فوضى السلاح تُغذي العنف الأسري في السودان
عاين- 26 نوفمبر 2025
في منتصف نوفمبر الجاري، استيقظ سكان ضاحية حلفاية الملوك في الخرطوم بحري شمالي العاصمة السودانية، على وقع جريمة مروعة، عندما قتل مسلح مستنفر في صفوف الجيش خمسة أفراد من أسرته داخل منزلهم رمياً بالرصاص ، في حادثة هزت السودانيين.
وبحسب مصادر من المنطقة، فإن المجني عليهم أعمام وخالات المستنفر الجاني الذي جرى توقيفه بواسطة الشرطة، وما تزال التحريات والتحقيقات مستمرة مع المتهم توطئة لتقديمه إلى المحاكمة.
ولم تكن هذه الحادثة الوحيدة، فمنذ اندلاع الحرب الحالية شهد السودان جرائم مماثلة، حيث أقدم مسلحون في المناطق الخاضعة إلى سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع، على قتل أفراد من عائلاتهم، في حالات متكررة تعكس تزايداً ملحوظاً في العنف الأسري، وذلك كنتيجة حتمية للانتشار واسع النطاق للسلاح، وفق خبراء.
وفي أغسطس الماضي، قُتلت الطبيبة روعة علاء الدين على يد طليقها، ، طعنا بالسكن في بوابة مستشفى الضمان الاجتماعي في مدينة مروي، شمالي السودان، والمتهم بهذه الجريمة مستنفر في صفوف كتائب البراء بن مالك المتحالفة مع الجيش، وفق ما أكده مقربون من المجني عليها، وتقارير متطابقة.
وفي إحدى القرى التابعة لمحلية أبوزبد بولاية غرب كردفان، قل مسلح مستنفر في قوات الدعم السريع، شقيقه الأكبر رمياً بالرصاص، نتيجة خلاف أسري محدود. وبحسب متابعات (عاين) شهدت مناطق سيطرة قوات الدعم السريع العديد من الحوادث المماثلة، ولا يُقتاد الجناة إلى العدالة بسبب الغياب الكامل للمؤسسات العدلية.
دوافع نفسية
وتقول الخبيرة في علم النفس د. مروة محمد إبراهيم: إن “ظاهرة قتل مسلحين ومستنفرين لأفراد من أسرهم تندرج تحت علم النفس الجنائي المعني بمعرفة السلوك الإجرامي، الدوافع والمحفزات التي تجعله يكون ممنهجاً ومخططاً، والذي يأتي تحته علم نفس الجريمة. فدافع الجريمة – حسب رأيها- لديه أسباب جينية وخلل في الشخصية، فهناك شخصية مضطربة وأخرى عنيفة، كما تلعب تربية الأشخاص دوراً في العنف الأسري، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي.

وتوضح في مقابلة مع (عاين) أن المرحلة العمرية تلعب دوراً أساسياً في هذه الجرائم، فمعظم المستنفرين في طور المراهقة، أو بعده بقليل، ولديهم طاقة عالية، وربما تكون هناك مؤثرات مثل تعاطي المخدرات، كذلك يوجد عامل نفسي للجناة، قد يكون أحدهم تعرض إلى اضطرابات نفسية نتيجة صدمات قبل الحرب أو بعدها، وعندما اندلع القتال ازداد الضغط النفسي والقلق والتوتر والاكتئاب، مما خلق بيئة داعمة لمزيد من الدمار النفسي، المحفز على ارتكاب الجريمة.
وتشير إبراهيم إلى أن حمل وانتشار السلاح في حد ذاته، محفز ووسيلة لأخذ الحق باليد، أو حتى ممارسة النهب تحت مظلة الاستنفار، ففي ظل غياب المؤسسات العدلية والقانونية والوازع أو الرادع، تزداد هذه الجرائم، والأمر المؤسف في هذه الحوادث في الغالب يكون الضرب بدافع القتل في مناطق قاتلة في الجسد، وليس في مناطق توحي بأن الضرب يهدف إلى الإصابة.
وشددت على ضرورة وجود جهة لمراقبة وتقييم هذه القضية ومستوى انتشارها وما إن وصلت مستوى الظاهرة، كمدخل للتعامل معها وبحث الحلول اللازمة، كما يستوجب العمل على التوعية وسط المسلحين والمستنفرين وغيرهم، للتقليل من هذه الجرائم.
من جهته، يقول الباحث الاجتماعي د. خضر الخواض إن “الإنسان السوداني بطبيعة البيئة التي يعيشها الآن وأسلوب الحياة والتربية والتنشئة الاجتماعية والطبيعة القاسية التي تعيش فيها كثير من المجتمعات، مساعدة على العنف، في ظل المرارات والضغوطات التي يمر بها الفرد في المجتمع السوداني”.
ويضيف في مقابلة مع (عاين): “هناك تزايد في العنف وسط الأسر منذ اندلاع الحرب الحالية، فوجود الحرب داخل المدن جعل كثير من الناس يكسبون ويتطبعون على سلوك العنف، فالإنسان بطبيعته لا يولد عنيف، ولكن يكتسب العنف من المشاهد وممارسات العسكر والمجموعات المتقاتلة”.
انتشار السلاح
ويرى أن حوادث القتل داخل الأسر التي شهدها السودان خلال الفترة الماضية، والتي بعضها لم يصل للإعلام لوقوعها في الأرياف والمناطق النائية، هي نتاج طبيعي للحالة العامة للحرب والتي اتخذت طابعاً عنيفاً، بالإضافة إلى الانتشار السلاح الواسع في البلاد.
وتابع: “العنف الأسري كان موجوداً في السابق بالسودان، لكن دائما ما تتم الاعتداءات بالأيدي أو الآلات البدائية غير القاتلة، لكن انتشار السلاح أحدث تطوراً في هذا العنف وأصبح قاتلاً. صار البعض مستعدين لإطلاق الرصاص والقنابل اليدوي وحتى الطائرات المسيرة إن توفرت لهم، على أفراد عائلاتهم”.

بدوره، قال الخبير العسكري عمر أرباب إن تزايد حوادث القتل في السودان نتاج طبيعي للحرب، التي تجعل بعض الناس يكسرون الحاجز بينهم وجريمة القتل، بينما تجسد ظاهرة القتل داخل الأسر أو الأصدقاء نتيجة خلافات بسيطة، إلى ترسيخ العنف وسيطرته على المشهد، وأصبح السلاح المنتشر خياراً لحسم أي خلاف.
وشدد أرباب في مقابلة مع (عاين) إن توزيع السلاح أصبح يتم بصورة عشوائية على الناس دون إخضاعهم إلى أي تدريب أو تأهيل أو إرشاد وتقييم مدى صلاحيتهم للعمل العسكري، وذلك بسبب الرغبة في تجهيز أكبر عدد من المقاتلين، وهو ما أدى إلى عسكرة الشارع العام، وانتشار السلاح على نطاق واسع.
وأضاف: “الحاجة إلى المقاتلين جعلت القائمين على أمر التجنيد يقدمون تنازلات فيما يتعلق بالتدريب والفحص الطبي، الذي يشمل اللياقة البدنية والصحة النفسية، مما قاد في نهاية المطاف إلى تزايد ظواهر القتل داخل الأسر، وكل ذلك نتاج للحرب بشكلها العام”.






















