نزاع الاراضي في السودان: جبال النوبة … الصراع على الموارد
– شبكة عاين – ٢ فبراير ٢٠١٥ –
تعتبر ولاية جنوب كردفان من أكبر المناطق التي تضم مساحات واسعة وصالحة للزراعة، حيث قُدرت إنها تصل إلى نسبة (35%) من جملة الاراضي الزراعية في السودان، ولكن هنالك ثمة إسباب أخرى لعبت دوراً بارزاً في عدم الإستفادة من المساحات الشاسعة، ويجمع الباحثون على أن المنطقة إذا حدث فيها استقرار فإنها قادرة على إنتاج ما يزيد عن حصة البلاد من الحبوب والفاكهة وغيرهما من الإنتاج الزراعي، ولكن إستغلال وسلب حقوق المواطنين في اراضيه شجع على إشتعال الحرب في المنطقة، واكد عدد من الخبراء أن الطريق لايقاف الحرب في جبال النوبة لم يختلف عن بقية مناطق السودان لأن الاصل في الصراع هو على الموارد والهوية.
نهب الاراضي ودوافع التمرد
ويُرجع الدكتور جمعة كندة المحاضر في الجامعات السودانية خلفية صراع الاراضي في جبال النوبة إلى ما قبل حكومة عمر البشير، ويوضح إنها بدأت عقب خروج المستعمر الذي كانت له سياسات واضحة في التعامل مع مواطني المنطقة، ويقول كندة لـ(عاين) إن الاراضي الصالحة للزراعة من مساحة جنوب كردفان تبلغ (45%) هذه النسبة تمثل (15%) من جملة الاراضي الزراعية في السودان قبل إنفصال الجنوب، ويضيف (إزدادت المساحة إلى نسبة (35%) عقب الإنفصال، وهو ما يعكس اهمية ولاية جنوب كردفان الإقتصادية بالنسبة للسودان)، ويشير إلى أن تم تقسيمها إلى رعوية وزراعية في السبعينات وكان هنالك عدد (4) مليون فدان تتبع للمؤسسة الزراعة الآلية في جنوب كردفان في العام 1982. ويقول إن النسبة قفزت إلى (9) مليون فدان، وهي النسبة التي تساوي مابين (60-70%) من اراضي الزراعة التقليدية التي يمتلكها المواطن، ويرى أن المنهجية الجديد في نزع الاراضي شجعت على انخراط المواطنين في التمرد ضد الدولة، ويؤكد كندة أن جذور المعارك التي دارت محليا بين السكان أو بين السكان وقوات الحكومة كانت هي دوما الصراع حول ملكية الأرض واستخداماتها، ويعتقد أن ذات السبب هو الذي وسع من دائرة الصراع الطبقي في السودان حتى وصل التمرد الى دارفور والتي ازدادات فيها الصراعات القبلية لإنعدام قوانين تنظم ملكية الاراضي.
وكان كندة في مؤلفه (الأرض والحكم والصراع ونوبة السودان) والذي صدر في العام 2011، قد أشار إلى ان عمليات (نزع الأراضي) تمت بواسطة مؤسسات الدولة ورجال الأعمال والمستثمرين لعبت فيها الحكومات الوطنية ما بعد إستقلال السودان دوراً رئيسياً، ويرى ان مشاريع الزراعة الآلية الضخمة في هذه الاراضي المتميزة بوفرة نسبية في المياه لعبت دوراً سلبياً أفسد طبيعة وبيئة المنطقة لدرجة أثرت على السكان جميعاً الرحل والمستقرين، ويشير إلى نقطة هامة وهي اكتشاف واستخراج البترول ومعظم حقوله في تقع في جنوب كردفان، ووصفه بأنه (زاد الطين بلة على شعب النوبة).
ولكن الدكتور عطا البطحاني يقول إن قضية الارض فى السودان عامة، وفى مناطق النزاعات بشكل خاص وهى على المستوى التجريدى الكبير قضية تغلغل نمط الإنتاج الرأسمالى فى الريف السودانى، ويضيف لـ(عاين) أن هذا التعميم يتغافل تعقيدات آليات وكيفية التغلغل وهو ليس بالبساطة حتى يتم إختزاله فى صراع اقتصادى طبقى فقط، موضحاً أن ما قام به من دراسة لكتابه “الاثنية السياسية والحركة الفلاحية فى جبال النوبة” يعد تأريخاً لهذا التغلغل آخذاً فى الإعتبار العوامل غير الطبقية، وأستطرد قائلاً إن الدراسة التي اجراها كانت قد غطت فترة تاريخية محددة من حقبة الاستعمار البريطانى حتى نهاية ستينيات القرن وأن التحليل إستند على اطار مفارق لأطروحة الحزب الشيوعى فى التعامل مع قضية الاثنيات والارض فى السودان، ولكن بعد وصول الجبهة الاسلامية للسلطة عبر إنقلابها في العام 1989 أخذ هذا التغلغل منحاً جديداً بدأ من التسعينيات ومستمر حتى الان.
سيطرة الوافدين الجدد على الاراضي
ويعلق الدكتور جمعة كنده على جزئية الصعوبات في خارطة الإقتصاد المتعلقة في جبال النوبة من ذات النقطة التي ارتكز عليها البطحاني، ويقول كنده إن الحركة الزراعية في إقليم جبال النوبة لم تشهد عملية تطوير مدروسة لمالكي الأراضي الزراعية الذين تم تحويلهم إلى عمال زراعيين في مساحات كبيرة، لأن نسبة الاراضي المغطاة بمشاريع زراعية في جبال النوبة تتراوح مابين (9 إلى 12%) من المساحة الكلية في الولاية، واوضح أن هذه المساحة تشكل (50%) من جملة الاراضي الصالحة للزراعة، ويقول (والشاهد أن معظم مالكي هذه الاراضي وافدين من خارج الولاية وهم التجار – الموظفين- ضباط الجيش هؤلاء يرتكزون في مشاريع هبيلا – ابوجبيهة – الترتر – تلودي – الازرق –الليري)، ويشير إلى منطقة (هبيلا) وحدها تشردت حوالي (500) اسرة بالكامل بعد أن صُنفت أراضيها السكانية ضمن المشاريع الزراعية.
من جهته يرى المهندس صديق يوسف ان نهب الاراضي الزراعية في جبال النوبة بدأ منذ أن تم تصفية مؤسسة جبال النوبة الزراعية، وكانت اكبر عملية نهب طالت حتى الأثاثات المكتبية، ويقول (فضلاً عن النهب كانت هناك عمليات تمويل لصغار الجلابة على حساب إنسان المنطقة وذلك بتمليكه أراضي زراعية يمارس فيها النشاط الزراعي إما بإستئجار الأراضي الزارعية أو بامتلكها وتلقائياً يتحول المواطن لعامل زراعي)، ويستشهد بالعام (1991) عندما كان الدكتور بابكر علي التوم وزيراً للزراعة، ويقول (في عهد الوزير بابكر التوم تم تقسيم المشاريع في جبال النوبة بحسب القدرة المالية بمعدل الف فدان لكل فرد وكان مواطنو المنطقة لا يملكون المال للدخول في التنافس)، ويضيف (كانت هذه القرارات لها أثر بالغ في إتساع التمرد لأن المواطن البسيط جُرد من أراضه فلم يجد من خيار أمامه سوى الالتحاق بالتمرد).
ويرى يوسف أن قضية الارض ايضاً تنطبق على مناطق صمغ (الهشاب) في المنطقة الشرقية لجبال النوبة حيث اصبح مالكو الأراضي من خارج الولاية بينما العمال هم أصحاب الأرض الأصليين، ولكن وزير الزراعة في ولاية جنوب كردفان علي دقاش يعتقد في حديثه لـ (عاين) أن هنالك نسبة عالية من سكان المنطقة حددهم بالفئة المستطيعة يمتلكون نسبة من الأراضي الزراعية في الولاية، ويقول (هل من الافضل أن يُمارس النشاط الزراعي على الارض ام تظل ارضاً بور لفترات طويلة؟)، ويشير الى ان دخول الشركات وبعض الممستثمرين ساعد في تقليل البطالة حيث استوعبت هذه المشاريع نسبة عالية من العمالة في الولاية، ويقول إن نسبة الأراضي المستخدمة الآن وصلت إلى (70%) من جملة الاراضي الزراعية وهي التي رفعت من معدل الايرادات ومستوى الدخل لأنها مملوكة للسكان المحليين.
غير أن الدكتور جمعة كنده قسم نسب ملكية الأراضي الزراعية الى (11%) مملوكة للسكان المحليين، (6%) مملوكة للجمعيات التعاونية، (50%) مملوكة للتجار مباشرةٌ، (6%) للمسئولين الحكوميين، و (5%) للمؤسسات، موضحاً أن بعد فترة من الزمن تحولت النسب لصالح التجار لفشل السكان المحليين في إيجار الوابرات إلى جانب عدم القدرة على سداد القروض والسلفيات من البنوك مما اضطر عدداً منهم من بيع أراضيهم الزراعية للتجار، ويقول (بلغ الأمر ذروتة في العام 1998، حيث كان هنالك (200) مشروع زراعي مؤجر قسمت كالآتي (4) مشاريع مؤجرة للتجار المحليين، (4) للمؤسسة التعاونية و(191) للتجار خارج الولاية) موضحاً ان هذا يتعارض مع قانون الزراعة الالية في السودان
جذور الصراع … عدالة التقسيم
اما عن صراعات الأراضي في ولاية جنوب كردفان والتي تسببت في إزهاق العديد من الأرواح يقول جمعة كندة إن هذه الصراعات أغلبها بين الرعاة والمزراعين لعبت الحكومة دوراً كبيراً في تأجيجها عبر التعبئة المتطرفة، موضحاُ أن ممرات الرعاة حسب الخريطة الجغرافية للولاية واضحة فهنالك مساحة ممتدة من بحيرة الجاو إلى اقصى شمال الولاية بها نسبة (200 الى 300) فدان للرعي، ويقول (لكن الحكومة ضيقت مساحة الرعي مما إضطر الرعاة الى التوسع في الأراضي الزراعية وهذا لا يتماشي مع الطبيعة الزراعية فتجمت الصراعات)، ويشير إلى أن الحركة الشعبية خرجت من مؤتمر النوبة بتوصيات منها إستعادة توزيع الأراضي في الإقليم، والمؤتمر قام على خلفية برتكول نيفاشا الخاص بحل النزاع في جنوب، ويضيف (أنشئت مفوضية للاراضي لكنها كانت مفوضية معطلة، بل العكس أخذ الشريك الثاني وهو المؤتمر الوطني في توزيع الأراضي عملياً لمنسوبيه لكي يستبق الحركة الشعبية في ذلك).
ويشير جمعة كنده في ذلك إلى دراسة حديثة أجراها في منطقة (كيقات) وهي المنطقة الواقعة بين محليتي (الدلنج وكادوقلي)، ذكر فيها أن الحكومة قامت بتخطيط (65) مشروع تغطي مساحة (60,000) فدان شمال قرية الزليطة، ويقول إن مجموعة قبائل البقارة على (40%) منها، وذهبت (9%) منها إلى النوبة، (2%) لقبيلة التكارير، (23%) لأهل (البراداب)، بينما حصل اهل (كيقا) على (20%) من الاراضي الزراعية، موضحاً أن هذا التوزيع لعب دوراً كبير في توسعة دائرة الصراع القبلي، حيث وصل عدد الصراعات القبلية القائمة على الموارد في العام 2005 الي (70) نزاعاً دموياً بين الاهالي، وعاد النزاع في عامي 2007 و2008 بمعدل ثلاث نزاعات في كل عام.
إعادة ملكية الاراضي إلى أصحابها الأصليين
ويرى كنده أن الحل يكمن في إتخاذ مبدأ إستعادة ملكية الأراضي إلى أصحابها الحقيقين، وتقسيم الموارد حسب طبيعة المنطقة وليس إفقار المواطن الأصيل وتقوية الرصيد المالي للوافدين من خارج الإقليم، ويقول (اذا ما تُرك الأمر بعيداً عن السياسة واسندت إلى الإدرات الأهلية لن تحدث أي صراعات قبيلة)، ويحذر من تأجيج هذه الصراعات من قبل الحكومة، ويضيف (ولكن طالما أن هنالك تدخلات حكومية ابشركم بأن هذه الحروب لن تتوقف وستتقلص مساحات السودان الى دويلات جديدة).
وذهب في ذات الاتجاه الدكتور عطا البطحاني الذي كشف عن اتجاهه مع آخرين لتوثيق بقية مناطق السودان بعد اتفاقية السلام غير انه قال (أعتقد أن السياسة العامة الان لرأس المال الاقليمى والعالمى والقوى الوكيلة لهما بالداخل تهدف إلى الإستثمار من الثروات في باطن الار ض (بترول ومعادن) وإبعاد سكان هذه المناطق المنتجة بتوظيف الآليات الحديثة فى الزراعة ولكن هذا التيار سيواجه مقاومة وصعوبات عديدة)، وتوقع إزدياد الحروب وأن كل من يملك قوة سيدافع عن أراضيه، في اشارة منه لاحتمالات التشرذم اذا ما استمرت الأمور كما هي عليها الآن.