البشير .. قصة الخروج من جوهانسبيرج
١٧ مايو ٢٠١٥
عاد الرئيس السوداني عمر البشير الى بلاده ام هرب فهذه قصة سيتداولها السودانيون لفترة طويلة ، بل وحتى الدوائر الاقليمية والدولية بعد ان كان قاب قوسين من حجزه وارساله الى مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ( هولندا ) ، حيث يرى البعض ان البشير تم تهريبه عبر مطار عسكري قبل صدور قرار (محكمة محلية ) في جوهانسبروغ ، وقد ذهب الى جنوب افريقيا مشاركاً في قمة الاتحاد الافريقي ، وقد سبق ان اصدرت هذه المحكمة المحلية قراراً مؤقتاً بمنع البشير من مغادرة جوهانسبروغ ريثما يتم صدور قرار نهائي بشأنه حول ما اذا كان سيتم نقله الى لاهاي ام تركه وشأنه ، غير ان البشير غادر فجأة وترك حكومة جاكوب زوما تواجه مصيراً آخر داخلياً لمخالفتها دستور البلاد والتزاماتها في اتفاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية ، وستكون في مواجهة مع المجتمع الدولي المؤيد للقبض على البشير ومع المحكمة الجنائية الدولية .
الجيش السوداني يحتجز جنود من جنوب افريقيا كرهائن
قالت صحيفة ( اخبار 24 ) الجنوب افريقية على موقعها الالكتروني ( الثلاثاء ) ان الجيش السوداني قام بمحاصرة نحو (1400 ) جندي من جنوب افريقيا يعملون مع قوات بعثة حفظ السلام المشتركة من الامم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور ( يوناميد ) لتأمين عودة الرئيس السوداني عمر البشير من جوهانسبورغ وعدم تعرضه للاعتقال وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ، حيث كانت محكمة محلية قد اصدرت قراراً الاحد الماضي بمنع مغادرته جنوب افريقيا التي ذهب اليها مشاركاً في القمة الافريقية ، وذكرت الصحيفة ان خبراء عسكريين تحدثوا اليها عدوا ما قامت به الحكومة السودانية عملية ابتزاز لضمان عودة آمنة لرئيسها البشير والذي عاد الى بلاده اول من امس الاثنين ، واضافت ان القوات السودانية بعد ذلك اخلت سبيل تلك القوات .
غير ان حكومات السودان وجنوب افريقيا وكذلك الامم المتحدة نفوا صحة تلك الانباء ، وقال المتحدث باسم الجيش في جنوب أفريقيا لبي بي سي “لم تتعرض قواتنا في السودان لأي تهديد من أي نوع ويقوم جنودنا بأداء مهامهم المعتادة ” ، فيما نفى فرحان الحق المتحدث باسم الأمم المتحدة في بيان رسمي وجود أي تهديد للقوات الجنوب أفريقية المشاركة في قوات حفظ السلام في دارفور.
ومن جانبه قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السودانية في تصريحات أن المعلومات الواردة في التقرير هي “وهمية”، مضيفا أن الخرطوم لا تملك السيطرة على بعثة حفظ السلام في دارفور.
وقد نقلت ( News 24 ) عن جندي من جنوب افريقيا كان محتجزا قوله ” كنا خائفين حيث احاط بنا الجنود السودانيون وقمنا بتسليم الذخيرة التي بطرفنا ” ، واضاف ان الجيش السوداني بدأ نشر قواته مباشرة بعد مغادرة البشير الى جوهانسبروغ التي وصلها مساء السبت الماضي ، واشارت الصحيفة ان القوات الحكومية وضعت قوات جنوب افريقيا تحت الحصار في القواعد العسكرية في ( كتم ، مليط ومالحة ) في شمال دارفور ، وقال جندي آخر – بحسب الصحيفة – ان القوات السودانية قد اقتربت من مواقعهم وان قائدهم امرهم بان يكونوا على استعداد واخذ المواقع في الخنادق لاي مواجهة ، واضاف ” لكن صدرت تعليمات بان الا ندخل في مواجهة عسكرية وان علينا ان نستسلم لانقاذ حياتنا لانه لا يمكن محاربة جيش دولة بكتيبة سيئة التجهيز ”
العودة ام الهروب … البشير في الخرطوم
لم يكن في وداع البشير في المطار اي مسؤول جنوب افريقي الى جانب عدم مشاركته في الجلسة الثانية حيث خرج متسللاً الى المطار العسكري ، ولذلك صنف بانه هارب من العدالة ، وهذا ما دعا مجلس الوزراء في جنوب افريقيا ان يشكل لجنة تحقيق حول كيفية مغادرته البلاد رغم امر توقيفه الصادر يوم الاحد ، وسيفجر هذا التحقيق ازمة سياسية كبيرة في جنوب افريقيا ، حيث اتضح ان رئيسها جكوب زوما ضالع في عملية تهريب البشير .
وكان القاضي دونستان ملامبو قد تلأ نص القرار ، “امرنا نحن “قضاة المحكمة العليا” الأطراف “اجهزة الدولة” باتخاذ جميع الخطوات المعقولة لاعتقال الرئيس البشير ،واحتجازه في انتظار طلب رسمي لتسليمه من المحكمة الجنائية الدولية”. ، ولكن البشير كان قد غادر البلاد بالفعل ، وقد ابلغ محامي الحكومة القاضي ملامبو بذلك مباشرة بعد تلاوة الحكم الذي تم اتخاذه بالإجماع من قبل قضاة المحكمة ، وكان محامي الحكومة اكد للقضاة قد ذكر صبيحة الاثنين في الجزء الاول من جلسة المحكمة انه يعتقد ان البشير موجود في جنوب افريقيا .
وأبدى القاضي ملامبو عن عدم ارتياحه بسماح حكومة زوما للرئيس السوداني بمغادرة البلاد رغم امر المحكمة بمنعه ، وشدد على ان تلك تعد مخالفة للدستور ، وطالب حكومة بلاده بتقديم شهادة خطية تشرح كيف حدث ذلك لتحديد المسؤولين والذين سيقعون تحت طائلة القانون بمخالفة وازدراء المحكمة.
وقد أصدرت حكومة جنوب أفريقيا بيانا الاثنين تعهدت فيه بأجراء تحقيق في الطريقة التي غادر بها الرئيس السوداني عمر حسن البشير البلاد على الرغم من الأمر الصادر من محكمة محلية بمنعه من السفر ريثما حتى يتم اتخاذ قرار بشأن قضية تتعلق به ، وقال بيان المتحدث الرسمي بالوكالة في مجلس وزراء حكومة جنوب افريقيا فولما وليامز: “تلقت الحكومة الحكم الصادر عن المحكمة العليا شمال غوتنغ في الشأن المتعلق بالرئيس السوداني عمر البشير” ، ويضيف : “وكما تم تبيانه في المحكمة، فأن الحكومة ستحقق في الملابسات التي غادر بها الرئيس البشير البلاد ، سنلتزم ايضا بقرار المحكمة المتعلق بتقديم شهادة خطية توضح هذه الملابسات “.
الخرطوم تؤكد مغادرة البشير عن طريقة قاعدة عسكرية
وفي الخرطوم اكد وزير الخارجية إبراهيم غندور، في مؤتمر صحفي بمطار الخرطوم، أن طائرة البشير هبطت في مطار جوهانسبيرج الدولي أثناء وصولهم لحضور القمة الأفريقية مساء السبت الماضي، لكنها غادرت من القاعدة العسكرية مثلها مثل كل طائرات الوفود الدولية الأخرى .
وقد رصدت (عاين) حالة من الفرح العارم وسط السودانيين من خطوة المحكمة العليا في بريتوريا واحتمالية تسليمه الى لاهاي ، حيث يقول المواطن معاوية محمد أحمد لــ(عاين) إن جاكوب زوما رئيس دولة جنوب أفريقيا هو من يقف وراء تهريب البشير عبر القاعدة العسكرية وافشل عملية القبض عليه وتسليمه الى لاهاي ، ويضيف ” لقد تمت مؤامرة مسبوكة من زوما واطراف افريقية ودولية اخرى “، موضحاً أن المواطن السوداني لم يكن يريد عودة البشير الى الخرطوم مرة أخرى باعتباره مجرم هارب من العدالة.
لكن الموظفة خالدة عباس علي تقول لــ(عاين)، إن البشير يمثل صمام أمان للسودان، رغم اختلاف وجهات النظر حوله ، وحذرت من تكرار سيناريو الصومال في بلادها من حدوث فوضى كبيرة اذا كانت جوهانسبورغ قد قامت بتسليم البشير الى لاهاي، وأشارت إلى أن القوى السياسية المعارضة ضعيفة وغير جاهزة للإمساك بزمام الأمور في البلاد ، وتضيف: ” نعم البشير زول ما كويس، لكن مافي غيرو نعمل شنو يعني ؟” ، ويتفق معها المواطن عبد الجليل خالد بقوله لـ (عاين ) إن اعتقال البشير كان سيفاقم صراع أجنحة المؤتمر الوطني على المستوى السياسي وتؤثراً سلباً على الاقتصاد، وأن الدولار سيصل إلى اكثر من (20) جنيهاً نسبة لحالة الإرباك التي ستعم المشهد العام في البلاد.
المعارضة فتحت كل الاحتمالات
وحول التطورات السياسية التي يمكن أن تحدث في السودان في حال كان البشير قد تم اعتقاله يقول الأمين السياسي لحزب البعث العربي الاشتراكي، محمد ضياء الدين لــ(عاين)، إلى أن كل الإحتمالات كانت مفتوحه وعلى كل الإتجاهات، موضحاً أن ﻻ أحد يمكنه أن يتنبأ بما قد يحدث، وأن كل الأطراف على أهبة اﻻستعداد، موضحاً أن النظام في داخله عدة إتجاهات داخل الحزب وفي القوات المسلحة، وذكر أن المعارضة بشقيها السياسي والمسلح ممكن أن تلعب دورا حاسماً وغير متوقع، وأن الشعب السوداني كان قلقاً .
من جانبه رفض صديق يوسف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، التعليق حول السيناريوهات المحتملة حول ما اذا تم تسليم البشير في جنوب أفريقيا، وقال في تصريح لــ(عاين)، إن الذي يعلمه أن البشير سيعود الى الخرطوم ، لكن المحاضر الجامعي والمحلل السياسين حمد عمر حاوي، قال لــ(عاين)، إن الرئيس البشير قد أحرج العالم وشعبه بحضوره القمة الأفريقية في جنوب أفريقيا، موضحاً أن الخطوة أربكت الساحة السياسية وخاصة حزبه الذي ليس على قلب رجل واحد، ويشير إلى أن قيادات حزب المؤتمر الوطني الحاكم المغضوب عليهم، كانوا سينقضوا على السلطة ويقوموا بتشكيل حكومة طوارئ على الفور حال تم القبض عليه وزجه في سجون لاهاى.
تعقيد وضعية البشير بعد محكمة جوهانسبورغ
وابدت كارولين جيمس من مركز التقاضي في جنوب افريقيا والذي قام برفع الدعوى لحجز البشير عن سعادتها بقرار المحكمة العليا في بريتوريا ، واعتبرت ان حكومة بلادها نقضت الالتزامات الدستورية والدولية ، ورجحت ان تحدث تداعيات سياسية خاصة عندما تشرح حكومة زوما كيفية سفر البشير ، وقالت أنه بمجرد أن يتم تقديم شهادة الحكومة، سيتناقشون مع فريقهم القانوني قبل اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان ينبغي مواصلة توجيه اتهامات ازدراء ضد مسؤولين حكوميين .
وكان البشير قد سخر من الإجراءات القانونية التي قادتها جماعات حقوقية لتوقيفه بجنوب أفريقيا التي زارها مشاركاً في قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في جوهانسبيرج قال في تصريحات سابقة بعد صدور قرار المحكمة بمنعه من مغادرة جنوب افريقيا أن ” محكمة الجنايات الدولية انتهت وقمة جنوب أفريقيا هذه ما هى إلا مراسم التشييع والدفن “.
وكان الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، وإمام الأنصار قد طالب الاتحاد الافريقي باستخدام المادة (16 ) من نظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية التي تنص بتاجيل اوامر القبض على البشير لمدة عام بشرط ان يعقد اتفاق سلام شامل وتحول ديموقراطي حقيقي باشراف من مجلس الامن الدولي والاتحاد الافريقي ، فيما يرى محمد ضياء أن المجتمع الدولي والقوى الإقليمة ليست خارج دائرة الحدث والأحداث التي جرت في جوهانسبورغ ، ويعتقد ان عملت على اختراق موقف المعارضة وبعض الاطراف داخل النظام ..