“الصمغ العربي”.. ثروة ضائعة وسط حرب السودان

عاين- 1 سيتمبر 2025

أجبرت الاضطرابات الأمنية المزارع سليمان أحمد الطيب، على مغادرة قريته الواقعة شمال مدينة الخوي في ولاية غرب كردفان، تاركاً خلفه غابة ضخمة من أشجار الهشاب المنتجة للصمغ العربي، بعدما شكلت مصدر عيشه الأساسي على مدار 30 عاماً ماضية، وهو يقيم في مدينة الأبيض نازحاً، تراوده أحلام العودة مع قرب حلول الموسم الجديد لإنتاج الصمغ.

ترك سليمان مزرعته الخاصة بإنتاج الصمغ العربي مهجورة، تحفها نيران المعارك العسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، بينما يقاوم من أجل العيش تحت ظروف نزوح قاسية، بعدما كان يغطي احتياجاته من الإنتاج الذي يحققه من الصمغ في السنة، وفق ما يروي لـ(عاين).

وتوسعت المعارك العسكرية لتشمل كل مناطق إنتاج الصمغ العربي في ولاية غرب كردفان ونزوح آلاف المواطنين المنتجين إلى مناطق آمنة، وهو ما يهدد بفشل الموسم المقبل، كما أغلق بورصة مدينة النهود وهي ثاني أكبر سوق للأصماغ الطبيعية في السودان، الأمر الذي سيفاقم مشكلات التسويق.

ويُنتج الصمغ في ما يُعرف بحزام الصمغ العربي بـ 13 ولاية في السودان، ويتركز في أقاليم دارفور وكردفان والنيل الأزرق وسنار والقضارف شرقي البلاد، ويمتد في مساحة 500 كلم، ويعيش في القطاع حوالي 5 ملايين سوداني، لكن عدد الذين يعتمدون على الصمغ في معاشهم يصل إلى مليوني شخص، وفق تقديرات غير رسمية.

وأثر النزاع المسلح على موسم الصمغ العربي السابق في ولاية سنار وأجزاء واسعة من إقليم النيل الأزرق، وكردفان الكبرى، بينما كان الأثر أقل في إقليم دارفور حيث تمكن المنتجون من الوصول إلى مزارعهم وإنتاج الصمغ، لكن واجهتهم مشكلات كبيرة تتعلق بتسويق الإنتاج، وتدني الأسعار نتيجة توقف عمليات التصدير الرسمية، وفق مسح أجراه مراسل (عاين).

فشل محتمل

ويبدأ موسم إنتاج الصمغ العربي في منتصف أكتوبر من كل عام بتحضير أشجار الهشاب والطلح، وتعرف هذه العملية بـ”الطق” وينتج فعليا في ديسمبر، ويستمر حتى مايو، وخلال تلك الفترة التي تصل إلى 6 أشهر سنوياً، يكسب المنتجون معاشهم عبر بيع الصمغ العربي.

ومع قرب بداية موسم إنتاج الصمغ العربي، يشعر المزارع سليمان أحمد الطيب بحسرة شديدة، كونه سيكون بعيداً عن مزرعته التي لم يفارقها لأكثر من ثلاثة عقود، وما سيترتب على ذلك من ضائقة معيشية سيواجهها في منطقة النزوح بمدينة الأبيض.

نزحت مع معظم سكان قريتي في ولاية غرب كردفان، وفقدنا كل شيء ونتيجة ذلك سيفشل موسم الصمغ العربي القادم

 مزارع

ويقول الطبيب لـ(عاين): “لا نستطيع العودة لأن الأوضاع الأمنية سيئة في قريتي، ومسلحو قوات الدعم السريع منتشرون في كل المنطقة، ويمارسون أعمال النهب والسلب والاعتداء على المواطنين. لقد توقفت حياة الناس في غرب كردفان، ليس الصمغ العربي وحده، حتى الزراعة تقلصت مساحاتها إلى أقل من النصف هذا الموسم، والثروة الحيوانية كذلك تواجه تحديات كبيرة في الرعي”.

ويضيف: “لقد فقدت كل شيء، كان لدي إنتاج جاهز من الصمغ كنت أدخره إلى حين تحسن الأسعار، حيث كانت الأسعار متدنية في بداية الموسم، فنُهِب بعد انتقال الحرب إلى محلية الخوي. أغلب السكان في قريتي ومعظمهم من منتجي الصمغ العربي، نزحوا إلى المناطق الآمنة، لذلك سيفشل موسم الصمغ القادم في ولاية غرب كردفان”.

احد اسواق الصمغ العربي غربي السودان- الصورة وكالات

وفي الموسم السابق واجه منتجو الصمغ العربي في كردفان ودارفور مشكلة في تسويق إنتاجهم في ظل تدن كبير للأسعار نتيجة لتوقف عمليات التصدير بالقنوات الرسمية، حيث كان سعر قنطار صمغ الهشاب، يعادل نحو (41 كيلوغراماً) بمبلغ 100 الف جنيه في بداية الموسم، نحو 40 دولاراً وقتها، لكن ارتفع في أغسطس الماضي إلى 200 الف جنيه حولي 60 دولاراً، وفق ما أفاد به علي محمد وهو تاجر من غرب كردفان (عاين).

ويقول محمد: “أسعار الصمغ العربي متدنية في كل المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، نتيجة الأوضاع الأمنية وصعوبة نقله إلى البورصات التجارية الكبرى، ففي الأبيض الأسعار جيدة ووصل سعر القنطار إلى 680 الف جنيه، لكن من الصعب الوصول إلى هناك. لقد تضرر المنتجون كثيراً، حيث غادروا وتركوا أشجارهم بإنتاجها نتيجة تمدد الصراع المسلح”.

تهريب الصمغ

الصمغ الُمنتج في إقليم دارفور يُجْمَع في سوق قرب مدينة الجنينة، ويهرب إلى دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى، ولا يُعطى المنتجون أسعاراً عادلة

تاجر

أما الصمغ المُنتج في إقليم دارفور، يجمعه التجار في سوق مشترك قرب مدينة الجنينة؛ ومن ثم يتم تهريبه إلى دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى، وفق ما أفاد به تاجر من الضعين (عاين)، ومع ذلك فإن أسعار الشراء من المنتجين متدنية مقارنة بالتكاليف العالية للإنتاج والمصاعب التي يواجهها المنتجون.

فشل الموسم السابق في ولاية غرب كردفان أحد أكثر المناطق إنتاجا للصمغ العربي، وسط مخاوف من المنتجين بأن يواجه الموسم القادم الذي تبقى لحلوله نحو شهر ونصف المصير نفسه، فقد نزح معظم المنتجين، أما الذين آثروا البقاء في مناطقهم لا يستطيعون الوصول إلى مزارع الهشاب لتحضيرها؛ بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، وذلك بحسب ما قاله المزارع بالمنطقة عبيد الله الطاهر لـ(عاين).

ويضيف الطاهر: “في الموسم الماضي تركت مزرعتي وهي منتجة للصمغ، ولم نتمكن من حصادها بسبب الحرب، مما أثر في حياتي، فقد عانيت أوضاعاً معيشية صعبة، حيث أعتمد على الصمغ العربي في توفير احتياجاتي المعيشية”.

وتابع: “لن نتمكن من الذهاب إلى مزرعتي هذا الموسم بسبب المخاطر الأمنية، كما أنني لا أملك أي أموال بغرض استئجار عمال لمساعدتي على مرحلة التحضير الأولي، فهي عملية صعبة لا يستطيع شخص واحد القيام بها، لذلك فالموسم القادم سيفشل، فجميع المزارعين في غرب كردفان يعانون نفس مشكلتي”.

تراجع الإنتاج

بدوره، يقول رئيس الاتحاد العام التعاوني النوعي لمنتجي الأصماغ الطبيعية بالسودان، عوض الله إبراهيم آدم لـ(عاين): “أثرت الحرب بشكل بالغ على قطاع الصمغ العربي في البلاد، بعدما توسعت المعارك العسكرية لتشمل كل حزام الصمغ والمناطق ذات الثقل الإنتاجي للصمغ العربي، مثل بوط في ولاية النيل الأزرق، وسنار، وكردفان الكبرى، ودارفور”.

رجل سوداني يعرض انتاجه في شمال كردفان، 9 يناير 2023. (AFP)

“هناك شكاوى واسعة من المنتجين، بعدم قدرتهم على الوصول إلى مزارع الهشاب والطلح لتحضيرها للإنتاج، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، كما تعرض مزارع الصمغ والإنتاج إلى النهب، مما أدى إلى تراجع إنتاج الصمغ العربي في السودان بنسبة 80 بالمئة مقارنة بالسنوات السابقة لاندلاع القتال، حيث استطاعت الحكومة السودانية الحصول على 20 بالمئة فقط من الصمغ خلال فترة الحرب، بينما تم تهريب بقية لكميات المنتجة في المناطق الخاضعة إلى سيطرة قوات الدعم السريع إلى دول الجوار مثل تشاد وأفريقيا الوسطى”. يضيف عوض الله.

ويشير إلى أن المنتجين في مناطق حزام الصمغ العربي فقدوا كل شيء خلال الحرب الحالية، بما في ذلك الدواب والأغنام وشتى أنواع الماشية، بينما نزح معظمهم إلى الولايات الآمنة في شرق وشمال السودان، وأمدرمان، مما يؤدي إلى تأثر سالب خلال موسم الإنتاج القادم، وينبغي على الدولة رعايتهم ومنحهم ما يعينهم على العودة إلى الأماكن الآمنة واستئناف الإنتاج.

تراجعت صادرات الصمغ العربي في السودان من 200 مليون دولار إلى 100 مليون دولار خلال فترة الحرب، والمنتجين تضرروا كثيرا، وينبغي تعويضهم

 رئيس اتحاد الصمغ

وشدد:”كان الصمغ العربي يساهم بنسبة كبيرة في الميزانية العامة للصادر، رغم أن 25 بالمئة من الإنتاج كان يهرب للخارج، إلا أن عائدات صادر الصمغ كانت أكثر من 200 مليون دولار في العام، إضافة إلى الاستهلاك المحلي، لكن بعد اندلاع الحرب انخفضت إلى أقل من 100 مليون دولار في العام، حسب إحصاءات الجمارك ووزارة التجارة”.

تلك الأوضاع أثرت في ملايين المنتجين كانوا يعيشون على الصمغ بشكل أساسي لشراء الطعام، خلال موسم الإنتاج الذي يصل إلى 6 أشهر من نوفمبر إلى مايو من كل عام، حيث فقدوا هذا المورد وينبغي تعويضهم، وفق عوض الله.

أزمة التسويق

من جهته، يقول الباحث في قطاع الصمغ العربي بإقليم كردفان عز الدين أحمد دفع الله لـ(عاين): “الصمغ العربي سيواجه نفس مصير الزراعة هذا الموسم في إقليم كردفان، إذ تمت زراعة نحو 30 بالمئة فقط من المساحات التي زُرعت في العام السابق، وذلك نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية، وغياب الآليات، مما سيترتب عليه آثار اقتصادية كارثية على المواطنين المنتجين”.

ويشير دفع الله إلى أن فشل موسم حصاد الصمغ العربي السابق والصعوبات التي واجهها المنتجون في ولاية غرب كردفان على وجه التحديد، في تسويق الإنتاج ستلقي بظلال سالبة على استعداداتهم للموسم المقبل، حيث تأثر اقتصادهم، وأصبحوا لا يملكون الأموال الكافية لمساعدتهم على التحضير للإنتاج الجديد.

وخرج سوق مدينة النهود، أكبر مركز تجاري للصمغ العربي في ولاية غرب كردفان، عن الخدمة بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المنطقة في مايو الماضي، ونزح التجار إلى مدن أخرى، بعد عمليات نهب واسعة تعرضت لها محالهم التجارية، وهو ما تسبب في فشل موسم حصاد وتسويق الصمغ العربي وإحداث خسائر لدى المنتجين.

ويضيف عز الدين: “ستكون هناك مشكلات تسويقية وأخرى مرتبطة بالإنتاج ستصاحب موسم الصمغ العربي المقبل، وستكون تخوفات المنتجين حاضرة بشأن عدم حضور التجار والشركات لشراء الإنتاج؛ مما يؤثر في الأسعار، لكنهم لا يملكون خياراً غير الانخراط في موسم الإنتاج، وانتظار ما تسفر عنه تطورات الأوضاع بشأن التسويق”.

أضف تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *