيرة من تسليم الرئيس البشير للمحكمة الجنائية الدولية، واشار الى اجتماع ضم عدد كبير من قانونيين حزب المؤتمر الوطني ورئيس اللجنة السياسية في المجلس العسكري حينها عمر زين العابدين، وتوصل الاتفاق الى قطع الطريق امام المحكمة الجنائية بفتح بلاغ ضد الرئيس البشير ومحاكمته داخليا لجهة أنه رفض مغادرة البلاد.
ولم يستبعد المصدر المقرب من الإسلاميين ان يكون البلاغ الذي يواجه فيه البشير الآن تهم حيازة النقد الأجنبى مدبرا حتى يقطع الطريق امام المحكمة الجنائية الدولية التي لا يسمح لها قانونها بالتدخل في حال هناك إجراءات عدلية ضد الرئيس البشير بالداخل. وزاد المصدر، “نعم القضية التي يحاكم بها الرئيس البشير مختلفة عن حيثيات المحكمة الجنائية لكنها ستٌكسب أنصار البشير وقتا لتدبر أمرهم وربما تساعد أيضا في تخفيف حدة الكراهية ضد البشير وحزبه ومن ثم التعويل على الشعب السوداني في العفو عن الجرائم الأخرى التي يتهم البشير بارتكابها ضدهم.
محكمة البشير أجواء تأييد وهتافات
في حي أركويت شرق الخرطوم، وبعيدا عن مجمعات المحاكم المعروفة، اختار قاضي المحكمة قاعة رحيبة محاكمة البشير مخصصة للتدريب في المعهد القضائي، وتحيط بالمحكمة في كل جلسة تشكيلة من القوات الامنية والعسكرية تغلق الطرقات وتجري عمليات تفتيش دقيقة للداخلين الى مقر المحكمة وقاعتها، ويغلب على الحاضرين الى جانب وسائل الاعلام افراد عائلته الذين خصص لهم مكانا قريبا من قفص الاتهام خلف هيئة الدفاع المكونة من أكثر من مائة محام. ولا يتوانى افراد العائلة والانصار وفقا لما رصدته (عاين) في جلسات المحكمة، في ترديد الهتافات والتكبيرات المناصرة للمتهم أثناء سير المحكمة كلما سارت وقائعها على عكس ما يقول به الاتهام.
وترتفع التكبيرات كلمات تضاربت أقوال الشهود حول واقعة بعينها، لاسيما في الجلسة الثانية التي لم يتعرف فيها شاهدان على حقيبة الأموال المعروضات التي جلبتها هيئة الاتهام للمحكمة.وخارج المحكمة يحتشد عشرات من أنصار حزب البشير لترديد هتافات مؤيدة له وفي الغالب ما تطوقهم قوة من الشرطة، فيما رصدت (عاين) ايضا مجموعات من الشبان يرفعون لافتات تطالب بالعدالة.
الجنائية على الخط
لكن المحكمة الجنائية أكدت تصميمها على مواصلة تعقب البشير مهما كلفها الأمر، مبينة القضايا التي صدر بشأنها أوامر الاعتقال ضد البشير لا تسقط بالتقادم. وقال المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية فادي العبدالله في تصريح لـ(عاين) ان “مذكرتي الاعتقال الصادرتين بحق البشير لا تسقط بالتقادم، وأن المحكمة ستطلب من الحكومة المقبلة تسليمه”. و بشأن احتمالية قبول محاكمة البشير في السودان، اشترط العبدالله ان تتقدم الحكومة بطلب لذلك مع ضمانات تتعلق بنزاهة التحقيقات وإجراءات الاتهام والتقاضي مع توجيه ذات التهم ولذات الاشخاص الذين صدرت ضدهم أوامر الاعتقال.
من جانبه قلل المحامي والخبير في القانون الدولي، صالح محمود، من إجراءات محاكمة البشير في السودان لا سيما بالنظر إلى القضايا المتهم فيها من قبل المحكمة الجنائية. ويقول صالح محممود لـ(عاين)، “ان البشير تحررت ضده أوامر قبض مع ثلاثة من معاونيه هم علي كوشيب وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين. ويشير محمود الى ان التهم الموجهة ضد البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بالجرائم الأفظع على حد قوله. وترتبط بالابادة الجماعية في إقليم دارفور والجرائم ضد الانسانية وعرقلة العدالة الدولية بعد رفضه تسليم معاونيه.
ويقول صالح محمود، ان المسؤول عن المحكمة الجنائية الدولية هو مجلس الأمن لجهة ان الجرائم الموجه ضد البشير تهدد السلم والأمن الدوليين ولا يجوز للضحايا وذويهم التنازل عن هذه التهم ولا تسقط كذلك بالتقادم. وينبه محمود إلى أنه بإمكان أي جهة ترى في ان البشير ارتكب جريمة فتح بلاغ ضده، لكن هذه البلاغات لا تلغي اختصاص المحكمة الجنائية.
وحول التعارض بين المحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الوطنية، يؤكد محمود، بان إحالة الوضع في دارفور الى المحكمة الجنائية تم بحيثيات قوية وتأكيد على عدم رغبة وقدرة المحاكم الوطنية في محاكمة المتهمين بسبب عدم استقلال القضاء والحصانات واعاقة الإجراءات القانونية من قبل السلطة القائمة وقتها. ويشير صالح الى ان الظروف الآن هي نفسها لم نر حتى الآن استقلال للقضاء ولا حتى مناخ ملائم لمحاكمة البشير داخليا، وعليه لا يمكن ان ينعقد الاختصاص للمحاكم السودانية في شان محاكمة البشير.
ويوضح محمود، بان القانون الدولي يعطي اولوية للمحاكم الوطنية، لكن هذه الأولوية تتاح في ظل أجواء كاملة من الحريات واستقلالية في القضاء وظرف سياسي مواتي بما يتسق مع المعايير الدولية للعدالة . ويضيف محمود “إذا اطمأنت المحكمة الدولية لمثل هذه الشروط يمكن حينها ان تكلف القضاء الوطني بالمهمة.
تحدى تسليم البشير
وتوقع محمود انه وفور تسليم الحكومة الجديدة مهامها ان تواجه مطالبات من محكمة الجنايات الدولية بتسليم البشير. واشار محمود الى ان الحكومة الجديدة ستواجه بهذا التحدي فور تسلمها للحكم.ولفت محمود، الى ان الحكومة الجديدة إذا ماطلت في تسليم البشير ربما تواجه تهم عرقلة العدالة الدولية.
وفي رده لسؤال (عاين) حول الإجراءات القضائية القانونية المفتوحة ضد الرئيس البشير وتأثيرها على تسليم البشير اذا جددت المحكمة الدولية طلبها، يقول محمود “يمكن ان تفتح ضد البشير مئات القضايا المرتبطة بالفساد وغيرها من البلاغات، لكن ما يخص المحكمة الجنائية الدولية منفصل تماما عن اي إجراءات لاحقة ضد البشير”.
دفاع البشير
وتقول هيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع عمر البشير في الاتهامات التي يواجهها بحيازة النقد الأجنبي في منزله، ان الاجراءات والمطالبات والأوامر الصادرة بحق البشير من محكمة الجنايات الدولية لا تعنيها في شيء لجهة ان القرار في هذا الأمر يخص الدولة ومسؤوليها. وقال عضو هيئة الدفاع عن البشير المحامي، محمد الحسن الامين لـ(عاين)، “ننظر الآن قضية واحدة وهي التي يحاكم فيها الرئيس والمتعلقة بتهم حيازته لاموال اجنبيه في مكتبه بالقيادة العامة”. وأضاف ” نحن كهيئة دفاع لم نتطرق لموضوع المحكمة الجنائية وهناك شبه اتفاق داخل هيئة الدفاع التي تتألف من اكثر من مائة محامي هو عدم الخوض في مسالة المحكمة الجنائية الدولية والتهم الموجهة للبشير”. وزاد الامين “هناك تصريحات عديدة مبذولة في الإعلام لقادة الحكومة الانتقالية تؤكد انهم اصحاب القرار في محاكمة الرئيس داخليا او تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية”. وتابع “لم يحن الوقت بعد”.