بعد 11 شهرًا من الحرب| الجزيرة.. مراعي يابسة وماشية منهوبة 

عاين- 9 نوفمبر 2025

اضطر أمير عبد الله الذي يقطن إحدى قرى شرق الجزيرة للسير 150 كيلو مترا على الأقدام لإبعاد ماشيته عن عناصر الدعم السريع التي كانت تهاجم القرى خلال أكتوبر 2024 بينما لم يعثر غالبية المواطنين الذين عادوا إلى منازلهم عقب وصول الجيش السوداني في يناير 2025 إلى المنطقة على الماشية التي تركوها تحت نيران البنادق، ونزحوا شرق وشمال البلاد.

تأثرت قطعان الماشية التي كانت تنتشر في البطانة والجزيرة وسط البلاد بالحرب وهجمات قوات الدعم السريع في الفترة من نهاية 2023 حتى نهاية العام 2024 ويشير خبراء في الإنتاج الحيواني والطب البيطري إن قوات الدعم السريع نهبت آلاف القطعان من الأبقار والماعز والضأن، ودمرت مراكز التطعيم، وتعطلت إمدادات اللقاح بينما الماشية التي لم تتعرض للنهب تأثرت بالعطش وتوقف الرعاية البيطرية.

يقول أمير عبد الله أحد المهتمين بتربية الماشية بمناطق شرق الجزيرة وسط السودان لـ(عاين): “لقد حافظنا على الماشية من النهب بالانتقال إلى المناطق الآمنة سيرا على الأقدام إلى ولاية القضارف خلال هجمات الدعم السريع التي تعمدت تدمير وسائل الإنتاج”.

أكدت بيانات صادرة من مؤتمر الجزيرة “مرصد إنساني” و”مرصد أم القرى” نهاية العام 2024 استيلاء قوات الدعم السريع على 60% من الماشية قرى شرق وشمال ووسط الولاية تحت تهديد السلاح، ويشير متعاملون في قطاع الثروة الحيوانية لـ(عاين) إلى نفوق نصف مليون رأس من الماشية؛ بسبب العطش وجفاف قنوات المياه خلال هجمات الدعم السريع إلى جانب عمليات النهب التي طالت عشرات القرى”.

وتقدر أعداد الماشية وسط البلاد التي تشمل الجزيرة والبطانة والنيل الأبيض بـ 40 مليون رأس من الضأن والأبقار والماعز تتشارك مع المزارعين في الأراضي التي تتحول في بعض المواسم إلى مراعي شاسعة، وتميزت هذه المنطقة بانحسار العنف القائم على البحث عن المراعي بين الرعاة والمزارعين.

العطش قضى على ما تبقى

يقول الباحث في قطاع الإنتاج الحيواني بولاية الجزيرة محمد سليم لـ(عاين): إن “الأبحاث الميدانية تشير إلى فقدان المجتمعات في الجزيرة والبطانة “الأصول المعيشة” والتي تتمثل في قطعان الماشية بسبب النهب خلال غارات الدعم السريع”.

وتابع قائلا: “العلاقة بين الماشية والأرض الزراعية بالنسبة للمجتمعات في الجزيرة والبطانة تشاركية لذلك تعتمد على القطاعين معا في الطعام وكسب المال بعد 30 شهرا من النزاع المسلح تعتمد هذه المجموعات على المساعدات التكافلية؛ لأنهم فقدوا وسائل كسب العيش وهي الماشية والحبوب الغذائية في المستودعات داخل المنازل”.

أما حسان عمر وهو أحد سكان ولاية الجزيرة، يسرد رواية أكثر سوداوية كيف أنه فقد ماشيته بسبب العطش عندما عاد إلى قريته بعد أن وصل الجيش السوداني إلى ولاية الجزيرة في مارس 2025، بينما انتظر تدفق المياه عبر قنوات الري إلى المزارع ومع ذلك كانت أربعة أشهر من الانتظار كافية لقتل نصف ماشيته من الضأن بالعطش في قرى تقع على تخوم مدينة الحصاحيصا ثاني أكبر مدينة في الولاية.

نحو 1.5 مليون شخص فقدوا الماشية في الجزيرة والبطانة

باحث اقتصادي

ويشرح حسان عمر لـ(عاين) أهمية رعاية الثروة الحيوانية في الجزيرة والبطانة قائلا إن المجتمعات تعتمد عليها في تربية الأطفال بالحليب الطازج وبيعها في الأسواق لكسب المال كما إن تربية الماشية ثقافة اجتماعية سائدة بين سكان وسط البلاد.

تجاهل إعمار المناطق المنهوبة

بينما يتحدث المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم تفاصيل جديدة حول وضع الثروة الحيوانية بولاية الجزيرة والبطانة وسط البلاد، يشير إلى أن هناك جهات داخل الحكومة تعتزم خصخصة مشروع الجزيرة أحد أكبر المشاريع المروية- وطرحه أمام الشركات الخليجية خلال السنوات القادمة لذلك لم تتحرك لإعمار ولاية الجزيرة بالصورة التي تحركت فيها نحو العاصمة السودانية.

ويقول إبراهيم لـ(عاين): “يريدون تحويل الجزيرة والبطانة وأجزاء من العاصمة السودانية ونهر النيل إلى منطقة خضراء بضخ الاستثمارات الخليجية بقيمة 3 مليار دولار في المرحلة الأولى لذلك تتجاهل الحكومة السودانية مطالب إعمار وإنعاش المجتمعات الزراعية في البطانة والجزيرة بما في ذلك هلاك الماشية وتعرضها إلى النهب بواسطة قوات الدعم السريع بين نهاية 2023 ومطلع 2025”.

ويقول إبراهيم إن وزارتي الثروة والزراعة في بورتسودان لا تكترثان للأزمة الإنسانية التي ضربت المجتمعات في مناطق الجزيرة والبطانة وسط السودان بسبب فقدان قطعان الماشية خلال هجمات الدعم السريع مضيفا أن عشرات الآلاف من العائلات فقدت مصادر كسب العيش تعرض الماشية للنهب، والتي تشمل الضأن والإبل والماعز والأبقار والدجاج.

وأضاف: “لا تزال المجتمعات المتضررة من الحرب في الجزيرة والبطانة تعتمد على التكافل الاجتماعي وتحويلات الأبناء من خارج البلاد لأن قطاع الزراعة والثروة الحيوانية أصبح شبه مشلول؛ لأن حوالي 1.5 مليون شخص فقدوا الماشية التي كانت توفر لهم الطعام وسبل كسب العيش”.

بينما قال عضو في تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل مع عدم الإشارة إلى اسمه لـ(عاين): إن “الحرب قضت على الثروة الحيوانية ضمن استهداف البنية الاقتصادية والمعيشية لمواطني ولاية الجزيرة حيث تعرضت الماشية ومستودعات العلف والحبوب الغذائية إلى النهب كما أوقفت هجمات الدعم السريع الزراعة بمشروع الجزيرة الذي يعد الأكبر على مستوى البلاد لفترة عامين، ولا تزال معطلة في معظم المساحات”.

هجمات الدعم السريع امتدت إلى 266 قرية وأكثر من 20 مدينة وبلدة، جميعها تعرضت للنهب بما في ذلك الماشية

عضو في تحالف المزارعين

وتابع بالقول: “توقفت الزراعة في مساحات واسعة يعني تقليص المراعي التي تعتمد عليها الماشية بالتالي، فإن الأولوية الآن إصلاح الموسم الزراعي، وتملك المواطنين أدوات الإنتاج وتعويض الماشية المنهوبة”.

وحول كمية الماشية المنهوبة من ولاية الجزيرة يقول عضو تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل: “هجمات الدعم السريع امتدت إلى 266 قرية وأكثر من 20 مدينة وبلدة مدن جميعها تعرضت للنهب بما في ذلك الماشية”.

بينما يقول محمد محمود الباحث في الاقتصاد الزراعي: إن “قوات الدعم السريع نهبت الماشية في الجزيرة والبطانة وسط السودان وفقد 60% من السكان الماشية التي تشمل الأبقار والماعز والضأن”.

وأضاف: “نفذت قوات الدعم السريع نهب الماشية في الجزيرة وأجزاء من البطانة بصورة ممنهجة تعمدت إفقار المجتمعات ودفعها إلى حافة الجوع والعوز، حتى لا تتحرك إلى مقاومتها لذلك نجحت هذه القوات في البقاء داخل ولاية الجزيرة قرابة 15 شهرا”.

ويقول محمود إن قوات الدعم السريع نهبت 60% من الماشية المملوكة للمجتمعات الريفية بولاية الجزيرة مشيرا إلى أن الماشية تضررت من جفاف قنوات المياه وتوقف الزراعة وفقدان المراعي الخضراء.

وتابع: “آلاف الرعاة كانوا لا يعرفون ما هو الذين يتعين عليهم فعله عندما وصلت قوات الدعم السريع إلى قراهم ليس من السهل أن تترك هذه القوات سبيل قطعان الماشية وتغادر دون أن تحولها إلى طعام للجنود أو البيع في الأسواق كما كان يحدث باستمرار في سوق تمبول شرق الجزيرة يجلب المقاتلين الإبل والضأن والأبقار المنهوبة من القرى لبيعها والحصول على المال”.

تجريد من كسب العيش

تقول أحلام الرشيد الطبيبة البيطرية لـ(عاين): إن “الضرر الذي وقع على قطعان الماشية في الجزيرة والبطانة لا يتقصر على النهب فقط، بل بتوقف إمدادات اللقاح والرعاية نفقت الآلاف من الرؤوس كما أدى جفاف مورد المياه إلى كارثة في ولاية الجزيرة وأجزاء من ولاية القضارف في منطقة البطانة وتخوم العاصمة السودانية”.

وتشير الطبيبة البيطرية، إلى أن غارات الدعم السريع على قرى السكان في الجزيرة والبطانة مع غياب الحماية الأمنية ركزت الاعتبار نهب الماشية وتجريد المواطنين من أدوات الإنتاج والمعيشة.

وأضافت: “نقلت الشاحنات قطعان الماشية من الجزيرة والبطانة إلى الخرطوم، وتم ذبحها وتوزيعها على مقاتلي الدعم السريع خلال الفترة من يناير 2023 حتى ديسمبر 2024”.

وتقول أحلام الرشيد الطبيبة البيطرية إن أعداد الماشية تقلصت وسط البلاد بفعل الحرب وتشمل التأثيرات محلية شرق النيل كما دمرت الهجمات وعمليات النهب الممنهجة مراكز تحسين إنتاج الألبان في حلة كوكو ومزارع منتجات الألبان إبان سيطرة قوات الدعم السريع على الشريط الممتد من سنار إلى الجزيرة مرورا بالبطانة ومحلية شرق النيل بالعاصمة السودانية.

وانعكست هجمات الدعم السريع والعمليات العسكرية والاضطرابات الأمنية في البطانة والجزيرة على صحة الحيوانات وأسواق الصادرات، وأقرت وزارة التجارة الخارجية مطلع هذا العام بتراجع صادرات الثروة الحيوانية السودانية إلى 30%.

فيما يقول محمد زورق العامل في قطاع الثروة الحيوانية والصادرات لـ(عاين): إن “قرابة 30 شاحنة محملة بالماشية كانت تتحرك شهريا من البطانة والجزيرة والنيل الأبيض إلى موانئ الصادرات”. وتابع زروق: “الماشية في هذه المناطق الواقعة في سهول النيل والأنهار تتميز باللحوم الطبيعية الخالية من المواد الكيميائية؛ لأنها تتغذى على المراعي الخضراء والحكومة فاشلة في تسوق هذه الموارد؛ لأنها لم تقم بتعويض المواطنين الذين تضرروا من الحرب وهجمات الدعم السريع”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *