بعد انقضاء الـ60 يوما .. الاتحاد الافريقي و الأزمة السودانية
تقرير: عاين 30 يوليو 2019م
مع انقضاء المهلة التي منحها الاتحاد الافريقي والمحددة بستين يوما للمجلس العسكري في السودان الى نقل السلطة الى المدنيين في البلاد، لم يبادر إلى الدول الأعضاء الرغبة في الاتجاه نحو تنفيذ قرارها بفرض عقوبات على المجلس العسكري السوداني. وفيما يعزو محللون عدم فرض العقوبات إلى ضعف آليات الاتحاد الافريقي اضافة للتدويل الواضح لقضية السودان ودخول أطراف اقليمية ودولية عديدة على خط التسوية السياسية في البلاد. يرى اخرون ان انطلاق المفاوضات من أجل نقل السلطة إلى المدنيين يعد تكتيكا ناجحا من قبل المجلس العسكري على اعتبار أن كافة الأطراف تنظر للمفاوضات الحالية بين المجلس والمعارضة كخطوة ايجابية يمكن انتظار نتائجها.
حرج
لكن بالنظر الى تشكيل الوساطة الافريقية في السودان اصبح من الصعب النفاذ الى ما بعد تعليق الانشطة وفرض العقوبات المالية او غيرها على الاشخاص او المنظومة العسكرية التي استولت على الحكم في البلاد، لجهة أن الاتحاد الإفريقي أعلن منذ أول يوم لوساطته في البلاد انها وساطة تتشكل من منظومة دولية دعما لجهود الوساطة الإفريقية في إيجاد حل للأزمة في السودان. وقال مبعوث الاتحاد الإفريقي للسودان وقتها، محمد الحسن لبات، إن المنظومة تتشكل من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والترويكا (الولايات المتحدة، وبريطانيا، والنرويج)، ودول أعضاء في مجلس الأمن الدولي، وبعض الدول الأخرى(لم يسمها). وأوضح أن الوساطة الإفريقية تتكون من مسارين، الأول يقوده فريق من الاتحاد الإفريقي، والآخر، يقوده رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي.
لكنه بانقضاء المهلة المقررة، يرى مراقبون ان الاتحاد الافريقي بالمكون الدولي الذي أعلن عنه رفع الحرج عن نفسه ولن يلجأ على الأقل في الوقت الراهن إلى إصدار عقوبات ضد المجلس العسكري في السودان ورصيده أنه وقع اتفاق سياسي وبدأ فعليا مناقشة وثيقة دستورية تحدد مستويات الحكم وصلاحياته هذا الى جانب رعايته مباحثات مع الجبهة الثورية وقوى التغيير الأسبوع الماضي بأديس أبابا.
تدويل
وعلى الرغم من أن السودان يقع ضمن قائمة الدول ضحايا الانقلابات التي تعاملت معها المنظمة الإفريقية وفقًا لإعلان لومي الصادر عام 2000، لكن مراقبون تحدث اليهم (عاين)، يرون ان الاتحاد الافريقي يعلم أنه لا يستطيع التصرف لوحدة في المسالة السودانية، وان السودان بلدا عربيا تتقاطع مصالح دول عربية اخرى في محيطه، هذا الى الوجود الدولي الكثيف ومصالح دولية في قضايا عديدة أهمها الإرهاب ومحاربة الاتجار بالبشر الذي يعتبر السودان ممرا رئيسيا لهذه الهجرات المقلقة لدول الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص. ويتسائل الكاتب والمحلل السياسي، محمد الفاتح العالم، لأي مدى يفلح الاتحاد الافريقي في العادة بحلحلة المشاكل الناتجة عن الانقلابات العسكرية ومصادرة الحريات وغيرها من الأزمات السياسية في القارة بموجب مواثيق، معتبرا أن تجربة السودان الحالية تعد محكا لقدرات الاتحاد الافريقي في الالتزام بمواثيقه ودوره في فض النزاعات في القارة.
ويشير العالم إلى ضعف في آليات الاتحاد الافريقي وأنها ليست ذات أثر في تغيير واقع سياسي ما نتج عن انقلاب عسكري إلا القليل. ويقول العالم لـ(عاين)، ان التقاطعات في السودان متشابكة، فالسودان بمكونه العربي تلعب دول محيطة دورا فاعلا في تسيير دفة الأمور تجاه مصالحها هذا الى جانب سياسات الاحلاف التي تركها النظام البائد ومحاورها الايرانية التركية القطرية من جهة، والسعودية الإماراتية المصرية من جهة أخرى. ويضيف كل هذا يجعل من معالجة الاتحاد الافريقي مختلفة تجاه المشكل السوداني. وبالنظر إلى أن الاتحاد الإفريقي علق عضوية السودان في وقت سابق وعاد وأمهل المجلس العسكري الانقلابي 60 يوما للانتقال الى الحكومة المدنية لم يتبق منها سوى أيام لنرى، ماذا يمكن أن يقوم به فعليا بعد انقضاء المدة. الواقع وبحسب لوائحه يقول ان تدخل في مرحلة عقوبات مباشرة على المجلس العسكري وقد تشمل هذه العقوبات افرادا او ارصدة مالية او غيرها من أشكال العقوبات.
لكن هذا المسار ومن واقع الضبابية التي يدير بها الاتحاد الافريقي الملف السوداني وفقا -للفاتح- قد لا يبدو قريبا، وفي ذلك ان العملية السياسية في السودان ليست متروكة للاتحاد الافريقي نفسه، فهناك لاعبون دوليون كالاتحاد الأوروبي ودول الترويكا موجودون منذ تفجر الازمة السودانية وكل المؤشرات تقول بانهم يعملون على حلا جذريا للأزمة السودانية، لكنها تبقى مؤشرات لم يسندها حتى الآن فعل مباشر.
ضعف الآليات
وحول تأثير تدخلات الاتحاد الافريقي حال فشل المفاوضات بين قوى الثورة السودانية والمجلس العسكري، وما هي الآليات التي يمكن تفعيلها في هذا الصدد، يقول أستاذ القانون الدولي، طارق مبارك، بأن القرار الاول من الاتحاد الأفريقي بتعليق عضوية السودان كان له اثر كبير لجهة أن المجلس العسكري شكل انقلاب مواز للثورة، وأول نتيجة ايجابية لقرار الاتحاد الأفريقي كانت هي تأكيد رئيس المجلس العسكري بانه انحاز للثورة وليس انقلابا عسكريا، والآن لا نجد وثيقة او مرسوم دستوري يؤكد بان ما تم في السودان ثورة، هذا الى جانب ان القرار الافريقي فتح الطريق واسعا لمطالبات دولية عديدة للمجلس العسكري بالإسراع في نقل السلطة للمدنيين.
وحول آليات تنفيذ القرارات الافريقية بشان السودان، يقول مبارك لـ(عاين)، ان هذه القرارات شأنها وشأن القرارات الدولية وانها لا توجد لديها آليات واضحة للتنفيذ والالزامية وفي العادة المسالة تعتمد على الحل السياسي والضغط عبر التقارير والإعلام مرتبطة بحقوق الإنسان، فمثلا التقرير الأخير الذي قدم في يونيو في الدورة الواحد والأربعين لمجلس حقوق الإنسان تمت مناشدة للمجلس للمجلس العسكري الالتزام بمدة الاتحاد الافريقي للانتقال السلمي للسلطة.
وكانت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه طلبت في يونيو الماضي السماح بوصول أجهزتها إلى السودان للتحقيق بشأن “القمع الوحشي” الذي نفّذته قوات الأمن ضد المتظاهرين في مطلع الشهر. وصرحت باشليه لدى افتتاح الدورة الـ41 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، أن “الانتفاضة الشعبية الملهمة والسلمية في السودان، مع دعوتها إلى الحكم الديمقراطي والعدالة، تعرّضت لقمع وحشي من جانب قوات الأمن هذا الشهر”.وأضافت “يؤسفني أن الحكومة لم تردّ على طلبنا الوصول (إلى السودان) للتحقيق بمزاعم انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان ارتُكبت من جانب قوات الأمن أثناء القمع”. وحثّت السودان على “السماح بالوصول إلى مكتبها”.
ويشير مبارك، إلى ان مهلة الاتحاد الافريقي للسودان المقررة بستين يوما صحيح انها انقضت، لكنه وواحدة من الأسباب الرئيسة التي أدت للوساطة هو عدم دخوله في حرج ورغبته في إحداث تقدم وهذه ايجابية في تعامل الاتحاد الافريقي مع الملف السوداني.