سكة حديد السودان: تدمير الرابط الوطني

مثلت السكة حديد بصافراتها وقطاراتها وعمالها حضورا هائلا في معظم مدن وقرى وأرياف السودان المختلفة، وانصهرت كواحدة من أعرق المؤسسات الشعبية في الواقع الاجتماعي السوداني ، والتصقت بذاكرة السودانيين كناقل وطني ومظهر حضاري غير مسبوق في تاريخ البلاد. ويتحسر الآلاف من السودانيين اليوم على واقع تدمير السكة حديد التي مثلت مؤسسة شعبية ومدرسة اجتماعية ونضالية واقتصادية وتنموية ربطت أطراف البلاد وساهمت في تشكيل وعي ووجدان الناس على مدى أكثر من عقد من الزمان. كيف ولماذا دمرت السكة حديد؟ وما هو مستقبلها؟

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر
خريطة توضح المدن الرئيسية التي كانت محطات للسكة حديد في السودان

إرث الدولة السودانية الحديثة

حضور السكك الحديدية في وجدان وذاكرة السودانيون منذ ما قبل استقلال لم يكن حضورا سياسيا أو اقتصاديا فقط رغم عظم دورها السياسي والاقتصادي في البلاد، لكنها شكلت حضورا اجتماعا طاغيا كان له تأثيرا غير مسبوق ضمن غيره من القطاعات الاقتصادية التي أوجدها الاستعمار البريطاني للسودان خدمة لمصالحه في تلك الاونه، لكن ارادة السودانيون خلقت لها أدوارا وطنية بل ونضالية.

وكان لعمال السكة حديد السودانيون دورا بارزا في النضال من أجل استقلال السودان وتعد جهودهم احد اهم الجهود الحديثة للسودانيين في تنظيم أنفسهم نقابيا وسياسيا ضد الاستعمار البريطاني، بل وأولى لبنات الوعي السياسي والحقوقي والنقابي من أجل الاستقلال وتحقيق المساواة بين فقراء البلاد واغنيائها.

ومنذ نهاية أربعينيات القرن الماضي في فترة الاستعمار الانجليزي – المصري، برزت إلى السطح ما أطلق عليها هيئة شؤون العاملين بالسكة حديد، ويعتقد الكثيرون أنها النواة الأولى لنقابة عمال السكة حديد في السودان. وكان للهيئة دورا أساسيا في تأسيس أغلب النقابات في البلاد، وكذلك دورها في ترقية العمل، والمطالبة بحقوق العاملين، وإسهاماتها في تكوين النقابات الأخرى مثل تحالف مزارعي الجزيرة ثم دوره البارز في الاستقلال وكذلك في نجاح ثورة أكتوبر التي أزاحت نظام عبود من حكم البلاد في العام 1964.

ولم تنحصر مهام الهيئة في دورها السياسي والنقابي بل مثل وجود السكة حديد أهمية ايدلوجية لأفرادها يدافعون عنها مجموع مثلما يدافعون عن ذواتهم ووجودهم واسرهم ومجتمعهم. وربطت بينهم علاقات جماعية غير مسبوقة في تاريخ السودان، اتسمت بالوعي والحداثة رغم دافعها الشعبية العميقة في تحقيق المساواة بين العمال وغيرهم من فئات الشعب السوداني.

ولعبت السكة حديد دورا تاريخيا في ربط كافة أجزاء البلاد ببعضها اضافة لدورها الاقتصادي في ربط مناطق الإنتاج والاستهلاك والتصدير، باعتبارها أرخص وأضمن وسائل النقل في البلاد.

وامتدت السكك الحديدية إلى كافة أنحاء البلاد وربطت الخرطوم بالولايات من الجزيرة إلى نهر النيل والشمالية الى الاقليم الشرق سابقا وامتدت حتي مدينة نيالا بدارفور ومدينة واو بجنوب السودان كما وصلت الي النيل الازرق وسنار.

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر
قول حسن أحمد الشيخ وهو نقابي وموظف سابق بالسكة حديد ان ان هيئة سكك حديد السودان تم استهدافها من قبل الحكومات المختلفة ، لا سيما حكومة الإنقاذ وتم بالتالي تدميرها، الأمر الذي اسهم في تمزيق جانب اساسي من الرباط الوجداني والوطني بين كافة أبناء مناطق السودان المختلفة

رابط وطني

ومثلت السكة حديد رابطا وطنيا وشريانا اقتصاديا وتنمويا بين كافة أطراف السودان منذ ما قبل الاستقلال. ويقول أحمد حسن أحمد وهو أحد عمال السكة حديد بكوستي أن الاستعمار الإنجليزي أنشأ السكة حديد خدمة لمصالحه الاقتصادية لكنها شكلت رابطاً للبلاد من أقصاها لأقصاها. ويقول لـ (عاين) ان السكة حديد مثلت أساس التواصل الاجتماعي بين كافة أطراف البلاد والناقل الوطني لكافة السودانيين على حد السواء.

ويقول أحمد إن نقابة السكة حديد هي الاولى في التشكل ضمن النقابات السودانية الاخرى، بل وكان لها قصب السبق في المساعدة في إنشاء النقابات الأخرى مثل المزارعين والعاملين وغيرهم، ثم ناهضت الاستعمار البريطاني وقاومت الديكتاتوريات المختلفة مرورا بـعبود ونميري ثم الانقاذ. وشكلت النقابة قلقا وهاجسا لكافة الديكتاتوريين في البلاد وكانت العدو الاول لهم ومصدر الخوف، نسبة لتماسك العمال ووعيهم ووحدتهم ومقاومتهم الصلبة للديكتاتورية ووقوفهم مع الديمقراطية والمساواة والحقوق النقابية والاقتصادية.

ويروي مدير متحف السكة حديد ان الاستعمار البريطاني أولى أهمية خاصة للسكة حديد باعتبارها أكبر المشاريع التنموية في البلاد. ويقول لـ (عاين) ان مدير السكة حديد كان ضمن أحد أهم خمسة شخصيات ادارية في البلاد اذ كان احد المسئولين في مجلس الحاكم العام البريطاني الذي يضم الحاكم العام، السكرتير الإداري، السكرتير المالي، السكرتير القضائي ثم مدير عام السكة حديد.

ويقول حسن أحمد الشيخ وهو نقابي وموظف سابق بالسكة حديد ان ان هيئة سكك حديد السودان تم استهدافها من قبل الحكومات المختلفة ، لا سيما حكومة الإنقاذ وتم بالتالي تدميرها، الأمر الذي اسهم في تمزيق جانب اساسي من الرباط الوجداني والوطني بين كافة أبناء مناطق السودان المختلفة. ويقول الشيخ لـ(عاين) “في حركتها، كانت السكة حديد تنقل القبائل والأفراد واللغات والثقافات السوداني المختلفة وتقرب بين الناس، لكنها استهدفت وتم تحجيمها تدميرها وبالتالي تدمير اقتصاد البلد وجزء من روابطها الوطنية والاجتماعية“.

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر
يقول أحمد حسن أحمد وهو أحد عمال السكة حديد بكوستي أن الاستعمار الإنجليزي أنشأ السكة حديد خدمة لمصالحه الاقتصادية لكنها شكلت رابطاً للبلاد من أقصاها لأقصاها. ويقول لـ (عاين) ان السكة حديد مثلت أساس التواصل الاجتماعي بين كافة أطراف البلاد والناقل الوطني لكافة السودانيين على حد السواء.

حسرة

ويرى محمد خير الله عبد الله أحمد وهو عامل سابق في السكة حديد، ان تاريخ السكة حديد في السودان ارتبط بكافة التاريخ الوطني الحديث في السودان. ويقول محمد خير انه بدأ العمل عام 1954، في الادارة مجال الحركة، وتجول في مختلف الأقسام في عدة أقاليم في تلك الفترة، قسم جبيت بين عطبرة وبورتسودان، ومحطات كوستي والابيض، ومحطات قسم مدني الواقعة بين سوبا ومدني.

وهو أحد أعضاء اللجنة المركزية لنقابة عمال السكة حديد في الاقليم الاوسط، وفُصل من العمل فصلا تعسفيا نقابي، مع آخرين في عام ابريل 1984. منذ تلك الفترة انقطعت صلته بالسكة حديد، وبعد انتفاضة مارس – ابريل عاد الى العمل مرة أخرى، لكن لم يستمر طويلا، وتقاعد اختياريا، ويوضح انه انشأ مع اصدقاءه جمعية لمعاشيي السكة حديد في نادي السكة حديد في الخرطوم، للعاملين المتقاعدين.

ويتحسر محمد خيرالله في حديثه لـ(عاين) على واقع السكة حديد والدمار الذي طالها حاليا، قائلا أن في السابق كان العمل في السكة حديد في غاية التنظيم، وما يحدث الان الفرق شاسع جدا، علاقة العمل تقوم على حب العمل ذاته، وعلى قناعة تامة به، رغم أن حجم العمل في تلك الفترة كبير جدا، مقارنة بالوقت الراهن، عدد العاملين كبير، والعمل ذاته أكبر من طاقتهم، وهجمات عنيفة على العاملين ساعدت على هدم العمالة في السودان، قزمت العمل النقابي، وعندما يشعر بالسكة حديد الان، يشعر بألم وحسرة شديدة، وعوامل عودتها لن تعود الآن.

ويقول خير الله أن هيئة شؤون العمال تأسست من عمال السكة حديد في العام 1948، وفي سنة 1949 -1950 أسس العمال نقابتهم رسميا، وشهد ذلك العام أول دورة لنقابة عمال السكة حديد، في اول دورتها كانت ديمقراطية ، ودار النقابة كان المنصة لانطلاق العمل النقابي.

ويمضي خير الله للقول “دُمر العمل النقابي في عهد المؤتمر الوطني، في فترة الانقاذ الاول تم فصل أكثر من 4000 الف عامل بجرة قلم، كانوا يمثلون خبرات لا يجب الاستغناء عنها، بقية النقابات الموجودة لم تستطع عمل شيء. ومنذ تلك الفترة تدهورت النقابات وافتقدت التجارب، في فترة جعفر نميري حاول ان يدمر النقابة لكن فشل، ويهدم ايضا بتوزيع وتشتيت مهامها حتى تضعف. كان في السابق الاختيار ديمقراطي، الان انتفت الديمقراطية … الوجود الحقيقي للنقابة يتمثل في الولاء الحقيقي للحزب الحاكم“.

بينما يروي عبدالباسط الصافي زروق ان السكة حديد من أرخص وسائل النقل في العالم، وزوق مشرف في السكة حديد في مدينة كوستي. قال زروق لـ(عاين) ان هيئة السكة حديد في البلاد لم تجد الاهتمام من قبل حكومة الإنقاذ. ويتابع زروق “المؤتمر الوطني حاليا ما ساهم في تدهورها المشهود الآن”، واتهم السلطة بالتركيز على تدمير السكة حديد، وكانت تتوفر لعمال السكة الحديد في أغلب أقاليم البلاد. كما يقول زروق “تتوفر له كل الخدمات والاحتياجات، والان كلها انتهت”، واضاف انه انفصل في اوائل التسعينيات وعاد مرة اخري للعمل في 2008. وتمنى زروق ان يزول هذا الكابوس، وتعود الهيئة الى سيرتها الاولى، ويعود العمال كذلك إلى العمل في السكة حديد.

ويعطي الناظر السابق في قسم جبيت السكة حديد فضل الله ادريس خليفة، تعريف مختصر للسكة حديد وكيف كانت تتكون، حيث يقول ان السكة حديد في داخلها 7 مصالح: الورشة، الهندسة، المخازن، المرتبات، النقل النهري، ميناء بورتسودان، الادارة. يقول خليفة أن سابقا الميناء كان المورد المالي الرئيسي للسكة حديد، والآن أصبحت وزارة المالية هي من تغذي السكة حديد، وكان الفائض المالي للسكة حديد يذهب إلي وزارة المالية، وبدورها تقوم بتوزيعه إلى الوزارات الأخرى. ويؤكد خليفة ان السكة حديد لن تتطور مدى الحياة إلا في حالة واحدة، وهي عودة المغذي الرئيسي، ميناء بورتسودان، وليس وزارة المالية في الوقت الرهن.

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر
امتدت السكك الحديدية إلى كافة أنحاء البلاد وربطت الخرطوم بالولايات من الجزيرة إلى نهر النيل والشمالية الى الاقليم الشرق سابقا وامتدت حتي مدينة نيالا بدارفور ومدينة واو بجنوب السودان كما وصلت الي النيل الازرق وسنار.

وعي نقابي وسياسي

ويقول النقابي السابق حسن أحمد الشيخ لـ(عاين) ان نقابة عمال السكة حديد مثلت الرابط الوطني بين حقوق العاملين وجسرت العلاقات الإثنية والثقافية والدينية بين كافة السودانيين وبنت علاقات أكثر تطورا بين مختلف الفئات السودانية على قواعد العمل النقابي وتحسين ظروف الحياة المعيشية والوعي النقابي بواقع أفضل يرتبط بالضرورة بتحقيق شعارات الاستقلال الوطني والديمقراطية والعيش الكريم.

ويشير الشيخ إلى أن نقابة عمال السكة حديد كانت الرائدة في الربط بين السياسة والعمل النقابي وحقوق البسطاء ونادت بتحسين ظروف العمل وتسكت بتحسين ظروف المعيشة للعاملين وقاتلت من أجل الامتيازات للعاملين وتحديد ساعات العمل اليومية وغيرها من حقوق العاملين القانونية والنقابية والإنسانية. يشير الشيخ إلى أن النقابة ربطت كل ذلك بمجرى النضال الوطني العام من أجل الاستقلال والحرية والديمقراطية والعيش الكريم.

ويروي الموظف السابق في السكة حديد بعطبرة، عثمان حسن محمد صالح الملقب بـ(شنكل) تجربته في العمل النقابي من أجل استقلالية ووحدة عمال السكة حديد لدرجة تعرضه للفصل عدة مرات على يد الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة. ويقول شنكل أن التدرج في الوظائف من مصلحة الإدارة، لكنه فٌصل من العمل عام 1973، وعاد إلى العمل عام 1977، بعد المصالحة الوطنية، وفصل مرة أخرى عام 1981 وعاد مرة اخرى 1985، وفُصل فصلا نهائيا عام 1990.

ويضف شنكل أن العلاقات بين موظفي وعمال السكة حديد كانت أسرية، ويقول لـ(عاين) ان السكة حديد تدهورت بشكل نهائي منذ العام 1990، وتعاقب على إدارتها موظفين وعمال ليست لهم علاقات بالسكة على حد تعبيره. ويبين شنكل أن نقابات العمال الحالية أشبه بالتجار والسماسرة، يتاجرون بقضايا العمال فقط، ولا يدافعون عن قضاياهم على خلاف نقابات العمال في السابق التي كانت تقدم خدمات ومساعدات اجتماعية للعاملين.

واوضح ان الانظمة الحاكمة أدركت قوة النقابات، لذا سارعت في اضعاف وتقزيم دور نقابات العمال، لان لها دور في زعزعة الانظمة الحاكمة في البلاد، ومستقبل السكة يمكن أن يعود في حالة واحدة ، إذا ذهب النظام الحاكم الآن.

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر
تقول الحاجة شادية عوض الله وهي مواطنة من مدينة عطبرة أن حياة غالبية السكان بالمدينة كانت مرتبطة بالسكة حديد و مواقيت عملها المنضبطة التي أثرت في حياة الناس وصبغت أسلوب وحياتهم بطابع ومذاق خاص. “الحياة كانت منظمة في الساعة التاسعة صباحا صفارة الإفطار وفي الساعة الثانية بعد الظهر، موعد نهاية ساعات العمل النهارية وعودة رب الاسرة للمنزل، دون اي خلل او تأخير”

ايقونة العمال

مدينة عطبرة ايقونة العمال ورمز وحدتهم ونضالهم وانصهار علاقاتهم الاجتماعية والوجدانية، بل ومثلت التقاءا روحانيا لسكانها الذين عمل معظمهم تاريخيا بين ورش ومكاتب السكة حديد التي جمعت كافة أنحاء المدينة الصامدة. وكانت عطبرة ايضا رمزا للانصهار الوطني بين كافة مناطق وأبناء البلاد والنضال من أجل الاستقلال والحقوق النقابية، عنوانا للوحدة الوطنية ، كما كانت مركزا حضريا للوعي السياسي والثقافة والفكر والرياضة.

وكانت المدينة مثالا يحتذى للانضباط في الزمن تأثرا بحركة القطارات التي كانت تمثل رئتي المدينة وهي تقطعا جيئة وذهابا في طريقها بين مدن البلاد المختلفة. وتقول الحاجة شادية عوض الله وهي مواطنة من مدينة عطبرة أن حياة غالبية السكان بالمدينة كانت مرتبطة بالسكة حديد و مواقيت عملها المنضبطة التي أثرت في حياة الناس وصبغت أسلوب وحياتهم بطابع ومذاق خاص. “الحياة كانت منظمة في الساعة التاسعة صباحا صفارة الإفطار وفي الساعة الثانية بعد الظهر، موعد نهاية ساعات العمل النهارية وعودة رب الاسرة للمنزل، دون اي خلل او تأخير“.

وتمضي شادية للقول بأن موعد القطارات ارتبط أيضا بحركة التجارة والاسواق ومعاش بقية المواطنين في عطبرة وعدد كبير من مدن السودان، إذ كانت المحطات عبارة عن سوق متحركة للبضائع والنقل والبيع والشراء، فكانت مصدر رزق للآلاف من البسطاء في مناطق مختلفة في البلاد.

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر

خدمات

ويقول حسن أحمد حسن العامل السابق بمحطة كوستي ان السكة حديد ونقاباتهم أسهمت كذلك في تدريب وتأهيل العمال بمختلف مجالاتهم، كما قامت بتدريب الموظفين ورفعت قدرتهم التنافسية في العمل وتجويد الأداء. ويضيف حسن في حديثه لـ(عاين) ان السكة دربت الناس ورفعت قدراتهم كعمال وموظفين وخلافه واعطتهم فرصا أكبر في العمل وكسب العيش ومثلت بالتالي مكانا التقوا فيه اجتماعيا ووجدانيا.

فيما يقول النقابي حسن احمد الشيخ ان السكة حديد قدمت الخدمات التعليمية والصحية في مناطق مختلفة في البلاد وبنت المستشفيات والمدارس في عطبرة وبقع مختلفة في البلاد. ويضيف انها ساهمت في تقديم الخدمات في المدن والأرياف ولم تميز بين المواطنين وقدمت لهم الخدمات على حد سواء، لكن تم استهدافها لذات هذه الاسباب الجليلة.

ويعتبر إبراهيم علي محمدين الذي كان يعمل في إدارة الحركة والبضائع – الكشف العام، أن هيئة السكة حديد مثلت عنوانا للحياة الكريمة لآلاف العاملين على امتداد البلاد. ويقول محمدين لـ(عاين) “قسم الخدمات الاجتماعية لهيئة السكة حديد كان يقدم أموالا يطلق عليها أموال الرفاهية، تخصم من جزاءات العاملين في هيئة السكة حديد، يشتري منها الجاز، والكراسي، والاثاثات للاندية التابعة للمحطات الخلوية، وساهمت في تثقيف العاملين سياسيا وفكريا، بدل أن يطالب العاملين بالخبز، أصبحوا يطالبون بالجرائد”

سكك حديد السودان: أمجاد الماضي وانكسارات الحاضر

مستقبل عودة السكة حديد

أما مدير عام هيئة سكك حديد السودان مهندس مكاوي محمد عوض، أكد أن نهضة السكة الحديد لا تتأتى إلا عن طريق مصادر خارجية، واستقطاب قروض، وتحديث أسطولها الناقل والساحب لكي تستطيع مواكبة التطور العالمي، لأن صناعة السكة الحديد مكلفة جداً.

وكشف مكاوي عن خطته في التأهيل التي تتمثل في ثلاث مراحل، مرحلة إسعافية تشمل تأهيل الخطوط الموجودة وتأهيل القوى الساحبة والناقلة، إضافة إلى تدريب الكوادر وإعادة الهيكلة، وتحتاج هذه المرحلة إلى ثلاث سنوات. أما المرحلة الثانية أو الإنعاشية، فيقول مكاوي إنها تشمل بناء خطوط جديدة بالاتساع القياسي، بحيث تزيد مساهمة السكة الحديد في النقل، وتحتاج إلى خمسة أعوام. ومن بعد ذلك تأتي الخطة التوسعية والأخيرة التي تستمر إلى العام 2026م، وهي مرحلة لربط المدن التي ليست لديها سكة حديد بدول الجوار، وأضاف  “التأهيل يتطلب التمويل والتدريب لجيل جديد. وعن توظيف علاقاته بدولة الصين للتأهيل” وتابع مكاوي “أنا معجب بنهضة الصين التي كان لها الدور الكبير في نهضة الكهرباء“.

ان تدهور السكة حديد بدأ بالفعل منذ السبعينيات، وتعود اسباب التراجع، كما يذكر البعض، إلى سوء الإدارة وسوء الصيانة، المركزية الصارمة إلى خمسة أقاليم. ويقول احد الخبراء ان النظرة المستقبلية لأغلب المشاريع الكبيرة دوما تفتقد الي البعد المستقبلي، وكذلك الي تدخل السياسة بشكل سافر تصفية السكة حديد، وتعتبر أكبر جريمة ارتكبت في تاريخ السودان. وكذلك يشير عضو لجنة تقييم خسائر قطاع النقل بابكر محمد توم الى ان هناك دراسات في عدة لجان حكومية لتحديد حجم الخسائر ووضع معالجات لها من أجل إعادة القطاع سيرته، ولكنه أشار إلى الأثر السيئ للحظر الأميركي الذي تحطمت فيه السكك الحديدية.