الإقتصاد السوداني: لا حلول مع وجود حكومة المؤتمر الوطني
تقرير شبكة عاين – الأربعاء 20 يونيو 2018
مع الانهيار الأخير للاقتصاد السوداني، تم طرح العديد من الأسئلة حول الحلول التي يمكن أن تنعش الاقتصاد. التقت شبكة (عاين) بالخبير الاقتصادي د. صدقي كبلو، حيث يقول انه أصبح من الواضح أن هيكلة وسياسات حكومة المؤتمر الوطني لا تسمح بتطبيق الحلول. يشرح كبلو جذور الأزمة مثل تحول الحركة الإسلامية إلى رأسمالية طفيلية، كما يتناول الحل السياسي للأزمة والحلول التي تتعلق بالعلاقات الإنتاجية ومكافحة الفساد.
رغم استمرار تراكم ديون السودان وفوائده منذ ما بعد استقلال السودان، اضافة للحرب الاهلية المتقطعة في جنوب السودان التي انهكت خزينة الدولة كثيرا، اضافة الى غيرها من الأمراض المزمنة للاقتصاد السوداني، الا ان الفساد المالي كان له – بشهادة خبراء – دورا بارزا ضمن أسباب تراجع الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
وأوضح كبلو أن الانهيار الاقتصادي الناتج عن الفساد أدى الى تهتك النسيج الاجتماعي، بسبب مجاراة سُبل العيش اليومي، واشعل الحروب بسبب محاولة كل قوى لأخذ حقه. ويقول كبلو أن”الفساد كأحد آليات الثراء الفادح، التي أدت إلى انهيار الاقتصاد السوداني أصبح فسادا مؤسسيا، ظل ينخر في عظم السودان، الى ان وصل الى مرحلة الإنعاش. وهو فساد يصعب استئصاله“.
الحركة الاسلامية ورأس المال الطفيلي
شهد الاقتصاد السوداني نتيجة لذلك تراجعا مريع منذ العام 1989 لعدة أسباب ظاهرها عمليات تغيير العملة المتكررة، انفصال الجنوب، اضافة الى الحروب الاهلية. لكن باطنة الراسمالية الطفيلية التي سادت بسبب سياسة التمكين، التي ابتدرت بها الحكومة الحالية سنوات حكمه التي وصلت إلى ثلاثة عقود حتى الآن. اتضح ذلك جلياً في عدة مشاريع، أولها مشروع الجزيرة الذي يمثل خير نموذجاً لتفكيك الاقتصاد التقليدي وابداله برأس مالية طفيلية. حيث نشطت الحكومة السودانية “الحركة الاسلامية” التي بدأت بغرس الرأسمالية الطفيلية. مشروع الجزيرة اضحى يغالب مشاكل حقيقية وجمة منذ أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي. وكانت تلك المشاكل واضحة تماماً، وتمثلت في الجانب الإداري، وفي التسويق وفي التمويل. وهي مجالات مترابطة لا غني لاي قطاع اقتصادي عنها، دعك عن مشروع كبير وحيوي مثل مشروع الجزيرة، الذي يعتمد نجاحه تاريخياً على ترابط وتكامل تلك العوامل. إن واحد من مظاهر العجز الإداري، التي عانى منها طرفان أساسيان من الأطراف الثلاثة المكونة للمشاركة في المشروع، وهما ادارة المشروع والحكومة المركزية.
يرجع د. صدقي كبلو، انهيار الاقتصاد السوداني الى تنامي ظاهرة رأس المال الطفيلي، الذي عمل على تعطيل الانتاج، قائلاً ان “منذ دخول البنوك الاسلامية في السودان … من [سنة] 78 … تحولت [الحركة الاسلامية] من حركة طلاب وأفندية لي حركة بتاعت رأسمالية طفيلية شغالة في التمويل والتجارة الداخلية والخارجية“. وأضاف “هو النظام المصرفي الإسلامي الذي لا توجد فيه صيغة مصرفية اسلامية تستطيع أن تمول رأس المال الجاري وما يتماشى مع معه النظام المصرفي التقليدي بأجل حسب الإنتاج ، لكن المرابحة التي تأخذ ربحها قبل تنفيذ المشروع تضع سؤال ما هو المحفز لإعادة القروش؟” لأسلمة النظام المالي في السودان آثاره السلبية أيضا علي كافة القطاعات المكونة له و المتمثلة في القطاع المصرفي، قطاع سوق رأس المال، و قطاع التأمين. وتعتبر بعض المصارف كبنك فيصل الإسلامي وبنك الغرب الاسلامي اضافة الى بنك التنمية التعاوني الإسلامي وسوق الخرطوم للأوراق المالية من اهم مرتكزات الصيرفة الاسلامية اذا انها تعتمد في تداولها على مبادئ مثل عدم التعامل مع القروض الربوية. انعكس ذلك على تجارب بعض البنوك الغير خاضعة لنظام الصيرفة الاسلامي مثل بنك النيلين – الخرطوم تلك التجربة التي يعتبرها البنك المركزي من التجارب الرائدة. هذا رغم أن بنك فيصل الاسلامي باعتباره رائد المصارف الاسلامية قد فشل مؤخراً حتى في تمويل عملاءه بل طالته تهم الفساد واعتقال مديره العام.
ومضى كبلو للإشارة لوجود الكثير من الأنشطة الاقتصادية أطلق عليها “الهدامة” وهي عملية تعطيل الإنتاج والاتجاه إلى الاتجار بالعملة، القائم على تعطيل الإنتاج. لأن التجارة الخارجية تحتاج الى تنشيط الصادر والوارد وهذه الطريقة تستفيد منها طبقة محددة على حساب الاغلبية؛ فتتسع الفوارق الطبقية و تختفي تدريجياً الطبقة الوسطى التي تحدث تقارب مجتمعي. وكان السودان قد فقد 50 الف من العاملين المهرة فقط خلال العام 2016 بسبب ضعف الإنتاج. يمثل هؤلاء رأس المال الحقيقي الذي فقده السودان وهاجروا بسبب غياب فرص العمل للطبقة العاملة وتشجيع الوارد.
ميزانية الحوار الوطني
“الحديث عن ان الازمة الاقتصادية قديمة يعد بمثابة تبرئة أهل الانقاذ” هكذا استهل صدقي كبلو حديثه لـ(عاين) حول ميزانية 2018، قائلاً “اضافة لعبء زيادة الصرف على المؤسسات الحكومية” . حيث تصرف الدولة على 83 وزير و18 ولاية اضافة البرلمانات القومي ومجلس الولايات والولائية. مقارناً هذه الفترة التي وصفها بـ”عصيبة” بايام حكم الرئيس الاسبق جعفر نميري قائلاً “في ايام نميرى كان هنالك 24 وزير دون امتيازات كهذه“.
وزاد أن ميزانية هذا العام هي وليد شرعي لمخرجات الحوار الذي زاد من نواب البرلمان والقى العبء على كاهل المواطن. والملاحظ أنها لم تجاوب على اسئلة كبيرة كعملية تشجيع الإنتاج هذا اذا اخذنا في الاعتبار تمسك الدولة بحصص الصرف على الأمن والدفاع. فالبرغم من توقف إطلاق النار في المنطقتين وإعلان الدولة استتباب الأوضاع الامنية في دارفور، وما زال الامن والدفاع يحظى باعلى نسبة من في بنود صرف الميزانية.
اضف الى ذلك البند المخصص الى قوات الدعم السريع. فمن الطبيعي عند توقف تبادل اطلاق النار تحت اي مسمى كان وقف اطلاق نار او غيره تنعكس هذه الاشياء على حياة الناس ولكن الأوضاع تراجعت وظهرت في حياة الناس اليومية . وذلك لأن للحرب أضرار مباشرة و أضرار غير مباشرة المباشر فيها هو الصرف على الحرب وغير المباشر هو تحطيم الإنتاج وتدمير البنية التحتية.
وكان صندوق النقد الدولي قد أوصى السودان باتباع سياسة تحرير السوق وتعويم الجنيه للوصول لتغطية ديونه التي تزايدت بشكل مضطر بعد انفصال الجنوب. سياسة تعويم العملات المحلية مقابل الأجنبية، اضافة لطباعة العملة من غير ضمانات، أدت لآثار أخرى ساعدت في اعلان افلاس دول مثل اليونان وزيمبابوي.
الفساد و غياب التنمية المتوازنة
بدأت مظاهر الفساد في جسد الدولة السودانية مع الخطة الانقاذية المحكمة التي استهدفت مؤسسات وقوانين الخدمة المدنية في جهاز الدولة التي تعد أحد أقوى آليات الرقابة على المال العام والانفاق ومحاربة الفساد، بل وشردت الآليات الاهلية والمدنية الأخرى التي تمثل ضامنا للرقابة الشعبية على المال العام مثل النقابات والصحافة وغيرها. وركزت السياسات الانقاذية على حل الأجهزة القضائية وتعيين تابعين للجبهة الاسلامية القومية مكانهم، الامر الذي أهدر استقلالية ونزاهة القضاء وانه بالتالي اي در محتمل له في الولاية على المال العام ومحاسبة المفسدين.
واسترجع كبلو ميزانيات الأعوام السابقة حيث ربط مخرجات الميزانية بالتركيز على مناطق الانتاج لدفع رواتب العاملين في هيكل الدولة، دون الاهتمام بتنمية المواطن واستدرك قائلاً “كان هذا في السابق أما في الانقاذ فقد تحول الأمر بشكله العام بغياب التنمية المتوازنة في السودان بسبب الفساد” ـ مستشهداً في ذلك بتاهيل مستشفي ابوزبد قائلاً “هنالك منظمة غربية تكفلت باعادة تأهيل مستشفى ابوزبد بكردفان – فجاة تحول المنحة من ابوزبد الى منطقة بالولاية الشمالية ولما المنظمة عرفت قالو ليها وجدنا الحوجة اكبر“.
يشير كلبو الى استشراء الفساد بالقول “اذا سألت اي واحد قلت ليهو ’بنيت البيت ده كيف؟’ بتلقي انو المسألة فيها إن وكيف. وإذا نظرت من ناحية تانية اوجدو فقه التحلل، وهو التسوية باعادة المال والمحاكمة باقل عقوبة من العقوبة المعنية. الفساد سببه الأساسي في دولة شمولية هو غياب الشفافية العلنية البلدان الأخرى بها فساد لمن بتكشف بحرية الصحافة والمراجعة الرقيب العام على مكان معين مثلاً الكهرباء بها أحد مسئولي على الرقابة عليها ولكن هذا لايوجد“.
ويصف د صدقي كبلو لـ(عاين) ان من أطلق عليهم (القطط السِمان) هم أطراف في صراعات مراكز القوى داخل النظام وهي عبارة عن اعتقالات ضد عدد من الأفراد المقربين من النظام، “وهو ما ظهر من رأس جبل الجليد“، مضيفا أن السبب في ذلك يعود إلى تعمد الحكومة عدم الاهتمام بالنظر إلى الفساد في رأس الدولة. “المراجع العام يهتم بانو الافندي شال شنو ولكنه لايهتم بالفساد القائم على التمكين” وزاد انهم “اي الإخوان المسلمين“ استلموا مفاصل الدولة في المنافسة على الوظائف عبر التمكين الذي توجد به امبراطوريات، وأي مؤسسة لها امبراطورية داخلية “مثلاً شركة الأقطان دي مؤسسة وجد انه مديرها له شركات اخرى تعمل مع شركة الأقطان وهذا معيبة“.
الحل السياسي وإيقاف الحرب
فيما يختص بالحلول للأزمة الاقتصادية الحالية تسائل كبلو”الحكومة مفلسة ماعندها نقد اجنبي عشان تجيب البترول ليه ذي خلق الله ما بنلقى تسهيلات سياسية“ موضحاً أن السبب في ذلك ليس اقتصادي وإنما سياسي. ويتابع كبلو “علينا النظر في سياسة الحكومة السودانية بشكلها الكامل والسبب الاساسي هو عزلة السودان الخارجية، لذلك ميزان مدفوعاتنا سيعاني من الخلل وتقدم الحكومة على تبديل فئة الخمسين جنيه للتغول على أموال الناس … برضو ده ما حل“.
وخلص كبلو الى ان الازمة الاقتصادية هي أزمة سياسية بامتياز فلا يمكن خلها بعيد عن الحل السياسي الشامل في البلاد “ويمكن الاستنتاج أن حل الأزمة الإقتصادية يحتاج لإجراءات سياسية واقتصادية لا تستطيع السلطة الحالية تنفيذها لأن السلطة الحالية جزء من الأزمة في طبيعتها كممثل للرأسمالية الطفيلية يجعلها غير راغبة في الحلول المعادية لمصلحتها“. واستدرك كبلو بالقول ان الحلول الموضوعية تتمثل في إيقاف الحرب في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور فوراً وليس الحديث عن وقف إطلاق نار “الحكومة اختارت طريق الحرب التي اكل الأخضر واليابس، تعطل الإنتاج في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وتضرر ملايين السودانين في حدود الجنوب والشمال، إلى جانب زيادتها للمصروفات على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة الدعم السريع والدفاع الشعبي والمليشيات بأشكالها المختلفة. ويمكن اختصار كل ذلك وتوفيره، إلى جانب صيانة حياة المواطنين من تلك المناطق وأفراد القوات المتحاربة“.
علاقات إنتاج جديدة
ويرى كبلو ان احد الحلول هي الوصول لاتفاق مع حكومة الجنوب حول القضايا العالقة خاصة الاقتصادية منها، والاستعداد للموسم الزراعي وفقاً لسياسة جديدة وعلاقات إنتاج جديدة. في هذا الإطار يقول كبلو أنه يجب إلغاء كافة القوانين المعطلة لمشروع الجزيرة أبرزها قانون 2005، والاتفاق مع المزارعين على علاقات إنتاجية جديدة، تعود بالمشاريع المروية للشراكة بين الدولة والمزارعين على أسس جديدة بحيث تكون شراكة فعلية وليست شكلية، بمعنى أن يشترك المزارعون في إدارة المشاريع، ويشتركون حقيقة في جني العائد بقدر ما يبذله من مجهود، أي يتصاعد نصيب المزارع في العائد كلما زادت الإنتاجية. إن الاستعداد للموسم الزراعي الجديد لا يمكن أن يتم تحت أجهزة فاسدة بعيدة عن رقابة المزارعين ولا تخضع لأسس الرقابة والشفافية والمراجعة كما حدث في المواسم السابقة فيما عرف بقضية شركة الأقطان والشركات التابعة للمسئولين منها.
كما أن الاستعداد للموسم الزراعي الجديد لايمكن أن يتم بدون وضع كل الاستعدادات لحل مشاكل الري، وهذا لن يتم إلا بإعطاء الرمح لباريها، حيث تكون المؤسسة العامة للري والحفريات ووزارة الري مسئولين عن الري وصيانة قنواته وترعه. ولا يمكن الاستعداد للموسم الجديد بدون البحوث الزراعية التي ظلت تقوم بعملها لمدة قرن في السودان منذ بدء التجارب في طيبة لزراعة القطن، وحتى في القطاع المطري فإن عودة الأبحاث الزراعية لمعالجة قضايا القطن المطري والفول السوداني وأنواع الذرة ودعم إنتاج وتجديد البذور. ولكن السلطة الحالية تريد أن تتخلى الدولة عن كل تلك الواجبات وتترك الزراعة للقطاع الخاص، والقطاع الخاص الأجنبي يبيع أراضي السودان للأجانب.
من الحلول الأخرى التي ذكرها كبلو هي إعادة تأهيل القطاع الصناعي في مجالات الزيوت والنسيج والأغذية والأسمنت. كذلك اقترح كبلو التراجع عن سياسة تحرير التجارة الخارجية، تقييد الاستيراد وحماية الإنتاج المحلي وتشجيع الصادر، إضافة لإحداث تغيير جذري في السياسة المصرفية وتمويل الزراعة والصناعة على أسس جديدة.