مشروع الجزيرة: بين التأميم والافقار

تأميم مشروع الجزيرة لصالح متنفذين في المؤتمر الوطني

– شبكة عاين – ٢٢ يناير ٢٠١٥ –

درج السودانيون من كافة الإتجاهات على الرحيل في موسم الحصاد للعمل في مشروع الجزيرة، لتوفير قوت حياتهم اليومية. وعرفت ولاية الجزيرة (الاقليم الأوسط) سابقاً بالمنطقة التي يحتشد فيها جموع الناس دون النظر الى الاختلافات العرقية او الثقافية، وعرف السودانيون مصطلح (الكنابي) التي يُقصد بها مسكان المزارعين والرعاة ومفردها (كمبو).

ارتبطت الجزيرة بمشروع الجزيرة الذي تم تأسيسه في عام ١٩١١م كمزرعة تجريبية لزراعة القطن في مساحة قدرها ٣٥٠ فدان و بمشروع اخر وهو المشروع الروحاني حيث يقع بها احد اكبر خلاوى القرآن وهي خلوة الشيخ عبد الباقي حمد النيل حفيد الشيخ يوسف ابوشرا والذي اسس خلاوى منطقة طيبة هو الشيخ يوسف ابو شرا عام ١٧٧٠م. وفي زمن قريب درج الناس على إرتياد خلاوى طيبة للتبرك كل عام في ايام تُعرف بالحولية، وكان من الذين يرتادون طيبة الشيخ بشكل منتظم هم اهالي (مملكة تقلي) التاريخية التي تقع اليوم في محلية العباسية تقلي في شرق ولاية جنوب كردفان و الذين يربطهم رباط صوفي وثيق بازرق طيبة، يحمل غالبية ابناء تقلي اسم عبد الباقي تيمنا به. ورغماً عن توقف الزيارات، الا ان هنالك من يحافط على هذه الزيارة حتى قام طيران الخرطوم بقصف الموكب العائد من زيارة ازرق طيبة في حادثه اثارت الكثير من الغضب في نفوس الصوفية بالسودان.

مشروع الجزيرة المعروف بانتاجيته العالية للقطن والحبوب الغذائية والزيتية لم يسلم من عمليات التدهور التي ضربت كافة مناحي الحياة بفضل سياسة الانقاذ، التي تعتبر مجتمع مشروع الجزيرة “تربية شيوعيين” وفق تصريح سابق لرئيس الحمهورية عمر البشير الذي قال (ناس الجزيرة تربية شيوعيين وطوالي دايرين الحكومة تمول ليهم الزراعة وما يرجعوا القروش)، ووصف المشروع بـ “الخاسر” منذ نهاية الستينيات وأنه “عالة” على الدولة، الامر الذي تسبب في انقسام مواطني ولاية الجزيرة الى معسكرين: معارضين للحكومة ومؤيديها مثل اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل المحسوب على الحكومة.

وكانت الحكومة السودانية قد قامت بإتخاذ العديد من التدابير التي وصفها المراقبون بانها طريق ممنهج لتشريد مزارعي مشروع الجزيرة، اولها كان ادخال برنامج شركات الخدمات المتكاملة ظاهرها مساعدة المزارعين ولكن هدفها الاول والأخير تحقيق ارباح واقصاء المزارع عن ارضه. في الموسم الاول قامت الشركات برفع تكلفة العمليات الزراعية الى 145% وحققت ارباح بلغت (115) مليار جنيه ليغري هذه الربح الذي يدفعه المزارع من عرقه ودمه عدد (6) من شركات تابعة للمؤتمر الوطني الحاكم، كان المشروع عبارة عن بيئة زراعية-رعوية تنتج الحبوب وتغذي الماشية للاستفادة منها في رفع مستوى الاقتصاد السوداني، ولكن المشروع اصبح غير قادر على الاكتفاء الذاتي.

انتهجت الحكومة سياسة ادخال التقاوى الفاسدة فضلاً عن الأسمدة غير الصالحة للاستخدام ما ادى الى انخفاض إنتاجية المشروع، وقامت في ذات الوقت بإنتهاج سياسة التمويل البنكي للمزاعين، الشئ الذي نتج عنه مصادرة العديد من المنازل والحواشات بعد ان زُج باصحابها في السجن نتيجة للعجز في تسديد عطاءات البنك الزراعي الذي كان لا يتوانى في نزع الممتلكات.

وكانت شبكة (عاين) قد تتبعت مراحل تأميم مشروع الجزيرة. راصدة الرفض الشعبي الواسع للإ جراءت التي تقوم بها الحكومة السودانية في سلسة من تقاريرها المكتوبة (الفساد في السودان ملف لن يغلق: مشروع الجزيرة، تدمير مشروع الجزيرة … المبتدأ والخبر(الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالثمشروع الجزيرة والزراعة في السودان … قصة موت مُعلن). إستطلعت فيها المزارعين واعضاء من تحالف مشروع الجزيرة والمناقل، أكدو من خلالها ان الغاية من كافة الخطوات الرسمية التي ظلت تتخذها الحكومة بشأن المشروع  هي تدميره.

ويرى مراقبون إن هذه الاسباب قادت الى سياسة الإحتكار التي انتهجتها الحكومة لتمليك كادرها الحزبي أو المتنفذين منها اكبر مساحات زراعية وسكنية في السودان للسيطرة على البلاد. ولكن رغماً عن كل ذلك، وقف مواطنو الجزيرة بشكل قوي ضد عملية تخريب حياة الناس. وتم تكوين تحالف مشروع الجزيرة والمناقل الذي عرف بلجنة تاج السر لمناهضة كافة القرارات التي تخرج من الحكومة الولائية والمركزية والقاضية بتقليص دور النقابة. حيث قام التحالف بعقد العديد من المنابر الاعلامية لتعريف المواطنين بالقرارت الجائرة بحقهم من جهة ورفض قرارات الحكومة من جهة اخرى. وتعتبر اقوى مطالب لجنة تاج السر هي تغيير قانون 2005 الذي يعتبره المزراع بأنه اكبر مدخل لتفتيت المشروع، مطالبين بقانون 1984 وحل اتحاد المزارعين الحالي.