(حصانات العسكر ومطالب القصاص).. ما هي فرص تحقيق العدالة في مسودة الدستور؟

22 نوفمبر 2022

مثلت مسألة تحقيق العدالة أبرز أضلاع شعارات ثورة ديسمبر 2018، وفي أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بدلاً  عن الشروع مباشرة في محاكمته  رموزه في الجرائم التي ارتكبها أدى تشبس الجنرالات بالسلطة إلى ارتكاب مزيد من الجرائم.

رئيس مجلس الوزراء والنائب العام في الحكومة الانتقالية الأولى والثانية كون عدد من لجان للتحقيق في العديد من الجرائم، بما في ذلك جريمة  فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني، دون أن تتوصل أياً من هذه اللجان لنتائج تدين الجناة وتنصف الضحايا.

ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر العام الماضي، قتل نحو 120 شخصاً بواسطة الأجهزة الأمنية للسلطات الانقلابية، وفقد العشرات، وجرح الآلاف، فضلاً عن حالات اغتصاب موثقة.

وأدت وقائع الثورة السودانية منذ اندلاعها لانتشار واسع النطاق لمفهوم ضرورة معاقبة المجرمين والسعي لضمان عدم الإفلات من العقاب.

وأمام إستمرار التوقعات بقرب التوقيع على دستور جديد بين بعض المدنيين والمجلس العسكري لادارة حكومة الفترة الانتقالية، فإن قضية العدالة والعدالة الانتقالية، ستكون هي المعضلة التي ستواجه أطراف العملية السياسية، حالة عدم الوصول إلى آلية في مشروع الدستور، تضمن تقديم الجناة؛ بما في ذلك العسكريين إلى المحاكمة.

وأعلنت الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة في السودان والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا “الإيغاد” أنها استلمت وثيقة تتضمن تعليقات وتعديلات القيادة العسكرية على مقترح الدستور الانتقالي، وقالت في بيان مشترك أن التعديلات تعكس التفاهمات الأساسية التي تم التوصل إليها بين العسكريين ومحاوريهم من قوى الحرية والتغيير.

الاسبوع الماضي، أعلنت قوى الحرية والتغيير، أحد طرفي التفاوض أنها أجازت بالاجماع تصوراً لعملية سياسية قالت أنها من مرحلتين، الأولى مرحلة الاتفاق الاطاري الذي يُبنى على التفاهمات التي جرت بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكر وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي والتي شملت ملاحظات الجانب العسكري حول الدستور الانتقالي الذي أنتجته ورشة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، ويتناول الاتفاق الإطاري أهم القضايا التي شملتها هذه التفاهمات وهي إطار دستوري لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية انتقالية تستكمل مهام ثورة ديسمبر.

متظاهرون في الخرطوم 3 يونيو 2022 يرفعون لافتات تندد بمجزرة فض اعتصام القيادة العامة

أما المرحلة الثانية، بحسب قوى الحرية والتغيير فهي مرحلة الاتفاق النهائي التي  يتم فيها تطوير الاتفاق الإطاري بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة وقوى الثورة وهي مرحلة تتضمن أربعة قضايا بينها قضية العدالة والعدالة الانتقالية، وأوضحت الحرية والتغيير أنها قضية تحتاج إلى مشاركة أصحاب المصلحة وأسر الشهداء على أن تشمل كافة الذين تضرروا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 1989 وحتى الآن.

وتضمنت تعديلات العسكريين على مسودة الدستور الانتقالي، التي تحصلت (عاين) على نسخة منها، عدة بنود أهمها “بند الحصانات  الإجرائية” حيث نصت المسودة على عدم جواز اتخاذ إجراءات قانونية في مواجهة شاغلي المواقع القيادية العليا بالأجهزة النظامية عند صدور الدستور بحكم مناصبهم الدستورية أو العسكرية بشأن أي مخالفات قانونية تم ارتكابها قبل توقيع الدستور الانتقالي لسنة 2022 بسبب أي فعل أو امتناع قام به أعضاء أو أفراد الأجهزة النظامية ما لم يكن ذلك الفعل أو الامتناع موضوع المخالفة ينطوي على اعتداء جسماني أمرت به القيادة العليا فردا ً أوعضو اً بشكل مباشر بارتكابه.

المسودة نصت على تقديم منسوبي الأجهزة العسكرية والأمنية الذين ارتكبوا جرائم مباشرة للعدالة، وتمكين الأجهزة العدلية من الوصول إليهم

وتواجه لجان المقاومة التي تقود الاحتجاجات في السودان، التسوية السياسية المُتوقعة بالرفض، وترى أن السبيل لإنهاء إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر هو إسقاط الانقلاب وتقديم قادته إلى محاكمات عادلة ووضع حد لمسلسل الإفلات المستمر منذ الاستقلال من العقاب.

وكانت تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم التي تقود الاحتجاجات ضد الإنقلاب، قالت في بيان لها السبت الماضي، أنها ترى أن الاتفاق الإطاري يعد مراوغة ومحاولة لكسب المزيد من الوقت من أجل البقاء على رأس السلطة والإفلات من العقاب والمحاكمات العادلة. كما اعتبرت أن أي إتفاقات مع المجلس الانقلابي يعني التفريط في القصاص.

وأعلنت رفضها للاتفاق الإطاري وما تليه من اتفاقات وإعلانات سياسية موقعة بين المجلس العسكري الانقلابي وبين قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي وما تسمى بكتلة الانتقال “المؤتمر الشعبي والحزب الاتحادي الأصل.

لكن الناطق الرسمي لقوى الحرية والتغيير “المجلس المركزي”، شهاب الدين الطيب، أكد أنهم يعملون على تشكيل جبهة مدنية داعمة للانتقال تعمل على حوار قضايا الحل السياسي وضمان إسقاط الانقلاب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي.

واعتبر، في حديث مع (عاين)، مسألة العدالة الانتقالية تحتاج إلى رؤية شاملة لأنها “حجر الزاوية” في تأسيس الدولة السودانية وهو  أمر يتطلب مزيد من الجهد القانوني والسياسي.

الحرية والتغيير: لا يحق لأي طرف من مكونات العملية السياسية التقرير بشكل منفرد بمنح الانقلابيين حصانة ضد المساءلة والمحاسبة، رغم أنهم يبحثون عنها.

ورأى أنه ليس من حق أي مكون من مكونات العملية السياسية التقرير بشكل منفرد منح الانقلابيين حصانة ضد المساءلة والمحاسبة، رغم أنهم يبحثون عنها، وأضاف، إذا كان ذلك ضرورياً فإن القرار متروك لأسر الضحايا والقوى المدنية المقاومة للانقلاب العسكري.

جرائم لا تسقط

ورأى القانوني والحقوقي، عبد الباسط الحاج، أن القاعدة العامة في القانون الجنائي الدولي هي؛ أن الجرائم الخطيرة لا تسقط بالتقادم ولا يمكن العفو فيها، نسبة لخطورتها مثل جريمة الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، نسبة لطبيعة هذه الجرائم، ولأنها  ذات إختصاص قضائي دولي.

وأكد الحاج، أن السودان من الدول التي شهدت جرائم خطيرة أثناء إندلاع الحرب في دارفور، وأدى ذلك للاشتباه في قادة النظام السابق بتورطهم في ارتكاب جرائم، لأنهم يتحملون المسؤولية الجنائية الأكبر. وقال “واعتبر أنه لا يوجد سبيل لإعفاء هؤلاء القادة عن الجرائم التي قاموا بها، كما لا تملك أي جهة الحق في التنازل أو تقديم العفو عنهم.

وأشار القانوني، إلى أنه بعد سقوط نظام البشير، هنالك عدد من الأحداث المأساوية التي وقعت أبان تولي المجلس العسكري للسلطة، أعظمها جريمة فض إعتصام القيادة العامة، وهي تعتبر ضمن  الجرائم ضد الإنسانية، كما أن التحقيق في هذه الجريمة لم يُسفر عن نتائج حتى الآن، مما يعني أن السلطة تساهم في إعاقة تحقيق العدالة وتدعم ظاهرة الإفلات من العقاب.

احتجاجات في الخرطوم ضد الانقلاب العسكري- 21 مارس 2022- عاين

ولفت الحاج، إلى أن السلطات الأمنية، خلال عام من الانقلاب قتلت نحو  120 شخصاً وارتكبت عدد كبير من الانتهاكات ضد المحتجين السلميين، ولا يمكن ترك هذا الأمر معلقاً  دون فتح تحقيق جنائي واسع  ودقيق حتى يتحمل الجناة وزر تصرفاتهم.

قانوني: لا يمكن لأي عملية سياسية قادمة إسقاط مسألة المحاسبة لأي مبرر ومفتاح الحل الشامل في السودان هو تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا.

وأضاف، “إذا كانت بعض المجموعات السياسية وجنرالات الجيش يراهنون على العفو الشامل مقابل تحقيق الدولة المدنية فإن هذا الرهان خاسر لأنه لا يوجد  إستقرار دون عدالة”.

من جانبه فإن المحلل السياسي، صلاح الدومة، يرى أنه يمكن تحقيق العدالة، حال تكوين حكومة جديدة إستناداً على دستور اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، بالبدء في محاكمة المتهمين مباشرة، وبعد التحري والتقصي، فسيكون بإمكان السلطات العدلية إضافة أسماء أخرى، لأن الحصانة لا تعفي من المساءلة القانونية.

ولفت في حديث مع (عاين) إلى أن السلطات الحكومية لا يمكنها العفو في الجرائم الحدية لأنها لا تملك هذا الحق، بل يملكه أصحاب الحق، وأضاف، لا توجد فرصة للوقوف أمام تحقيق العدالة بأي حال من الأحوال.

ورأي أن أي بند ، في مسودة مشروع الدستور، يمنح حصانة للمتهمين في الجرائم، يجب على المفاوضين من قوى الحرية والتغيير ” المجلس المركزي” الإصرار على حذفه.

طوق نجاة الانقلابيين

بينما اعتبر عضو منظمة أسر شهداء ديسمبر، كشة عبد السلام كشة، أن التسوية القادمة هي استمرار لتسلق جهود لجان المقاومة وقوى الثورة الحية من أجل العودة للسلطة مرة أخرى.

وأكد كشة في مقابلة مع (عاين)، أن قضية تحقيق العدالة ظلت مُغيبة أثناء حكومة الفترة الانتقالية المُنقلب عليها، بواسطة جنرالات الجيش، مما أثر على أسر شهداء ثورة ديسمبر المجيدة، بسبب عدم تحقيق العدالة للضحايا.

وإعتبر عبد السلام الاتفاق المزمع التوقيع عليه سيكون طوق نجاة للانقلابيين. وأشار إلى أنه لا يطمح في تحقيق العدالة بواسطة الحكومة المزمع تكوينها عقب الوصول لاتفاق نهائي بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير وبعض القوى الأخرى، لأن هناك فجوة بين قوى الثورة من جانب والحرية والتغيير والمكون العسكري من جانب آخر.

وأضاف كشة: “حال التوقيع على ما أسماها بالتسوية السياسية الجديدة، فستكون بداية السقوط الأخير لكل القوى السياسية التي تتواطأ ضد الثورة والثوار”.