طالبات مدرسة السلام ينضالن بالتعليم
ان كان للحرب قصص مأساوية لا تنتهي فإن دردشة بين شابتين التقطتها كاميرا (عاين) في منطقة كاودا بجبال النوبة في العام 2014 كانت إحدى تلك المآسي بلا جدال.
أمنيات منال بدر وجواهر اسماعيل في تلك الدردشة الخارجة من القلب لا تعكس فقط مآسي الحرب؛ وفشل الحكومات المتعاقبة – انهيار الخدمات وصعوبة الحياة. بل هي انهيار لوطن كامل لم ينجح ساسته في خلق بيئة آدمية لحياة الإنسان، بعد أن جردته من الشعور بالكرامة والحق في العيش الكريم.
علي أنقاض مدرستهن التي قصفت عدة مرات منذ اندلاع الحرب في جنوب كردفان في العام 2011، تحكي جواهر وآمال قصة تبدد أحلامهن كـ شابتين أعدمت الحرب طموحهن في التعليم وقضي الفقر والحصار الحكومي وبؤس الحياة علي ما تبقي من فرصهن في حياة كريمة.
وتنعي الفتاتان واقع شعب جبال النوبة وسط ركام من ذكريات قصف الطيران المتكرر وآمال انتعشت لسنوات قليلة خلال فترة اتفاقية السلام الشامل (2005-2011) ثم لم تلبث ان تعود بسرعة خاطفة لتحصد الأرواح والممتلكات وتدفع الآلاف للنزوح والتشرد.
تعايشت أجيال متتالية من ابناء جنوب كردفان ” جبال النوبة” مع مأساة الحرب منذ ثمانينات القرن الماضي – أجيال لم تعرف سوى ذاكرة الحرب وأصوات “الانتنوف” . لكن ظلت المرأة هي الأكثر تضرراً من ويلات الحروب، تحمل معاناة الأسر المشردة اضافة لاشكال مختلفة من التمييز على أساس النوع الأمر الذي يشكل عاملاً أساسي بمناطق الحرب.
استراحة محارب
بدأت الحياة تعود لشكلها الطبيعي في ولاية جنوب كردفان. التي شهدت ازدهار نسبي خلال فترة السلام فتم تشييد المدارس والمستشفيات وعاود الطلاب المدارس بُغية التعليم. ولكن مع خريف العام 2011 عادت الحرب الى جنوب كردفان ” جبال النوبة” فشردت عشرات الالف من المواطنين، واستهدف القصف الجوي المرافق العامة دور العلم والعبادة، المستشفيات والمنظمات، الأسواق والمزارع. بشكل ممنهج كان القصد فيه تدمير كل ما يرتبط بحياة الإنسان. حتى طالب بعض مثقفي المنطقة بإدراجها ضمن حروب الابادة جماعية، بعد أن تجمعت فيها كافة أشكال العنف.
قنابل متفجرة
تعتبر مدرسة السلام بمنطقة كاودا من أهم المرافق التي تم تشيدها إبان تنفيذ اتفاقية السلام الشامل. حيث تم افتتاح المدرسة في مستويين أساس وثانوي. ويقول الأستاذ اسماعيل أزرق ان مدرسة السلام كاودا كانت تسع لي 75 طالبة وطالب، ولكن لم يكمل الطلاب فيها عام دراسي كامل حيث تم افتتاح المدرسة في منتصف العام 2010 واندلعت الحرب في منتصف العام 2011 وبدات بقصف جوي شل الحياة تماماً مما ادى الى اغلاق المدارس ” الطيران كان يستهدف المدرسة في اليوم بضرب ثلاتة مرات وللان في قنابل ما انفجرت حول المدرسة”.
استهداف ممنهج
وتقارن الطالبة جواهر يوسف بين فترتي الحرب والسلام قائلة لـ( عاين)” انا مولودة في الحرب الأولى ، ورغم المجاعة وسوء الأوضاع استطعنا مواصلة الدراسة”. وتضيف رغم انني دخلت المدرسة بعد أن تجاوز عمري سن الدراسة إلا أنني واصلت الدراسة الى أن اتى السلام. وتمضي قائلة بحسره “تعرف زمن داك الحياة كانت جميلة، ولكن الحرب الثانية جاءت. في الحرب الاولى انا كنت صغيرة وشاهدت مشاكل الطيران، السبب الرئيس الوقف الدراسة في الحرب الثانية هو مشاكل الطيران والقصف”. موضحة ان الحكومة السودانية ظلت في حالة استهداف دائم للمدارس طيلة أيام الحرب “لما يسمعوا المدرسة شغال برسلو طيران من هناك ويجي يرمي عشان يضرب”. ورغم ذلك ما زال ابواب الامل لطي صفحة الحرب بٌغية عودة البنات الى المدرسة لمواصلة حياتهم. كاشفة عن نسبه الاحباط الذي اصاب الفتيات في سن الدراسة ” الحاجة الخلى بنات النوبة ديل ما يتعلموا دي الصعوبات الكثيرة ـ في كثير عرسو حملو ولدو”.
انتظار السلام
من جهتها تقول الطالبة منال بدر أن الطيران كان يستهدف المدرسة، محدثاً فيها خسائر مادية عديدة دون فقدان في الأرواح. وتضيف في دردشتها مع زميلتها جواهر ” كل بت كان عندها أمل في مواصلة المدرسة لكن الحرب جاء وخرب كل شي” ، مشيرةً إلى أن أبناء النوبة ظلو في معاناة وظلم مستديم من قبل الشمال في اشارة منها الى الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في السودان.
وتستدعي كل من جواهر وآمال ذكريات ايام الدراسة مُوضحات أن الظروف كانت مواتية بكافة اشكال الترفيه التي شكلت محفز أساسي لاستيعاب الدروس في صفاء ذهني ” لكن الحرب خربت الحياة نحن بسبب الحرب وقفنا من اي حاجة لكن بنتمنى انو ربنا يجب السلام عشان مدرستنا تتم”.
وتواصل طالبات مدرسة السلام في السرد عن أهوال الحرب بالقول “الحرب سببت خسائر كبيرة لكن ما هدمت بناء المدرسة ، المدرسة كانت في غاية الجمال ” كنا بنقيف في الطابور انا كنت بفهم الدروس كل البنات كانت عندهم نوايا لمواصلة التعليم في المستقبل”. وتقول آمال بأسى “وحتى نقول ان عملنا شنو لربنا ونحن ابناء النوبة ديل كل ما نمشي مرحلة تجي ظروف تعطلنا. ربنا قادر يوقف الحرب”.
المركز الأخير
ورغم وجود أعدادا كبيرة من المتعلمين والمثقفين في ولاية جنوب كردفان قبل الحروب التي دمرت الولاية وانسانها، الا ان الولاية ظلت تحتل المركز الأخير في الشهادة السودانية في الأعوام القليلة الماضية نسبة لتدهور البيئة التعليمية بسبب الحرب في كافة أرجاء الولاية ولا سيما مناطق الحرب.
وتقول احصائيات ان حوالي 50% من التلاميذ تركوا الدراسة – في مناطق سيطرة الحكومة- منذ اندلاع الحرب في العام 2011، مشيرة إلى تراجع عدد الطلاب بمدارس الأساس، من (276531 عام 2010 الى 258755 عام 2012)، رغم ارتفاع مدارس الأساس من عدد ( 995 مدرسة عام 2010، إلى 1049 مدرسة حكومية وغير حكومية بنهاية عام 2012). بينما تعتبر الأوضاع أكثر سوءا في مناطق سيطرة الحركة الشعبية بالولاية إذ أغلقت معظم المدارس أبوابها بسبب عمليات قصف الطيران المستمرة عبر السنوات الماضية بسبب استهداف الحكومة السودانية للمواطنين العزل.
وتواجه التلميذات ضغوطا مضاعفة تجبرهن على ترك الدراسة بسبب فقر الأسر وانتشار ظاهرة الزواج المبكر التي دفعت الكثيرات إلى بيت الزوجية بدلا عن قاعات الدراسة منذ سن مبكرة.
أزمة إنسانية
ورغم حالة الهدوء الحذر الذي يشوب الولاية منذ اعلان وقف اطلاق النار منذ حوالي العامين الا ان ذلك لم ينعكس علي أي تحسن في الأوضاع التعليمية أو المعيشية في جبال النوبة، ولا سيما في مناطق سيطرة الحركة الشعبية إذ تشير تقارير إلى عدم فتح المدارس أبوابها لهذا العام 2018.
وتحذر تقارير أممية أن الأوضاع الانسانية في مناطق سيطرة الحركة الشعبية بجنوب كردفان ما تزال في مرحلة الأزمة بسبب عدم توفر الغذاء وصعوبة الزراعة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.فضلاً عن تدهور الاوضاع الإنسانية الذي يعتبر اكبر نقاط الخلاف بين الأطراف المتحاربة. حيث ترفض الحكومة ممرات اجنبية بينما تتمسك الحركة برفضها ايصال الاغاثة من مواقع سيطرة الحكومة السودانية.