اوضاع الصحافة والصحفيين: الحال يغني عن السؤال
تقرير : عاين
تهديدات الرئيس السوداني عمر البشير الاخيرة للاعلام في الخرطوم وتصريحاته التي اطلقها قبل اسبوع بانه سيتولى ملف الاعلام اصبحت واقعاً، حيث تمت مصادرة صحيفة (التيار) بعد الطبع، ثم منع صدورها الي اجل غير مسمي وفي السادس عشر ديسمبر الحالي، القت نيابة امن الدولة القبض على رئيس تحرير جريدة التيار عثمان ميرغني بعد مرور 48 ساعة على تعليق صحيفته. ووصلت قوة تابعة لنيابة امن الدولة الى مقر الصحيفة في الخرطوم شرق في السابعة والنصف مساء، واشهرت القوة التي ترتدي الزي المدني آمر القبض في وجه ميرغني، كما تم القبض على رئيس تحرير صحيفة (الصيحة) أحمد يوسف التاي في ذات اليوم، ودونت في مواجهتهما ها بلاغات بدعوى نشر مواد صحفية تحريضية ضد الحكومة وتقويض النظام، وهي مواد تصل عقوبتها للاعدام في حال ادانتهما، ولكن لم يعرف حتى الان ان كانت ستعقد لهما محاكمة من عدمها.
الحكومة تبدي ضيقها من نشر القضايا الساخنة
يقول المحرر العام في صحيفة (التيار) علاء الدين محمود إن الصحيفة كانت تتبنى خطاً واضحاً وهذا ما قاد الى اغلاقها، و يضيف ان ما قاد الرئيس عمر البشير إعلانه تولي امر ملف الاعلام هو غضبه من أن الصحف وقفت ضد سياسة حكومته في الأونة الاخيرة مثل تناولها قضايا رفع الدعم عن المحروقات في الموازنة المقدمة للبرلمان وغيرها من ملفات لا تريد الحكومة اي ممارسة للنقد حولها، ويقول لـ(عاين) إن الصحف لعبت دورًا بارزاً في تناول الكثير من القضايا وهذا ما ترفضه الحكومة بشكل قاطع، قال ل(عاين) أن صحيفته طرحت قضايا التشدد الديني وازمة الاقتصاد في البلاد، ويعتقد ان ذلك كان السبب الاساسي في أغلاق الصحيفة، وتوقع إن تقود قضايا اخرى مثل السدود والمخدرات الي اغلاق صحف اخرى قريباً، وتابع (هم يحاربون الصحافة اما بالاغلاق او تعليق النشر الي اجل غير مسمي).
واصبح واقع الصحافة في السودان بائساً وطارداً في نظر العاملين في المهنة لانعدام حرية الصحافة والرقابة اللصيقة من جهاز الامن والمخابرات الى جانب المصادرة بعد الطبع ـ فضلاً عن استدعاءات جهاز الامن للصحفيات والصحفيين وتدوين بلاغات وتحقيقات من قبل نيابة امن الدولة، القت هذه الاجراءات بظلالها على مهنة الصحافة، ويشتكى الصحافيون من اهمال نقابتهم (الاتحاد العام للصحفيين السودانيين) لما تواجهه مهنة الصحافة من المصادرة والرقابة القبلية من اجهزة الامن والتهديدات المتكررة لعدد من الصحافيين وتوقيف عدد من كتاب الرأي من الكتابة في الصحف من قبل الأمن، وانهاء بعض المؤسسات الصحفية عقود عدد من الصحفيين ايضاً باوامر من جهاز الأمن، ويشكو الناشرون من ارتفاع مدخلات الصحافة من رسوم جمركية على ورق الطباعة، مما انعكس على المهنة.
واقع سئ ينتظر الصحافة السودانية مع بداية العام الجديد
وتوقع احد الصحفيين تحدث لـ(عاين) طالباً حجب اسمه أن يشهد العام الجديد واقعاً اسوأ للمهنة بعد تصريحات البشير الاخيرة، ويقول أن العام الحالي وعلى الرغم من التضييق الذي تشهده الصحف الا ان بعضاً منها تناول عدد من الموضوعات حيث كشفت للرأي العام مثل قضايا (حاويات المخدرات، دفن المواد الاشعاعية السامة في منطقة سد مروي في شمال البلاد، الغموض الذي اكتنف اعمال الشركة الروسية للتعدين)، ويرى أن الحكومة اصبحت تضيق من تناول الصحف لهذه القضايا يعتقد النظام إنها تمثل خطوطاً حمراء، ويضيف (الوضع الصحفي سيزداد سوءا، ولن تكون هنالك مساحة لحرية للصحافة في البلاد).
وكشف رئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانيين الصادق الرزيقي عن عزم إتحاده اعتماد صيغة للتعاقد الجماعي للصحفيين والتي اعتمدها الاتحاد الدولي للصحفيين، والممثلة في وثيقة تضمن العقود والبدلات وحقوق نهاية بعد الخدمة، وحقوق التدريب، وربط تنفيذ هذه الخطوات بالتوجيهات التي اصدرها النائب الاول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح، ويضيف إن توجيهات النائب الاول كانت نتيجة لطلبات الاتحاد المتكررة بمراجعة الرسوم الجمركية علي مدخلات الصناعة الصحفية والتي تشمل الورق والاحبار وكل مستلزمات الطباعة، مشيراً الى ان توجيهات صدرت الى وزارة الاعلام لتنفيذ القرار، ويقول (حالياً تعكف جهات عديدة منها وزارتي المالية، الاعلام الى جانب اتحاد الصحفيين علي دراسة القرار، لافتاً الي وجود تعاون مع مجلس الصحافة لتخفيض الرسوم، ودعا الي تخفيض الضرائب والغاء ضريبة الارباح والدخل الشخصي، ونوه الي تلك المطالب اذا نفذت ستنعكس علي اوضاع الصحفيين عبر مجموعة تدابير منها وضع الاجور للصحفيين عبر وزارة العمل.
ترتيبات الاولويات ما بين الحريات الصحفية والحد الادنى للاجور
من جانبه يقول الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي لـ (عاين) ان حديث الرزيقي جاء بعد زيارة وفد اتحاد الصحفيين العرب الى السودان، ويضيف أن اتحاد الصحفيين حاول ان ينقل للوفد الزائر ان اوضاع الصحفيين في البلاد جيدة، ويقول (مع إن المحصلة ليس فيها جديد وحقوق الصحفيين واضحة لا تحتاج لحديث من رئيس الاتحاد الصادق الرزيقي)، متهماً مؤسسة التأمين الاجتماعي في احيان كثيرة تتواطأ مع الناشرين لهضم حقوق الصحفيين، ويشير الى ان مسألة التعاقدات كان قد تحدث عنها اتحاد الصحفيين السابق ومجلس الصحافة وتم وضع الحد الادني في الاجور ويقول (لكن لم يتم تنفيذه ولم يلزم به الناشرين أيضاً)، مؤكداً إن الإتحاد لم يكن له اي دور عند مصادرة الصحف بعد طباعتها وإستدعاء الصحفيين للتحقيق معهم من قبل جهاز الامن، واصفاً الخدمات التي قدمها الاتحاد للصحفيين بالمتواضعة، ويقول (المنازل التي تم تمليكها للصحفيين خلال دورة الاتحاد السابق لا تليق بالحجم والدور الذي يقوم به الصحفي).
من جهته يقول المحلل الاقتصادي كمال كرار لـ(عاين) ان حديث رئيس اتحاد الصحفيين عن تحسين المرتبات يعتبر ذراً للرماد في العيون ومحاولة تضليل لزملاء المهنة، موضحاً ان العمل الصحفي يحتاج الى بيئة صالحة تبدأ من حرية التعبير والنشر، ويقول (الاولوية الآن هي توفير الحريات الصحفية باعتبارها من ابجديات العمل الصحفي)، ويشير الى ان الرقابة الامنية ومصادرة الصحف واستدعاء الصحفيين تحدث في ظل وجود اتحاد للصحفيين ولكنه لا يتخذ اي موقف للحد منها، ويضيف (قبل التحدث عن مدخلات صناعة الصحافة يجب أن تكون الاولوية وضع حد لتدخل السلطة التنفيذية في عمل الصحف وإنهاء تقييد حرية الصحافة والنشر)، ويضيف (الحكومة تعتقد ان الصحافة عدواً لها وبدلاً من الحديث عن عقودات الصحفيين كما ذكر رئيس الاتحاد الصادق الرزيقي عليه ان ينظر للصحافة علي انها اداة مهمة للتنوير).
من جهته طالب مدير تحرير صحيفة (الجريدة) اشرف عبد العزيز الحكومة رفع الحصار المفروض على الصحافة والغاء القيمة المضافة خاصة بعد انخفاض سعر الجنيه في مقابل الدولار اذا كانت جادة في تحسين الاوضاع الصحفية بالبلاد، ويقول (اذا تم الغاء الضرائب المفروضة على الصحف فان الاوضاع ستتغير الى الافضل)، معتبراً حديث رئيس الاتحاد الرزيقي لا جدوى منها ان لم يكن هنالك حلاً فوقياً، ويقول لـ(عاين) ان صحيفته تعاني من نقص في الاعلانات مع ضعف التوزيع وارتفاع الضرائب وهو ما خلف اعباء على الناشرين والتي القت بطلالها على الصحفي، وتابع (رواتب الصحفيين ضعيفة للغاية ويتم التعيين لاصحاب الولاء والاقارب او عن طريق الوساطة وهذا يؤثر على صناعة الصحافة).
غير ان رئيس اتحاد لاتحاد العام للصحفيين السودانيين الصادق الرزيقي دافع عن صيغة العقود المقترحة وقال لـ(عاين) ان هذه الصيغة لا يمكن اعتمادها في حالة واحدة فقط اذا كان للصحفيين جهاز نقابي قوي. مشيراً الي ان شبكة الصحفيين السودانيين لا تعبر عن غالبية الصحفيين الذين يمثلهم اتحاد الصحفيين السودانيين.
قفزة في الظلام
وذهب في ذات الاتجاه مدير تحرير صحيفة الصيحة يوسف الجلال يقوله (عاين) ان رئيس الاتحاد العام للصحفيين السودانين يشعر بالذنب نتيجة لان عدد الصحفيين في تزايد الذين تم تشريدهم من قبل الناشرين، ويضيف ان الدولة كرست سياساتها على افقار الصحفيين، متهماً الحكومة بانها تتربص بالسلطة الرابعة (الصحافة)، مبدياً موافقته على انتهاج صيغة التعاقدات الجماعية، واصفا مقترح اتحاد الصحفيين بالاشراف على العقودات بالقفزة في الظلام، باعتبارها خطوة لتسويق بضاعته التي لا تخلو من خيال وشطط في التفكير، مطالباً الاتحاد بإنهاء معاناة الصحفيين بمعالجة اوضاعهم خاصة نزاعهم مع الناشرين الذين تعودوا هضم حقوقهم بطرق فردية، ويقول (هنالك بعض الناشرين دأبوا علي التعاقد مع الصحفيين باجور زهيدة)، كاشفاً عن ان غالبية الصحفيين لا يعملون تحت بند التوظيف ولا يخضعون الى تعاقدات واضحة).
ويقول الجلال ان اتحاد الصحفيين لا يبدي اي يتحرك في مواجهة ناشري الصحف الذين يستمرأون ظلم واجحاف الصحفيين، ويضيف (اصبح عدم صرف الصحفي للمرتب في عدد من الصحف امر عادي بل صارت ظاهرة وثقافة)، مطالباً الاتحاد بتبني قضايا تخص المهنة منها منع جهاز الامن لعدد من الكتاب من النشر في الصحف الكتاب، ويقول (على اتحاد الصحفيين العمل بجدية لإنتزاع حقوق الصحفيين بدلا من اضاعة الجهد في ما لا طائل منه)، متهماً الاتحاد بانه يعبر عن سياسيات حزب المؤتمر الوطني الحاكم وليس القاعدة العريضة للصحفيين، وتابع (لذلك الكثير من الزملاء في المهنة يقفون الى جانب شبكة الصحفيين السودانيين كجهة اصبح مشهود لها بالدفاع عن حقوق الصحفيين برفض مواقف الناشرين كما ان الشبكة واضحة في مواجهة السلطات الامنية وسياساتها القمعية ضد الصحفيين).
اتهام لاتحاد الصحفيين بالتواطؤ مع الحزب الحاكم
ولكن الصحفي محمد همة (نيالا) يرى إن القضية ليست في الاجراءات والقوانين وانما الخطأ في عدم تطبيق القوانين والزام الناشرين باحترام حقوق الصحفيين. ويقول لـ(عاين) (إن كل ما قاله رئيس اتحاد الصحفيين الصادق الرزيقي موجود في قانون العمل ولائحة الخدمة المدنية)، ويضيف (هذه نصوص موجودة علي ورق لكن لا يعمل بها الناشرين)، متهماً رئيس الاتحاد العام للصحفيين بالتواطوء مع الناشرين وعضوية المؤتمر الوطني بتوزيع الامتيازات وبيوت الصحفيين لأعضاء المؤتمر الوطني العاملين في منهة الصحافة. ويقول (بل ان الاتحاد ادرج موظفي العلاقات العامة في المؤسسات الحكومية ضمن زملاء المهنة الصحفيين لكي يلحقهم بالاتحاد وينالوا هذه الامتيازات على حساب اصحاب الحق).
وطالب همة اتحاد الصحفيين التوجه الى القواعد بدلاً من البقاء في برج عاجي، مشيراً الى ان عدد من الصحفيين يتكدسون امام محكمة العمل انتظاراً للفصل في دعاوى تقدموا بها تتعلق بالفصل التعسفي. ويقول (رئيس اتحاد الصحفيين والذي شغل ايضاً رئيس تحرير صحيفة “الانتباهة” سابقاً كان يصرف للصحفيات العاملات في صحيفته مرتبات اقل من الحد الادنى للاجور وهذا اكبر انتهاك للقانون).
وفي ذات الاطار يقول عضو شبكة الصحفيين السودانيين خالد احمد لـ(عاين) ان الشبكة طالبت منذ فترة اجبار الصحف باعتماد الحد الادني للاجور والزامها بسداد التأمين الاجتماعي وادخالهم تحت مظلة التأمن الصحي، ويضيف (قدمنا عقد عمل نموذجي يضمن الحقوق الاساسية للصحفي)، مشدداً على ان اتحاد الصحفيين لا يعبر عنهم، ويقول (هذا الاتحاد يتبع للنظام الحاكم الذي يقمع الحريات الصحفية ويومياً يصادر الصحف).