إنهيار أديس أبابا… الإتجاه نحو العمليات العسكرية
إنهيار أديس أبابا… الإتجاه نحو العمليات العسكرية
– شبكة عاين – ٧ دسمبر ٢٠١٥ –
لم يتفاجأ الشارع السوداني بإنهيار جولة المفاوضات الأخيرة في العاصمة الأثيوبية اديس ابابا بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية حول منطقتي النيل الأزرق و جنوب كردفان / جبال النوبة وفي المسار الاخر حول دارفور بين الحكومة وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي، ويبدو أن اطراف النزاع توجهت للاستعداد العسكري لخوض جولة جديدة من العمليات الحربية. حيث اعلن وزير الدفاع الفريق عوض بن عوف امام البرلمان استعداد الجيش الحكومي خوض معارك عسكرية في المنطقتين للسيطرة على منطقة (كاودا), المعقل الرئيسي للحركة الشعبية.
وذهب بعض المراقبون الى أن التمترس خلف المواقف هو العنوان الأنسب لفشل مفاوضات الحكومة السودانية والجبهة الثورية التي إنطلقت في الأيام الفائتة وألت الى الإنهيار. فيما ذهب اخرون لربط الإنهيار بإستعجال الخرطوم الرسمي لإعلاء الإجندة الحربية، فما أن إنتهت الجولة بالفشل حتى سارعت الحكومة لإعلان حالة الإستنفار العسكري، واعلنت مباشرة إنتهاء فترة إيقاف إطلاق النار بالمنطقتين ودارفور، مما يعني عمليا اعلاء الاجندة الحربية من قبل نظام الخرطوم. وفي الجانب الآخر تفقد رئيس هيئة أركان الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية جقود مكوار الجبهات الأمامية لقواته إستعداداً لخوض معارك جديدة مع الجيش الحكومي.
وقد إنتهت الجولة العاشرة من المفاوضات بين اطراف النزاع السودانية في أديس أبابا، الأسبوع الماضي دون التوصل الى اتفاق حول وقف الاعمال العدائية لاغراض انسانية، ولم تعلن الآلية الافريقية الرفيعة التي تقود عملية الوساطة عن اي موعد جديد لاستئناف المفاوضات، ولكن اكدت الوساطة على ان لقاء تحضيري يجمع لجنة (7 + 7) الخاصة بالحوار الوطني مع حزب الامة بزعامة الصادق المهدي والحركات المسلحة بغرض الاتفاق على اجراءات الحوار الدستوري.
استئناف القتال في جنوب كردفان
وفي الاثناء رصدت الحركة الشعبية تحركات للقوات الحكومية حيث قامت بمحاولة اقتحام مناطق سيطرة الحركة الشعبية عبر جيشها على المنطقة الغربية لولاية جنوب كردفان، الا ان قوات الجيش الشعبي تصدت لها، بحسب المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية ارنو نقوتلو لودي في بيان صحفي تلقت (عاين) نسخة منه ان قوات الجيش الشعبي التابع للحركة تمكنت من عرقلة واعاقة متحرك تابع للقوات الحكومية في الثالث من الشهر الحالي، مشيراً الى ان المتحرك كان متقدماً نحو حامية (كندكيل) التي تقع (10) كلم شمال مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، وقال “الغرض من متحرك مليشيا النظام تنفيذ هجمات ضد المدنيين العزل في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية في مقاطعة الدلنج”، ولم يتسن الحصول على رد فوري من قبل المتحدث باسم الجيش السوداني.
واوضح لودي ان الجيش الشعبي نفذ العملية دون خسائر وسط قواته بينما قتل (9) من جنود القوات الحكومية الى جانب خسائر في العتاد العسكري من اسلحة خفيفة وثقيلة، مشيراً الى ان العملية جاءت بعد رصد دقيق من قبل قوات الحركة لتحركات الجيش الحكومي بعد اعلان القيادة السياسية في الحكومة الاسبوع الماضي انتهاء مهلة وقف اطلاق النار. واضاف “الجيش الشعبي في كل المحاور والجبهات يتابع التعزيزات وتحركات مليشيات الحكومة وستظل قوات الحركة يقظة لتضرب اي يد لارتكاب الانتهاكات ضد المدنيين العزل”.
انعدام الثقة في توصيل الحكومة للمساعدات الانسانية
الامر الاكثر وضوحاً في خلافات طرفي النزاع قضية تقديم المساعدات الانسانية، حيث تطالب الحكومة بان يتم تقديمها من الاراضي التي تسيطر عليها وترفض ان تتم عبر طرف ثالث كما طالبت به الحركة الشعبية، وهذا ما دفع منظمات محلية ودولية وشخصيات عالمية معروفة بتقديم مذكرة تحث فيه الولايات المتحدة الامريكية، الامم المتحدة والاطراف المعنية في وقف جرائم الحرب ضد الانسانية في منطقتي جنوب كردفان / جبال النوبة والنيل الازرق وفي كل السودان ضرورة التمسك بتنفيذ القانون الدولي الانساني لضمان عدم اعاقة توصيل المساعدات الانسانية من مواقع متعددة بواسطة المجتمع الدولي حتى يتسنى للشعب السوداني ضمان حصوله على هذه المساعدات، ودعا الموقعون على المذكرة المجتمع الدولي منع اي طرف من اطراف النزاع من اعاقة المساعدات الانسانية في المنطقتين او اي منطقة اخرى في السودان.
وذكر الموقعون المجتمع الدولي بالقرارات الصادرة من الامم المتحدة ومكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع لها واللجنة الدولية للصليب الاحمر ان الاعمال الانسانية تأسست على اربعة مبادئ وهي الانسانية، الحياد، النزاهة والاستقلالية، وقالت المذكرة “إذا لم يتم اتباع هذه المبادئ في المساعدات الانسانية فإن العملية برمتها تضع ضحايا النزاع في خطر، ويمكن ان تصبح المساعدة الإنسانية سلاحا للصراع المسلح”، وفي اشارة لرفض تقديم الاغاثة عبر المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، اوضحت المذكرة ان الخرطوم تسعى لكي تقدم المساعدات من المناطق التي تسيطر عليها وان المدنيين لا يثقون في الحكومة بسبب انها تقوم باعمال عنف ضدهم. ويقول الموقعون على المذكرة ان ما تقوم به الحكومة ضد المدنيين يعد انتهاكاً واضحاً للمبادئ الانسانية، الحياد، النزاهة والاستقلالية وان من حق شعوب المنطقتين التمتع بهذه المبادئ.
ويقول المواطن عبدو بدوي من مناطق سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان انه عاش 41 عام في جنوب كردفان عاصر فيهما الحرب الاولى والثانية، ولكن في الحربين لم تصدق الحكومة السودانية في قولها بخصوص ادخال الاغاثة. وقال ل(عاين) خلال 41 عام معاملة المؤتمر الوطني لنا فيها عدم ثقة، وفي ذات الاطار قالت الاستاذة قسمة ادم المقيمة بمناطق سيطرة الحركة بحنوب كرفان، ان ثقتهم معدومة في توصيل المساعدات الانسانية من مناطق الحكومة، متوقعة ان تقوم الحكومة السودانية بخداعهم، اثناء ترغبهم للاغاثة يفأجون بقابل تقصفهم كالعادة، وطالبت قسمة الحركة الشعبية بعد قبول اي حوار في الخرطوم لأن العدو لا يؤتمن.
واوضح تقرير صادر عن “المجموعة السودانية للديموقراطية اولاً” ان ورقة الوسطاء اغفلت تحديد المواقع التي ستصل عبرها المساعدات والذي اصبح محور الخلاف بين اطراف النزاع، حيث تمسك الوفد الحكومي بالتحكم والهيمنة على مواقع المسارات الانسانية بينما حددت الحركة الشعبية مسارات متعددة لايصال العون عبر المنطقتين ودول الجوار، فيما طالبت حركتي تحرير السودان قيادة مني اركو مناوي والعدل والمساواة اعادة المنظمات الدولية التي تم طردها من دارفور قبل ثمانية اعوام بعد ان اعلنت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في مواجهة وزير الدولة في الداخلية الاسبق احمد هارون والذي اصبح حاكماً لولاية شمال كردفان.
توقعات المواجهة بين الحكومة والقوى السياسية في الخرطوم
وكان وفد الحكومة في المفاوضات قد اتهم الوساطة الأفريقية بتبني وجهة نظر الحركة الشعبية “شمال” من خلال الورقة التوفيقية التي دفعت بها للطرفين حول وقف الاعمال العدائية. وقال المتحدث باسم وفد الحكومة لمفاوضات المنطقتين، حسين حمدي في تصريحات نشرت له إن وفده جاء بهدف مُحدَّد هو التسوية النهائية للقضايا في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بالتداول حول الوثيقة الإطارية التي اتفق حولها الطرفان في الجولات السابقة بغرض استكمالها واعتمادها ومن ثم الدخول في الإجراءات العملية، لتنفيذ بنود الوثيقة.
ويعتقد القيادي في المؤتمر السوداني خالد عمر ان إنهيارالجولة العاشرة من مفاوضات اديس ابابا يعني إعلان حرب شاملة من قبل الحكومة السودانية ضد الشعب، ويقول ان تلك الحرب تنقسم الى شقين، الاول هو مواجهة حركات المقاومة المسلحة (الجبهة الثورية) عبر الألة العسكرية، والشق الثاني ستصبح مواجهة القوى السياسية المعارضة في العاصمة والولايات عبر القبضة الامنية ويرى ان منع الحكومة للوقفة الإحتجاجية التي نظمتها قوى الإجماع الوطني، رفضاً لمنهج النظام ضد طلاب دارفور في الجامعات والتي قوبلت بحشود امنية منعت تجمع الناس امام وزارة العدل دليل على بداية الاتجاه نحو التضييق، ويقول لـ(عاين) ان الحكومة اختارت طريقاً سيكلفها الكثير، بعد التدهور الاقتصادي الذي انعكس جلياً في انعدام الوقود وغاز الطبخ في العاصمة ناهيك عن الولايات.
وتوقع عمر ان ينتج الضغط الامني المتزامن مع معاناة المواطنين ثورة عفوية، ويعتقد ان قضية ايقاف الحرب هي الأولية القصوى بالنسبة لكافة القوى السياسية في السودان، لأنها قضية مركزية تمس عامة الناس من قوى سياسية وقطاعات مجتمع مدني تعلو على قضايا الحريات والاقتصاد وغيرهما من معوقات التغيير، ويقول (إيقاف الحرب يمثل أعلى المداخل لتحقيق الحريات وإصلاح الإقتصاد).
ووصف عمر الحكومة بالمتخبطة في اتخاذ القرار السياسي. في اشارة منه لغياب الرؤية التي اظهرتها الخلافات داخل وفد الحكومة المفاوض بين السياسيين والعسكريين، وقد تسربت انباء في ذلك الوقت عن مشادة كلامية بين رئيس الوفد الحكومي ابراهيم محمود ورئيس هيئة اركان الجيش الحكومي عماد عدوي.
وذهب في ذات الاتجاه محمد علي جادين القيادي في تحالف قوى الاجماع الوطني رئيس حزب البعث السوداني الذي قال لـ(عاين) إن الحكومة صارت مرتهنة للمجتمع الدولي، معتبرا ان قرار التأهب العسكري يكشف بجلاء محاولات ضغط من قبل نظام الخرطوم لتحقيق مكاسب في الجولة القادمة يتناقض مع لغة الحوار الذي بدأت فيه الحكومة، غير أنه لفت الى ان إرادة الحكومة في تخريب الحياة السياسية بمثل هذه التصرفات التي وصفها بـ”الخرقاء” وكذلك بإعتقالها عدداً من قيادات المعارضة عقب فشل جولة المفاوضات الاخيرة، محذرا من أن ذلك سيغرق البلد في مزيد من الفوضى والأزمات.
مناشدة للحكومة بالاحتكام الى صوت العقل
من جهته ناشد المحلل السياسي الدكتور عمر حمد حاوي، الحكومة السودانية للاحتكام الى صوت العقل والتعامل بجدية في المفاوضات للوصول الى سلام عبر وقف العدائيات وفتح ممرات أمنة لادخال الغذاء والدواء للمتضريين من المواطنين.
ومن جانبها تقول المواطنة دهب عبد العاطي لـ(عاين) انها كانت تأمل ان يتم وقف الاعمال العدائيات لتعود الى موطنها في جنوب كردفان وانهاء حالة المعاناة التي تعيشها في الخرطوم. فيما شدد المواطن آدم علي محمد على عدم جدية الحكومة في المفاوضات وانها تحاول شراء المزيد من الوقت عبر خداعها للمجتمع الدولي باعلانات علاقات عامة.
ويقول اللواء معاش، عبد الرحمن مرسال، لـ(عاين)، إن فُرص نجاح المفاوضات كانت كبيرة لانها تحظي باهتمام دولي، ويعتقد ان الحكومة بدأت بالحوار الوطني وكان يمكن ان تستكملها بوقف الاعمال العدائية، فيما علق الفريق، حسين عبد الله جبريل لــ(عاين)، إن الجولة الاخيرة كان يمكن ان تفضي إلى اتفاق حقيقي بشأن وقف العدائيات تمهيداً لوقف دائم لإطلاق النار، لكنه حمل الحركة الشعبية مسؤولية فشل الجولة.
وحملت “المجموعة السودانية للديمقراطية أولا” في تقرير لها تلقت (عاين) نسخة منه حكومة الخرطوم مسؤولية عما يترتب من اوضاع بعد رفضها توقيع اتفاق وقف العدائيات وإيصال الإغاثة في المفاوضات التي جمعتها مع المسلحين بأديس أبابا نهاية الشهر الماضي. وقالت المجموعة ان الخرطوم تخطط لاحراز انتصارات عسكرية في الفترة المقبلة، وسردت المجموعة في تقريرها بعنوان “انهيار مباحثات اديس ابابا : الاصرار على الحرب ومنع الغوث الانساني واحتكار الحل السياسي” تفاصيل مواقف طرفي النزاع في قضايا التفاوض الرئيسية.