جمع السلاح في دارفور: بسط أمن أم تحويل لموازين القوى؟
تقرير شبكة عاين – الخميس 28 ديسمبر 2017
لم تجد الإنذارات من مغبة جمع السلاح تحت الظروف الحالية لإقليم دارفور أذان صاغية، فواصلت الحكومة في محاصصة جمع السلاح، مما أدى إلى ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين بشمال دارفور، في منطقة مستريحة ومعسكرات النازحين. ولكن هناك سؤال يطل برأسه في عمق الازمة، هل الغرض من جمع السلاح هو بسط الأمن في الإقليم ؟ أم إطلاق يد قوات الدعم السريع والسيطرة على الموارد في دارفور؟
ما وراء نزع السلاح
كانت الحكومة السودانية قد أعلنت نزع السلاح بإقليم دارفور في العام 2016. فشكلت لجنة برئاسة نائب رئيس الجمهورية حسبو عبد الرحمن، الذي شرع فعلياً في تنفيذ الحملة في منتصف سبتمبر الماضي، إلا أنه إصطدم برفض من قبل حرس الحدود – المنحدرة من مليشيات الجنجويد- وأيضا ظهرت تحذيرات من مغبة جمع السلاح، بإعتباره إعلان لحرب جديدة. ونتيجة لنزع السلاح بالقوة، أسفر ذلك عن احداث متتالية كان ضحيتها المجموعات الرعوية بدارفور.
د. الوليد مادبو يشرّح هذا الوضع قائلاً: “نحن في مطب النخب السياسية التي إستغلت القيادات المحلية للحفاظ على سلطتها، وذلك بتعميق الشق القبلي” موضحاً أن الطرق المستخدمة لذلك تتمثل في ثلاث مستويات، ثقافي إجتماعي وسياسي. فالنُخب المركزية ونخب الشمال النيلي، ثم الاسلاميين عملوا على تغييب الدور السياسي لبقية المناطق، فظهر دور السياسي الجلابي، وهم أبناء الهامش أنفسهم.
من جهته يقول عضو هيئة محامي دارفور عبد الرحمن القاسم لـ(عاين): “تكليف الدعم السريع بجمع السلاح لا يستند على أي معيار قانوني، كان من الأوجب تكليف جهات محايدة، إقليمية، دولية أو وطنية” ويرى القاسم أن الغاية من نزع السلاح هي الموارد، ويضيف: “لا يمكن لنا صرف النظر عن صراع المصالح فى إيرادات المعادن بدارفور التى تُدر دخلا كبيرا، مع وجود عناصر أخرى مثل جهاز الأمن وآخرين، يريدون زيادة نسبة القسمة وإزالة العوائق، فالشيخ موسى هلال يمثل حسب تقرير منظمة كفاية عنصراً أساسياً لتجارة الذهب فى جبل عامر”.
من ينزع سلاح من؟
ابتدرت النازحة سعاد فضل حديثها لـ(عاين) حول شمولية جمع السلاح قائلة: “نزع السلاح ما يكون من فلان وتخلو علان، هسي في ناس عندهم ستة أسلحة، بجمع سلاح واحد ويخلي الباقي”. وخوفاً من عودة الحرب الى اقليم دارفور قالت سعاد: “الحركات المسلحة ما نزعوا سلاحهم، نتمنى يجمعوا السلاح من كل زول في دارفور عشان يكون في عدالة”.
وكان زعماء من الإدارات الاهلية قد رحبوا بعملية نزع السلاح، مشترطين أن يتم بشكل عام دون استثناء وبتشاور مع الادارات الاهلية. خاصة وأن هنالك مجموعات سُكانية محددة تحوز على الاسلحة، تستهدف المجموعات الأخرى. القيادي بالمؤتمر الوطني رئيس عمد ومَشائخ معسكر أبوجا ادم محمود يقول : “نحن ما رافضين جمع السلاح، لأننا أساساً نحن ما عندنا سلاح، العندهم سلاح في دارفور هم الحكومة والعرب”، وأضاف قائلاً :”الحكومة عارفة السلاح مع منو”.
احداث مستريحة
بعد هجوم قوات الدعم السريع – التابعة لرئاسة الجمهورية -لمعقل الشيخ موسى هلال، الموالي للحكومة، وزعيم قبيلة المحاميد، بضاحية مستريحة، وإلقبض عليه ونجله، ونقل هلال إلى الخرطوم ووضعه بالاقامة الجبرية، خلق هذا الأمر ربكة كثيفة وسط الرأي العام المحلي والاقليمي، وتباينت الآراء حول هلال باعتباره مؤسس قوات الجنجويد. وكيف استعاضت عنه الحكومة بزعيم آخر من قبيلته هو محمد حمدان دقلو (حميدتي).
والأمر الذي أحدث كل هذه التطورات هو أوامر قوات الدعم السريع بنزع السلاح من أتباع موسى هلال، الشيء الذي رفضه الأخير. وهنا يظهر إستخدام الحكومة لقيادات من ذات القبيلة ضد الأخرى بالإقليم. وبعد تصريحات هلال برفضه تسليم السلاح ودعوته لاهل دارفور بالوحدة في افتتاحية مؤتمر الجبهة الثورية بفرنسا. تبين للحكومة احتمالية تحالف عريض بين المجموعتين الرعويِتين (الشمالية الابالة والجنوبية والبقارة) بغرض الحفاظ على وضع أمني متقدم. فكان تدخل حميدتي بقواته وإعتقال هلال.
صراع موارد
يرى مادبو ذلك من منظور إقتصادي، ويقول: “الموضوع الاساسي في احداث مستريحة هو البعد الاقتصادي، بتحليل ان الاقتصاد سيموت اكلنيكياً، وهنا تكمن العلاقة بين شيفرون ومستريحة، حتى لا يقتل روسي بسبب سلاح في دارفور، كما قتل المنقبين في شيفرون”. ولكن المحامي والناشط الحقوقي محمد بدوي، يذهب في اتجاهات اخرى، وهي أن جمع السلاح الغاية منه إيهام المجتمع الدولي بسيطرة الحكومة على الأوضاع في دارفور، موضحاً أن ذلك بالقول: “يتجلى ذلك في أحداث متتالية، مثل هزيمة مني اركو مناوي، ونمر عبد الرحمن وطرّادة، بعدها عملت الحكومة على التخلص من موسى هلال عبر حميدتي”.
ويضيف محمد بدوي: “الهدف من جمع السلاح هو السيطرة على المليشيات واحتوائها للسيطرة على جبل عامر واستبدالها بمليشيات جديدة. هذه المرة تتشكل من الذين وقّعوا اتفاقات مع الحكومة من حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة، وهم ابكر فَلنكا، التجاني شغب، ادم صالح، محمدين ادم بشر والأمين طورو”.
ويقول محمد بدوي: “زيارة البشير لأم القرى شكلت منعطفاً ببداية صراع بين حميدتي وهلال، حيث توالى الاستفزاز على موسى هلال باعتقال 6 من أعضاء مجلس الصحوة وترحيلهم للخرطوم، صاحب ذلك بالترويج بعودتهم من ليبيا للتشويش على انهم ذات صلة بخليفة حفتر، دفع ذلك قوات الدعم السريع للإشتباك مع جماعة هلال في مثلث مصر ليبيا تشاد، فقُتل 17 وجرح 9 أشخاص”. واكد بدوي ان هجوم مستريحة تم بقوات تتبع للدعم السريع، مكونة من خارج دارفور، ويردف قائلاً:”قامت الحكومة بتكوين قوة درع الصحراء، وهي مليشيات تم تجميعها من جنوب وشمال كردفان تحت قيادة حميدتي، وهي القوات التي قامت بأحداث مستريحة”.
مستقبل حميدتي
يقرأ عبد الرحمن القاسم مستقبل حميدتي من زاوية ان الطرفين – هلال وحميدتي – مليشيات تتبع للحكومة، قائلاً: “حتى لو حاولت الحكومة شرعنة وجود حميدتي، فهو مليشيا، ومستقبله سيكون كهلال”. ولكن محمد بدوي يذهب إلى أن القضية ستنحني منحاً آخر، وهو أن مستقبل المهرية والمحاميد سيشهد سيناريو جديد، اشبه بسيناريو الرزيقات والمعاليا، تعتمد هذه المرة على فلسفة توازن القوة لتأمين انسياب البترول، واضعافها لعدم تكرار تجربة دعم هذه المجموعات للحركات المسلحة والحركة الشعبية”.
وهنا تجدر الاشارة الى ان عشيرة موسي هلال إتهمت قوات الدعم السريع بإستهداف أفرادها ونشرت كشف باسماء المعتقلين بعد أحداث مستريحة مؤكدةً أن عملية الاستهداف ظلت مستمرة الى حين اصدار البيان.
ويتفق معهم في الرأي د. الوليد مادبو الذي اكد ان”التخلص من امراء الحرب، الذين إسَتخدمتهم الحكومة في فترة حرب دارفور بدأت بموسى هلال، وستنتهي بـِحميدتي. خاصة وان هناك حملة طالت اعتقالات العديد من امراء الحرب في الفترة الماضية ومصير حميدتي سيكون اسوأ من سيناريو هلال”.
وتشهد العلاقة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة تواترات وصلت حد الاشتباكات في أكثر من مرة ، وكانت القوات المسلحة قد تدخلت لتفتيش منطقتي العسيلات ،والفادنية. بحثاً عن السلاح والذهب؛بعد احداث الاقتتال التي دارت بينهما ،وهي ذات القوات التي لم تتحرك لنزع السلاح في اقليم دارفور الامر الذي يترك سؤلاً كبير؟
ويقول مصدر عسكري فضل حجب اسمه لـ(عاين)” الجيش هو القوة الرسمية في الدولة، أي قوة غير الجيش مسئولية الجهة التي انشأتها، عندما عرض علينا دمج قوات الدعم السريع طلبنا نمر عسكرية وإعادة تأهيل، وعندما رفضوا تبنتها الرئاسة، فهي المسئولة عنها وعن تصرفاته” واطلق حميدتي تحذير على الهواء مباشرة للجيش متوعداً الجميع ببسط هيبة الدولة، مما يشير الى زيادة حدة التوتر بينه والجيش.