“كورونا” في السودان.. قاتل يجول بحرية 

 18 أبريل 2021

لا يملك الطبيب المشرف على مركز العزل الأولي لمرض كورونا في مستشفى الشعب بالعاصمة السودانية الخرطوم سوى تقديم الإعتذار لذوى المرضى عن حالة التردي البائنة في المركز وانعدام مقومات العناية الطبية الأولية فيه.

اقصى الجزء الشمالي لمستشفى الشعب وسط الخرطوم يقبع مركز العزل الأولي لمرض كورونا وهو عبارة عن بناية مؤقته مسقوفة من الزنك درجة حرارتها مرتفعة ولا تفصل بين أسرّة المرضى المنومين سوى الواح خشبية رفيعة ويتوسط المبنى بهو يتجول فيه ذوي المرضى لجهة حاجة الكادر الطبي لوجودهم واحضار بعض الادوية التي يأمر بها الطبيب لعدم توفرها في الصيدلية المجاورة للمبنى.

 

تتوفر في المركز اسطوانات الاوكسجين، لكن يتكفل المريض بتوفير قناع الاوكسجين وملاحقة عامل الانابيب الذي غالبا ما يغادر مركز العزل لكنه ترك رقم هاتفه مكتوبا على حائط المبنى للاتصال به حال اي عطل طارئ او اي حاجة لتركيب اوكسجين لمريض قام جديد. تنعدم النقالات والكراسي المتحركة عدا كرسى واحد يتناوب عليه المرضى في حركتهم الاضطرارية لإجراء بعض الفحوصات خارج المركز.

"كورونا" في السودان.. قاتل يجول بحرية

تبقى في مركز العزل الأولي الحالات المؤكد إصابتها بفايروس كورونا مع حالات الاشتباه، وربما يستغرق نقل المصاب الى مركز العزل المجهز خلال (48) ساعة بعد تأكيد اصابته بسبب قلة الشواغر في مراكز العزل الثانوية.

تأتي هذه المشاهد التي وثقتها (عاين) في مركز عزل رئيسي يشابه مراكز عدة في العاصمة والولايات، والسودان في قلب الموجة الثالثة من فايروس كورونا وسط تفشي كبير للمرض وتحديات كبيرة تقر بها السلطات الصحية في مجابهته.

        إحصائيات وتشكيك

ومنذ بداية الجائحة في السودان في مارس من العام 2020، وحتى أبريل الجاري، وصل عدد الاصابات بالمرض إلى (31790) اصابة و(25539) حالة تعافي، و(2208) حالة وفاة، وسط تشكيك في الارقام التي تعلن عنها السلطات الصحية في البلاد وأن عدد الإصابات والوفيات أعلى بكثير من المعلن.

و 6 من ولايات البلاد تشهد زيادة في حالات الإصابة، وتقول وزارة الصحة، إن الفيروس  ينتشر في شرق السودان بولايات “القضارف والبحر الأحمر وكسلا” وكذلك في ولايات نهر النيل وشمال دارفور وجزء من شمال كردفان.

ونهاية مارس الماضي، توقعت السلطات الصحية في السودان زيادة مستمرة في الإصابات والوفيات بفيروس (كورونا) في الأشهر الثلاثة المقبلة، وشددت على ضرورة تفعيل قانون يفرض على المواطنين لبس الكمامات، والالتزام الصارم بالتباعد الاجتماعي للحد من العدوى والانتشار المجتمعي.

في خضم التزايد لحالات الاصابة خرجت مراكز عزل رئيسية في العاصمة السودانية عن الخدمة منها مستشفى يونيفيرسال ومستشفى سوبا، وأصبحت المراكز الرئيسية العاملة هي مركزي عزل (جبرة والخرطوم).

        تزايد مخيف

“السودان يشهد تزايد مخيف في الإصابات بفايروس كورونا”. يقول الطبيب في مركز عزل مستشفى جبرة، أحمد مدني لـ(عاين)، ويضيف بأن النظام الصحي  العام في البلاد مرهق وجاء فايروس كورونا كشف ظهره تماما وسط موجة ثالثة للمرض هي الأعنف.

فيما يقول المدير العام لمستشفى “حاج المرضي محي الدين”- الاكاديمي سابقا، د.عمر الجزار، في مقابلة مع (عاين)، “الموجة الثالثة اشد فتكاً وتضرب بقوة خاصة وسط الاشخاص كبار السن، ولا يتعظ البعض الا بعد الإصابة بالمرض او اصابة شخص قريب منهم”.

ويقابل هذا التمدد للمرض اوضاع متردية في مراكز العزل، ففي الموجة الأولى كانت الأدوية متوفرة مجانا للمصابين بالمراكز ولكن تبدل الحال الآن وبات مرافقي المرضى يتكفلون بتوفير الأدوية من خارج المشفى. في خضم التزايد لحالات الاصابة خرجت مراكز عزل رئيسية في العاصمة السودانية عن الخدمة منها مستشفى يونيفيرسال ومستشفى سوبا، وأصبحت المراكز الرئيسية العاملة هي مركزي عزل (جبرة والخرطوم).

"كورونا" في السودان.. قاتل يجول بحرية

عدد سيارات الإسعاف التى تقصد مركز العزل في مستشفى جبرة خلال اليوم الواحد قد تصل الى (10) مرات احياناً، وفقا لـ مدني، الذي يقول انه قد نضطر في أوقات كثيرة عدم استقبال المرضى بسبب امتلاء الأسرّة .

تتوفر في مركز عزل جبرة ما بين (16-20) أسرّة عناية مكثفة بعضها وأخرى متوقفة، بجانب (7-14) سرير في العناية الوسيطة فيما يتفاوت عدد السراير في العنبر  (15- 20)، وأكثر من عشرون سريرا في عنبر الباطنية ولكن المشكلة ليست في السعة أو عدد الأسرّة اذ لا يوجد كادر طبي كافي يغطي الخدمة الطبية للمصابين داخل مركز العزل. لا تختلف أوضاع المصابين بفيروس كورونا في مركز عزل “حاج المرضي محي الدين” جنوبي الخرطوم، وفي  كثير من الأحيان يتم نقل المصابين من هناك الى مراكز اخرى بسبب نقص الاكسجين.

 ويقول المدير العام لمستشفى حاج المرضي محي الدين، د. عمر الجزار، ان المستشفى من أوائل المستشفيات التي قررت استقبال حالات كورونا من الموجة الاولى حتى الموجة الثالثة، ولدينا مركز عزل أولى لاستقبال الحالات وتحويل الحالات التي تحتاج الى عناية اكثر لمراكز العزل الثانوية اذ تتوفر لدينا (10) سراير في العزل الأولى وتوجد نقطة فرز خارجية بجانب فحص كورونا.

مسؤول طبي:  “سعدنا جداً من قبل بان البلاد خلت من الفيروس ولكن قبل شهر من الآن بدأ تزايد الحالات واعدنا قوتنا الطبية لاستمرار الخدمة الطبية لمصابي كورونا.

        أطباء بلا معينات

اضطر الطبيب في مركز عزل جبرة جنوبي الخرطوم، احمد مدني، إلى عزل حيز في منزل عائلته لسكنه منفرداَ حتى يتمكن من العمل في مركز العزل دون أن يتسبب في نقل العدوى  لشخص آخر من عائلته.

ما اضطر “مدني” لفعله ربما لم يكن متاحا لبقية الكادر الطبي العامل في مراكز عزل كورونا في العاصمة السودانية وسط تحديات كبيرة تواجه العاملين الصحيين. ويقول الطبيب مدني، ” الطاقم الطبي الذي يعمل الآن في مركز عزل جبرة الرئيسي اقل من سعة وامكانيات مركز العزل.. نحن نعمل بطاقتنا القصوى لأكثر من أربع وعشرون ساعة نتابع التحاليل الطبية للمرضى مع العلم ان الكادر الطبي يلتزم بتكاليفه الشخصية من وجبات غذائية وغيرها”.

ويزيد ” مايحدث متعب جداً وليس انسانياَ”.

"كورونا" في السودان.. قاتل يجول بحرية

“في الوقت الحالي الاطباء لايرغبون في العمل بمراكز العزل لعدم وجود مقومات اذا قارنا الوضع في موجة المرض الاولى، وكانت السلطات توفر فيها سكن منفصل للاطباء بغض النظر عن رداءته”. يقول احمد مدني لـ(عاين).

 ويضيف،  “الآن لا يوجد سكن للكادر الطبي العامل.. نحن كأطباء نعمل بمراكز العزل لا نريد أن نسهم في انتشار المرض بالتواجد مع أسرنا ووسط.. المجتمع.. صحيح نلتزم بالاحترازات ولكن هذا ليس آمنا”.

 

        خيار الإغلاق الشامل

 تتخوف الجهات الصحية في السودان من ان تجد نفسها امام خيار التوصية بإغلاق البلاد جزئياً او بشكل كامل وتضطر للمفاضلة بين معاش الناس والحفاظ على حياتهم من المرض بحسب مدير ادارة الرصد والتقييم في وزارة الصحة بولاية  الخرطوم، د. محمد نقدالله في مقابلة (عاين).

 ويؤكد نقد الله، إن الإجراءات التى توصي بها الصحة عموما في السودان او الدول الاخرى هو انعكاس للوضع الذي يفرضه المواطنين، وفي السودان لدينا تزايد في الحالات يفرض علينا ان نكون اكثر حرصاً على الناس ولكن توجد أوضاع اقتصادية يجب أخذها بعين الاعتبار وهناك ضغط على النظام الصحي الذي لم يتعافى بعد من ضغط الموجة الاولى.

 “الإغلاق هو الحل.. لكن آخر العلاج الكي” يقول محمد نقد الله، ويشير إلى ان هذا الخيار يتم فرضه في حالة ان الامور خرجت عن السيطرة وفقدت وزارة الصحة قدرتها على تغطية الحالات.

ويعتقد المسؤول الحكومي، أن الشارع  السوداني هو من يفرض إغلاق كامل او جزئي و محاذير وعقوبات لمن لا يلتزم بها ولكن الاتجاه الأغلب ان نفرض عقوبات على من لا يلتزم بالاحترازات الصحية. واثبت السودانيون تعاون كبير جدا من ناحية التوعية والتعقيم والتطوع، ويضيف نقد الله “انا اعتبر هذا سبب في خروجنا من الموجة الاولى دون ان ينهار النظام الصحي، ونحن حاليا في عين العاصفة وفي وقلب الموجة الثالثة وربما نصبح في حال عصيب جدا”.

خيار الإغلاق يراه المدير العام لمستشفى “محي الدين المرضي” – الاكاديمي سابقا، عمر الجزار، غير ذا جدوى. لكنه يعود ويقول لـ(عاين)، بالوضع الحالي ربما نصل لإغلاق كامل في السودان وهذا الإجراء عانى منه السودانيون في الموجة الأولى لكن لا اعتقد ان السودان يمتلك القدرة الإقتصادية للمضى في هذا الخيار”.

في الوقت الحالي الاطباء لايرغبون في العمل بمراكز العزل لعدم وجود مقومات اذا قارنا الوضع في موجة المرض الاولى، وكانت السلطات توفر فيها سكن منفصل للاطباء بغض النظر عن رداءته”. يقول احمد مدني لـ(عاين) .

 ويعتقد د.الجزار، ان اغلاق البلد لا فائدة منه وأن تم الإغلاق  الكامل لن يجدي ذلك في القضاء على كورونا دون تغيير سلوك المواطنين في ظل غياب الوعي الصحي الكامل وعدم إدراك  الخطورة الصحية للمرض وعدم تفادي التجمعات.

في غضون ذلك، تفضل السيدة شادية جمعة (59) عاماً الإستمرار في حياتها اليومية والذهاب إلى العمل مع الالتزام بالإحترازات الصحية الصارمة وهي تعلم أن العالم في قلب الموجة الثالثة من كورونا سيما وانها تعاني من مرض السكر المزمن وتميل الى استمرار الحياة والتعايش مع الفيروس.

وتنظر السيدة شادية، الى البقاء في المنازل وتحاشي الإصابة قد يجعل الأشخاص بدون مصدر مالي لتلبية متطلبات الحياة في السودان الذي يمر بظروف إقتصادية استثنائية ويتحمل المواطن أعباء معيشية في غاية الصعوبة بجانب نظام صحي متهالك لا تتمكن الدولة تقديم خدمة طبية جيدة من خلاله، وتعتبر ان هذا وضعاً معقداً يتعايش معه السودانيون بصعوبة.

"كورونا" في السودان.. قاتل يجول بحرية

        تطعيم كورونا

والسودان الذي تلقى الشهر مؤخراً 820 ألف جرعة من لقاح (أسترازينيكا) المضاد لكورونا، عبارة عن دفعة اولى من حوالي 3 ملايين و400 الف جرعة يتوقع وصولها خلال الفترة المقبلة، اعلنت سلطاته الصحية في ولاية الخرطوم، عن تطعيم (63.837) في العاصمة ومقرر أن تشمل حملة التطعيم 8 ولايات هي (نهر النيل، الشمالية، البحر الأحمر، شمال كردفان، غرب كردفان، جنوب كردفان، شمال دارفور، وجنوب دارفور).

ويصف مسؤول اللقاحات بوزارة الصحة السودانية، د. عبد الملك الهدية،  تجاوب السودانيين مع مع تطعيم كورونا في المراكز المختلفة بـ”الممتاز”. ويضيف لـ(عاين)، “الدليل التكدس الذي شهدته مراكز التطعيم بالمناطق المختلفة”.

ويشير عبد الملك، إلى أنه وبعد دخول شهر رمضان قل عدد المترددين وبدأنا فتح مراكز قليلة تعمل مساءاً. وحول عودة المراكز وفق التوزيع الأول بعد عيد الفطر، قال الهدية “غرفة العمليات بإدارة التحصين بوزارة الصحة هي صاحبة القرار في هذا الشأن”.