تصعيد أمريكي غير مسبوق ضد “الدعم السريع”
عاين- 13 نوفمبر 2025
لأول مرة منذ اندلاع الحرب في السودان توجه وزارة الخارجية الأميركية انتقادات لاذعة بحق قوات الدعم السريع حسب تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مساء الأربعاء على هامش قمة الدول الصناعية في كندا، والتي قد تغير المعادلة المطروحة لوقف إطلاق النار في السودان بين الجيش وقوات حميدتي داخل دول الرباعية وبين الأطراف العسكرية.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن السلاح الذي يتدفق إلى قوات الدعم السريع من الخارج يجب أن يتوقف حتى لا تتفاقم إراقة الدماء في السودان مشيرا إلى أن هذه القوات توافق على الالتزام بالأمور، ولا تنفذها على الأرض.
ووصف وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خلال إحاطة صحفية في وقت متأخر من ليل الأربعاء 13 نوفمبر الجاري على هامش اجتماعات للدول الصناعية الكبرى الوضع في السودان بالكارثة الحقيقية مشددا على ضرورة القيام بشيء لوقف تدفق الأسلحة والدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع مع استمرار تقدمها.
وأشار روبيو إلى أن المنظمات الإنسانية أخبرتنا إلى أن هناك مستويات سوء التغذية والمعاناة وسط آلاف الأشخاص الذين فروا من الفاشر غير مسبوقة، وسجلوا أشياءً لم يروها من قبل.
قلقون على من بقوا بالفاشر
وتابع وزير الخارجية الأميركي قائلا: “المقلق أكثر أن المنظمات كانت تتوقع أعداداً كبيرة من النازحين وهناك مخاوف من أن الكثير منهم إما ماتوا أو مرضى ومنهكون لدرجة لا تسمح لهم بالحركة؛ لأن ما يحدث هناك رهيب”.
وقال روبيو، إن “هناك دولا تساعد قوات الدعم السريع في حربها على الأرض والولايات المتحدة الأميركية تتشارك القلق مع دول أخرى من أن يتحول السودان إلى بؤرة ينشط فيها الجهاديون والإرهابيون”.
وزاد قائلا: “الحل ليس خوض حرب يُستهدف فيها المدنيون بالاغتصاب والعنف الجنسي والقتل.. هذا ما يحدث بالفعل”.
وحول أسئلة الصحفيين عما إذا كانت هناك دور الإمارات وتقديم دعم لقوات الدعم السريع بالطائرات المسيرة الصينية أجاب وزير الخارجية الأميركي: “نحن نعرف الأطراف المتورطة ولهذا هم جزء من الرباعية إلى جانب دول أخرى، وعلى أعلى مستويات حكومتنا بالولايات المتحدة يُطْرَح ملف السودان والضغط على الأطراف المعنية”.
لا نريد تسمية الدول حاليا
وأضاف روبيو: “لا أريد تسمية أي دولة خلال هذا المؤتمر الصحفي هدفنا الوصول إلى نتيجة جيدة وقوات الدعم السريع تتلقى دعما خارجيا، وهذا الدعم لا يأتي من الدولة الممولة فقط بل أيضا من دول تسمح باستخدام أراضيها للشحنات ونقلها وحتى نصل إلى حل يجب معالجة هذا الأمر”.
وأردف روبيو: “قوات الدعم السريع قبل أيام أعلنت عن قبولها الهدنة الإنسانية ووقف إطلاق النار، لكنها لا تنوي الالتزام بها”.
وقال: إن “قوات الدعم السريع تختبئ خلف حجة (العناصر المتفلتة) عندما تثار مسألة الفظائع بحق المدنيين، لكنها ليست كذلك إنهم يمارسون ذلك بشكل منهجي، ونحن نتعامل بأقصى درجات الجدية لوقف ذلك عبر جمع كل الدول على الطاولة.
وعما إذا كانت الخارجية الأميركية ستدعم مساع ثنائية الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس الشيوخ بتصنيف قوات الدعم السريع مليشيا إرهابية قال روبيو: “إذا كان ذلك يساعد على إنهاء ما يجري فسنؤيده ولم أطلع على المقترح بعد، رغم أن بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ناقشوا معي قبل أشهر في النهاية نريد شيئا واحدا يجب أن يتوقف هذا”.
وقال روبيو: إن “قوات الدعم السريع لديها اعتقاد أنها تكسب؛ ولذلك تريد الاستمرار في القتال وهي لا تخوض حربا فقط، بل ترتكب فظائع مروعة تشمل العنف الجنسي والاعتداءات على النساء والأطفال والمدنيين الأبرياء بأبشع الطرق واستدرك: “يجب أن يتوقف هذا فورا”.
الاختباء وراء الرباعية
وقال روبيو إن بلاده ستفعل كل ما في وسعها لوقف الصراع المسلح في السودان وشجعت واشنطن الدول الشريكة للانضمام إليها، ولن تسمح بأن تصبح عملية الرباعية التي أقمناها درعا تختبئ خلفها أطراف تحت عبارة : “نحن جزء من الرباعية نحن نبحث عن الحل”.
وأضاف: “نحتاج إلى نتائج عملية، ويجب أن تتحقق بسرعة كبيرة وإلا، فإن ما هو مأساة بالفعل ستتحول إلى ما هو أسوأ بكثير”.
وتعليقا حول التقارير التي أشارت إلى مقتل 460 مدنيا داخل مستشفى بالفاشر على يد قوات الدعم السريع أوضح الوزير الأميركي: “لا أعرف الأعداد بالتحديد، لكن أكثر ما صدمنا هو أن المنظمات كانت تتوقع آلاف الفارين خارج الفاشر ولم يصلوا، وهؤلاء ليسوا أشخاصا سعداء بالبقاء هناك بعد حصار استمر عاما كاملا”.
وعبر روبيو عن قلقه من أن يكون سبب عدم مغادرتهم الفاشر عاصمة شمال دارفور الموت، أو أنهم مرضى ومنهكون وجائعون لدرجة لا تسمح لهم بالحركة، وهذا ما يثقل كاهلنا الآن. وزاد قائلا: “المشكلة الأساسية هي أن الدعم السريع توافق على أمور، ثم لا تلتزم بها أبدا”.
التلويح بمسار التصنيف
ويعزو الباحث في الشؤون الدبلوماسية عمر عبد الرحمن تصعيد وزارة الخارجية الأميركية بلهجتها تجاه قوات الدعم السريع إلى عدم التزامها بالتعهدات التي بذلها وفدها الذي أجرى مباحثات مع الولايات المتحدة في واشنطن منتصف أكتوبر الماضي.
ويرى عبد الرحمن في حديث لـ(عاين)، أن الولايات المتحدة الأميركية تلقت معلومات من المنظمات الإنسانية حول الجرائم والانتهاكات التي نفذتها قوات الدعم السريع في الفاشر وبارا خلال شهر أكتوبر الماضي بمقتل المئات من المدنيين. ويشير عبد الرحمن إلى أن تصريحات وزير الخارجية الأميركية بمثابة تحذيرات صارمة تجاه قوات الدعم السريع والدول التي تمولها بالسلاح والدول التي تمرر شحنات الأسلحة وهي دول الجوار وبعض دول الإقليم.
ويوضح الباحث في الشؤون الدبلوماسية عمر عبد الرحمن، أن وزير الخارجية الأميركي لوح بالذهاب إلى مسار تصنيف الدعم السريع “مليشيا إرهابية” وهي إشارات دبلوماسية حال عدم الكف عن الجرائم والانتهاكات بحق المدنيين في السودان.
وسيطرت قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر نهاية أكتوبر 2025 وسط تقارير من اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان وشبكة أطباء السودان وتنسيقية لجان مقاومة الفاشر بمقتل المئات من المدنيين برصاص هذه القوات.
تصعيد الدعم السريع مرفوض في واشنطن
كما فر مئات المدنيين من بارا بشمال كردفان نهاية أكتوبر الماضي مع استمرار حركة النزوح إلى الأبيض روى الفارون معلومات صادمة عن مقتل المئات بالرصاص داخل الشوارع والمنازل عندما هاجمت هذه القوات المدينة كما منعت دفن الموتى بالمقابر العامة.
ويعتقد الباحث في شؤون الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد في حديث لـ(عاين) أن الولايات المتحدة تشعر بالاستياء والانزعاج من التقارير التي تلقتها من المنظمات الدولية الموجودة على الأرض في السودان حول الفظائع المروعة بحق المدنيين في الفاشر وبارا.
وأردف مجاهد: “من الواضح أن الولايات المتحدة تشعر بالاستياء من هجوم هذه القوات على الفاشر وبارا أثناء تواجد وفدها في واشنطن، ولم تتوقف وتستمر في الهجوم على مدينة بابنوسة كما أطلقت طائرات مسيرات ناحية العاصمة السودانية والشمالية”.
وتابع أحمد: “تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو انزعاج وتصعيد دبلوماسي شديد اللهجة ضد قوات الدعم السريع وحلفاء في دول الإقليم ومؤشرات على أن الأمور داخل دول الرباعية ليست على ما يرام بسبب وضعية الإمارات العربية المتحدة”.
ويقول الباحث في الديمقراطية والسلام مجاهد أحمد إن تصريحات وزير الخارجية الأميركي أيضا رسالة للجيش السوداني، وتطمينه أن واشنطن تراقب الأوضاع عن كثب بالمقابل ترى الولايات المتحدة أنه يتعين على عبد الفتاح البرهان إبداء مرونة تجاه مقترح الهدنة الإنسانية.





















