مأساة ضحايا الحرب المنسية في دارفور
– شبكة عاين – ٢٦ أغسطس ٢٠١٦ –
“انا مواطن عادي ليست لدي علاقة بالحركات المسلحة، وقد هاجرت الى مصر بعد أن تم تعذيبي واغتصب أفراد من جهاز الأمن في مدينة الدامر طفلتي ذات الخمسة عشر عاما“، هكذا إبتدر أحد ضحايا الحرب في دارفور عبد العزيز ادم (57) عاما حديثه لـ(عاين). ويسرد آدم قصته المأساوية والتي تعود إلى العام 2003 وهو العام الذي بدأت فيه الحرب الأهلية في دارفور، ويقول “لقد قام الجنجويد بحرق قريتنا وإغتالوا أشقائي وزوجتي أمامي بينما كنت أنا مختبئ مع إبنتي في مكان آخر“. وقد رحل آدم وإبنته شمالاً إلى أن وصل منطقة (كورمي) ثم إلى مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور وبعدها وصل إلى الخرطوم.
وفي الخرطوم عمل آدم في مهنة التجارة في سوق الحاج يوسف، ولكن تم نهب وحرق دكانه من مجموعة مجهولة، وعندما قام بإبلاغ السلطات تم إعتقاله مع تحذير شديد بعدم المطالبة بأي تعويض. ويقول آدم انه قرر الهجرة إلى الولاية الشمالية لكي يعمل في تعدين الذهب وقد تمكن من توفير قليل من المال مكنته من العودة لفتح (كشك) صغير في مدينة الدامر بولاية نهر النيل. وهناك واجه الرجل مصاعب أخرى منها الضرائب الباهظة، ويضيف “عندما أبديت إعتراضا قال لي المسؤول: من أين مكان أنا ولأي القبائل أنتمي؟“، وبعدها تم إعتقاله وإتهامه بالطابور الخامس والخيانة.
المواطن عبد العزيز آدم: أفراد من الأمن في الدامر إغتصبوا طفلتي
ويقول آدم أن طفلته اليتيمة (15) عاماً وتم إعتقالها بواسطة جهاز الأمن في الدامر وحققوا معها وطالبوها بأن توضح الإتصالات التي أقوم بها مع الحركات المسلحة، ويضيف “عندما نفت كل هذه المعلومات قام أفراد من جهاز الأمن بإغتصابها داخل مبنى جهاز الأمن في الدامر وطلبوا منا مغادرة المدينة فوراً“. ويشير آدم إلى أنه تم تهديده وإبنته بالقتل في حال الحديث عن عملية الإغتصاب، ويقول انه تعرض لتعذيب وحشي والأسوأ الإغتصاب الذي وقع على إبنته، ويتابع “لقد أصبت بشلل نصفي وعمى نتيجة التعذيب“. ولجأ آدم إلى معارفه وأهله طلباً لمساعدته بالسفر إلى مصر التي وصلها وأصبح مقيماً فيها برفقة إبنته، وكانت مأساته الأخرى أن وضعت إبنته طفلها الذي حبلت به نتيجة عملية الإغتصاب.
ويعاني آدم من مشاكل أخرى تتعلق باللجوء في مصر، حيث أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في القاهرة لم تقدم لهم أي مساعدات بل وترفض تقديمها، خاصة أنه لا يملك من المال لمواجهة الحياة اليومية في مجتمع غريب عنه. ويقول آدم “أنا أبحث عن جهة تقوم برعاية إبنتي وطفلتها … نحن لا نملك حتى ما نأكله ونعاني من سوء التغذية والجوع … أناشد مفوضية اللاجئين أن تقوم بتوفيق أوضاعنا“.
ويواجه عدد كبير من ضحايا الحرب أوضاعاً إنسانية صعبة لا سيما في سبل كسب العيش بعد أن نزحوا من مناطقهم الأصلية بسبب الحرب الأهلية التي إندلعت في إقليم دارفور في العام 2003. وما زالت هذه الحرب تدور في مناطق كثيرة من الإقليم مما ضاعف الوضع الإنساني والذي يتوقع أن يزداد بعد فشل المحادثات بين الحكومة السودانية وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان قيادة مني اركو مناوي في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا قبل أيام.
توهان الضحايا وإذلال في الخرطوم وعمان والقاهرة
تحولت حياة الأمين أبكر عبد الله إلى شقاء بعد إندلاع الحرب في دارفور، ويقول لـ(عاين) ان القوات المسلحة ومليشيات الجنجويد داهمتا قريته (دقريس) غرب مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور. وقد تم إحراق القرية وضرب المواطنين ضرباً مبرحاً مع إجبارهم لحمل مستلزماتهم الثقيلة على رؤوسهم، ويضيف “بعد أيام وليالي إستطعت التسلل والوصول إلى معسكر (كلمة) في جنوب دارفور وإكتشفت أن نظري بدأ يضعف تدريجياً“. وثم إنتقل في العام 2005 إلى الخرطوم لتلقي العلاج وإستطاع السفر إلى الأردن، وأبلغه الأطباء بأنه مصاب بإلتهاب في الشبكية، ويقول “من هنا بدأت رحلة الشقاء خاصة بعد أن ابلغني الأطباء في الأردن بضرورة السفر إلى أوربا لتلقي العلاج المتوفر هناك“.
ولا يملك عبد الله من المال الكافي ولذلك سجل نفسه في كشف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أملاً في مخرج يستطيع من خلاله الذهاب إلى أوربا لتلقي العلاج وإستعادة نظره. وقد ظل منتظراً هذه الفرصة لعشر سنوات، ولكن قدراً آخر كان ينتظره في العام 2015 عندما قررت السلطات الأردنية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعادة اللاجئين السودانيين إلى بلدهم، وتلك الخطوة ضاعفت من مأساة اللاجئين، خاصة أنهم تعرضوا لإنتهاكات واسعة في عمان حيث تم وضعهم في السجن وفي الخرطوم عند وصولهم تم إعتقال بعضهم. ويقول عبد الله “لقد إتهمتنا السلطات الأمنية في الخرطوم بأننا قمنا بتحريض اللاجئين وفي المعتقل تم تعذيبنا بالضرب والعنف اللفظي ثم القوا بنا على قارعة الطريق“. وقرر عبد الله السفر إلى مصر التي وصلها في بداية العام 2016 وتقدم من جديد بطلب إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في القاهرة، ويتابع “الآن أفتقد مكونات الحياة الأساسية واشكو عجزي حيث تركت أطفالي في السودان وهم بالطبع يواجهون معاناة أكبر“، وناشد مفوضية اللاجئين النظر إلى ملف السودانيين خاصة المعاقين منهم والعاجزين عن الحركة.
مأساة مطربة
“تعرضنا للضرب العشوائي من مجهولين، في الطريق بين مدينة الجنينة غرب دارفور والحدود التشادية عند رحلة العودة إلى حضن الوطن في العام 2010“، هكذا بدأت المطربة الزينة حسين حديثها مع (عاين) والتي أوضحت ان ما تعرضت له من ضرب تسبب في كسر مركب في الفخذ مما عطل حياتها العملية بالكامل. وتشير حسين إلى أنها تعرضت للإعتقال حيث أتهمت بدعم الحركات المسلحة بسبب إنضمام أشقاءها لهذه الحركات، وتقول انها قررت السفر إلى خارج السودان بعد أن شعرت أن حياتها في خطر إلى جانب تعرضها لعملية نهب ما أفقدها كل ما كانت تدخره وهذا ما زاد من معاناتها.
وتعول الزينة طفلين اكبرهم في الثالثة عشر من عمره وهناك في مصر واجهت إنتهاكات من نوع آخر وهي النظرة العنصرية من بعض المصريين إلى جانب إخفاق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في توفير الدعم إلى جانب تعاملها المسيئ للسودانيين طالبي اللجوء. وترى أن المفوضية لا تنظر في ملفات اللاجئين السودانيين الذين يتكدسون يومياً، وتقول ان كل تلك الأسباب قادتها لكي تقرر إعادة طفليها إلى السودان حتى لا تفوتهم الدراسة، واعربت عن أملها في ان يتم توفيق أوضاعها لكي تتمكن من الهجرة إلى بلد آخر.
“ادخلوا السيخ في مؤخرتي“
وقصة مأساة أخرى يسردها عمر الضو من سكان حي الوادي في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور الذي كانت لديه ورشة (حدادة) يتعيش منها. لم تكن لديه علاقة بالسياسة – بحسب قوله – لكنه أصبح أحد ضحايا الحرب لإتهامه بالتعاون مع حركة العدل والمساواة وأنه قام باصلاح عطب لسيارات الحركة في ورشته. ويرى أن تلك الإتهامات باطلة لانه يعمل من داخل المدينة واذا دخلت حركة العدل والمساواة إليها فإن ذلك يعتبر تقصيراً من الحكومة، ويقول إنه تعرض للتعذيب الوحشي مرتين في نيالا والخرطوم لدرجة إدخال السيخ في مؤخرته للضغط عليه حتى يعترف.
ويشير الضو في حديثه لـ(عاين) إلى أنه غادر السودان إلى دولة ماليزيا وهناك واجهته صعوبات الحياة، ويتابع “قفلت عائداً إلى السودان وقد إعتقلوني للمرة الثالثة وتم نهب كل الأموال التي كانت بحوزتي وبعد إطلاق سراحي غادرت البلاد إلى مصر بحثاً عن وطن آخر حتى أتجنب شرور حكومة البشير“. ويعيش الضو ظروفاً نفسية قاسية حيث يعتقد أنه ما زال مطارداً في القاهرة ويشعر بأن هناك من يراقبه في كل مكان، ويقول “بسبب ما تعرضت له من تعذيب ثلاث مرات بتلك الوحشية أعاني منها حتى اليوم مع الظروف النفسية وانا الآن أبحث عن حماية“.