..زواج القاصرات في السودان خطر داهم – الجزء الاول
٢٧مايو٢٠١٤
تقرير – عاين
كانت زينب بملابس عروس تلعب بدميتها مع صوحيباتها اثناء الزغاريد داخل منزل اسرتها في احدى الاحياء الطرفية في العاصمة السودانية الخرطوم ، وهي لا تعلم ان تلك الزغاريد لزفافها من رجل يكبرها باكثر من (18 ) عاماً ، ورغم ان زينب لم يتعدى عمرها (11) عاماً ، غير انها وهي بملابس العروس والمكياج ظهرت باكبر من عمرها الحقيقي .
كل يوم في نواحي الخرطوم ومناطق ريفية اخرى في السودان تشهد مثل تلك الزيجات ، زواج القاصرات المنتشر في هذا البلد الذي يشهد حروباً اهلية من اقصاه الى اقصاه ، واحتقان سياسي غير مسبوق ، ووضع اقتصادي واجتماعي مزري ، اصبحت ظاهرة كبيرة رغم اتساع التعليم والمعارف .
وقد اعترف المجلس القومي لرعاية الطفولة بالزيادة الكبيرة في نسبة زواج القاصرات في السودان ، حيث وصلت نسبة فقدان الفتيات للتعليم في الفترة من العام (2006 الى 2010 ) ما بين (60 % الى 70% ) ، مما يدق ناقوس الخطر لمواجهة الظاهرة لما تسببه من تشوهات اقتصادية ، اجتماعية وصحية ولمخالفتها للقوانين والمواثيق الدولية لحقوق الطفل ، وقد اعتبرت منظمة (اليونسيف ) ان المشاكل الاقتصادية وانتشار نسبة الفقر وسط مجموعات كبيرة من السكان ، وفقدان التعليم في عدد من ولايات السودان الى جانب اتساع رقعة الحرب ، اضافة الى الفهم الخاطئ اجتماعياً بما يعرف ( السترة ) عند عدد من الاسر المحافظة خاصة في الريف ، جميع تلك الاسباب هي وراء انتشار ظاهرة زواج القاصرات .
وقد اجريت الدراسة في ست ولايات : الخرطوم ، شرق ، غرب ، جنوب وسط دارفور ، القضارف ، واستندت على نسبة السكان ، واجريت على ما يقارب (3 ) الف شملت الآباء والفتيات الصغار ، واوضحت الدراسة ان زواج القاصرات تسبب في فقدان (71% ) منهن فرص التعليم في شرق دارفور ، وفي الخرطوم بلغت النسبة (61% ) ، وفي جنوب دارفور (58% ) ، واشارت الدراسة الى ان الفئات العمرية للائي تم تزويجهن وسط القاصرات كان ما بين (10 الى 14 ) عاماً بنسبة (15% ) وترتفع النسبة الى (39% ) في الفئات العمرية ما بين (15 الى 18 ) عاماً
وكانت نسبة زواج الاطفال قد بلغت بحسب المسح الاسري في السودان لسنة 2010 بالمناطق الريفية بأكثر من 42% بينما بلغت النسبة بالمناطق الحضرية نسبة 28% ، وتبلغ نسبة النساء اللائي تزوجن تحت سن 18سنة تركن المدرسة بدون تكملة تعليمهن بنسبة 24% ، أحد الاسباب القوية وراء زواج الاطفال هو(السترة) حيث تعتبر بعض المجموعات زواج القاصرات (سترة) للفتيات ولشرف الاسرة والقبيلة بجانب الاعراف والتقاليد والفقروالدين،وقالت الكثير من الفتيات إنهن قد تم اجبارهن من قبل أسرهن (الاباء-الاشقاء-الاعمام) علي الزواج في سن صغيرة لان في ذلك (سترة) لهن اوسيكون لهن اطفال يمكن ان يتربوا بصورة افضل من ان يكن في عمر كبير في سن الامهات.
ويقوم بعض الائمة والشيوخ الدينيين بمراسيم زواج الطفلات بصورة عامة في معظم الاوضاع باستثناء سكان نيالا والقضارف وضواحي الخرطوم ، بينما تعتبر قرأة (الفاتحة) هي وسيلة لاعلان الزواج بين مختلف طبقات المجتمع ويلاحظ ان (القسيمة) هي الوثيقة الرسمية التي يتم بها الاعتراف الرسمي بالزواج ولكن بالكاد تكون موجودة في العديد من الاجزاء خاصة في دارفور.
في ولاية نهر النيل في شمال السودان أقرت أمينة مجلس الطفولة بالولاية كوثر محمد إبراهيم بان ولايتها تشهد إرتفاعاً كبيراً في زواج القاصرات وصل إلى نسبة 27 % من بين النساء المتزوجات وقالت انه لا يمكن القضاء على ظاهرة زواج القاصرات بالولاية دون إتاحة فرص التعليم للنساء بالولاية كلما تعلمت تكون عملية ولادتها بسهولة ويسر، بجانب دورها الكبير في تعليم الأطفال , فيما أرجع الأطباء ارتباط زيادة معدلات وفيات الأمهات والمواليد ومضاعفات عسر الولادة المميتة، لتفشي ظاهرة زواج القاصرات .
وقال نائب اختصاصي نساء وتوليد محمد عيسى أن المشاكل التي تواجهها القاصرات أثناء عملية الولادة ، هي عدم اكتمال الجهاز التناسلي والحوض، والإجهاضات المتكررة مع الولادة الناقصة أو المبكرة في ستة أشهر، بجانب مضاعفات الحمل وتسمى (الكلبش)، وطالب ناشطون حقوقيون وإنسانيون بالولاية بضرورة تفعيل القوانين ، واستنهاض الوعي المجتمعي ، للحد من هذه الظاهرة الخطيرة،وشدد ناشطون وناشطات علي ضرورة ان تعترف القوانين السائدة في البلاد بالمساواة في النوع الاجتماعي حتى يتسنى للفتيات والشابات في البلاد السيطرة على حياتهن والخلاص من دائرة زواج الأطفال وسوء المعاملة. وكانت مجموعة من المحامين والنشطاء الحقوقيين نادوا في وقت سابق بتغيير القوانين السودانية التي تسمح بزواج الأطفال
وقال احد الاطباء فضل حجب اسمه لـ(عاين) ان زواج القاصرات التي وصفها بالخطيرة تؤثر علي المناعة والامراض المنقولة جنسياً وان الزوجة تكون عرضة للاصابة بأمراض ( الناسور البولي وسرطان عنق الرحم ) ، فضلا عن الاثار النفسية للطفلة التي تكون غير مهيئة نفسياً للمعاشرة الجنسية الى جانب عدم قدرتها علي تحمل المسوؤلية الاجتماعية والاسرية ، وقال ان النساء اللائي يتزوجن في عمر مبكر يواجهن معاناة من احتمال عدم القدرة على الولادة الطبيعية، والولادة المبكرة، وعدم القدرة على استكمال فترة الحمل. ويتسبب الزواج المبكر عادةً في ارتفاع ضغط الدم لدى الجنين والحامل وما يصاحبه من أعراض اختلال وظائف أعضاء الجسم التي قد تؤدي إلى انفجار الرحم أو الحمل العنقودي وضغط العمود الفقري ، وترتفع نسبة الوفيات وسط الفتيات اللاتي يتزوجن في سن مبكرة
وبحسب الدكتورة ناهد محمد الحسن فأنّ الّذين يتحدّثون عن جاهزيّة الفتاة للزواج عند البلوغ باعتبار النضج الجسدي قيد التطوّر يهملون النضج النّفسي الضروري للتواؤم مع تعقيدات الزواج العلائقيّة والقانونيّة. ولفتت الي ان مرض الناسور البولي يعتبر من الأثار الصحية المترتبة على زواج القاصرات لتأثيره على النساء وعلي حياتهن بما يسببه لهن من حرج ونفور الأزواج وأحياناً هجر المرأة والزواج بغيرها ، واضافت ان زواج القاصرات له اثار نفسية باعتبار ان هذه الزيجة المدمرة تعدّي حقيقي على حق الطفلة في اللعب والنمو السوي والصحّة ، وهو شكل من أشكال التمييز ضدّ المرأة إذ يقوم على مفاهيم أساسيّة تنمّط المرأة جنسيا ،فضلا عن الاثار الاجتماعية والاقتصادية الاخري الناجمة عن انقطاع التعليم والدراسة وفرص التدريب التي تؤدي الي عدم القدرة علي المنافسة في سوق العمل والعمل العام علاوة علي رفع معدلات الفشل في العلاقات الزوجية و ارتفاع معدلات العنف الجسدي والمعنوي كما تشكل الرعاية الصحية التي تحتاج اليها الزوجة الطفلة واطفالها عبئاً اقتصادياً علي الاسرة وعلي المجتمع والدولة.