ماذا قال صحفيون عن حال الصحافة السودانية.. وكيف قيموا تجربة (عاين)؟
عاين– 11 ديسمبر 2025
تحت واقع شديد الظلام تعيشه الصحافة والصحفيون في السودان بسبب الحرب المدمرة التي اقتربت من الدخول في عامها الثالث، فازت شبكة (عاين) بجائزة التوليب الهولندية لحقوق الإنسان، وهو ما اعتبره صحفيون سودانيون بمثابة اعتراف دولي بتغطياتها المستقلة والمحايدة للأوضاع في البلاد.
وتُمنح جائزة التوليب المقدمة من وزارة الخارجية الهولندية، سنوياً منذ العام 2008م، للأفراد أو المؤسسات الذين يقدمون مساهمات مبتكرة وشجاعة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، وتهدف إلى دعم المدافعين عن حقوق الإنسان وتسليط الضوء على عملهم وجهودهم في مواجهة الانتهاكات.
ويأتي تكريم (عاين) في وقت تعيش فيه الصحافة والصحفيون في السودان أقسى أيامهم، وهو واقع أفرزته الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023م، إذ توقفت غالبية الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية عن العمل، بينما وقعت شتى أنواع الانتهاكات بما في ذلك القتل والاعتقال والاحتجاز غير القانوني والحرمان من الوصول إلى المعلومات، والتشريد وفقدان فرص العمل، وذلك وفق ما تؤكده نقابة الصحفيين السودانيين.
ومع تطاول أمد الحرب، تتواصل الانتهاكات بحق الصحفيين والصحفيات في السودان بكل أشكالها، فقبل أسبوعين قُتل مراسل وكالة السودان للأنباء في الفاشر تاج السر محمد سليمان في منزله بالمدينة التي شهدت أعمال عنف دامية، واتهمت نقابة الصحفيين، قوات الدعم السريع بقتله، كما لا يزال مراسل قناة الجزيرة الصحفي معمر إبراهيم معتقلاً لدى قوات الدعم السريع في نيالا لأكثر من شهر، وسط مخاوف على سلامته.
قتل وتشريد
ويقول نقيب الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس علي في مقابلة مع (عاين): إن “الصحافة والصحفيين من أكثر الفئات التي تضررت من الحرب، مثلهم مثل بقية المدنيين، وأن أكثر من 80 بالمئة منهم فقدوا وظائفهم نتيجة للدمار وتوقف المؤسسات الإعلامية، وقبل كل ذلك قتل منهم 33 صحفياً وصحفية، وما زال البعض يرزح تحت الاعتقال. كما أن غياب المؤسسات المهنية فتح الباب واسعاً أمام الأخبار الزائفة ونشر خطاب الكراهية”. لافتاً إلى أن غياب الصحافة أثر في نقل ما يدور مما جعل مواقع التواصل الاجتماعي هي مصدر المعلومات.

وفي 27 نوفمبر الماضي، أعلنت نقابة الصحفيين السودانيين، تسجيل 556 حالة انتهاك ضد الصحفيين والصحفيات ومقتل 32 صحفياً وصحفية في البلاد خلال الحرب التي اقتربت من دخول عامها الثالث.
يصف أبو إدريس، تجربة شبكة (عاين) بأنها واحدة من التجارب التي تستحق الاحتفاء بما تقدمه من محتوى بصري ومقروء. كما يحسب لها الانتشار والوصول إلى مناطق لا تستطيع وسائل إعلام أخرى الوصول إليها.
على شبكة عاين الاهتمام بالقضايا الاقتصادية، ومنحها مساحة أكبر في خارطة التحرير
نقيب الصحفيين- عبد المنعم أبو دريس
ويلفت أبو دريس انتباه فريق تحرير شبكة عاين للاهتمام بالقضايا الاقتصادية ومنحها مساحة أكبر في خارطة التحرير.
من جهته، يقول الصحفي أحمد حمدان لـ(عاين): إن “الصحفيين السودانيين يمرون بظروف قاهرة فرضها واقع الحرب التي تعصف بالبلاد، فقد وجدوا أنفسهم مثل سائر الناس الذين شردتهم الحرب من منازلهم، فتوزعوا ما بين النزوح الداخلي واللجوء الخارجي، وفي كلتا الحالتين وجدوا أنفسهم محاصرين بأولويات قد تحد من إنتاجهم العملي. ومع ذلك فقد تغلب الكثيرون على ظروفهم الخاصة، واستمروا في العمل مثل مراسلي شبكة (عاين)”.
ويضيف: “ومع ذلك كانت نقطة ضعف الصحفيين السودانيين هي وجودهم بعيداً عن مواقع الأحداث ما أثر في كثير من الأحيان على نقل الحقيقة كاملة، فمهما كان اجتهادهم كبيراً، فقد كان هنالك جزء من الحقيقة مفقود. حتى الصحفيين داخل السودان كانت تحركاتهم مقيدة بسبب الوضع الأمني فلا يستطيعون الوصول إلى موقع الأحداث إلا بعد ترتيبات لوجستية من قبل السلطات الأمنية قد تشمل تجهيز المسرح بما يؤثر في الحقيقة حين نقلها للرأي العام”.
وتابع “تكريم عاين بهذه الجائزة دليل على العمل الجاد الذي تقدمه، وهي شبكة متميزة بكل أشكال المحتوى الذي تقدمه خصوصاً المرئي الذي نتمنى الاستمرار فيه بشكل مكثف ومجود. وهي تجربة صحفية مؤثرة على الرأي العام لما تميزت به موثوقية ومهنية عالية”.
مهن بديلة
بدورها، تقول الصحفية السودانية سمر سليمان لـ(عاين)، إن الحرب دمرت المؤسسات الصحفية، وفككت غرف الأخبار، وشردت الصحفيين والصحفيات، وفقدوا مصادر كسبهم مما وضعهم في واقع اقتصادي مزر، ولجأ بعضهم إلى مهن بديلة، والأخطر من ذلك –حسب تقديرها، المخاطر الأمنية التي تواجه الصحفيين والصحفيات في السودان، من اعتقال وقتل وملاحقة، واستهدف مستمر طوال فترة الصراع.
من المهم إضافة خدمة إخبارية صوتية إلى منصات (عاين)، تعطي ملخصات لأبرز الأحداث في السودان بشكل يومي أو أسبوعي
الصحفية- سمر سليمان
وتشير إلى أن شبكة عاين تحت كل هذه الظروف واحدة من وسائل الوصول إلى الحقيقة بشأن ما يدور في السودان طوال فترة الحرب، بالتركيز على القضايا التي تهم السكان في مناطق النزاع.
واقترحت أن تضيف شبكة عاين خدمة إخبارية صوتية إلى منصاتها، تعطي ملخصات لأبرز الأحداث في السودان بشكل يومي أو أسبوعي وفق ما هو متاح لها، فهي تجربة مميزة تستحق التكريم والاحتفاء – حسب وصفها.
وليس ببعيد من ذلك، يقول الصحفي خالد فتحي لـ(عاين): “أوضاع الصحفيين خلال الحرب في اعتقادي تعد الأصعب في تاريخ المهنة في السودان بلا منازع، لعدة أسباب من بينهم أن الصحفي يتعرض بشكل يومي إلى مخاطر جسيمة من التهديد المباشر للحياة والانتهاكات الخطيرة وانعدام الحماية بشكل كامل، إلى جانب توقف المؤسسات الصحفية ولجوء بعضها إلى الخارج؛ مما أدى إلى فقدان كثير من الصحفيين لوظائفهم ومصادر كسبهم، كما يواجه الصحفيون والصحفيات ضغوط نفسية؛ بسبب العمل في بيئة غير مستقرة تفتقد لأبسط مقومات السلامة المهنية”.

وشدد أن الحرب أثرت بشكل بالغ على قدرة الصحفيين في الوصول إلى المعلومة نفسها، ومصادر المعلومات، بجانب صعوبة الوصول الميداني والحركة لنقل ما يدور من على الأرض، جميعها محفوفة بالمخاطر، قائلاً “ما يزال زميلنا معمر إبراهيم معتقلاً لدى قوات الدعم السريع، وكل جريرته أنه كان ينقل ما يحدث على الأرض للمدنيين من الفاشر. كذلك أصبحت الكثير من المناطق مقفولة وشديدة الخطورة، وصار الصحفيون أهدافاً فيها، مما جعلها مناطق معتمة في ظل انقطاع الإنترنت والاتصالات”.
وأضاف “على الرغم من ذلك نثني على صحفيين قاموا بأدوار شجاعة وممتاز ومهنية، وواصلوا في نقل الحقائق مهما كلفتهم من تضحيات، والظروف القاسية التي عاشوها، وهو جهد يستحقون عليه التقدير والدعم، فقد شاهدنا الصحفيين الذين كانوا يغطون المناطق الساخنة في الخرطوم والجزيرة ودارفور وكردفان، فهم يستحقون الإشادة”.
ملء الفراغ
ويقول خالد فتحي “صلتي بشبكة عاين ومنصاتها قديمة جداً، وهي من المنصات شديدة الاحترام وعالية المهنية وذات مصداقية، وأنا أعلم حجم الجهد الذي تبذله إدارة تحرير الشبكة والقائمين على أمرها في التحقق والاستقصاء والموثوقية، لذلك تتسم تقاريرها المكتوبة والمصورة بالمهنية والمصداقية وشديدة الاتزان، فالشبكة تركز أساساً على الإنسان باعتباره محور الحدث، وتعطي مساحة واسعة لقضايا الحقوق والضحايا، مع التزامها بالتحقق”.
(عاين) ملأت فراغًا إعلاميًا خاصة فيما يتعلق برصد الانتهاكات وتوثيقها، واقترح عليهم التوسع في تغطية القضايا التي تمس الصحفيين أنفسهم، كمستقبل المهنة
الصحفي- خالد فتحي
ويضيف “نجحت شبكة عاين في ملء فراغ إعلامي، خاصة فيما يتعلق برصد الانتهاكات وتوثيقها، وتسليط الأضواء على الأوضاع الإنسانية منذ وقت مبكر في المنطقتين وكردفان ودارفور وشمال السودان، والسدود والمشاكل البيئية المرتبطة بتعدين الذهب في نهر النيل وغيرها، وهذا يحمد لها”.
واقترح خالد على عاين التوسع في تغطية القضايا التي تمس الصحفيين أنفسهم، كمستقبل المهنة والتغطيات في ظل الحرب، بجانب قضايا البيئة والمناخ فهناك تحول مناخي في السودان، والصحة النفسية خاصة الأطفال والنساء في مناطق النزاع، وقال “تجربة عاين شجاعة وضرورية في توقيت بالغ الحساسية في تاريخ السودان، وتمثل إضافة حقيقية للمشهد الإعلامي في السودان، خاصة في ما يختص بالصحافة الحقوقية والإنسانية، ويحسب لها استمرارها طيلة السنوات التي أعقبت تأسيسها”.
وتقول عضو المكتب التنفيذي لرابطة الصحفيين في أوغندا عواطف إسحق عن شبكة عاين: “هي واحدة من المؤسسات الإعلامية المستقلة التي لعبت دوراً بارزاً في نقل المعلومات خلال فترة الحرب، وسدت فراغ عريض من خلال تغطيات ميدانية عن أوضاع المدنيين في مناطق النزاع، والمدن المحاصرة والمغلقة، فقد نقلت شهادات الناجين من المجازر المختلفة بالصوت والصورة، وكانت واحدة من المنصات التي نتابعها باستمرار لتلقي المعلومات”.
وتضيف “كانت عاين بمثابة صوت للمدنيين وسط الصراع، فقد أفردت مساحات واسعة للنازحين والنساء والأطفال والشباب خاصة المتطوعين وأعضاء لجان المقاومة، والأشخاص ذوي الإعاقة ومختلف الفئات الاجتماعية في مناطق الصراع المسلح، رغم التحديات المتعلقة بانقطاع الإنترنت، والصعوبات التي تواجه مراسليها من خط النار، إلا أنهم صمدوا، وتتمتع باستقلاليتها، فهي تستحق الجائزة والتكريم بجدارة”.
عنف على الصحفيات
ورأت عواطف أن فترة الحرب هي الأسوأ على الصحافة نسبة إلى حجم المخاطر التي تواجه الصحفيين في مناطق النزاع بالخرطوم وكردفان ودارفور وغيرها، وكان هناك استهداف ممنهج للصحفيين من خلال اعتقالهم تعسفياً واحتجازهم دون إجراءات قانونية، وتعذيب وتهديد مباشر وضرب وملاحقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجيش وقوات الدعم السريع، فضلاً عن تقييد وإغلاق المؤسسات الإعلامية.
وقالت “إلى جانب الانتهاكات بحق الصحفيين، كان هناك استهداف مضاعف للصحفيات، تمثل في التحرش والتهديد والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ومضايقات في السفر والحركة في نقاط التفتيش، وانضوى على ذلك مخاطر واسعة، وكن بحاجة أكثر إلى الحماية من المنظمات الدولية المعنية مثل مراسلين بلا حدود، ولجنة حماية الصحفيين، التي أصدرت تقارير ودعوا لوجستيا، لكن كان ضعيفا مقارنة، بالأوضاع التي تواجههن”.

وتشدد الصحفية السودانية حواء داؤود أن الصحفيين في السودان تضرروا بشكل كبير، ومن الحرب اقتصاديا وأمنياً، فهم بخلاف الفئات الاجتماعية الأخرى، ما كان لهم مصدر كسب مالي غير عملهم في الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية والوسائل الإعلامية المختلفة، والتي توقفت معظمها عن العمل منذ اندلاع القتال الحالي، وتدمير البنية التحتية.
وقالت لـ(عاين): “المؤسف في الأمر كذلك أن الهوية الصحفية في حد ذاتها، كانت سيف بتار أمام الصحفيين في الداخل أو الخارج، فقد تعرضوا إلى شتى أنواع الانتهاكات والقتل، فقد فقدنا العديد من زملائنا، كما كان هناك اعتقال وتشريد وإخفاء قسري، فما زلنا بعض الصحفيين لا نعرف مكانهم، فهو أمر مؤرق جداً، في ظل غياب الحماية”.
شبكة (عاين) كانت حاضرة مع ضحايا الحرب ونقلت أصواتهم
الصحفية- حواء داؤود
وترى أن تغطية شبكة عاين للحرب كان جيدة، والجانب المميز هو المقابلات التي تجريها مع الناجين والنازحين من الصراع، بالصوت والصورة، من مناطق الشدة، خاصة الجنينة واللاجئين الذين وصلوا شرق تشاد، والنازحين في الفاشر وحولها، ومنطقة طويلة وغيرها، فكاميرتها كانت حاضرة لنقل الحقيقة كما هي.
وقالت “التجربة جيدة للغاية، نقترح توسيعها، بإضافة قناة مسموعة تنقل أصوات الضحايا والناجين من الصراعات، ومختلف القضايا على هيئة راديو المجتمع، على أن تكون باللغات المحلية للسكان في المناطق التي تهتم بتغطيتها، واستغلالها في بث رسائل تشجع على التعايش السلمي والمجتمعي والسلام والوحدة”.
أوضاع صعبة
وشدد عضو سكرتارية شبكة الصحفيين السودانيين، خالد أحمد إن الصحفيين يواجهون أوضاعاً صعبة وهم من أكثر الفئات التي تعرضت لقمع من أطراف الصراع، في انتهاكات متنوعة شملت القتل والاعتقال والاختفاء القسري والرقابة على المراسلين الصحفيين أثناء التغطيات، بالإضافة إلى المظاهر اللاحقة وهي حجب المواقع الإلكترونية في السودان.
فوز عاين بجائزة التوليب تقدير بسيط جداً للصحفيين السودانيين الذين يعملون في ظروف بالغة التعقيد
الصحفي- خالد أحمد
وقال لـ(عاين): إن “أطراف الصراع يريدون إظلاماً إعلامي كاملاً على السودان، وبث فقط ما يرغبون في خروجه للرأي العام، ففي ظل انهيار المؤسسات الإعلامية المستقلة والمهنية، نمت أخرى تتبع إلى أطراف النزاع، والتي ضخوا فيها أموالاً طائلة، لنشر خطاب الكراهية، والأخبار الكاذبة، وفي مواجهة ذلك تبقى القليل من الصحفيين والمؤسسات المستقلة التي تعمل على نقل الأحداث من السودان، ويعرضون حياتهم للخطر، وما يزال الصحفي معمر إبراهيم معتقلاً لدى قوات الدعم السريع، ولا نعرف مصيره، ونحمل الدعم السريع مسؤولية سلامته وحياته”.

وذكر أن بعض الأمور هو أن بعض الصحفيين أظهروا انتماءهم إلى أطراف الصراع، مما أثر في استقلالية نقل الأخبار والتقارير المتعلقة بالحرب في السودان.
ويقول “وسط هذا الركام برزت شبكة عاين، وهي من وسائل الإعلام القليلة التي كانت تنقل وقائع الحرب من جنوب كردفان والنيل الأزرق في ظل حالة التعتيم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ولديها تاريخ طويل في نقل الحقائق، وهي من المؤسسات المستقلة القليلة التي تبقت في السودان، تنتج محتوى مهنياً ومحايداً، وتنقل أصوات الضحايا والمجازر والانتهاكات المرتكبة في البلاد”.
ويضيف “شبكة عاين أصبحت نور وسط الإظلام الإعلامي الحاصل في السودان، رغم ما تمر به من ظروف صعبة خاصة نقص التمويل وغيرها، ومع ذلك فهي مستمرة في تقديم رسالة إعلامية مهنية ورصينة، وذهبت إلى أنواع وقوالب جديدة من الصحافة الإلكترونية، على وسائل التواصل الاجتماعي، فحصولها على الجائزة تقدير بسيط جداً للصحفيين السودانيين الذين يعملون في ظروف بالغة التعقيد، في ظل التجاهل العالمي لما يحدث لهم”.






















