من بورتسودان إلى طويلة.. الأمم المتحدة ترمي بثقلها في السودان

عاين- 17 نوفمبر 2025

اجتماعات ماراثونية وزيارات ميدانية نشطة طوال هذا الأسبوع في 4 ولايات سودانية تتقاسم فيها الجيش والدعم السريع مناطق السيطرة زارها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر يقول مراقبون إن الزيارة تبحث مساري “حماية المدنيين” و”الإغاثة” نظرا لتصاعد الضغوط الدولية على الأمم المتحدة عقب وقوع جرائم وانتهاكات المدنيين في مدينتي الفاشر وبارا نهاية الشهر الماضي.

وصل إلى السودان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر في 10 نوفمبر 2025، وابتدر جولته التي تعد الأولى لأرفع مسؤول بالمنظمة الأممية من بورتسودان، وعقد لقاءً مع قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الانتقالي وصفه مسؤول حكومي بوزارة الرعاية الاجتماعية وتنمية الموارد البشرية بـ”المثمرة والإيجابية” وفق حديثه لـ(عاين) مشيرا، إلى أن زيارة توم فليتشر إلى السودان تستهدف توفير حماية للمدنيين مع التدخلات الإنسانية الطارئة التي توفر الغذاء لأولئك الأكثر تضررا من الصراع المسلح.

17 منطقة تعاني الجوع

ويعيش مئات الآلاف من المدنيين في 17 منطقة تصنفها الأمم المتحدة بـ”النقاط الساخنة” في السودان نتيجة نقص مريع في الغذاء والوصول إلى مرحلة المجاعة علاوة على انعدام الممرات الآمنة في أجزاء من هذه المناطق الموزعة بين إقليم كردفان وإقليم كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق.

 اجتماع البرهان مع توم فليتشر كان مثمرا، وتغلبا على النقاط العالقة

مسؤول في حكومة بورتسودان

وتابع المسؤول بوزارة الرعاية الاجتماعية التي تشرف على مفوضية العون الإنساني الحكومية في بورتسودان عاصمة الحكومة المدعومة من الجيش قائلا “أيقنت الأمم المتحدة أخيرا بصحة مطالب الحكومة في توفير الحماية للمدنيين قبل أن تسيطر قوات الدعم السريع على الفاشر”.

ويوضح المسؤول الحكومي بوزارة الرعاية الاجتماعية لـ(عاين) أن زيارة توم فليتشر إلى البلاد جاءت تحت تأثير وضغوط التقارير التي وثقت وقوع جرائم وانتهاكات بحق المدنيين بما في ذلك النساء والأطفال بالفاشر وبارا نهاية الشهر الماضي.

وأردف المسؤول الحكومي: “اجتماع توم فليتشر مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في بورتسودان اتسم بالروح الإيجابية، واتفقا على النقاط الرئيسية حول عمل الأمم المتحدة خلال المرحلة القادمة.. لقد تغلبا على العديد من التوترات التي سادت بين الجانبين خلال الفترة الماضية”.

 خطة الأمم المتحدة القادمة أشبه بشريان الحياة التي نفذت في السودان قبل سنوات.

خبير دولي في الشؤون الإنسانية

ويرى الخبير الدولي في الشؤون الإنسانية صلاح الأمين في مقابلة مع (عاين) أن زيارة وكيل الأمين العام للأمم المتحدة توم فليتشر إلى السودان تأتي في إطار الضغوط الدولية لفتح المسارات الإنسانية والتنسيق لتوصيلها إلى المدنيين في مناطق الحرب ومخيمات النازحين.

وضمن تعليقه حول كيفية تقديم سبل الحماية للمدنيين في السودان بواسطة الأمم المتحدة يقول صلاح الأمين: إن “الحماية ستكون بتفعيل القانون الإنساني الدولي عن طريق الضغط على الأطراف العسكرية”. ويتابع: “الحماية تنفذ عبر عدة وسائل تشمل الممرات الآمنة ومساعدة المدنيين على الخروج من المناطق الساخنة عسكريا، وغالبا ما تنفذ بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهذه من الأمور التي حدثت في دولة سيريلانكا”.

تأثير الرباعية على الأمم المتحدة

ويشير الأمين، إلى أن دول الرباعية بذلت جهدا في تسريع هذه الأمور إلى جانب الانتهاكات التي وقعت في الفاشر وبارا تحاول الأمم المتحدة والدول الكبرى تفادي تكرار هذه السيناريوهات في مناطق أخرى.

ويصف الأمين الوضع الإنساني في السودان بـ”الطارئ والمركب” ويقود إلى تعدد حالات النزوح، وتتحمل الفئات الاجتماعية الضعيفة العبء الأكبر”.

تحدث توم فليتشر إلى النساء الفارات من الفاشر في مخيم طويلة

ويرجح الخبير الإنساني حدوث تطورات مهمة في المسار الإنساني على خلفية زيارة أعلى مسؤول أممي وهو وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة توم فليتشر، وسبقت هذه زيارة مماثلة لمديرة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة “أوتشا” بالسودان إلى إقليم دارفور.

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر توجه من بورتسودان إلى الشمالية ولاحقا وصل إلى غرب دارفور قبل أن يتمكن من الوصول إلى محلية طويلة منتصف نوفمبر الجاري.

ضغوط قادمة على الدعم السريع

تحدث توم فليتشر إلى النساء الفارات من الفاشر في مخيم طويلة، وقال متطوعون في المجال الإنساني بمحلية طويلة إن فليتشر استمع إلى قصص مروعة من النساء وكيف أنهن شاهدن قوات الدعم السريع تطلق الرصاص على الأزواج والأبناء والأطفال.

 الزيارة تكشف مدى الضغوط الدولية التي ستلاحق الدعم السريع مستقبلا

باحثة في المجال الإنساني

تقول الباحثة في المجال الإنساني مريم حامد التي تتابع تطورات زيارة أعلى مسؤول بالأمم المتحدة للعمليات الإنسانية إلى السودان: “هذه التطورات لن تكون بمعزل عن وضع الضغوط الدولية أمام قوات الدعم السريع ستلاحق بالعقوبات الدولية”.

وتوضح حامد في مقابلة مع (عاين) إن المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة قررا التحرك على الأرض بصورة فعالة وعدم انتظار ممارسات الأطراف العسكرية، وهذه الزيارة تتعلق بالعمل على مساري الحماية والإغاثة.

وتابعت: “التطورات على الأرض في السودان لا تشير إلى قدوم قوات حفظ سلام، لكن ربما تبحث الأمم المتحدة عن صيغة متوازنة لتوفير الحماية للمدنيين في المناطق التي تشهد نزاعا مسلحا ساخنا”.

تسليط الضوء على المناطق المعتمة

وتضيف مريم حامد الباحثة في المجال الإنساني: “عادة تحدث الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين في المناطق المظلمة والمحجوبة عن وسائل الاتصالات والإعلام والأمم المتحدة تريد أن تضمن كيفية مغادرة المدنيين أو الوصول إليهم في هذه المناطق أثناء النزاع المسلح أو إنشاء نقاط آمنة، ولو كانت مؤقتة لضمان عدم وقوع جرائم وانتهاكات مرة أخرى”.

وأجرى مراسل (عاين) اتصالات مع مكتب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة توم فليتشر للحصول على معلومات حول نتائج زيارته إلى السودان ولم يتسن الحصول عليها.

وصرح فليتشر في تغريدة على منصة (إكس) في 15 نوفمبر الجاري عقب لقاء مع وفد من حركة جيش تحرير السودان في محلية طويلة ووفد من “تحالف تأسيس” الذي تهيمن عليه قوات الدعم السريع في بلدة “كورما” بولاية شمال كردفان إنه شدد على ضرورة توفير ممرات آمنة لوصول المساعدات إلى المتأثرين بالحرب وحماية المدنيين من تبعات القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

توفير الحماية والإغاثة معا

ويقول الخبير الإنساني بالمنظمات الدولية أحمد النعيم لـ(عاين): إن “الأمم المتحدة من خلال ابتعاث أرفع مسؤول عن الوضع الإنساني إلى السودان تريد تحقيق أمرين يتعلقان بالحماية والإغاثة في وقت واحد”.

ويؤكد النعيم، على أن هناك أشياء على الأرض نفذت قبل زيارة توم فليتشر إلى السودان تتعلق بالأمور اللوجستية لنقل المساعدات والممرات الآمنة بما في ذلك المعدات الخاصة بنقل المساعدات سيما في إقليم دارفور.

الأمم المتحدة تعول على واشنطن لتنفيذ خطتها الإنسانية بالسودان مع توفير الحماية

عامل في منظمة دولية

وأردف النعيم:” ستحدد الأمم المتحدة المناطق الساخنة في إقليم دارفور وكردفان والشمالية والشرق والنيل الأزرق وجنوب كردفان لإدخال الإغاثة دون أي قيود خلال المرحلة القادمة”.

بالمقابل يعتقد النعيم، أن خطة الأمم المتحدة يجب أن ترتكز على اتفاق قانوني يوقع عليه الجيش والدعم السريع مثل اتفاق جدة مايو 2023 وإحياء المفاوضات المتعلقة بالمسار الإنساني مجددا، حتى تستطيع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الضغط على القوات السودانية والدعم السريع بواسطة اتفاق قانوني ملزم للطرفين.

ونقل مصدر لـ(عاين) أن توم فليتشر لدى لقائه عز الدين الصافي أحد أبرز مسؤولي المسار الإنساني بـ”حكومة تأسيس” في بلدة كورما بشمال دارفور طلب منه رسميا العمل على إزالة القيود المفروضة على تدفقات الإغاثة إلى المدنيين إلى جانب ضمان حماية المدنيين سيما في المناطق الملتهبة التي تشهد نزاعات مسلحة بما في ذلك مناطق محتملة في المستقبل قد ينتقل إليها الصراع المسلح.

وتابع المصدر المقرب من دوائر الأمم المتحدة: “فليتشر طلب من وفد قوات الدعم السريع ضمان توفير حماية كاملة للمدنيين في مناطق سيطرتها، وتشمل الحماية والسماح بالنزوح والمغادرة دون أي قيود ومساعدة النازحين على الوصول الآمن إلى أي منطقة يودون الذهاب إليها حتى وإن دعت الضرورة إلى تخصيص الممرات الآمنة ووضعها كخيارات أمام المدنيين”.

رحلات نزوح من الفاشر إلى طويلة

وزاد المصدر بالقول: “الأمم المتحدة لا تريد تكرار ما حدث في الفاشر وبارا ومناطق أخرى.. لقد شدد المسؤولون الأمميون الذين زاروا السودان على عدم السماح بتكرار الانتهاكات مجددا مع الوضع في الاعتبار عدم الإفلات من المحاسبة للجرائم والانتهاكات التي حدثت مؤخرا”.

ويتوقع الخبير الدولي في الوضع الإنساني صلاح الأمين لجوء الأمم المتحدة إلى خطة جديدة جوهرها التنسيق لتوفير الممرات الآمنة للمدنيين، وقد تكون من بينها المطارات والطرق البرية والنقل النهري والبحري.

ويزيد قائلا “الخطة تعتمد على الوقائع الأمنية، وأتوقع أن تكون أشبه بعملية شريان الحياة التي نفذت في السودان بين عامي 1989 و2005، وقد يشمل التنسيق على الأرض المبادرات الإنسانية التي نشأت خلال الحرب”.

ويعتقد صلاح الأمين، أن خطط الأمم المتحدة قد تشمل شبكات العمل الإنساني التي تطورت في ظروف الحرب والتشبيك مع المنظمات الدولية لتوصيل المساعدات للمدنيين المتأثرين بالحرب.

وحول كيفية تجاوز الأمم المتحدة للقيود التي تفرضها الأطراف العسكرية في السودان على الإغاثة والممرات الآمنة. يقول صلاح الأمين: إن “وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر انخرط فور وصوله إلى بورتسودان في اجتماع ثلاثي مع وزير الخارجية السوداني ووزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي”.

ويرى الأمين أن توم فليتشر بالاجتماع مع وزير الخارجية المصري سعى للاعتماد على الرباعية لإنجاح خطته القادمة في السودان كما أجرى تنسيقا مع حركة عبد الواحد نور في محلية طويلة.

وأضاف الأمين “هناك 30 مليون شخص في السودان تأثروا بالأمن الغذائي، وتتفاوت الحالات من منطقة إلى أخرى ما بين المجاعة وفقدان مصادر الغذاء أو وسائل كسب العيش”.

ومنذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 وتصاعد الأزمة الإنسانية في البلاد يتبادل الطرفان باستمرار الاتهامات بشأن الهجمات الجوية التي تستهدف قوافل الإغاثة بجانب القيود التي يفرضها كل طرف في مناطق سيطرته.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *