بعد الحرب.. عودة صعبة للزارعة بمشروع الجزيرة
عاين- 23 أبريل 2025
بإمكانيات متواضعة، يحاول المزارعون في مشروع الجزيرة، العودة إلى الزراعة وري العروة الصيفية لهذا العام، بعد عامين من الحرب، وخروج الدعم السريع من ولاية الجزيرة يناير الماضي.
ومنذ ديسمبر 2023 سيطرت قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني على ولاية الجزيرة الزراعية أواسط السودان وسط انتهاكات واسعة لهذه القوات لم تسلم منها ممتلكات وأصول مشروع الجزيرة بعد نهبها من قبل المسلحين وتدمير بعضها.
ومشروع الجزيرة والمناقل الذي تأسس في العام 1925 من أكبر المشاريع الزراعية المروية في القارة الأفريقية بمساحة 2.2 مليون فدان. ويمتد عبر ولايات وسط السودان الجزيرة والنيل الأبيض وسنار بطول 300 كيلو متر. ويروى رياً انسيابياً من خزان سنار.
ويضم المشروع أكثر من 130 الف مزارع موزعين على حوالي 3 الف قرية، وحوالي 2200 كمبو، ويعيش في المشروع حوالي أربعة مليون من المزارعين والعمال الموسميين، والدائميين الذين يحضرون إلى الجزيرة أثناء حصاد محاصيل القطن والقمح والذرة.
ألحقت الحرب دماراً هائلاً بالمشروع الزراعي، ونهبت الأصول والآليات ومدخلات الزراعة، وتسببت في انهيار أنظمة الري، وترويع المزارعين الذين لم يتمكن معظمهم من زراعة أراضيهم خلال فترة سيطرة الدعم السريع على الولاية.
“هدأت الأوضاع تدريجيا بعد خروج الدعم السريع من ولاية الجزيرة، وأردنا التحضير للموسم الزراعي الجديد، ولكن التكلفة عالية مقارنة بالأوضاع الاقتصادية للمزارعين، وفي السابق كنا ندخر المحاصيل النقدية، ونبيعها لتمويل الموسم الجديد، أو نلجأ إلى التمويل من خلال البنك الزراعي.” يقول المزارع من إحدى قرى غرب الجزيرة، إبراهيم الغزالي لـ(عاين).
ويتابع: “المعتاد في مشروع الجزيرة يكون أغلب المزارعين قد حضروا أراضيهم للزراعة في هذا التوقيت من كل عام، ولكن لم يتمكن من ذلك إلا القليل”. ويشير إلى أن أسعار التحضير ارتفعت بعد أن غمرت مياه قنوات الري معظم الأراضي تماما أثناء تواجد قوات الدعم في الجزيرة وانهيار نظام الري، وامتلأت القنوات بالمياه، وفاضت في المزارع، وكانت بها بعض المحاصيل التي تعرضت للتلف، ونبتت فيها الكثير من الحشائش التي تحتاج إلى الإزالة لذلك وصل سعر تحضير الفدان الذي يتم حرثه ومسحه ثلاث ليصبح صالحاً للزراعة إلى أكثر من (270) الف جنيه سوداني، بالإضافة إلى التقاوي.
المزارعون يشكون التكلفة العالية لتحضير الأرض للموسم الزراعي الجديد
مزارع
ووفقاً لـ الغزالي، يحتاج الفدان الواحد إلى لتر من ثلاثة أنواع أسمدة (فطري وورقي وآخر خاص بالآفات) إذ تبلغ تكلفة اللتر الواحد (15) الف جنيه، ونظافة الحشائش بعد الزراعة تصل تكلفة الفدان الواحد (100) الف جنيه، وعندما تدخل مرحلة الحصاد سيكون الأمر أكثر صعوبة على المزارعين؛ لأن الآليات تحتاج إلى وقود إذا توفرت، ومن المتوقع أن تكون تكلفته فوق قدرة المزارعين المالية.
ويتوقع الغزالي، عدم تمكن معظم المزارعين في الجزيرة من الزراعة هذا العام بسبب الأوضاع الاقتصادية، وأضاف: “أوضاعنا المعيشية حرجة جداً، ولم نتمكن العام الماضي من الزراعة؛ بسبب الحرب وانعدام المدخلات بجانب أن البنوك التي كنا نعتمد عليها في التمويل غير موجودة”.
“المحصول الذي تمكنا من زراعته وإنقاذه هو البصل الذي يصل سعره في السوق هذه الأيام (35) الف ويكلف الترحيل إلى السوق (10) الف، وتكلفة الجوال الذي نعبئ فيه البصل (3) الف نحصده بحوالي (6) الف، وبعد خصم كل هذه التكاليف صافي الربح للمزارع (10) الف في الجوال الواحد”. يواصل الغزالي حديثه لـ(عاين).
الأوضاع في القسم الشمالي لمشروع الجزيرة تبدو أفضل حالاً بحسب المزراع عبد اللطيف الذي يشير إلى أن تكاليف التحضير أصبحت ميسرة مقارنة مع تلك الفترة التي كانت تسيطر فيها قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة، وأن المزارعين أكثر حماساً بعد أن ظلوا عاطلين عن العمل لعامين بسبب الأوضاع الأمنية، والتعدي على المزارعين ونهب المحاصيل من قبل قوات الدعم السريع.
ويقول عبد اللطيف لـ(عاين): “بعض المزارعين يعملون حالياً في النظافة وحرق الحشائش، حتى يُحَضَّر لزراعة الذرة والقطن والفول السوداني”.
وحول تكلفة التحضير بواسطة الآليات يوضح عبد اللطيف، أنها لم تبدأ بعد، بسبب تمدد الحشائش في قنوات الري الأساسية والفرعية، وهذا يحتاج إلى آليات نظافة محددة توفرها إدارة مشروع الجزيرة، ويتوقع أن يستلم المزارعون التقاوي المحسنة والمبيدات قبل بداية الموسم.
إذا تمكنا من زراعة 50% من المشروع هذا نجاحاً كبيرا بعد تدمير البنى التحتية لمشروع الجزيرة
ممثل المزارعين في إدارة مشروع الجزيرة
ويشير إلى فتح أدراه المشروع المياه في قنوات الري الرئيسية وهذه خطوة جيدة- وفقا لعبد اللطيف الذي لا ينفي أن تكلفة تمويل العملية الزراعية فوق قدرة المزارعين المالية الأمر يتطلب من إدارة المشروع النظر في كيفية التمويل بعد تدهور الأوضاع المعيشية للمزارعين
فيما يتحدث المزراع عبد الكريم محمد، من منطقة الكاملين، عن عدم تمكنه من الزراعة لعامين بعد سرقة كل الآليات والمعدات والوقود والتقاوي وزيادة الأسعار يضاف إليها ارتفاع درجات الحرارة. ويقول لـ(عاين):”قوات الدعم السريع مسؤولة من انهيار مشروع الجزيرة وفشل الموسم الزراعي الصيفي الحالي بعد أن نهبت البنك الزراعي التقاوي والأسمدة في فرع الكاملين وبقية الفروع بولاية الجزيرة”.
ويؤكد ممثل المزارعين في إدارة مشروع الجزيرة، محمد سعيد، في حال تمكنهم من زراعة 50% من المشروع يعتبر نجاحاً كبيرا، بعد تدمير البنى التحتية لمشروع الجزيرة من قبل قوات الدعم السريع، والوضع الكارثي الذي آل إليه يحتاج إلى أرقام فلكية لإعادة المشروع، فُقدت كل الآليات، ولكن المزارعين يصرون على زراعة العروة الصيفية هذا العام، بالرغم من التحديات والمشاكل، ولكن الكارثة الكبيرة إن لم نتمكن من العودة إلى الزراعة. المؤكد أن تكاليف الزراعة عالية، ولكن المزارعين بدأوا في التحضير في ظل شح الإمكانيات.
ويقول سعيد في مقابلة مع (عاين): “التزم بعض أصحاب الآليات والشركاء أن يحضروا مجاناً للمزراعين، ونناشد المستثمرين أن يدعموا مشروع الجزيرة حتى يتمكن من النهوض مجدداً، وفي هذه المرحلة أخرجنا وزارة المالية والبنك الزراعي من حساباتنا، لأن البنوك تمول بأرباح كبيرة، ولن تخاطر في تمويل موسم نجاحه غير مضمون، وبالمقابل المزارع لا يمكنه أن يأخد تمويلاً من البنك وهو غير متأكد من قدرته على سداد ديون البنك”.
وفيما يعاني أكثر من نصف سكان السودان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينما يواجه الملايين في الخرطوم وكردفان ودارفور خطر المجاعة. قالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “الفاو”، الثلاثاء الفائت، أن فرص منع تدهور الزراعة التي توفر الغذاء والدخل إلى قرابة 80% من السودانيين تتلاشى بسرعة.
وأوضحت المنظمة الدولية في بيان، إن قطاع الزراعة يعاني ضغوطاً متزايدة مع استمرار النزاع في تعطيل مناطق الإنتاج، حيث نزح المزارعون، أو أجبروا على مغادرة أراضيهم، مما يعرض سبل عيش المجتمعات الريفية للخطر، ويشكل تهديدًا خطيرًا للأمن الغذائي.