حي السلام بكسلا … إقتلاع وتشريد

تقرير شبكة عاين – الجمعة 15 ديسمبر 2017

بعد 30 عام، وجد مواطني حي السلام بكسلا أنفسهم مشردين وأسرهم في العراء، اقتلعت السلطات الحكومية منازلهم في شهر أكتوبر 2017، وواجهت الأجهزة الأمنية المواطنين الذين احتجوا على هدم منازلهم باطلاق قنابل الغاز السامة، واعتقلت العشرات.

إقتلاع و إزالة
بالقرب من السوق الشعبي كسلا، وقبل وصولك لنهر القاش العتيق، ومرورك بأحياء كسلا العريقة، يصافح وجهك مشهد الرواكيب المحطمة، بعض الأواني المنزلية على الأرض، أعمدة خشبية، جوّالات خيش، بقايا حياة على الهامش.

هنا أنت في حي الإفراج، الإسم الأصل، أو حي السلام – كما إشتهر به لاحقاً – حيث تركت الجرافات الحكومية بصماتها، وطرحت كل شيء أرضاً.

حي السلام الذي يقطنه حوالي 30 ألف نسمة منذ أكثر من 30 عام، باتوا مشردين في العراء، حيث استخدمت السلطات بولاية كسلا قوة عسكرية لإزالة مئات المنازل صباح السبت الأول من أكتوبر 2017م.

وقال شهود عيان إن القوة اطلقت اعيرة نارية في الهواء واستخدمت الغاز المسيل للدموع في مواجهة رافضي الإزالة، وتم توقيف واعتقال أكثر من (20) مواطن.



سكن إضطراري قديم
يرجع تاريخ حي السلام للعام 1990، فقد وزعت السلطات الحكومية في ذلك الوقت أراضي الحي كحظائر لتربية الماشية، لكنها ظلت أرض خالية لعدة سنوات، بعد ذلك توافد إليها المواطنين واستخدموها كأرض للسكن الاضطراري، وبنوا عليها مساكنهم بمواد غير ثابتة.

وفي العام 2010 – عقب الإنتخابات – قامت محلية كسلا بتحرير شهادات حيازة لسكان الحي، ووعدتهم بتخطيطه بعد أن ملكتهم أرقام للمنازل، لتعود العام الماضي وتقرّر إزالة الحي الأمر الذي رفضه السكان.

المحامي أحمد عبدالله مرسال يرى بأن أهل حي السلام أصحاب حق، ويضيف لشبكة عاين: “بما أنهم حازوا على الأرض، ومقيمين بها منذ فترة طويلة، إذا هذا يعتبر حيازة، ويحميها القانون”.


حي متعدد الأعراق
توافد للحي منذ نشأته كسكن إضطراري، مواطنون من خلفيات إثنية مختلفة، كان الحي الملاذ الآمن لكل من لم يجد مسكن بسبب غلاء الإيجارات وضيق المعيشة، فأصبح الحي الحضن الدافي للمكتوين بنار الحياة.

ضم حي السلام مواطنون من مختلف أنحاء السودان، عاشوا مع بعض في توافق ووئام. أحمد محمود أحمد من أقدم السكان، يستذكر تاريخ الحي المتعدد الأجناس قائلاً:” تعايشنا نوبة، جعليين، جنوبيين، هدندوة وبني عامر وغيرهم، كان الحي مثال للسودان الكبير”.

ومن أجل تقنين وجودهم في المكان، تواصل أفراد من سكان الحي مع وزارة التخطيط العمراني، يضيف أحمد محمود قائلاً:” وصلنا لمرحلة الترقيم، وكنا في انتظار التخطيط النهائي واستلام الأوراق، ولكن جاءت السلطات وهدمت كل شيء”.



خطوات قانونية

أبدت السلطات بكسلا نوايا إزالة حي السلام في 2016 عن طريق قرار، ولكنها تراجعت عن تلك الخطوة عقب احتجاج سكان الحي، الذين قدموا بعد ذلك طعن دستوري ضد القرار. ولكن ما عمّق الأزمة أكثر هو أن السلطات قامت بتنفيذ قرار الإزالة في مطلع أكتوبر 2017 بالرغم من أن القضية ما زلت في المحكمة.

إدريس عبدالله، رقيب معاش بالقوات المسلحة السودانية، يتهم السلطات في ولاية كسلا بانتهاك القانون، ويضيف:” تابعنا كل الإجراءات القانونية، قدمنا طعن إداري ضد قرار الإزالة، وكانت جلسة النطق بالحكم يوم 5 أكتوبر، إلا أن السلطات نفذت قرار الإزالة يوم 1 أكتوبر، وهذا انتهاك صريح لسيادة القانون”.

“طالما إن الأمر وصل للمحكمة، وتم قبول الطعن الإداري، كان من المفترض أن تلتزم السلطات بذلك، وأن توقف عمليات الإزالة إلى حين فصل المحكمة في القضية” هكذا يرى المحامي مرسال، ويضيف :” ما بدر من سلطات ولاية كسلا بعد ذلك وضع سيادة القانون في مأزق، وهذا شيء مؤسف في دولة كالسودان تدعي سيادة القانون”.



تشرد في العراء
عدد من مواطني الحي، باتوا الآن دون مأوى، حيث فقدوا كل شيء. خديجة سليمان العاملة بمستشفى كسلا التعليمي، ترى أنهم تعرضوا لعملية خداع، وتضيف:”قالوا لينا حنوديكم لي مكان أفضل وحنعوضكم، لكن لم يحدث أي من ذلك”، خديجة وأطفالها الخمسة الآن في العراء بعد إزالة منزلهم.

بينما يرى إدريس أن أسوأ وضع واجهه في حياته كان بعد الإزالة، أصبح هو أسرته الصغيرة بلا سكن، تشرد أبنائه من الدراسة، وهو الذي خدم أكثر من 22 سنة في القوات المسلحة السودان، ويضيف قائلاً:”هذا هو جزاء من يخدم الوطن، يرمى وأطفاله كالكلب”.

عدد من الجهات نادوا بسرعة التدخل لحل أزمة مواطني حي السلام، حيث حمّل الأمين العام لجبهة الشرق محمد بري، والي كسلا آدم جماع مسؤولية ما حدث من تحطيم لممتلكات سكان الحي، وناشد السلطات المركزية بالتدخل وايقاف فوضى الأراضي التي تنتشر في شرق السودان.