“نقص في الغذاء”.. تحديات تواجه (180) ألف نازح بولاية النيل الأبيض
21 يونيو 2023
منذ إطلاق الرصاصة الأولى في الحرب الدائرة بين الجيش السوداني والدعم السريع صبيحة 15 أبريل 2023، قررت سمية عبد الغني، التي تقيم في الحاج يوسف، النزوح إلى إحدى الولايات المجاورة طلباً لأمن أطفالها الثلاثة.
في المسافة بين ضاحيتي الحاج يوسف والكلاكلة، عمدت عبد الغني لتغطية أعين أطفالها حتى لا يروا عشرات الجثث الملقاة على جانبي الطريق. “أدركت حينها أنني اتخذت القرار الصحيح بعزمي الفرار مع أطفالي الثلاثة إلى مدينة كوستي الواقعة بولاية النيل الأبيض”. تقول عبد الغني لـ(عاين).
عبد الغني، قررت المكوث بأطفالها لدى أحد أقاربها، أملاً في إنتهاء الحرب سريعاً والعودة إلى منزلها، لكنها مؤخراً ومع طول أمد الحرب فإنها تنوي اللجوء إلى أحد مراكز الإيواء من أجل الحصول على الرعاية لها ولاطفالها.
يربو عدد الأشخاص الذين نزحوا إلى ولاية النيل الأبيض، بعد إندلاع المعارك العسكرية في العاصمة الخرطوم بين الجيش والدعم السريع في الخامس عشر من أبريل الماضي، عن 180 ألف شخص وفقاً لمنظمة الهجرة الدولية (IOM).
“تحاول وزارة الرعاية الاجتماعية وبعض الجهات التطوعية، تقديم إحصاءات دقيقة لأعداد النازحين الذين وصلوا إلى مراكز الإيواء التي أقيمت في ولاية النيل الأبيض، بحسب مفوض العون الإنساني السابق بولاية النيل الأبيض، منصور علي عبيد، الذي تحدث لـ(عاين).
بجهود شعبية، أقام متطوعون عدد كبير من مراكز الإيواء في مدن الولاية المختلفة، يزيد عددها عن 23 مركز إيواء، وفقاً للمفوض السابق، الذي أكد أن هذه المراكز تضم بضعة آلاف من النازحين الذين وفدوا من ولاية الخرطوم بسبب الحرب. وأضاف بأن أعداد كبيرة من النازحين لجأوا للسكن مع الأهل والمعارف الذين يقيمون في مدن وقرى الولاية النيل الأبيض المختلفة.
جهد طوعي وتحديات
غرف الطوارئ بولاية النيل الأبيض هي التي تبذل المجهود الأكبر في توفير احتياجات النازحين بدءاً من استقبالهم وإيوائهم وتوفير المواد الغذائية والعلاجية لهم- وفقا لمنصور عبيد. الذي يشير إلى مشكلات كبيرة تواجه النازحين في مراكز الإيواء التي أُنشئت في الولاية، بما في ذلك النقص في مياه الشرب، ويقول:” يتم حل أغلب هذه المشكلات بجهود المتبرعين من أبناء وبنات الولاية”.
أنشأت لجان الطوارئ بمدينة كوستي، 15 مركزاً بهدف إيواء النازحين، موزعة على الداخليات والمدارس المنتشرة على نطاق واسع في المدينة. وتعمل غرف الطوارئ على استقبال النازحين واستضافتهم وتقديم الخدمات الغذائية والعلاجية لهم.
ويقول عضو غرفة طوارئ مدينة كوستي، عماد الدين أحمد ساعد، لـ(عاين): “أن مراكز الإيواء بولاية النيل الأبيض تواجه نقصاً في المواد الغذائية والأدوية والخدمات العلاجية.
وبحسب عضو لجنة طوارئ مدينة كوستي، فإن مراكز الإيواء الـ (15) تضم مركز إيواء مدرسة حي الرابعة الذي تشغله 34 أسرة، ومركز إيواء مدرسة خديجة بنت خويلد بحي 34 الذي يضم 27 أسرة ومركز إيواء مدرسة رابعة العدوية الذي يضم 17 أسرة، بينما يضم مركز مدرسة الإمام مالك الذي يعد أكبر مراكز الإيواء بالمدينة 42 أسرة، ويضم مركز إيواء داخلية علوية بن عوف نحو 60 أسرة، بالإضافة إلى مراكز الإيواء بكل من داخلية تابيتا بطرس الذي يضم 22 أسرة ومركز إيواء داخلية القابلات الذي يضم 21 أسرة ومركز إيواء مدرسة الشهيد بحي 27 والذي يضم 21 أسرة ومركز إيواء مدرسة حي الوادي الذي يضم 12 أسرة ومركز إيواء مدرسة 41 بنات و41 أولاد بواقع 43 أسرة لكلا المركزين، إلى جانب مركز داخلية عز الدين عمر التاي الذي يعد أكبر مراكز الإيواء بالمدينة ويضم 985 شخصاً.
وأوضح عضو اللجنة، أن عدد كبير من الأسر المستضافة لدى الأهل والمعارف، إختارت اللجوء إلى مراكز الإيواء، نتيجة لسوء الأوضاع الاقتصادية بالولاية، وأوضح أنهم يعملون على فتح دور إيواء جديدة لمقابلة تدفق النازحين إلى هذه المراكز .
كما أشار العضو إلى أن غرف الطوارئ بمدينة كوستي، تواجه خطر إضراب الكوادر الطبية في مستشفى كوستي التعليمي، التي كانت تستقبل المرضى من النازحين.
غياب حكومي
لم تقدم حكومة الولاية أو المنظمات العاملة في الشأن الانساني مساعدات لهؤلاء النازحين الذين لا زالوا يتوافدون بسبب أهوال الحرب إلى ولاية النيل الأبيض.
وبحسب متطوعون فإن الهلال الأحمر السوداني وديوان الزكاة قدما بعض المساعدات الغذائية لمراكز الإيواء بالولاية، لكنها “غير كافية”. وأعلن مكتب الاعلام والمتابعة بغرفة الجزيرة أبا، حاجته لتوفير مراتب وأسِرَة ونواميس وخيم ومراوح هوائية للغرف لعدد 163 شخصاً.
وكانت غرفة الطوارئ الموحدة بمدينة الدويم، قالت أن الغرفة يتم دعمها بواسطة الجهود الشعبية وبعض تجار المدينة، وأكدت أنها لم تتلق أي دعم من أي المنظمات العاملة في الشأن الإنساني حتى الآن.
ودرجت الغرفة على توضيح تكلفة الاعاشة اليومية والاسبوعية للنازحين الذين وفدوا إلى المدينة، مع مناشدة المواطنين بالتبرع لصالح توفير الاحتياجات الأساسية للنازحين.
وبلغت تكلفة اليوم الواحد للأسر المستضافة بداخلية كلية الاقتصاد، 52.100 ألف جنيه، بينما بلغت التكلفة الاسبوعية 364.700.
وكانت الغرفة قد أمنت بالإضافة إلى مقابلة أطباء اختصاصيين و عموميين، إجراء الفحوصات الطبية وتوفير العلاج مجاناً للمرضى النازحين.
مخاطر الخريف
ومع حلول فصل الخريف بولاية النيل الأبيض، فإن المفوض السابق يحذر من كوارث صحية متوقعة في هذه المراكز غير المهيأة للإقامة الدائمة لأسر النازحين. مؤكداً على أن الداخليات تعد أفضل حالاً مقارنة بالمدارس التي تأوي عدد مقدر من النازحين.
وإعتبر مفوض العون الإنساني السابق بولاية النيل الأبيض، منصور علي عبيد، أن الولاية تعد منطقة هشاشة بشكل عام الأمر الذي ينبئ بحدوث كوارث في المجال الصحي، فضلاً عن زيادة العبء على سكان الولاية خاصة النازحين.
ولفتت الناشطة في العمل الطوعي والإنساني، سماح الجمري، إلى ضرورة الإنتباه إلى ظهور حالات إصابة بالاسهالات والتايفويد بمركز إيواء داخلية علوية، وأشارت إلى أن النازحين بحاجة إلى المواد الغذائية والعلاجات. ودعت إلى تقديم رعاية صحية وغذائية خاصة للأطفال والنساء الحوامل وتوفير الفوط الصحية للفتيات.
وأوضحت الجمري، أن الدعم الذي يُقدم لمراكز الإيواء بولاية النيل الأبيض، قوامه تبرعات المواطنين، وفي ظل الظروف المالية الصعبة لأغلب المواطنين بالولاية، فإن هذه التبرعات مُهددة بالتوقف.
ووصل عدد الأطفال النازحين بسبب الحرب في السودان إلى أكثر من مليون طفل، فيما قتل أكثر من 350 طفلاً وأصيب 1900 طفلاً آخرين بجراح وفقاُ لمنظمة يونيسف. بينما أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة الخميس، إلى تعذر الوصول إلى الخدمات الأساسية المنقذة للحياة، وهو الأمر الذي يجعل أكثر من 13 مليون طفل بحاجة ماسة للمساعدات الانسانية.
اغاثة
من جانبه، يرى الناشط في العمل التطوعي بولاية النيل الأبيض، الماحي هارون، في حديث إلى (عاين) أن أداء مفوضية العون الانساني (HAC) الحكومية، المعنية بأوضاع النازحين في السودان لا يزال ضعيفاً.
وأشار إلى أن حكومة الولاية تأخرت في استجلاب المساعدات الإنسانية بما في ذلك تلك التي وصلت لمدينة بورتسودان في وقت سابق، وهو ما إعتبره تباطؤ من الجهات المعنية في حكومة الولاية.
الأسبوع الماضي، أعلنت جمعية الهلال الأحمر السوداني بولاية النيل الأبيض أنها وزعت بطانيات وفرشات أرضية أواني طبخ، ملايات، جركانات، لحفظ المياه لثلاثة مراكز لـ 213 أسرة بثلاثة مراكز إيواء.
لكن الناشط في العمل الطوعي، يرى أن الجهود الشعبية المبذولة مقدرة، إلا أنها غير كافية مقارنة بأعداد النازحين وأوضاعهم واحتياجاتهم الغذائية والصحية، ودعا لضرورة التدخل العاجل لحكومة الولاية من أجل توفير المساعدات الانسانية الضرورية لهؤلاء النازحين، مع ضرورة العمل على استجلاب مساعدات دولية عاجلة تشمل على الغذاء والدواء.
بينما قالت وكالة الأمم المتحدة للهجرة الأربعاء، أن عدد النازحين السودانيين جراء القتال بلغ نحو 2.2 مليون شخص. كما أوضحت أن النزاع أجبر 528147 شخصاً على اللجوء للبلدان المجاورة، بينما نزح نحو 1.7 مليون شخص من موطنهم داخل البلاد.
الإثنين الفائت، انطلقت بجنيف فعاليات المؤتمر الدولي لدعم الاستجابة الإنسانية في السودان الذي ترأسه السعودية، بالتعاون مع قطر وألمانيا ومصر والاتحاد الأوروبي ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بحسب بيان للخارجية السعودية. وكشف بيان للخارجية السعودية الأحد، أن المؤتمر يهدف إلى إعلان التعهدات لدعم الاستجابة الانسانية للسودان الذي بات 25 مليون من سكانه بحاجة للمساعدة وفق تقديرات أممية.