عاصفة الحزم وإعادة الأمل مصائب صنعاء وفوائد الخرطوم

 

عاصفة الحزم وإعادة الأمل مصائب صنعاء وفوائد الخرطوم

عاين

ما بين العمليات العسكرية المعروفة بـ “عاصفة الحزم” و” إعادة الأمل” تلك التي تشنها قوات التحالف العربي على الحوثيين في اليمن، نال السودان نصيبه بالمشاركة وإختيار عقد الصفقات التي تحقق مصالحه أثناء الأزمة التي يمربها اليمن، والسودان كان ثالث ثلاثة في تجمع ( صنعاء ) الذي ضم دول اليمن ، السودان ، واثيوبيا حول القضايا ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ   في بداية العام 2002 لمواجهة دولة ارتريا وحلفاءها من المعارضة السودانية  .

تحييد الخرطوم في الحرب ضد الحوثيين

لكن عصفت الأحداث السياسية بالنظام اليمني برئاسة علي عبدالله صالح ـ حليف الخرطوم ـ في ما يعرف بالربيع العربي ، وتم اختيار الرئيس عبده ربه منصور هادي ضمن المبادرة الخليجية في ذلك الوقت في اطار صفقة لانهاء الثورة آنذاك ، ولكنها استفحلت من جديد بعد وصول هادي لسدة الحكم بهجوم الحوثيين على العاصمة صنعاء، وتجريده من الرئاسة مما دفعه ليستنجد بالدول العربية التي لها مصالح في وقف النفوذ الشيعي، أبرزها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما إستدعى تلك الدول لتمرير قرار عبر جامعة الدول العربية يسمح لها بالتدخل العسكري، لصالح إسترداد الشرعية لحكم الرئيس هادي، لكن من جانب آخر لتحقيق مصالحها بوقف النفوذ الشيعي عبر إيران، وتأمين مياه البحر الأحمر من محاولات السودان للتعاون مع إيران في إستقبال سفن حربية منذ العام 2012، فما كان أمام قوى التحالف العربي الذي تتولى رئاسته المملكة العربية السعودية إلا إجراء مشاورات مع النظام السوداني، ولضمان عدم التعاون مع إيرن طلبت المملكة مشاركته عسكرياً للتأكيد على موقفه في طي ملف التعاون العسكري الإيراني .

السودان واغتنام الفرص 

غير أن السودان إقتنص تلك الفرصة التي كان توقيتها منقذا للوضع السياسي والإقتصادي، أو كما يقول المثل المعروف “مصائب قومٌ عند قومٍ فوائد” ولم يكن أمام الرئيس السوداني المشير عمر البشير أي خيارٍ آخر ـ قبيل ساعة الصفرـ سوى أن يختار أحد الأمرين إما المشاركة في التحالف العربي  ضد الحوثيين في اليمن، أو البقاء في حالة العزلة التي تعيشها بلاده فقد واجه ضغوط إقليمية ودولية في ظل الأزمة الداخلية التي تعيشها بلاده من حروبات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، مع تدهور مريع في الوضع الإقتصادي.

ووجد البشير نفسه محاصراً بعد أن أتخذ الملك سلمان بن عبد العزيز خادم الحرمين الشريفين قراراً ببدء عملية عاصفة الحزم ثم ” إعادة الأمل” ، فأعلن إنضمامه لقوات التحالف العربي للتأكيد على عدم فتح أي مجال للتعاون العسكري والتمدد الإيراني في المنطقة،. غير أنه أي ـ البشير ـ وجد في أمر المشاركة فرصة للخروج من أزمته الداخلية وكسر طوق العزلة الإقليمية والدولية، ولكن هذا لايعني إغلاق الملف الإيراني خاصة برأي عدد من المراقبين ، كما أنه لم يكن قراره مفاجئاً للأوساط السياسية والإعلامية، ويرجع ذلك لطبيعة النظام السوداني “البراغماتي” كونه نظام متقلب في مواقفه، وغير مضمون في بناء علاقات جادة تخدم مصالحه وتراعي وتحافظ على مصالح الدول الآخرى ، فمازال النظام يحتفظ بعلاقات التعاون العسكري الإيراني ويتمثل ذلك في الشراكة القائمة الآن في مواقع التصنيع الحربي في قلب الخرطوم، وسبق أن علقت إيران على قرار إغلاق المراكز الثقافية للشيعة بأنهم يقدرون موقف السودان وأنه يتعرض لضغوط  داخلية خارجية، ولم يحدث تصعيد أو رد فعل سالب على ذلك القرار، رغم أن دخوله في شراكة مع قوات التحالف جعله يكسب دول الخليج ويكسر طوق الأزمة الإقليمية والتي تمهد لرفع العقوبات الدولية عنه.

محاولة لرفع الحصار الخليجي عن البشير

والمبرر في إزدواجية المعايير التي يتعامل بها النظام في الجمع بين المجتمع الدولي ودعم الحركات المتطرفة، كونه يتحدث “بلسانين” أحدهما يعبر عن مراكز في دوائر صنع القرار تتمسك بالتعاون مع إيران وتركيا وقطر، بينما تميل المجموعة الآخرى بالتطبيع مع المجتمع الدولي ، وهذا التضارب مقصود للإيهام بأن النظام متناقض في سياساته الخارجية ، ولكن برأي بعض المراقبين فإن تلك الخطوة محاولة لتجاوز مواقف السودان أيام حرب الخليج، ثم البحث عن تحالفات جديدة في المنطقة.     

في هذا السياق يقول القيادي السابق في الحركة الاسلامية السودانية الدكتور حسن مكي في حديثه لـ(عاين) أن السودان يحاول الحفاظ على علاقاته التقليدية  دون أن يستغني عن طرف لصالح طرف آخر، وعلى ذلك يرى أن علاقات السودان وإيران لايمكن أن تتأثر بالتقارب بين السودان ودول الخليج، ويضيف ( السودان قد خطى خطوات قوية نحو تحسين علاقاته مع دول الخليج التي تعني رفع الحصار المفروض عليه )، ويشير إلى أن هذه الخطوة جعلت دول الخليج تتجاوز أزمتها مع السودان منذ أيام حرب الخليج، ويتوقع أن تمهد لرفع العقوبات الدولية.

 

مكاسب النظام السوداني داخلياً 

ويؤكد مكي على أن النظام حقق مكاسب داخلية بمشاركته في هذه التحالف، على إعتبار أن الشعب السوداني  بطبيعته ينتهج المذهب السني ويميل مع المملكة العربية السعودية، ومن بينها أيضاً ـ كمايشيرـ  العامل الإقتصادي  بإعتباره عامل مؤثر ومهم في هذا القرار مبيناً أن السودان محتاج إلى الدعم السريع في هذه المرحلة، للخروج من الأزمة الإقتصادية ، وحول إستمرار التحالف للعربي كقوات حماية للمنطقة على غرار حلف “الناتو” وحلف “وارسو”، إستبعد مكي إستمرار التحالف العربي، رأرجع ذلك إلى طبيعة الخلافات بين الدول قائلاً أن العرب ليس لديهم ثقة فيما بينهم .

وعلى ذات السياق يعدد الخبير الأمني الفريق العباس محمد الأمين في حديثه لـ(عاين)عدة فوائد جراء مشاركة النظام السوداني في هذا التحالف العسكري، بدخول قواته إلى جانب قوات دول الخليج يعني أنها تجاوزت العقوبات القديمة أيام حرب الخليج، بجانب تجاوز أزمته الإقتصادية نتيجة ما وصفه بالعقوبات “الهجمية” من القوى الدولية والتي ظل يسدد فاتورتها طوال السنوات الماضية.

ويشير الخبير الأمني إلى ما وصفه بأهمية الدور الحضاري الذي يلعبه السودان في علاقته مع دول الخليج وخاصة المملكة العربية، بإعتباره البوابة والمعبر لأفريقيا، بجانب أن لديه ساحل كبير على البحر الأحمر، وهذه المساحة تمنحه أهمية كبرى في ظل وجود صراع على ما سماه بإستراتيجية أنابيب النفط ، ويرى أن هنالك مصالح دول الخليج وخاصة السعودية ومصر مع السودان، ولابد من تأمين المنطقة من البحر الأحمر ، باب المندب وحتى البحر الأبيض المتوسط.

خبير عسكري: ليس هناك ما يمنع من استمرار علاقة الخرطوم وطهران

ويعول العباس على الدور العسكري بقدرة السودان على المشاركة بفاعلية ، مؤكداً أن الجيش السوداني من أميز جيوش العالم وفي المنطقة العربية خاصة، وأحصى مشاركاته الخارجية بقوله أن الجيش السوداني حارب في الحرب العالمية الأولى والثانية وحرب المكسيك وحرب أكتوبر 1973 ،  وأرجع ذلك إلى أنه جيش منضبط وقدراته عالية، رافضاً الحديث عن أن مشاركة السودان في التحالف العربي رمزية .

وحول مستقبل العلاقات بين السودان وإيران ، يقول العباس أن الأمر يتعلق بالمصالح الحيوية وسياسة الدولة  العليا،غير أنه لا يرى ما يمنع من إقامة علاقات مع طهران أياً كانت نوع هذه العلاقة ، مشددا على أن دعوة البشير وزيارته للمملكة العربية بهدف التشاور، ولايعني للضغط عليه  لإغلاق الملف الإيراني، وإعتبر ذلك أمر يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة ويشير إلى أن السودان من حقه أن يحافظ  على علاقاته بإيران ولايرى في ذلك  غضاضة لافتاً إلى نماذج عديدة من بينها  علاقات مصر بإسرائيل.

السودان شارك في حرب اليمن مرغماً

غير أن الصحفي والمحلل السياسي عبدالواحد أبراهيم إعتبر في حديثه لـ(عاين )أن السودان شارك مرغماً في معركة عاصفة الحزم ، لكونه يعاني حصاراً إقليمياً ودولياً مشيراً إلى أن الفرصة قد لاحت له ليلتحم بلدان الخليج الغنية بالثروات النفطية، ويقول أن البشير إقتنص الفرصة ليدخل السودان كدولة ذات ثقل سكاني مقدر وجيش قادر على القتال البري نسبياً، ليشارك ضمن منظومة دول تحالف”عاصفة الحزم”، ويرى أن الضغوط التى تعرض لها نظام البشير جاءت من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتواجد قرابة المليون ونصف من السودانيين العاملين في الخليج حيث تستفيد الدولة من تحويلاتهم المصرفية التي تصل قرابة ( 3  ) مليار دولار سنوياً ، فضلاً عن وعى وإدراك نظام البشير بأن أغلبية الشعب السودانى تنتمى إلى المذهب السني بشكل عام، وإنهم يتجنبوا الإصطفاف مع ايران التي تمثل المرجعية في المذهب الشيعي .

ويشير عبدالواحد إلى أن دول الخليج تفضل في تعاملاتها السياسية رئيس ذو خلفية عسكرية ينفذ ما يطلب منه أكثر من رئيس مدنى يتبنى الديمقراطية، وقد مارست تلك الدول ضغوطاً على البشير ليتخلص من عبء جماعة الإخوان المسلمين، الذين وصفهم بالملفوظين إقليمياً والمطاردين دولياً والمنبوذين شعبياً، بعد تجارب مريرة في الحكم خاصة في وادي النيل، السودان (25) ومصر عاماً واحداً، هناك اشارات الى أن البشير سيتوجه في المرحلة القادمة لتصفية معسكر الإخوان المسلمين وفك الإربتاط بهم على الاقل شكلياً فى المرحلة الاولى، ولكنه مشغول الان بترتيبات الإنتخابات فى منتصف هذا الشهر وسيطرح نفسه كقائد عسكري ووطني، ومتعاطي مع الدول الغنية بالثروات بعد أن فقد ثلثي عائدات النفط بذهاب دولة جنوب السودان.

هل سيتخلص البشير من الاخوان المسلمين ؟ 

وتأتي مشاركة السودان ـ كما يرى عبدالواحد ـ  كاضافة لدول التحالف العربي فهو يمثل بلداً عربياً أفريقياً سنياً، لديه إحتياطي بشري في الخليج العربي يتجاوز الـ(1.5) من المغتربين ، يمكن أن يستخدم ضد العدو المتوقع لدول الخليج العربي والذى هو بالضرورة جمهورية إيران الإسلامية، و”عاصفة الحزم” مثلت لنظام البشير القشة التي يتعلق بها الغريق، لكنها قشة تجعله “يطفو” فوق الأمواج العاتية التي يواجهها، مثل الضغوط الدولية، وكرت المحكمة الجنائية الدولية، على الأقل يمكن أن تضمن له دول الخليج مخرجاً آمناً إذا ما إنقضت عليه جماهير الشعب السوداني الغاضبة، يمكنه أن يكمل بقية حياته في مكة المكرمة.

ويقول إذا إستطاع البشير التخلص من الإخوان نهائياً فإن العلائق مع إيران تكون قد تدهورت تماماً، إلى حد لايمكن أعادتها مرة أخرى، أما إذا لم يتخلص منهم فإن تنظيم الإخوان المسلمين السودانيين-(المؤتمر الوطني)- لديه إرتباطات مع دولة الملالي الشيعية في إيران عبر بعض قادته ومنسوبيه وسوف تعاد العلائق مرة أخرى، لذلك يسعى البشير إلى حشد أكبر عدد من الجنود والمقاتلين ليساهموا في حسم هذه المعركة اٌلإقليمية الكبرى وتوقع أن يتلقى البشير دعماً  إقتصادياً وربما عسكريا، حال قررإغلاق الملف الإيراني وهذا الأمر سيحدث بالتناسب مع عطاء البشير وجيشيه، ويعتبر أن مشاركة السودان ليست رمزية ودول الخيج لاتقبل بذلك وتحتاج من السودان أن يشارك بجنود سودانين يذهبون للقتال إما أن يحققوا النصر لدول التحالف “تحالف عاصفة الحزم” أو أن يعودوا في توابيت.