سوتها بالأرض.. حملات إزالة واسعة للمساكن الاضطرارية بالخرطوم
عاين- 12 أكتوبر 2025
منذ استعادة الجيش السوداني والقوة المساندة له ولاية الخرطوم في مايو الماضي، شرعت السلطات المحلية في عمليات إزالة واسعة للمساكن الاضطرارية في الأحياء الفقيرة بالعاصمة.
ونشأت آلاف المساكن الصغيرة المشيدة من الطين والقش والصفيح و”الزنك” خلال سنوات متعددة في العاصمة السودانية، لكنها توسعت خلال 30 عاما خلال فترة الرئيس المخلوع عمر البشير مع زيادة معدلات النزاع المسلح والفقر والجفاف.
وصف جهاز حكومي يتولى إزالة المساكن الاضطرارية في بيان أصدره الخميس 9 أكتوبر 2025 إزالة عشرات المنازل الصغيرة في ضاحية أمبدة غربي أم درمان بالقضاء على “أوكار الجريمة”.
وتنوي الحكومة تعويض المتضررين من إزالة المساكن بالعاصمة السودانية بتوفير قرابة 1100 قطعة سكينة في مواقع قانونية ورسمية وفق مسؤول محلي تحدث مع (عاين).
يقول حماد أحمد السر 55 عاما وهو أحد المتضررين من حملات إزالة المساكن في محلية شرق النيل لـ(عاين): إن السلطات الحكومية وعدته بالحصول على قطعة وهو في انتظار إكمال الإجراءات لتشييد المنزل بمحلية شرق النيل شمال شرق العاصمة بصورة قانونية- على حد تعبيره.
منذ وصوله إلى منصب حاكم الولاية قبل ثلاثة أعوام يرفع أحمد عثمان المتهم بموالاة النظام السابق شعار “نحو عاصمة حضارية”و” إخلاء الخرطوم من الأحياء غير المستوفية للشروط القانونية والإدارية وسط قلق من تضرر قرابة 150 ألف شخص من هذه الإجراءات بالولاية.
انتظار الجرافات
قال عضو غرفة طوارئ جنوب العاصمة السودانية لـ(عاين): إن “مئات العائلات متوجسة في حي مايو جنوب الخرطوم مع اقتراب حملات جهاز حماية الأراضي الحكومية من تنفيذ إزالة أحياء مشيدة بالطين والقش في المنطقة”. وأضاف: “بعض العائلات تشعر بالقلق من وصول جرافات حكومية محروسة بالقوات الأمنية.. لا يريدون منازلهم تُهدم أمام أعين أطفالهم”.
تتزايد المخاوف من أن تحمل الحملات الحكومية توجهات جديدة للسلطات ووضع صعوبات جديدة في الحصول على المساكن زهيدة الثمن بالعاصمة السودانية والقضاء على المجتمعات الفقيرة التي تعمل في المصانع والأسواق وخدمات الشحن والتفريغ والقطاعات الإنتاجية.
حكومة الخرطوم تستغل فترة الحرب لإنهاء قضية السكن التي تسميها بـ(العشوائي)
باحث في قضايا السكن
ويقول الباحث في قضايا السكان والهجرة أحمد محارب لـ(عاين): إن “حكومة ولاية الخرطوم تستغل فترة الحرب لإنهاء قضية السكن التي تسميها بـ(العشوائي) وهي الأحياء الفقيرة التي تؤوي عشرات الآلاف من المواطنين الذين تأثروا بالنزاعات في أطراف البلاد إلى جانب الفقراء الذين جاءوا بحثا عن العمل في العاصمة”.
ويشير محارب، إلى أن حكومة العاصمة السودانية تخطط لإزالة قرابة 70 منطقة تضم هذه المساكن التي تؤوي عشرات الآلاف من المواطنين قبل نهاية هذا العام.
ملاحقة الفقراء على حواف النيل
ولم تنج حتى الأحياء الصغيرة، والتي تنتشر بين أشجار مجرى النيل بمنطقة شمبات في مدينة بحري من حملات الإزالة الأسابيع الماضية بواسطة جرافات رافقتها قوات مدججة بالأسلحة. وقال مبارك شمس الدين وهو من سكان حي شمبات لـ(عاين): إن “الجرافات الحكومية أزالت أحد الأحياء الصغيرة (مرسى شمبات) الواقع على ضفاف النيل الشهر الماضي، واضطر المواطنون إلى المغادرة لمناطق أخرى”.

وتابع شمس الدين: “القوات الأمنية التي ترافق الجرافات الحكومية مسلحة بالرشاشات، ولا يقوى المواطنون على الاعتراض ومنع تنفيذ الحملات كما كانوا يفعلون ذلك”. مشيرا إلى أن بعض العائلات استقبلت المتضررين من إزالة المساكن الاضطرابية في الخرطوم بحري.
لم تتمكن المجتمعات المتضررة الوقوف ضد “معركة الإزالة” خاصة مع أجواء الحرب واتخاذ السلطات المحلية إجراءات قانون الطوارئ ضد المعترضين.
خرطوم بلا مساكن اضطرارية
قالت مُنية إبراهيم العاملة في مجال قطاعات الإنشاء بالعاصمة السودانية لـ(عاين): إن “الإجراءات الحكومية بإزالة المساكن الاضطرارية والأسواق الصغيرة تستهدف تحويل العاصمة السودانية إلى مركز اقتصادي جاذب”.
وأردفت بالقول: “هناك اعتقاد أمني داخل الحكومة أن هذه المساكن تشكل تهديدا أمنيا، وفي الوقت ذاته مصير المتضررين غير معروف، وقد يشكلون مجتمعات جديدة في نهاية المطاف هم يقاومون بشتى السبل، ويشيدون المنازل الصغيرة في مناطق أخرى”.
وتابعت منية إبراهيم بالقول: “حكومة الخرطوم تعتزم تخطيط هذه المواقع المستهدفة بالجرافات لتوزيعها من جديد وبيعها إلى الشركات العقارات، وتشمل هذه الخطط منطقة السنط جوار النيل في قلب العاصمة”.
نفذنا 70% من الإزالة بجميع أنحاء العاصمة
مسؤول بحكومة الخرطوم
وتدافع ولاية الخرطوم عن الإجراءات الخاصة بإزالة المساكن الاضطرارية، وعلق مصدر حكومي بولاية الخرطوم على حملات الإزالة التي تستهدف المساكن الاضطرارية والمواقع التجارية بعدد من المناطق بالعاصمة قائلا: “نفذنا 70% من الإزالة بجميع أنحاء العاصمة والعمل سار بشكل أسرع في شرق النيل وإزالة مواقع (كرتون كسلا) ومرسى شمبات ومساكن عشوائية في منطقة أبو سعد في أم درمان”.
وحول مصير المتضررين أجاب بالقول: “عندما نتحدث عن هذه الحملات، فإن الأمر يتعلق بمواقع غير قانونية شُيدت عليها المنازل الصغيرة ومحلات تجارية، ويجب على المتضررين البحث عن مساكن بالطرق القانونية، ولا يمكن ترك قرابة 73 ألف موقع غير قانوني في العاصمة السودانية”.

وعندما داهمت الجرافات منطقة شرق النيل بالعاصمة شوهد المئات من المواطنين، وهم يحزمون الأمتعة للمغادرة إلى وجهات جديدة ومع ذلك لم يكن الأمر سهلا أمامهم وفق ما يقول ماجد عمر العامل الإنساني بالمنطقة في حديث لـ(عاين): “لقد شعروا بالمرارة وهم يشاهدون الجرافات تقضي على حياتهم بهدم الجدران المشيدة من الطين والطوب والقش والصفيح، واضطروا للبحث عن مساكن بالإيجار في أحياء الحاج يوسف وحطاب والوادي الأخضر بالخرطوم بحري”.
الحملة تستهدف إزالة 4.200 موقع بالعاصمة السودانية تشكل تهديدا أمنيا و”بؤرة للجرائم
حكومة الخرطوم
على مقربة من مناطق تكتظ بالمصانع المنهوبة والمدمرة خلال الحرب شمال العاصمة السودانية، فقد عشرات السكان منازلهم الصغيرة بحي العزبة بالخرطوم بحري حيث يعيش عشرات الآلاف من السكان الفقراء في منازل صغيرة شعر المواطنون بالحزن، وهم يشاهدون جرافات حكومية ترافقها قوات أمنية تهدم منازلهم، وتضعها على الأرض.
أبعاد أمنية وراء الحملات
الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم قال في تصريحات منتصف سبتمبر 2025 إن الحملة تستهدف إزالة 4.200 موقع بالعاصمة السودانية تشكل تهديدا أمنيا و”بؤرة للجرائم” وتخصيص 1100 قطعة سكنية لمعالجة أوضاع المتضررين من الحملات الحكومية.
ويقول الباحث في قطاع التنمية العمرانية محمد الباقر لـ(عاين): إن إيجار المساكن في السودان باهظ جدا كما إن الحكومة تتحصل ضرائب عالية على مدخلات تشييد المنازل والمباني، ولا تقل تكلفة تشييد منزل صغير عن 100 ألف دولار في مدينة صغيرة داخل السودان بينما يباع المنزل وسط العاصمة بقيمة مليون دولار أميركي.
ويعتقد الباقر، أن حوالي ثلثي سكان السودان يعيشون على نمط السكن التقليدي بينهم مليوني شخص يعيشون في مساكن اضطرارية بالمدن وهي التي توفر العمالة للمشاريع الزراعية والمصانع.
ويرى الباقر أن المساكن الاضطرارية التي يقطنها أكثر من ثلاثة مليون شخص على مستوى السودان نتجت بسبب السياسات الاقتصادية والأمنية خلال حكم الرئيس المخلوع عمر البشير التي ركزت الثروات لدى فئة محدودة تحظى بتأييد بحماية السلطة الحاكمة.
ويقول الباقر: “السلطة العسكرية التي يقودها قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان تريد تهيئة العاصمة السودانية لجذب الاستثمارات الأجنبية وتدفق أموال الخليج كما إن طريقة تفكيرها ذات طابع أمني تجاه القاطنين بالمساكن الاضطرارية بأنهم شكلوا وقودا لقوات الدعم السريع، وهذه اتهامات غير مبررة لمجتمعات محطمة؛ بسبب الفقر والعوز، ولم يحصلوا على الإنصاف الاقتصادي والاجتماعي”.