جحيم دارفور … حرب الكل ضد الكل

جحيم دارفور ... حرب الكل ضد الكل

لا يوجد وصف عن ان ما يحدث في اقليم دارفور المضطرب والذي دخل عامه الثاني عشر انسب من انه ( جحيم دارفور ) ، حيث اصبح الوضع اشبه بحرب الكل ضد الكل ، والاقليم من اقصاه الى اقصاه في قتال مستمر بين القبائل المختلفة ، ما جعل المراقبون يطلقون عليها ( الحرب القبلية العبثية )، بل حتى انها لم تصبح بين ما ظل يتم ترديده منذ اندلاع التمرد في العام 2003 بانها حرب ( زرقة ضد عرب ) ، حيث اصبحت القبائل ذات الاصول العربية في قتال غير مسبوق ، بسبب النزاع حول ملكية الارض او ( الحيكورة ) ، وما يضاف اليه من اتهامات بان الحكومة المركزية في الخرطوم من خلال تحالفاتها مع عدد من القبائل ذات الاصول العربية والتي خاضت معها الحرب ضد المتمردين تسعى للتخلص من تلك التحالفات باشعال هذه الحروب فيما بين حلفاءها السابقين .

الصراع في ملكية الارض والنهب المتبادل

في ابريل الماضي لقي اكثر من ( 20 ) شخصاً مصرعهم في الاشتباكات بين قبلتي الرزيقات والمعاليا في شرق دارفور ، وكانت الاسباب ان عناصر من قبيلة المعاليا قامت بسرقة (500 ) رأس من الماشية تخص جارتها الرزيقات ، رداً على نهب مجموعة تنتمي الى قبيلة الرزيقات  (600 ) رأس من مواشي قبيلة المعاليا ، ولكن تلك الاحداث لم يتم التحقق حولها من قبل السلطات الولائية او الاتحادية ، بل ان الطرفين اكدا بعد تلك الاحداث انهما سيدخلان في مواجهات جديدة ، وبالفعل هي المواجهات العنيفة التي وقعت في مايو الجاري ، على الرغم من ان هناك اكثر من ( 6 ) مؤتمرات صلح عقدت بين الطرفين حول ملكية الارض ، كان آخرها في فبراير الماضي برعاية النائب الاول للرئيس الفريق بكري حسن صالح ، ولكن يبدو ان تنفيذ الاتفاقيات يواجه صعوبات .

وعادة ما تحدث الاشتباكات الاثنية في اقليم دارفور بين القبائل ذات الاصول العربية والافريقية ، واحياناً داخل الاثنية الواحدة بسبب النزاع حول المراعي ونهب المواشي وملكية الاراضي ، وتعود هذه النزاعات الى سنوات طويلة ، وزاد عليها الصراع التمرد المسلح الذي كانت بداياته في العام 1992 بتمرد القيادي الاسلامي داؤود يحى بولاد الذي كان قد انضم الى الحركة الشعبية لتحرير السودان ، ولكن تم اخماد تمرده سريعاً ، ثم التمرد الاكبر والذي ما زال مستمراً واندلع في العام 2003 .

وسبق ان وقعت اشتباكات في جنوب دارفور في مارس الماضي بين قبيلتي السلامات والفلاتة ذات الجذور الافريقية ادت الى مقتل اكثر من (20 ) شخصاً وجرح (30 ) آخرين بسبب نزاع حول اراضي ، كما شهد ذات الشهر اشتباكات بين قبيلتي الزيادية ذات الاصول العربية والبرتي الافريقية في شمال دارفور حول سرقة مواشي ، وقد كان لانتشار السلاح الناري وبانواعه المختلفة اثره الكبير في زيادة العنف وعدد القتلى ، حيث ان النزاعات الاثنية قديمة في الاقليم وكان يستخدم فيها السلاح الابيض ، وهذا الوضع الامني المضطرب جعل خبراء الامم المتحدة يرسلون تحذيراتهم من ان يصبح الاقليم ارضية للجماعات الارهابية بسبب انتشار السلاح ووجود الجماعات الاسلامية في ليبيا التي لديها حدود مع دارفور .

القتل والنزوح في الصراع العبثي

ان النزاع الاثني بين الرزيقات والمعاليا ادى الى نزوح – بحسب الاحصائيات – اكثر من (120 ) الف مواطن من الطرفين منذ اغسطس 2013 ، وفي العام الماضي لقي اكثر من ( 600 ) شخص مصرعهم وما يقرب من (900 ) جريح ، الى جانب (55 ) الف نازح من محليتي ( عديلة وابو كارنكا ) وهي من مناطق قبيلة المعاليا ، غير ان مؤتمر الصلح الذي عقد في مدينة ( مروي ) في الولاية الشمالية اعطاءهما لقبيلة الرزيقات رغم رفض الاولى لذلك .

وفي النزاع الاخير الذي وقع في الربع الاول من شهر مايو الجاري لقي اكثر من (110 ) شخص مصرعهم بتجدد الاشتباكات بين الزريقات والمعاليا في منطقتي ( عديلة وابو كارنكا ) في ولاية شرق دارفور ، وقد استخدمت فيها الاسلحة الثقيلة والتي لا تملكها سوى القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع التابع لجهاز الامن ، وتم توجيه اصابع الاتهام للحكومة المركزية بالانحياز لطرف على حساب طرف آخر ، بل ان قيادات قبيلة المعاليا  اتهمت قيادات نافذة في الحكومة بالانحياز الى جانب اثنية الرزيقات ومدها بتلك الاسلحة ، لا سيما ان قائد مليشيا الدعم السريع ينتمي اليها .

تبادل اتهامات وتحميل الدولة مسؤولية ما حدث

يقول احد شيوخ قبيلة المعاليا مردس جمعة لـ ( عاين ) ان الحكومة المركزية والولائية دعمت الهجوم الاخير من قبيلة الزريقات على مناطقهم ، وليثبت اتهامه اوضح ان هناك اسلحة ثقيلة من مدافع ( الدوشكا ) والسيارات ذات الدفع الرباعي التي تستخدمها القوات الحكومية والمليشيات استخدمتها عناصر قبيلة الرزيقات ، ويشير الى ان اكثر من (57 ) الف اسرة اصبحت في العراء بعد ان تم احراق مساكنها بالكامل وهم يعيشون ظروفاً انسانية قاسية ، ويضيف ان نحو (129 ) جثة لمقاتلي قبيلة الرزيقات ما زالت ملقية على الارض ، وشهدت الفترة من اغسطس 2013 الى مايو 2015 اكثر من (20 ) غارة قامت بها مجموعات من قبيلة الرزيقات ، ووفقا للشيخ مردس جمعة فان قبيلته تتعرض للابادة الجماعية تحت سمع وبصر الحكومة .

ويرجع الشيخ جمعة اسباب الصراعات المسلحة بين القبيلتين الى النزاع حول ملكية الاراضي ، ويقول ان الارض التي تقيم فيها قبيلته تعود الى اكثر من ( 500 ) عام وان الاستعمار البريطاني اسس نظام ( الحواكير ) في العام ( 1927 ) وتم تتبيع المنطقة الى نظارة الرزيقات ، ويضيف ( الحواكير هي مسالة ادارية وليست ملكية والموجودون في مناطق ابو كارنكا ، عديلة ، كليكي وابو سلامة هم من المعاليا ) ، ويؤكد ان المؤتمر الاخير الذي تم عقده في مدينة ( مروي ) في الولاية الشمالية لم يحقق الصلح والاستقرار .

فيما يقول احد قيادات قبيلة الرزيقات العمدة ايدام ابوبكر لـ(عاين) ان قبيلة المعاليا تأوي اللصوص من مناطق قبيلة الرزيقات، متهماً الحكومة فشلها في توفير الامن في المنطقة،وكرر اتهامه للمعاليا بالقيام بمناوشات وايواء اللصوص، ويقول ان الدولة لا تريد ان تقوم باي دور يحقن الدماء،ويضيف  ( لا يوجد التزام من جهة الدولة وهي ولم تحرك الياتها ، في مثل هذه الاوضاع لابد للدولة ان تضع كل التحوطات في المنطقة ) ، وطالب بنشر  قوات عازلة بين الطرفين .

المعالجات الحكومية في النزاع القبلي

ظل التفكير الحكومي في كل نزاع قبلي الاتجاه نحو الحل الامني والعسكري ، ولكن القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم الدكتور ربيع عبد العاطي يرى في حديثه لـ( عاين ) ان الحكومة تفضل لقاء طرفا النزاع مباشرة لا سيما ان المؤتمرات التي عقدت من قبل لم تحقق صلحاً حقيقياً ، مطالباً الحكومة ان تغير استراتيجيتها في المنطقة ، نافياً ان تكون الحكومة طرفا في الصراع الدموي ، ويعتقد ان قضية الصراع في دارفور تتعلق بالمراعي والزراعة ، ويقول ان ملكية الاراضي لا يجب ان تكرس للقبلية وان الارض يفترض ان ينظر اليها بشكل وطني ، لكنه عاد ليضيف ( هذا الامر يحتاج الى فترة طويلة من الزمن لكي تترسخ الوطنية ) .

وتقول الحكومة انها وضعت استراتيجية لحسم ما تسميه التفلت الامني والقتال بين قبيلتي المعاليا والرزيقات ، ومن ضمنها معالجات امنية وقانونية ، حيث اكد وزير الداخلية عصمت عبد الرحمن ان الاجهزة الامنية دفعت بقوات كافية من الشرطة والجيش وجهاز الامن ووضع حد للتفلتات الامنية ، فيما حذر وزير العدل محمد بشارة دوسة من اي شخص يخرج عن القانون سيتعرض للاعتقال ولن تلتفت السلطات لاي حصانة ، بما يؤكد تورط قيادات نافذة في الحكومة في هذه الاشتباكات

غياب الادارة الاهلية في حل النزاعات  

الصراع القبلي الذي يدور بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا ليس وليد هذه الفترة ، وانما تعود الى فترة ستينيات القرن الماضي ، وكانت الادارات الاهلية تتدخل بين الطرفين ويتم فيها دفع الديات والتعويضات ويتم اجراء المصالحات ، غير ان الصراع في هذه الفترة اصبح نوعياً بعد الاستقطاب السياسي الحاد الذي تشهده المنطقة الى جانب انتشار السلاح الحكومي ، وغياب الاستراتيجية في حل الازمة السودانية بشكل شامل .

ويرى المحلل السياسي عبدالله ادم ان الصراع هذه المرة خلف ضحايا من الطرفين بشكل غير مسبوق ، ويقول لـ (عاين ) ان انتشار السلاح الحكومي ادى الى ان يأخذ هذا الصراع شكله الدموي الى جانب وجود مصالح شخصية من قبل قيادات في القبيلتين ، ويشير الى ان الصراع في منطقتي ( ابوكارنكا وعديلة ) ليس هو الوحيد ولكنها تمثل الحالة الاكثر مأساوية ، ويقول ( قبل فترة حدث موت جماعي في مليط في شمال دارفور بين البرتي والزيادية ، وفي مناطق اخري في جنوب دارفور ) ، ويعتقد ان القيادات القبلية اصبحت تحت سيطرة الحكومة المركزية ، ولكن المسؤولية تقع على الجانب الحكومي التي يفترض ان توفر الحماية والامن للمواطنين وان تقوم بواجباتها في تحقيق التعايش السلمي وان تستعيد قيم المصالحات بين اطراف الصراع .

ويشدد خاطر على تحميل الحكومة في كل مستوياتها مسؤولية الاحداث الدموية التي جرت مؤخراً ، ويرى ان الادارات الاهلية في الماضي كانت تلعب دوراً كبيراً وفاعلاً في حل الازمات التي تنشب بالحكمة والعرف والتقاليد ، ويقول ( لكن الان اصبحت اداة منا ادوات السلطة وليس هناك في الوقت الحالي ادارة اهلية حكيمة يمكن ان تلعب دورا مثل ما كان في الماضي )  .

من جانبه يقول الصحفي عبدالرحمن العاجب لـ (عاين ) ان الصحفيين قدموا مبادرة لوقف العنف القبلي بعد انفجار الوضع بين قبيلتي المعاليا والرزيقات في ولاية شرق دارفور، وطالبت المبادرة الحكوكة بالتصدي للصراعات القبلية، ويضيف ان الوضع في المنطقة تجاوز مرحلة الازمة، ويشير الى ان دور الصحافة من ناحيتها المهنية ان تعمل من اجل تقديم الدور التوعوي برفض النعرات العنصرية ، وشدد على ان نجاح المبادرة مرهون باستجابة السلطة التنفيذية، وان توقف الحكومة دعم طرف قبلي دون الاخر بالاسلحة، ويقول ( من دون وقف الدعم والتجنيد القبلي وبسط هيبة الدولة لن يتحقق الاستقرار ) ، متهماً الحكومة انها العامل الرسمي في القتال الدائر في المنطقة ، والدولة هي من تجند طرف ضد اخر .

قوات الدعم السريع وسط المعركة

ومن ضمن التطورات في هذا الصراع دخول مليشيا الدعم السريع التابع لجهاز الامن والمخابرات ، ويقول القيادي في قبيلة المعاليا حمدان جابر لـ (عاين ) ان قوات الدعم السريع شاركت في القتال الى جانب قبيلة الرزيقات باسلحتها الثقيلة والسيارات ذات الدفع الرباعي ، ويضيف ان هذه القوات قامت بالافعال التي تقوم بها في مناطق الحرب المختلفة ، من قتل النساء والاطفال وعمليات الاختطاف .