إزالة محلات تجارية صغيرة.. فقراء في مواجهة سلطات عنيفة
2 مارس 2023
“حاولتُ منعهم تحطيم (الكشك) كما طلبت منهم إبراز قرار الإزالة، لكنهم رفضوا”. تقول عوضية خميس، صاحبة كشك – محل تجاري صغير – اثناء مقاومتها لعملية تكسير نفذتها سلطات المحلية مؤخراً على نطاق واسع في العاصمة السودانية الخرطوم.
يقول عدد من أصحاب الأكشاك التي تمت إزالتها أن جنود الشرطة الذين رافقوا الحملات استخدموا العنف الجسدي، المتمثل في الضرب، والغاز المسيل للدموع في مواجهة المواطنين، تحت تبرير إن الحملة تأتي في إطار التنظيم وإزالة الظواهر السالبة والتشوهات البصرية بمحلية الخرطوم.
نهاية يناير الماضي، قبيل انطلاق افتتاح الدورة (40) لمعرض الخرطوم الدولي، قامت محلية ولاية الخرطوم بحملة عنيفة استهدفت أكشاك الأطعمة والمشروبات والأدوات المكتبية في كل من منطقة بري، شرق الخرطوم، بينما توسعت الحملة لتشمل مناطق أخرى بشارع عبيد ختم وأحياء جبرة جوار اليحيى.
أصحاب الأكشاك، التي أزيلت باستخدام العنف مؤخراً، من الشرائح الاجتماعية الضعيفة، الذين يأملون في العيش الكريم، أمام حالة التدهور الاقتصادي الذي عمقه انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. هذا الاسبوع، قدر المفوض العام لمفوضية الأمان الاجتماعي والتكافل وخفض الفقر، عز الدين محمد الصافي، ارتفاع حدة الفقر في السودان إلى 65%.
انتهاكات
عدة انتهاكات، ارتكبتها المحلية، أثناء حملة ما أسمته بإزالة التشوهات البصرية، من بينها استخدام القوة الجسدية، والضرب الذي شمل النساء، واستخدام الغاز المسيل للدموع. وفق ما أفاد بعض أصحاب الأكشاك، خلال مقابلات أجرتها (عاين).
تقديراً لأوضاعها المعيشية الصعبة، سعى متبرع إلى تمليك عوضية خميس سعد “كشك” بكامل أوراقه، حتى يمكنها من توفير الحد الأدنى لاحتياجات أبنائها الطلاب الأساسية. لكن عنف السلطة الحكومية، في مواجهة عوضية خميس، سيحول دون استمرار العائد المادي البسيط الذي كانت تجود به مبيعات بضاعتها المتواضعة.
ودون إنذار مسبق، طوَقت عدد من العربات على متنها رجال شرطة يمتطي بعضهم الدراجات النارية “كشك” عوضية الصغير، وشرعوا في إزالته فوراً باستخدام ألية ثقيلة “بوكلين”، دون إبداء الأسباب.
تقول عوضية في مقابلة مع (عاين): حاولت منعهم من تحطيم “الكشك” كما طلبت منهم إبراز قرار الإزالة، لكنهم رفضوا. وتابعت: “رفض الضابط المصاحب للقوة، التي ترافق موظفي المحلية، السماح لأعضاء لجان المقاومة بإزالة الكشك على نحو يحافظ عليه من التحطم”. لولا تدخل لجان المقاومة “أسود البراري” كان من الممكن وقوع إصابات جراء العنف الذي بدأت القوة في استخدامه ضدنا”. تضيف عوضية.
أثناء عدة جولات نفذها فريق (عاين) في كل من شارع المعرض، وعبيد ختم وشارع جبرة، أكد عدد من أصحاب الأكشاك المُزالة امتناع السلطات عن إنذارهم أو التفاهم معهم، أو توضيح نوعية المخالفة التي استوجبت الإزالة. كما أن عدد منهم، أشاروا لتكبدهم خسائر مالية فادحة، بسبب تحطيم السلطات لأكشاكهم وبضائعها دون أن السماح لهم بإخراجها.
نهب البضائع
أحد أصحاب “الأكشاك، فضل حجب اسمه، أكد أن بعض الجنود نهبوا جزءاً من بضاعته، بينما تم إتلاف الجزء المتبقي منها أثناء عملية تقطيع الكشك”.
وأشار بقوله: “حاولتُ منع القوة المكونة من شرطيين وضابط وبعض الأشخاص الذين يرتدون أزياء مدنية، يبدو أنهم يتبعون للمحلية من تحطيم “الكشك”، لكنهم أبدوا إصراراً لتنفيذ مرادهم” . وأضاف: طلبتُ منهم السماح لي بتفريغ “الكشك” من محتوياته إلا أنهم لم يفعلوا” يقول المواطن الذي بدأ متحسراً على خسارته.
وعادة ما يتم ابتزاز أصحاب الأكشاك، وتهديدهم بشكل دائم من قبل بعض الشرطيين وموظفي المحليات، بإزالة أكشاكهم حتى في حالة عدم وجود حملات إزالة مماثلة. يقول أحمد وهو يعمل في أحد أكشاك مدينة الخرطوم لـ(عاين): إن بعض منسوبي الشرطة أو المحلية، يهدفون للحصول على مبالغ مالية “كسرة” وهي بمثابة رشوة، جراء هذا التهديد.
قبل ثلاثة أعوام، حصلت السيدة فائزة إدريس وهي امرأة مصابة بمرض القلب، على تصديق لإقامة كشك في منطقة بري، لإعالة أسرتها وتوفير علاجاتها الدائمة غالية الثمن.
لم يتم تحذير هذه المرأة المريضة، من أي جهة حكومية، بأن السلطات عزمت على “تكسير “كشكها” الذي لم يُكتب عليه كلمة “إزالة” كما جرت العادة أحياناً، كتنبيه يلفت نظر صاحبته لمعالجة ما أدى للمخالفة التي تسببت في قرار الازالة إن وُجدت.
تم الاعتداء على هذه المرأة المريضة بالدفع واستخدام الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي كان يمكن أن ينهي حياتها، كما تم تكسير الكشك الذي تملكه بطريقة تجعله غير قابلاً للإصلاح.
يقول عادل الأمين البشير، العضو بلجان مقاومة بري اللاماب، إن إنذارات الإزالة تمت لعدد محدود دون تشمل العدد الأكبر من أصحاب الأكشاك. وبدا البشير متأثراً وهو يؤكد أن سلطات المحلية قمعت هؤلاء المواطنين، الذين جرت لهم إزالات فورية دون توضيح المخالفات. وأكد أن عملية تحطيم الأكشاك تمت والبضائع بداخلها.
“قمنا بعملية حصر لعدد من الأكشاك التي تمت إزالتها في منطقة “بري اللاماب، و أحصينا أكثر من أكثر من 35 “كشك” تقع في ثلاثة شوارع يوضح البشير في مقابلة مع(عاين)، ويضيف: “سننتقل بعد ذلك إلى حصر بقية الأكشاك في منطقة بري والمناطق الأخرى”.
ويرجو البشير من السودانيين والجهات القانونية، جبر ضرر أصحاب الأكشاك لأنها مصدر دخلهم المالي الوحيد، في ظل الأزمة المالية التي تضرب البلاد.
ويرى القيادي بتجمع الأجسام المطلبية، خالد محمد طه، أنه من الضروري، أن تضع السلطات في اعتبارها ترقية الحساسية الإدارية تجاه الفئات الضعيفة قبل ان يدعو إلى تصاعد الحراك المطلبي بالطريقة التي تجعل إستمرار هذه الفئات في تقديم الخدمات ببيع السلع البسيطة في الأسواق، قائم على أساس الحق في الحصول على عمل، والحق في تأمين مصدر عيش كريم وآمن.
واعتبر طه، أن هذه الفئات لديها الحق في عدم معاملتهم كفئة يجب سحقها أو ابتزازها بحجة تنظيم الأسواق أو تجميل المدينة. ولفت إلى أن هذه الحجة أستخدمت مؤخراً أثناء إزالة عدد من الأكشاك في شارع المعرض ببري وهو أمر ظل يحدث بشكل يومي ومتكرر في جميع أسواق السودان دون إستثناء، بعدة أساليب من بينها مصادرة البضائع، مما يضطر هؤلاء الباعة إلى إعادة شراء هذه السلع وأدوات العمل مرة أخرى.
ودرجت بعض المحليات، وفقاً لباعة تحدثوا إلى (عاين) على مصادرة بضائع وأدوات المواطنين وإعادة بيعها لهم من جديد. وهو ما اعتبره طه” سلسلة من الإجراءات الجائرة القائمة على سياسات مجحفة”.
كما اعتبر القيادي بتجمع الأجسام المطلبية، خالد طه، أن توصيف قطاع الباعة المتجولين وباعة المشروبات والأطعمة بعبارة “القطاع غير المنظم يعد مجحفاً ويكشف عجز المنظومة الإدارية الرسمية في تنظيم هذا القطاع.
ورأى طه، أن السلطات البلدية في مختلف المستويات الإدارية تصب اهتمامها على الرسوم والجبايات المفروضة على المواطنين أكثر من تخصيص جزء من الجهد للتخطيط لأجل حل مشكلة العاملين في ما يسمى بالقطاع غير المنظم.
ودعا للنظر لقضية أصحاب الأكشاك وغيرهم وفق الجانب الانساني والحقوقي في المقام الأول، مع ضرورة التعاطي مع القضايا المتصلة بمعيشة الناس من زاوية المسؤولية الجمعية.