السودان: تحشيد ومعارك على مسرح مفتوح بكردفان
عاين- 8 سبتمبر 2025
بدأ الجيش وقوات الدعم السريع موجة جديدة من المعارك العسكرية في كردفان، بوتيرة عنيفة، وسط تحشيد واسع للمقاتلين من قبل الطرفين، ما يضع الإقليم على شفى المحرقة.
وشن الجيش أربع هجمات على نحو متزامن أمس الأحد على مواقع سيطرة قوات الدعم السريع، هجومين كانا من محور مدينة الدويم، على رهيد النوبة الواقعة على طريق الأسفلت الرابط بين أم درمان – بارا، والثاني على منطقة أم سيالة شرق مدينة بارا، وكان الهجوم الثالث على منطقتي الرياش وكازقيل على الطريق المؤدي إلى جنوب كردفان، أما الرابع كان غرب الأبيض على تخوم بلدة أبو قعود، وذلك وفق ما أفادت به مصادر عسكرية (عاين).
وبحسب المصادر، صدت قوات الدعم السريع الهجوم في منطقة رهيد النوبة، بينما تمكن الجيش من السيطرة على كازقيل والرياش، لكن قوات الدعم السريع شنت هجوم مضاداً فجر اليوم الاثنين على كازقيل، وتحولت المنطقة إلى محطة كر وفر بين الطرفين، دون أن يعلن أي منهما بشكل رسمي السيطرة عليها.
وقال مصدر عسكري لـ(عاين): إن “كازقيل شهدت أعنف المعارك صباح اليوم الاثنين، ومواجهات مسلحة من مسافة قريبة عقب هجوم مضاد قادته قوات الدعم السريع في وقت مبكر، وقُتل خلال الاشتباكات ماكن الصادق، أحد أبرز قادة الدعم السريع في ولاية غرب كردفان، وهو قائد قطاع أبو زبد منذ أكثر من عامين”.

بدأ ماكن الصادق هو الآخر في جمع الثروة عبر الجبايات مع توسيع نطاق انتشار قواته، في شهر سبتمبر 2024م تمدد نحو المناطق شمال أبو زبد (شمال خطة السكة حديد) لأول مرة منذ اندلاع الحرب، ونشر ارتكازات عسكرية في مدينة أبو قلب التي تضم سوق تجارياً كبيراً “سوق أم دورور” وفرض جبايات طائلة على أصحاب المحال التجارية وبائعات الشاي والأطعمة والرعاة، وفق ما نقله شهود من البلدة لـ(عاين).
وفي المقابل، نشر مسلحو قوات الدعم السريع، مقاطع فيديو تظهر أسرهم ضباط وأفراد من الجيش، خلال المعارك التي دارت في مدينة كازقيل التي تبعد بنحو 45 كيلومتر جنوب الأبيض، اليوم الاثنين.
في محور غرب مدينة الأبيض، استطاع الجيش الحفاظ على منطقة جبل هشابة التي توجد بها دفاعاته المتقدمة، عن عاصمة ولاية شمال كردفان. وبحسب مصدر عسكري أن الجيش يهدف من الهجمات المتزامنة، تشتيت قوات الدعم السريع التي تعتمد في استراتيجيتها العسكرية على ما يعرف بـ”الفزع” الذي يقوم على تجميع القوات من مناطق مختلفة لصد الهجوم لحظة وقوعه.
وتأتي هذه المعارك العسكرية بعد زيارة لنائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كباشي إلى مدينة الأبيض نهاية الأسبوع الماضي، والتي أعلن منها استمرار الحرب إلى حين القضاء على قوات الدعم السريع ورفض التفاوض قبل ذلك، وأمر قواته بالتقدم إلى إقليم دارفور غربي السودان.
إعلان كباشي لجولة جديدة من الحرب، يتزامن مع حشد الجيش قوات في مدن الدويم وأم درمان، وأم روابة والأبيض، تأهباً لخوض معركة كردفان، وفق مصادر عسكرية تحدثت لـ(عاين).
ووفق المصادر، حشدت قوات الدعم السريع مقاتلتها في الصحراء الشمالية، ومدينة بارا، والدبيبات، وأم صميمة، واستدعت تعزيزات إضافية من دارفور، وفي نهاية الأسبوع الماضي، وصلت متحركات من ولاية جنوب دارفور بقيادة صالح الفوتي، وانتشرت في عدة مواقع ميدانية في إقليم كردفان.
ويرجح مصدر عسكري أن تكون خطة الجيش السيطرة على مدن بارا وجبرة الشيخ ورهيد النوبة، قبل التقدم غرباً في كردفان، لتأمين ظهره بشكل كامل، وأن ما يجري في محاور كازقيل وأبو قعود غرب الأبيض مجرد مناوشات بهدف استنزاف قوات الدعم السريع.
ويفسر المصدر حشد قوات الدعم السريع مقاتلها في الصحراء، بأن يأتي ضمن خطة لمهاجمة الولاية الشمال أو أمدرمان أو الأبيض، حال تمكن الجيش التقدم غرباً عن طريق ترجيح كفته الميدانية بأسلحة نوعية أو كيمياوية.
منذ مايو الماضي، تدور معارك ضارية في كردفان، واستطاعت قوات الدعم السريع، وقف تقدم الجيش غرباً نحو إقليم دارفور من خلال معارك برية تقليدية، حيث يخطط للوصول إلى قواته المحاصرة في مدينة الفاشر.
ومع وصول شمس الدين كباشي إلى الأبيض، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً قالت فيه إن “الجيش ينوي استخدام الأسلحة الكيمياوية في كردفان، على نحو ما فعل في الجزيرة والخرطوم وجبل موية، بعدما عجز عن التقدم العسكري”، وهي اتهامات ينفيها الجيش على الدوام.

ويقول الضابط المتقاعد في الجيش د. خليل محمد الصائم لـ(عاين): “قوات الدعم السريع في وضع المهزوم، وهي محاصرة من قبل القوات المسلحة في كردفان، وسيقضي عليها خلال أيام، ولم يتبق لها غير الدعاية الإعلامية، واتهام الجيش باستخدام السلاح الكيماوي، وهي تهم باطلة يريدون استغلالها كذريعة للتدخل الدولي في بلادنا”.
ويشير إلى أن المعارك العسكرية في كردفان تمضي وفق الخطة المرسومة من قبل القوات المسلحة حتى الآن، وستحقق نتائجها قريباً، مضيفاً أن الجيش تمكن من تحييد منظومات الدفاع الجوي لقوات الدعم السريع، مما يجعل الطيران والمسيرات عاملاً حاسماً في معركة كردفان.
وتابع “كردفان تمثل مفتاح لدخول دارفور، قبل كل ذلك هي أرض سودانية، يحتم الواجب الدستوري على القوات المسلحة تحريرها والوصول إلى مواطنيها”.
شفى المحارق
من جهته، قال مستشار قائد قوات الدعم السريع، عمران عبد الله لـ(عاين): “الجيش والكتائب الإسلامية مجردون من الأخلاق، وهم يخططون لاستخدام السلاح الكيمياوي في كردفان مثلما فعلوا في الجزيرة والخرطوم، لكننا متحسبون لكل السيناريوهات، ووضعنا الاحترازات التحوطات اللازمة لجنودنا لمواجهة ذلك، فكردفان ليست سابقاتها”.
ويضيف: “سنهزمهم في كردفان التي لن نتخلى عنها مطلقاً، نحن أسسنا حكومة لكل السودان، وستصل قوات تأسيس حتى الخرطوم، وبورتسودان. لقد انسحبنا في السابق تكتيكياً من أجل ترتيب صفوفنا، والآن نحن مستعدون لمواجهتهم”.
ونفى عمران وجود أي تفاهمات في الخفاء مع الجيش للتنازل عن كردفان، مقابل الانفراد بالوضع في إقليم دارفور، وقال: “لن نترك كردفان، وسنتقدم لتحرير كل السودان”.
تحشيد وتحشيد مضاد، ينذر بمرحلة أخرى من الحرب في السودان على مسرح مفتوح في كردفان، التي يسعى الجيش إلى عبورها لدارفور، بينما تستخدمها قوات الدعم السريع كخط دفاع عن إقليم دارفور الذي تسيطر عليه، واقع يعجل بمعركة كسر العظم في الصراع السوداني، مما يضع إقليم كردفان الذي يعيش سكانه مسبقاً تحت أزمة إنسانية طاحنة، على شفى محارق واسعة.