السودان: ظاهرة العنف ضد المرأة و التنامي المطرد

السودان : ظاهرة العنف ضد المرأة و التنامي المضطرد

يتخذ العنف ضد المرأة بالسودان اشكال متعددة في مستويات مختلفة حتى يظن الناس أنه جزء من الثقافة العامة، تجده في أرقى المؤسسات التعليمية وفي القرى ثم الحضر فضلاً عن عنف الشارع العام والقوانين التي وضعت لأجله.

شهدت الفترة الأخيرة زيادة في وتيرة العنف ضد المرأة بالسودان، حيث طال الضرب الطالبات بجامعة الاحفاد بالتزامن مع حالات تحرش جنسي طالت طالبات بجامعة الخرطوم من قبل استاذهن، واقتحام منزل احدى الفتيات بالخرطوم من قبل اجهزة الشرطة وتم على إثر ذلك اقتيادهم وضيوفها إلى السجن. وعمليات الاغتصاب التي وقعت فيها نساء مناطق الحرب خاصة اقليم دارفور الذي شهد اغتصابات وتعدي الجنسي، هذا فضلاً عن الزواج القسري لقصر دون سن الثامنة عشر والذي يتم بحماية الدولة والتشريع. فضلاً عن عمليات التحرش واقتياد النساء إلى محاكم النظام تحت المادة 152 من القانون الجنائي السوداني، أشكال متعددة للعنف وسط حملات مناهضة كبيرة قامت بها المراة السودانية منذ زمن مبكر لكنها لم تكبح جماح العنف ضد المرأة.

التحرش الجنسي

“بدأت اتعرض للمضايقات منذ الثالثة عشر من عمري حيث كان الاختلاف بيني وبنات جيلي هو كبر جسدي، أول عملية تحرش واجهتني كانت في المواصلات العامة حيث تفاجأت بيد رجل على فخذي بعد ان كنت اتناقش مع زميلتي في الدراسة التي كانت تتخذ المقعد الخلفي مباشرة ولكن فجأة شعرت بشي سخن في كراعي، كان أحد الرجال واضعاً يده. فارتبكت لدرجة اني نزلت مباشرة قبل محطتي وواصلت كداري” هكذا قالت ام الحسن العوض لـ(عاين) عن التحرش بالمركبات العامة. ويعتبر التحرش الجنسي ضد المراة في السودان احدى الظواهر السالبة حيث تتعرض النساء لاشكال مختلفة من التحرش الجنسي من قبل اصحاب المحال التجارية في الأحياء وتارة من قبل الأقارب الذين في العادة يقطنون معهم في ذات المنزل. وكانت الناشطه اسيل عبده قد أطلقت حملة توعية ضد التحرش على صفحتها بالفيس بوك ارجعت فيه ظاهرة التحرش الجنسي المستشري وسط المجتمع الذكوري السوداني الى اختلال التربية وعدم التناغم الأسري بين الأطفال وذويهم، والتساهل في متابعة الأطفال في العلاقات داخل الحي أو المدينة ما يعرف في السودان “بحسن النية”.

السودان: ظاهرة العنف ضد المرأة و التنامي المضطرد - الاغتصاب سلماً وحربا

الاغتصاب سلماً وحربا

انتشرت ظاهرة اغتصاب النساء والفتيات القصر، حيث وصلت عدد بلاغات الاغتصاب الى 348 في الفترة ما بين أبريل 2016 الى مارس 2017 منها 43 بلاغاُ في مناطق النزاع، وتتعرض نساء مناطق النزاع بالسودان لكافة أشكال العنف ضد المرأة فضلاً عن غياب حقوقها الكاملة. وتقول الناشطة في حقوق الانسان بمناطق النزاع اشراقة احمد لـ(عاين) ان المراة تعاني من كافة أشكال العنف الجنسي، المعنوي، المادي، والاقتصادي. موضحة ان السبب في ذلك هو الحصار اللا إنساني و “نواجه شتى أنواع العنف ضد المرأة وأسبابها هي عدم توازن القوة في العلاقات المجتمعية والفهم الخاطئ للدين إضافة للمعتقدات السالبة”.  وتعرضن نساء إقليم دارفورالذي يشهد حرب منذ العام 2003 الى اغتصابات جماعية من قبل القوات الحكومية ومليشياتها الأمر الذي حدا المنظمات العالمية الى تصنيف الاغتصاب كأحد الاسلحة الفتاكة مستشهدة بالسودان كاحدى الدول التي تستخدم الاغتصاب كسلاح. وكما ورد في تقرير الأمم المتحدة، تدعو (براميلا باتن)، الممثلة الخاصة للأمين العام المعني بالعنف الجنسي في حالات النـزاع، إلى إنهاء ثقافة الإنكار لضحايا العنف الجنسي المرتبطة بالنزاع في السودان.

للعنف أشكال

طال المراة السودانية العنف في كافة مواقع الحياة، وتقول طالبة الدراسات العليا والباحثة في دراسات النوع “الجندر” وئام عمر أن “أشكال العنف في السودان كثيرة. منها ختان البنات، حيث تتعرض البنات في السنوات الصغرى، الى ما يعرف بختان الاناث، ذو الاضرار المتفاوتة عليهن والذي فاق حتى العام 2012 نسبة الـ 63%.”  وتصف وئام ما تتعرض له النساء بالسلوك المتنافي مع قيم المجتمع   كـ “حلاقة الشعر، الضرب على نطاق الاسرة، التحرش والاغتصاب في مناطق الحرب والنزاعات، الزواج المبكر للبنات تحت ضغط من الاسرة، هو عنف واستغلال للبنت المعينة”. وتضيف ظهرت في السودان ظاهرة الزواج الإجباري لأسباب اقتصادية واجتماعية ومصالح شخصية تخص الأسرة وبحماية القانون. وتقول وئام ان هناك ايضاً العنف من منظومة الدولة تجاه النساء والشعب السوداني بصورة عامة، مثل العنف اللفظي من العسكري المعين وفق تراتبية قانون النظام العام، وهذه النماذج الواضحة في السودان.كاشفة أن هنالك ضغوط اسرية على البنات ناتجة عن تدهور  الأوضاع الاقتصادية مثل “الإجبار على الشغل في الدعارة ودي في الغالب تنتج من الأسرة الأم وغيرها ممارسة البغاء مدفوعة القيمة”.

University of Khartoum
جامعة الخرطوم

عنف الجامعات

شهدت بواكير العام الجاري حالات عنف ضد المرأة بالجامعات السودانية، التي تعتبر أرفع الامكنة للرقي، وتخريج اجيال قادر على ريادة المجتمع، حيث قام مدير جامعة الأحفاد للبنات الدكتور قاسم بدري بضرب الطالبات بطريقة اثارت حفيظة كل من شاهد الفيديو المسرب من قبل الطالبات، الحدث الذي قاد بعثة الأمم المتحدة لقرار بإيقاف التمويل عن كافة الانشطة التي كانت تشارك فيها مع جامعة الأحفاد. وتفسر الطالبة وئام وعمر سلوك قاسم بدري بالبربري قائلة لـ(عاين) “سلوك بدري افقدني الثقة فيما تطرحه المؤسسة وهذا حبر على ورق ولكن ليس في أرض الواقع حتى على مستوى المعنيين بزيادتها”.  وتابعت وئام “إذا قبلنا سلوك بدري علينا أن لا نستنكره من أناس الشارع وهو عنف بلا شك”، رافضة طريقة رد فعل قاسم بدري بعد رواج الفيديو “وبعد الفعلة الشنيعة قال دي جامعتي وانا حر فيها والعايز يقبل والما عاوز يشوف ليهو صرفة ده يعني أن العنف هو سلوك متجذر فيه”  وكشفت وئام عن أشكال مختلفة داخل جامعة الأحفاد قالت إنها لم يًكشف عنها بعد مثل الطرد والحرمان من دخول الجامعة؛ “هناك عنف من زمان فيه اهانة كبيرة للنوع، يجب أن لا يكون هذا السلوك داخل أرفع المؤسسات، هناك مساومات جنسية وممارسة من قبل الاساتذة عشان الطالبة تعدي السنة”.

تحرش ومطالبة بالفصل

وكانت جامعة الخرطوم قد شهدت حالة تحرش جنسي وابتزاز من قبل د. كمال الدين مدير مركز دراسات حقوق الإنسان بالجامعة، الأمر الذي ادى الى إيقافه لأجل التحقق من الحادثة. وتقول طالبة بكلية القانون جامعة الخرطوم فضلت حجب اسمها لـ(عاين) ان ظاهرة التحرش من قبل د. كمال الدين وبعض الاساتذة هي ظاهرة جديدة على السطح، موضحة أن هناك حملة (أضبط متحرش) للكشف عن المتحرشين بكل الكليات سيكشفون عنها عما قريب. وقالت الطالبة “التحرش والابتزاز بقى في كل الكليات بجامعة الخرطوم، وفي جامعات تانية كتيرة اساتذة معروفين بس مشكلتنا الطالبات بيخافو”، مناشدة كافة الطالبات بالإفصاح عن مظاهر التحرش سواء كانت من الطالب أو الأستاذ. من جهتها طالبت خريجة جامعة الخرطوم والباحثة في دراسات النوع ” الجندر” عسجد بهاء الدين بعمل حملات ضغط داخل الجامعة لحين فصل هذا الدكتور واجبار إدارة الجامعة بالتعاون مع مركز حقوق الإنسان بسن قوانين وسياسات تعمل على تطبيق عقوبات صارمة جدا على اي أحد يحاول التحرش والابتزاز, وقالت “ظاهرة التحرش الجنسي داخل الجامعات السودانية اصبحت موجودة بكثرة، فقد قرأت تقرير لطلاب تم فصله من جامعة كسلا قام بالدفاع عن طالبات تم التحرش عليهن جنسيا من قبل أساتذة في كلية التربية جامعة كسلا”. هذا ان دل انما يدل على أن العملية التربوية والتعليمية في السودان يوجد بها خلل كبير جدا وفجوة يجب التركيز عليها.

حملات توعوية

ويجمع متحدثات (عاين) على أن ظاهرة العنف ضد المرأة تتطلب جهود من قبل المرأة نفسها لرفع الوعي لمقابلة كافة مظاهر العنف، خاصة وأن له اضرار تنعكس على حياة المرأة. و تدعو اشراقة احمد لاصطفاف النساء ضد كافة أشكال العنف، وترى في ” قضية القمع المسلح ضد النساء بأنه ليست قضية عنف فقط”، بقدر ما أنه قمع يندرج تحت أكثر من نوع وأمثلته كثير جدا على مستوى دول العالم الثالث التي تعاني من الحروب والنزاعات التى تؤثر على المرأة بصورة مباشرة تحد من فرصها على كل المستويات ولكن ترى عسجد بهاء الدين أن هناك فجوة كبيرة جدا بين المرأة السودانية وحقوقها “نحن كنساء لا نعرف ما هي وأهمية حقوقنا وهذا يمكن أن يرجع إلي البيئات أو الثقافات التى قمنا وتربينا عليها”. وتضيف عسجد “يجب في البدء ان نقوم بعمليات توعوية شاملة للنساء عن أهمية معرفة الواجبات والحقوق وبعدها توعية المجتمع بأهمية قضايا النوع لنصل في الآخر إلي بيئة سوية وغير مشوهة بالعنف و الابتزاز و التمييز”. وتتفق معها في الرأي وئام عمر قائلة “يجب أن تندرج مكافحة العنف في المناهج للتعريف بالعنف ونبذه لابد من تثقيف من الصغر يتبعه عمل منظمات مجتمع مدني وسن قوانين تحد من العنف ضد المرأة” باستخدام الاعلام البديل لمكافحة العنف ضد المراة وتسخير الفنون بكافة أشكالها لرفع الوعي. وكانت المراة السودانية قد نظمت نفسها في أكثر من مظهر لمكافحة العنف مُنشئة في ذلك جمعيات نسوية كلا لقهر النساء فضلاً عن انشطتها في تنظيم المراة للتعرف على حقوقها.