السودان وإسرائيل.. أجندة غير مُعلنة للتطبيع
30 أكتوبر 2020
في الثالث والعشرين من أكتوبر الحالي، أعلن السودان وإسرائيل رسمياً عن اتفاق يمهد لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، تتضمن جوانب اقتصادية وتجارية بالتركيز على الزراعة ومجالات الطيران والتعاون في ملف الهجرة، لاسيما في ظل تواجد آلاف اللاجئين السودانيين على الأراضي الإسرائيلية.
جاء الإعلان عن بدء خطوات تطبيع العلاقات بين الخرطوم وتل أبيب، كأحد مطلوبات إزالة إسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، والتي ظل فيها منذ العام 1993، ذلك على الرغم من تشديد رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، على ضرورة فصل مسار العلاقات مع إسرائيل عن مسار رفع إسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
لكن الإتفاق المُعلن لبدء التطبيع بين السودان وإسرائيل، لم يتطرق لتفاهمات أو أجندة تتعلق بالجوانب الأمنية، على الرغم من أن إسرائيل ظلت منذ إنشائها تمثل رقماً اساسياً في المعادلة الأمنية الخاصة بالإقليم، وفق الواقع الذي فرضته ظروف الصراع العربي الإسرائيلي، إضافة لتوجهها المحموم للإنفتاح نحو العمق الأفريقي، وما يمثله القُطر السوداني من اهمية في تلك المعادلة.
أجندة غير مُعلنة
السفير السابق والخبير الدبلوماسي الرشيد ابوشامة، استبعد أن تتضمن التفاهمات التي تمت بين الخرطوم وتل أبيب، جوانب متعلقة بالتعاون الأمني بين البلدين، وقال: “لايمكن أن تتضمن الإتفاقيات التي تم التوصل إليها مسائل تتعلق بالجانب الأمني”.
وأوضح لـ(عاين) أن السودان بهذه الخطوة سوف يساعد إسرائيل على زيادة سيطرتها على حوض البحر الأحمر، وهذا أمر مستبعد حسب رايه، وأضاف: “حتى تلك التفاهمات التي تم التوصل إليها لإقامة علاقات بين البلدين، لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد المصادقة عليها من قبل المجلس التشريعي في السودان”.
لكن الأستاذ الجامعي والباحث في العلوم السياسية محمد أحمد شقيلة، يرى إن تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، أمر اعتيادي ولا يختلف عن إقامة علاقات بين دولتين تنشأ على تبادل المصالح المُشتركة بينهما.
واضاف لـ(عاين): “بهذا الفهم من المؤكد سوف تشمل العلاقات تعاوناً على كافة الأصعدة الإستراتيجية والتي تعني الجوانب الأمنية والإقتصادية والسياسية، وفي ذلك يمكن لإسرائيل الإستفادة من موقع السودان بإطلالته على البحر الأحمر ووجوده الجغرافي في قلب القارة الأفريقية”.
وتابع: “ايضاً السودان يمكنه الإستفادة من التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، وبالضرورة سيكون هنالك عمل أمني مُشترك يُعزز هذا التعاون”.
أمن البحر الأحمر
عبد القيوم: الصراع الحالي حول الإستحواذ على ميناء بورتسودان هو جزء من هذه الإستراتيجية، وأن الإمارات تلعب دور الوكيل الأمريكي في المنطقة، لمواجهة النفوذ الصيني الروسي في افريقيا والمنطقة العربية.
يلعب السودان دوراً محورياً بحكم علاقاته مع المجموعة العربية وتأثيره المباشر على الأوضاع في القارة الأفريقية، عوضاً عن موقعه الجغرافي الإستراتيجي بإطلالته على البحر الأحمر، وما يشكله حوضه من اهمية كبرى على المستويين الأمني والإقتصادي في خارطة الصراع الدولي والإقليمي.
فرضت إسرائيل سيطرتها على عدة جزر متاخمة للمياه الإقليمية السودانية مثل جزيرة (دهلك) الإريترية المُطلة على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، ومن ثم السيطرة على بعض الجزر السودانية مثل جزيرة (أبناء عباس) و(شعب لوكا).
واستطاعت تل ابيب خلال العقود الماضية فرض سيطرتها على عدة جزر متاخمة للمياه الإقليمية السودانية مثل جزيرة (دهلك) الإريترية المُطلة على الساحل الجنوبي للبحر الأحمر، ومن ثم السيطرة على بعض الجزر السودانية مثل جزيرة (أبناء عباس) و(شعب لوكا)، بينما لا تزال تعمل على إخضاع أكبر مساحة من البحر الأحمر لسيطرتها، وذلك لأهميته في خططها الأمنية الإستراتيجية.
لكن السفير ابوشامة قطع بأن اسرائيل لن تستطيع على سبيل المثال أن تطلب من السودان إقامة قواعد عسكرية على اراضيه، مثلما فعلت مع بعض الدول، وأعتبر أن الحديث عن تعاون أمني بين البلدين يأتي من دوائر تتطلع لعرقلة جهود الحكومة الحالية للإندماج في المجتمع الدولي.
بينما قطع القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير – الإئتلاف الحاكم في السودان – مجدي عبدالقيوم، بوجود اتفاق وتفاهم حول تعاوني أمني ضمن صفقة التطبيع بين السودان وإسرائيل التي رعتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال عبد القيوم لـ (عاين): “هذا يدخل في إطار اهمية موقع السودان لأمن البحر الأحمر وأمن الحزام الأفريقي الذي يمتد من اريتريا وحتى السنغال، وبالتالي فإن من اهم المكاسب التي سوف تتحقق بتطبيع العلاقات بين البلدين، هي وجود غطاء أمني يمكنهما من تبادل المعلومات في هذا الصدد”.
ويذهب عبد القيوم، إلى أن أمن البحر الأحمر وصراع الموانئ العالمية بين الولايات المتحدة والصين حول طريق الحرير – وهو طريق تجاري قديم يربط الصين بالعديد من دول اسيا وافريقيا واوروبا – وما يمثله ميناء بورتسودان من اهمية كبرى لهذا الطريق.
ويرى ان الصراع الحالي حول الإستحواذ على ميناء بورتسودان هو جزء من هذه الإستراتيجية، وأن الإمارات تلعب دور الوكيل الأمريكي في المنطقة، لمواجهة النفوذ الصيني الروسي في افريقيا والمنطقة العربية.
حلف دولي جديد
وحول إنضمام السودان لحلف جديد في المنطقة كشفت عنه وسائل إعلام عبرية، وقالت انه يضم إسرائيل والدول العربية التي ترتبط بعلاقات معها مثل مصر والإمارات والبحرين، لمواجهة النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، قللّ الخبير الدبلوماسي الرشيد ابوشامة، من إمكانية انضمام السودان له، وقال: “صحيح، أن الإمارات والبحرين لديهما مشكلات مع إيران، وربما هذا هو ما دفعهما للتطبيع مع إسرائيل، لكن من المستبعد أن يصبح السودان جزء من هذا الحلف لعدم وجود مصلحة مباشرة في ذلك”.
لكن الباحث في العلوم السياسية محمد أحمد شقيلة، رجّح إنضمام السودان لحلف الدول التي وافقت على التطبيع مع إسرائيل، والذي توقع أن يزداد اعضاءه ليصبح هو الفاعل والأكثر تاثيراً.
وأضاف: “وجود السودان ضمن هذا الحلف أمر إيجابي، سينقله من خانة الدول المؤثر عليها إلى خانة الدول المؤثرة على مستوى السياسة الخارجية، والإنضمام للأحلاف أمر طبيعي بين الدول لحماية المصالح المُشتركة”.
وفي ذات الإتجاه يؤكد القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير، بأن السودان سوف يصبح جزءً من حلف دول التطبيع مع إسرائيل الذي ترعاه الولايات المتحدة الأمريكية، وأن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، سعى للتخفيف من نفوذ هذا الحلف وتأثيره على السودان، بالإتجاه نحو القارة الأوروربية، ودعوة دولها لضخ استثماراتها في السودان، حتى لاتترك الملعب للولايات المتحدة وحلفاءها.
ويُشير عبد القيوم إلى أن السودان حالياً في طريقه للإنضمام للحلف العسكري الأمريكي، واعطاء ظهره لحلفائه السابقين الصين وروسيا، وتابع: “مشروع الفصل السابع الذي ستنفذه الأمم المتحدة في السودان مطلع العام المُقبل، هو غطاء إستراتيجي امريكي لخلق تنمية مستدامة في البلاد تتيح الفرص لسيطرة الشركات الأمريكية مقابل تحجيم النفوذ الصيني”.
ويذهب في ذلك إلى أن مصالح الولايات المتحدة في السودان لايمكن ان تنجح بمعزل عن تطبيع الخرطوم لعلاقاتها مع تل ابيب، التي تُعتبر لاعباً رئيساً في المعادلة الأمنية في المنطقة.