السودانيون في دول اللجوء.. رحلات عودة اضطرارية

عاين- 11 سبتمبر 2025

بينما يغادر آلاف اللاجئين السودانيين مصر في رحلات عودة طوعية لبلادهم، ينتظر كذلك الآلاف في دولتي ليبيا وأوغندا، بداية رحلات العودة التي تنظمها السفارة السودانية في البلدين عقب تسجيل آلاف الراغبين في العودة للسودان.

عودة معظم السودانيين من دول الجوار  محطتها النهائية المدن التي استعادها الجيش لا سيما الخرطوم. وصاحب هذه العملية جدلاً واسعاً بين مؤيد ومعارض. ويرى البعض أن الظروف بالغة التعقيد التي يمر بها السودانيون في الدول التي لجؤوا إليها تضطرهم إلى العودة، فيما يرى آخرون أن العملية برمتها مخاطرة لجهة انعدم الأمن وسوء الخدمات في المدن، لا سيما العاصمة.

من دولة ليبيا، يقول كامل عبد الغفار 25 عاماً، لـ(عاين): “خرجت من السودان إلى ليبيا في رحلة بالغة الخطورة لا تمكن من توفير معيشة جيدة لأسرتي، ولكن بعد وصولي إلى ليبيا لم يكن الوضع أفضل من السودان، وجدت وظيفة بمقابل زهيد لا يكفي تكاليف معيشتي، نادراً ما أستطيع إرسال مبلغ قليل لأسرتي التي تعتمد علي كلياً، بدأت أفكر في العودة، ولا أملك أموالاً، غير أن الطريق لم يعد آمنا، وسمعت عن برنامج العودة الطوعية، فسجلت وانتظر أن يبدأ الترحيل إلى السودان”.

المسجلون للعودة الطوعية من ليبيا تجاوز 50 ألف شخص، وتوقعات أن يصل العدد إلى أكثر من 150 ألفًا

قنصلية السودان بليبيا

ووفقا لقنصلية السودان في ليبيا، فإن عدد المسجلين للعودة الطوعية تجاوز 50 ألف شخص، ويتوقع أن يصل العدد إلى أكثر من 150 ألفًا إلى حين انتهاء التسجيل في الخامس والعشرين من سبتمبر الجاري.

“في ليبيا سجل آلاف السودانيين في برنامج العودة الطوعية على أمل أن يرحلوا إلى السودان في أقرب وقت، وبدأ حصر للأسر والأفراد الذين يرغبون في العودة بالمنطقة الشرقية في مدينة بنغازي ومدن أخرى”. تقول مهاد أحمد في مقابلة مع (عاين). وتتابع: “الأسر والشباب والطلاب ينتظرون إعلان بدء الترحيل إلى السودان بعد المعاناة في ليبيا، لم تتمكن الكثير من الأسر من إيجاد فرص تعليم لأبنائهم بجانب الظروف المعيشية وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف التعليم والصحة، ولا يختلف وضع الشباب كثيراً بعضهم يعيش في الشارع، ولم يحصلوا على وظائف لذلك ينتظر الجميع العودة إلى الديار، ويخشون أن يتأخر موعد الرحلات، فلم يعد بإمكانهم التحمل أكثر”.

لاجئون سودانيون في أحد شوارع المدن الليبية

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تتوقع أن تتجاوز أعداد اللاجئين السودانيين في ليبيا 650 ألف لاجئ بحلول نهاية العام الجاري، في ظل استمرار الحرب الأهلية في السودان منذ عام 2023، وأشارت المفوضية إلى تواصل تدفق الوافدين بشكل يومي، خاصة من إقليم دارفور، عبر الحدود الجنوبية الليبية.

من مصر.. عودة اضطرارية

من مصر، يغادر آلاف السودانيين دولة مصر التي فروا إليها عقب الحرب مجبرين؛ بسبب الأوضاع المعيشية الطاحنة، ومع طرح برنامج العودة الطوعية لم يتردد الكثيرون في التسجيل، بل إن بعضهم غادر بالفعل ووصل للسودان.

حسين صلاح، العامل في مجال التصوير، يقول في مقابلة مع (عاين)، أن لديه عدة أسباب للعودة إلى السودان، أهمها أسرتي الموجودة في أم درمان. “وجدت أرقام التسجيل للعودة الطوعية، وتواصلت معهم والآن أنتظر العودة، لكن افتقد الوطن وأريد العودة، افتقد بيتي وتفاصيل الخرطوم، سأفتقد أصدقائي والأشخاص الذين ساندوني هنا في القاهرة، ليس لدي مخاوف من العودة إلى السودان فقط أريد أن تتوفر الخدمات الأساسية والأمن، الفترة الفائتة كنت أتمنى أن أكون موجوداً في السودان وأوثق الدمار الذي ألحقته الحرب بالوطن، وهذا ما سأفعله حين عودتي”.

أعداد كبيرة من السودانيين غادرت مصر إلى السودان عبر برنامج العودة الطوعية بالقطار وصل عدد الرحلات إلى 14 رحلة حتى الآن. وتؤكد هبة هشام، أن عدد من أفراد أسرتها غادروا من القاهرة إلى أن وصلوا الخرطوم، وتوضح في مقابلة مع (عاين) يطلبون من المسافرين عدم حمل أمتعة كثيرة، وبسبب عدد المسجلين للعودة يمكن أن تبقى في قائمة الانتظار ما بين ثلاثة أسابيع إلى شهر.

 13,248 سودانياً عادوا إلى بلادهم  عبر القطارات و 3150 عادوا عبر الحافلات حتى يوليو الماضي

سكة حديد مصر

وأمس الأربعاء قالت الهيئة القومية لسكك حديد مصر، أنه مع انطلاق القطار الرابع عشر، وصل إجمالي عدد المواطنين السودانيين الذي تم نقلهم إلى نحو 13,248 راكبًا، وبلغ عدد الذين غادروا عبر الحافلات السفرية 3150 حتى يوليو الماضي.

سودانيون عائدون من مصر

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن مصر تعد أكبر دولة مضيفة للاجئين السودانيين، حيث استقبلت أكثر من 1.5 مليون سوداني منذ اندلاع النزاع حتى يونيو الماضي، وفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن الحكومة. يُشكّل اللاجئون السودانيون نحو 73% من إجمالي اللاجئين وطالبي اللجوء المسجّلين لدى المفوضية في مصر.

في يوغندا.. تسجيل مشروط وانتظار للعودة

في أوغندا، أبدى لاجئون سودانيون تفاعلاً مع برامج العودة الطوعية إلى البلاد، حيث انطلقت العديد من المبادرات الشعبية، وأخرى رسمية تشرف عليها السفارة السودانية في كمبالا تحت مسمى اللجنة العليا للعودة الطوعية، وهي بصدد إطلاق منصة على الإنترنت لتسجيل الراغبين في العودة، بحسب مسؤول باللجنة لـ(عاين).

في حين، بدأت مبادرات شعبية في كمبالا، في تسجيل اللاجئين الراغبين في العودة، بدفع رسوم رمزية للتسجيل لتسير عمل اللجان، لكن هذه المبادرات ليست لها أي ضمانات واضحة للحصول على الموارد اللازمة لنقل الأشخاص المسجلين إلى السودان، ولم تحدد مواقيت زمنية لتسيير الرحلات، وفق مصدر بهذه اللجان تحدث مع (عاين).

أحمد عبد الجبار، أحد اللاجئين السودانيين المقيمين في مخيم كرياندنقو أبدى رغبته في العودة إلى بلاده بعدما قضى في أوغندا نحو عام ونص، ويمثل الوضع الإنساني السيء، وتدهور الأمن أحد أهم الأسباب التي جعلته يفكر جديا في العودة، رغم درايته بصعوبة الأوضاع المعيشية والأمنية في السودان.

وقال عبد الجبار لـ(عاين): “الأوضاع في المخيم أصبحت سيئة، حيث انخفضت المساعدات الإنسانية، وصارت غير منتظمة، كما لا تتوفر الرعاية الطبية اللازمة، أيضاً صرنا نخشى على سلامتنا ونحن في مخيماتنا؛ بسبب التعديات المتكررة وأعمال النهب. خلال ثلاثة أشهر ماضية ظللت نعتمد على أقاربي ومعارفي في السودان، يرسلون لي الأموال لشراء الطعام”.

وأضاف: “لم يعد أمامي خيار سوى العودة إلى منزلي في السودان، لكني لا أملك الأموال الكافية للترحيل، وقد سمعت ببرامج للعودة الطوعية وأنا بصدد التسجيل فيها”.

شبح الجوع يطارد آلاف اللاجئين السودانيين في أوغندا
لاجئات سودانيات في مخيم لجوء بأوغندا

من جهته، يقول مقرر اللجنة العليا للعودة الطوعية في كمبالا محمد حسين لـ(عاين): إن لجنته تكونت قبل شهر لتكون وعاء جامعاً لكل مبادرات العودة الطوعية الشعبية في أوغندا، وتضم رجال أعمال والسفارة السودانية في كمبالا وشركات طيران وجهات مجتمعية مختلفة، وستطلق منصة إلكترونية لتسجيل اللاجئين الراغبين في العودة، وتصنيفهم مع إعطاء الأولوية لأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن والطلاب والموظفين المهددين بالفصل عن العمل.

ويشدد حسين على أن جميع الإجراءات، التسجيل والترحيل بما في ذلك النقل الداخلي في السودان، ستكون مجانية دون أن يتحمل العائدون أي أعباء، حيث تسعى اللجنة إلى جمع التبرعات من جهات حكومية ومستثمرين في قطاع الذهب ورجال أعمال، ومنظمات محلية ودولية لتغطية التكاليف.

في أوغندا، على اللاجئ توقيع إقرار بإغلاق ملفه لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعليه تحمل مسؤولية قراره حال وجد الأوضاع في السودان سيئة ودون توقعاته

مقرر اللجنة العليا للعودة الطوعية في كمبالا

ويشير حسين، إلى أن العودة من أوغندا ليست كمصر أو بقية البلدان الأخرى، نسبة لبعدها وعدم وجود حدود مشتركة، مما يستلزم أن تكون جميع رحلات العودة جوية وهي مكلفة حيث تصل قيمة الرحلة الواحدة أكثر من 100 الف دولار وفق تقديرات أولية، في حيث يوجد نحو 85 الف لاجئ سوداني مسجل في أوغندا.

وتابع: “العودة ستكون طوعية وعلى اللاجئ توقيع إقرار بذلك، لأنه سيتم إغلاق ملفه لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعليه تحمل مسؤولية قراره حال وجد الأوضاع في السودان سيئة ودون توقعاته.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *