الدعم السريع طرفاً.. (أبـيي) منطقة نزاع لم تعد منزوعة السلاح

عاين- 22 مايو 2025

خلال عامين من الحرب في السودان، شهدت منطقة أبيي المتنازع عليها بين الخرطوم وجوبا تطورات عديدة، وكادت أن تنزلق إلى مربع العنف في أكثر من مرة نتيجة احتكاكات بين السكان المحليين، وتزامن ذلك مع انتشار لقوات الدعم السريع وأخرى من جنوب السودان، في تجاوز للقرارات الدولية التي أقرت أن تكون منطقة منزوعة السلاح.

أحداث وتحركات متتابعة أعادت ملف أبيي إلى السطح، في أعقاب هدوء طويل عاشته المنطقة الخاضعة لسلطة مشتركة من دولتي السودان وجنوب السودان، مع تولي بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام “يونسيفا” التي تم نشرها منذ العام 2011، مهمة حفظ الأمن في المنطقة، وهي تطورات جوهرية تهدد بانفجار الأوضاع الأمنية في أبيي، وسط مساعي من الإدارة الأهلية لتعزيز التعايش السلمي.

حالة السكون النسبي التي خيمت على ملف أبيي، حركتها الصراعات الداخلية في دولتي السودان وجنوب السودان، حيث سعى كل طرف لاستخدام أبيي ككرت ضغط سياسياً وتحقيق المكاسب، وفق فاعلين في ملف أبيي تحدثوا مع (عاين)، إذ ينظرون إلى التوترات الأخيرة في المنطقة المتنازع عليها، كنتاج للخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع من جانب السودان، والصراع وسط المكونات السياسية والعسكرية في جوبا.

وتقود بعض الدوائر داخل السلطة في جوبا حراك يهدف للاعتراف بالاستفتاء الأحادي الذي أجرته مكونات من قبيلة دينكا نقوك في أكتوبر عام 2013، والذي صوت لصالح تبعية المنطقة بنسبة 99.9% إلى دولة جنوب السودان، لكن السلطة التنفيذية والتشريعية لم تتبن موقفاً باعتماد نتائج الاستفتاء حتى الآن، رغم الضغط من أبناء أبيي في السلطة.

ملف عالق

ولم تحسم اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا عام 2005، والتي قادت إلى استقلال دولة جنوب السودان في 2011م، وضعية أبيي، ونصت على إجراء استفتاء لسكان أبيي من قبيلتي المسيرية العربية ودينكا نقوك الأفريقية حول مصير المنطقة، إذا كانوا يفضلون البقاء تحت سلطة الحكومة السودانية مع الاحتفاظ بوضع خاص، أم يرغبون في الالتحاق بجنوب السودان.

ولجأت الخرطوم وجوبا إلى محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي التي قضت في يوليو 2009 بإعادة رسم حدود منطقة أبيي الشمالية والغربية والشرقية، وصارت حقول النفط خارج المنطقة تابعة للسودان، لكن لم تمض هذه الخطوة إلى الأمام.

منظر جوي لمنطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان. الصورة أرشيفية- الأمم المتحدة

 

ومع توترات الأوضاع الأمنية في أبيي وقع السودان وجنوب السودان اتفاقية للترتيبات الإدارية والأمنية المؤقتة في 20 يونيو 2011م، ونصت على تشكيل لجنة إشرافية مشتركة للمنطقة، تعمل نيابة عن حكومتي السودان وجنوب السودان على مراقبة عمل المجلس التنفيذي والإشراف على الأمن والاستقرار في المنطقة، واقتراح المشاريع التنموية اللازمة.

وتتألف اللجنة الإشرافية من أربعة أعضاء، تختار كل دولة عضوين، بالإضافة إلى عضو خامس يعينه رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي للمساعدة في تسيير عمل اللجنة، دون أن يكون له حق التصويت. ويترأس اللجنة عضوين، أحدهما من السودان والآخر من جنوب السودان، كما قضت الاتفاقية بأن تكون أبيي منزوعة السلاح، على أن تتولى القوات الأممية مهمة حفظ الأمن.

وظل الوضع في أبيي كما هو عليه، حتى اندلاع الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل من العام 2023م، والتي بدأت معها توترات جديدة في المنطقة، كان آخرها خلال أبريل الماضي، حيث نشبت مواجهات بين المكونات الاجتماعية الرئيسية (المسيرية ودينكا نوك) مما أدى إلى مقتل عدد من الأشخاص ونهب للممتلكات، وتسببت الأحداث في إغلاق سوق النعام الحدودي لمدة 14 يوماً، قبل أن يستأنف نشاطه.

وقف العدائيات

وفي 12 مايو الجاري وقعت الإدارات الأهلية لمكوني دينكا نقوك والمسيرية، ونصت على إلزام الطرفين بوقف العدائيات فورا، وتسليم الجناة، ودفع الديات في فترة أقصاها 30 يوما، وتعويض المتضررين، بجانب الالتزام بحماية المسارات والقبول بالتعايش السلمي وإنشاء آلية للرصد وفض النزاعات. وجرى تنظيم الصلح بمبادرة من الإدارة المدنية لقوات الدعم السريع في ولاية غرب كردفان.

ويقول كبير السلاطين في أبيي دينق كولز لـ(عاين) إن المنطقة شهدت هدوءاً كبيراً بعد توقيع اتفاق وقف العدائيات بين قبيلتي المسيرية ودينكا نقوك، حيث تم التوافق على دفع الديات وإعادة الدراجات النارية المنهوبة، وتقديم المجرمين للعدالة وعدم توفير الحماية القبلية والأسرية لهم، مع منع التجول بالسلاح في المنطقة.

وشدد مستمرة مع ناظر عموم قبائل المسيرية مختار بابو نمر بغرض مواصلة النقاش بشأن تعزيز التعايش السلمي في المنطقة، والحيلولة دون انزلاق أبيي إلى دائرة العنف، لافتاً إلى إعادة فتح المحال التجارية بما في ذلك سوق النعام، الذي يرتاده آلاف المواطنين من دولتي السودان والجنوب.

ويشير إلى أن السلطات المحلية في أبيي بما في ذلك القوات الأممية، لم تكن قادرة على حسم التفلتات في ظل انتشار السلاح، والتي يعتقد أن الحل الأمثل لها يكون عبر تعزيز التعايش السلمي بين المكونات الاجتماعية في المنطقة، وهو ما يعملون عليه حالياً هم في الإدارات الأهلية لقبائل المسيرية ودينكا نقوك.

ويضيف: “ينتشر منسوبو قوات الدعم السريع في أبيي وبعضهم يحمل سلاحاً، لكن الإدارة المدنية لقوات الدعم السريع في ولاية غرب كردفان، تأتي من وقت لآخر إلى أبيي، وهي تسعى لحلحلة المشكلات وتعزيز التعايش السلمي في المنطقة، وقد رعت اتفاق وقف العدائيات الأخير بين المسيرية ودينكا نقوك”.

ويرى أن التوترات في أبيي سببها الأساسي هو الخلاف في السودان، حيث تعمل مجموعات موالية لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على التحريض على الفتنة بين القبائل وتغذية المجرمين، في محاولة لتسديد ضربات إلى قوات الدعم السريع، لكن الإدارة المدنية في غرب كردفان تسعى دوما إلى حلحلة المشكلات ومنع انفلات الأوضاع.

لن يحدث استقرار في أبيي، إلا بعد سحب كل المليشيات المنتشرة فيها بما في ذلك قوات الدعم السريع، وقوات دولة جنوب السودان، خارج المنطقة

مسؤول دينكا أبيي بالسودان

من جهته، قال رئيس المجلس الأعلى لتنسيق دينكا أبيي في السودان، شول موين لـ(عاين) إن الوضع تدهور أكثر في أبيي بعد سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم، وذهاب مسلحي قوات الدعم السريع وانتشارهم شمال أبيي، كما تمركزت في وقت سابق قوات من دولة جنوب السودان، في المنطقة جنوب أبيي، فلم يحدث هدوء واستقرار إلا بسحب المليشيات المسلحة من أبيي وجعلها منطقة منزوعة السلاح.

وذكر أن قوة يونسيفا غير قادرة على حفظ الأمن فهي لا تملك تفويضاً للدخول في مواجهات عسكرية مع المجموعات العسكرية التي توغلت في أبيي، وأضاف “نحمل حكومتي السودان وجنوب السودان مسؤولية ما يحدث من توترات، لعدم تنفيذهم الاتفاقيات الخاصة بالمنطقة، وتشكيل المؤسسات الإدارية التي من شأنها حفظ الأمن، فالمؤسسات الحالية غير معترف بها دولياً”.

ويشكل انتشار قوات الدعم السريع وشرطة جنوب السودان في أبيي نقطة توقف للمجتمع المحلي في المنطقة المتنازع عليها، وكذلك للأمم المتحدة، حيث أقرت الاتفاقيات والبرتوكولات أن تكون منطقة منزوعة السلاح.

في 13 مايو الجاري، كشف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن تزايد انتشار قوات الأمن التابعة لجنوب السودان وعناصر الدعم السريع في منطقة أبيي، وذكر أن قوات الأمن التابعة لجنوب السودان، التي تضم ما لا يقل عن 600 جندي وفرد من الشرطة ظلت منتشرة في جنوب أبيي، مما يشكل انتهاكاً لاتفاقية الترتيبات الإدارية المبرمة بين الخرطوم وجوبا في العام 2011م.

© UNISFA قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي تقوم بدورية في أبيي.

وشمل انتشار قوات الأمن من دولة جنوب السودان في أبيي إقامة نقاط تفتيش، وقد طلبت البعثة الأممية خلال مذكرتين من جوبا سحب قواتها من المنطقة، كما ناقشت معها انتشار قوات الدعم السريع في المنطقة وما سببه ذلك من إعاقة لحركة المواطنين وقوة يونسيفا.

وأثار لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حميدتي مع الأكاديمي فرانسيس دينق مجوك، ولوكا بيونسيه الذين ينحدرون من منطقة أبيي، في نيروبي يناير الماضي، جدل واسع في السودان، حيث اتهمت بعض الدوائر السودانية “حميدتي” بالتخطيط لتسليم أبيي المتنازع عليها إلى دولة جنوب السودان.

وخلال اللقاء محل الجدل، أكد حميدتي التزامه بتسهيل عودة الآلاف من سكان أبيي ودولة جنوب السودان العالقين في السودان، متى ما توفر الظروف الأمنية التي تسمح بذلك.

تحركات رسمية

وقبل ذلك أقرت اللجنة الإدارية لأبيي المشكلة من جنوب السودان في 27 ديسمبر 2024 نتائج استفتاء 2013م، وفق توصية منتدى المحافظين الذي انعقد في وقت سابق في جوبا، واُعْتُمِد بواسطة مجموعة الحوكمة وهي مستويات إدارية في سلطة دولة جنوب السودان، وتمت إحالة هذه القرارات إلى مجلس الوزراء الجنوبي لإجازته، توطئة لاعتماده النهائي من قبل البرلمان.

إزاء ذلك، دفعت قبائل عموم المسيرية دفعت بمذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في يوم 19 يناير الماضي، اعترضت خلالها على ما أسمته الخروقات المستمرة من دولة جنوب السودان في أبيي وسعيها للاعتراف بالاستفاء الذي تم في 2013م الذي صوت لصالح تبعية أبيي إلى جوبا، قبل أن يطالبوا بوقف هذه الإجراءات وتحقيق التعايش السلمي في المنطقة.

لم يتم تبني اعتماد استفتاء 2013 في أي من مستويات السلطة التنفيذية والتشريعية في جنوب السودان، وملف أبيي يحركه أبناؤها في الحكومة لتحقيق مصالحهم

برلماني جنوب سوداني

لكن عضو لجنة الأمن والدفاع في برلمان دولة جنوب السودان عبد الكريم كمون، نفى وجود أي نوايا من بلاده إلى ضم أبيي بإجراءات من جانب واحد، حيث لم يطرح مسألة الاعتراف باستفتاء 2013م في أي من مستويات السلطة التنفيذية والتشريعية مجلس الوزراء والبرلمان، أو حتى رئاسة الجمهورية، إذ سبق لحكومة دولة جنوب السودان لكونه لا يعالج المشكلة، ويقود إلى تأجيجها.

وقال كمون في مقابلة مع (عاين) إن المسؤولين في حكومة دولة جنوب السودان الذين ينحدرون من منطقة أبيي، يثيرون الملف باستمرار بحيث يكون حاضراً، وهم يهدفون بذلك الحفاظ على مكاسبهم وتمثيلهم في السلطة، لأن أبيي تمثل بالنسبة لهم “رأس مال سياسي”، لكن في حقيقة الأمر لا يوجد توجه رسمي، لضم أبيي بإجراء أحادي.

ويشير البرلماني الجنوب سوداني إلى أن مكون دينكا نقوك نفسهم ليس لديهم موقف محدد تجاه أبيي، فبعضهم موجودون الآن في بورتسودان، ولديهم تنسيقية عامة، ويعتزون بسودانيتهم ولديهم رؤية مغايرة لحل القضية، بينما يوجد آخرون في جوبا يعتزون بانتمائهم إلى دولة جنوب السودان، مما خلق معادلة صعبة تتطلب التعامل المسؤول لضمان استقرار المنطقة، حكومة جنوب السودان من جانبها تتعاطى مع أبيي بوصفه قضية أمن قومي.

ورأى أن 80% من حل قضية أبيي هو شعبي، يعتمد على تعزيز التعايش السلمي بين المجتمعات المحلية فيها، ورعاية مصالحهم فيها، بينما تمثل الحلول السياسية المتصلة بالسيادة 20% فقط.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *