حوار الوثبة يقف امام العتبة واتهامات للحكومة بخرق اعلانها بوقف اطلاق النار
– شبكة عاين – ٢١ سبتمبر ٢٠١٥ –
بعد اقل من (48) ساعة من اعلان الجبهة الثورية عن موافقتها بوقف الاعمال العدائية لست اشهر، اتهمت الحركة الشعبية في السودان – احدى فصائل الجبهة الثورية – للمرة الثانية خرق القوات الحكومية الهدنة المعلنة، وقالت في بيان تلقت (عاين) نسخة منه ان طائرة (انتنوف) تابعة الى سلاح الجو التابع للجيش الحكومي القت حوالي (11) قنبلة على قريتي “طروجي” و”أنقولو” في مقاطعة البرام في ولاية جنوب كردفان الاربعاء الماضي، وقد سبق ذلك اعتداء بمقاتلة من طراز (ميج) على منطقة (ام سردبة) في جنوب كردفان وصورايخ (الشهاب) بعيدة المدى على منطقة (جلد) في ذات الولاية، دون الاشارة الى وقوع خسائر بشرية.
وكان الرئيس عمر البشير قد اعلن في اغسطس الماضي عن وقف اطلاق النار لمدة شهرين لضمان تهيئة الاجواء لانجاح ما يعرف بـ (حوار الوثية) المتعثر لما يقرب العامين منذ انطلاقه في يناير العام الماضي، وقد لا يصمد اعلان الطرفين المتحاربين لوقف الاعمال العدائية كثيراً بسبب فقدانهما الثقة فيما بينهما.
الحوار الوطني في ايدي الاتحاد الافريقي والمجتمع الدولي
لقد افلت الحوار من بين يدي الحزب الحاكم ليدخل الى منابر إقليمية في الاتحاد الافريقي ودولية عبر المبعوثين الدوليين، وقد تدخلت هذه الاطراف إستجابة لنداءات ودعوات وجهتها قوى نداء السودان التي تضم: الجبهة الثورية، حزب الأمة القومي، تحالف قوى الإجماع الوطني ومبادرة المجتمع المدني، والتي طالبت بتوفير الحريات وإجراء لقاءاً تحضيرياً في الخارج قبل انطلاق الحوار القومي الدستوري في الخرطوم، وذلك لعوامل كثيرة أهمها انعدام الثقة وعدم توفر ضمانات لقادة الحركات المسلحة للمشاركة في الداخل.
في ظل هذا الجدل ومرواحة الحوار مكانه، أخذ مجلس السلم والامن الافريقي زمام المبادرة بوضع خارطة طريق تهدف إلى حل شامل للأزمة السودان بكافة أبعادها، تبدأ باللقاء التحضيري الذي يجمع الاطراف السودانية في مقر الاتحاد الإفريقي في أديس أبابا وبتسهيل من الآلية رفيعة المستوى برئاسة ثابو أمبيكي، وقد غضبت الحكومة من مقترحات مجلس السلم والامن الافريقي لا سيما بعد اجتماعه مع قوى نداء السودان، ولذلك رفض البشير الالتزام بالقرار (539) الصادر من مجلس السلم والامن الافريقي في الخامس والعشرين من اغسطس الماضي والذي امهل السودان (90) يوماً للرد على المقترحات التي اشار اليها القرار، بل ان البشير ذهب ابعد من ذلك عندما اعلن من العاصمة الصينية بكين انه سيمزق قرار مجلس الامن الدولي في حال تمت احالة الملف اليه، حيث يتوقع في هذه الحالة ان يصدر المجلس قراراً بالتدخل تحت البند السابع، غير انه متوقع ايضاً ان تعرقله روسيا والصين.
القرار الافريقي فيه مكاسب سياسية للضغط على نظام البشير
ويرى زعيم حزب الأمة القومي المعارض الصادق المهدي أن قرارات الإتحاد الإفريقي الأخيرة تعد مكاسب سياسية في إتجاه الضغط على النظام السوداني، للعدول عن موقفه والعودة للحوار، وإعتبر أن التفاوض نفسه مقاومة تشكل تراكماً سيصب في خانة التغييرالمنشود.
ويؤكد المهدي في حديثه لـ (عاين) أن كقوى معارضة أستطاعت كسب مواقف الإتحاد الإفريقي، إلى جانبها، ويقول : ” مجلس السلم والأمن الافريقي لأول مرة في تاريخه يستمع الى قوى سياسية معارضة “، معتبراً أن تلك الخطوة قد يحسبها البعض مخالفة وتكسيراً للنظام الأساسي للإتحاد الإفريقي الى إنحياز الأسرة الدولية التي باتت على قناعة بضرورة التغيير، ويؤكد ان الاجواء والظروف مهيأة اكثر لاحداث التغيير كنتيجة طبيعية لما آلت اليه الاوضاع من تدهور سياسي، اقتصادي وامني، ويضيف: ” السلطة باتت ساقطة واحتمال ان يختطفها اي شخص لا سيما ان السلاح منتشر في ايدي المواطنين الى جانب حالة الغضب والتململ في صفوف القوات المسلحة التي اصبحت تعاني التهميش بسبب تقريب قادة المليشيات من السلطة “.
ويتخوف المهدي من ان تتحول الى البلاد الى حالة من الفوضى التي يصعب السيطرة عليها، ويؤكد ان المعارضة بشقيها المدني والمسلح تعمل على مسارين نحو التغيير، الاول يتعلق بعزل النظام اقليمياً ودولياً عبر الدبلوماسية الموازية بالتنسيق مع الاسرة الدولية التي باتت تدعم خيارات المعارضة بالتغيير عن طريق الضغط على النظام لاجل الجلوس والحوار، والمسار الثاني تعبئة الجماهير وصولاً للانتفاضة الشعبية في ظل استمرار النظام في طريقه الحالي، ويكشف عن اتجاه المعارضة للعمل على هيكلة قوى نداء السودان واقامة ورش عمل تتعلق بدارفور ومنطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان كل على حدا، اضافة الى اعداد برنامج بديل يخصص لخدمات التنمية للمرحلة القادمة، لكنه لم يفصح عن مكان وزمان هذه الورش، لكنه رجح ان تكون في دولة افريقية تحددها الآلية الافريقية برئاسة ثامبو مبيكي.
ادارة حرة مستقلة للحوار… او النظام سيحاور نفسه
وترفض حركة (الاصلاح الآن) بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين اجراء اي حوار لا يستوعب كافة القوى السياسية وبشروط تتوفر فيها ادارة مستقلة للحوار وليس على النحو الذي يريده حزب المؤتمر الوطني الحاكم، ويقول ان التغيير يجب ان يكون بالوسائل السلمية، وتعتقد قوى المعارضة ان اصرار الرئيس عمر البشير على ان يظل رئيساً لادارة الحوار الوطني يعني نسف الحوار قبل ان يقوم، ويقول القيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي كمال البولاد ان الشروط التي اعلنتها المعارضة لا تنازل عنها، ويضيف “تأكد لنا بعد اجراء النظام انتخاباته المزورة انه سيتجه نحو الحوار بمن حضر وهو امر مرفوض بالنسبة لنا”.
فيما يرى المفكر السوداني الدكتور حيدر أبراهيم في حديثه لـ (عاين) أن الحوار مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم لا جدوى منه ولن يخرج بنتائج ملموسة لعدم جدية النظام سواء في اجراء الحوارات او تنفيذ الاتفاقيات التي يوقعها مع أي جهة مدنية كانت أم مسلحة، لكنه يؤكد أن الجهة الوحيدة المتحمسة للحوار أكثر من الفرقاء السودانين أنفسهم هو “المجتمع الدولي”، ويشير إلى أن المجتمع الدولي باتت لديه قناعة بأن فكرة إسقاط النظام غير واردة وقد أقنع القوى السياسية المعارضة بذلك، مشيراً إلى أنه ـ أي المجتمع الدولي ـ لم يشعر أو يجد البديل المناسب للنظام الحاكم حتى الآن، كما أنه لايرغب في تكرار نموذج البلدان الآخرى “دول الربيع العربي” في السودان، نظراً لما يحدث في ليبيا واليمن وغيرها من تلك الدول.
ويشير المفكر السوداني إلى أن المجتمع الدولي يرى أن السودان نسبياً أكثر إستقراراً من تلك الدول، ولديهم إعتقاد بأن الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق تدور في مناطق محدودة وليست في العمق السوداني، ويقول أن المجتمع الدولي يتجه لمكافحة الإرهاب ويعتقد أن النظام لن يفوت الفرصة في أن يركب الموجة بإدعاء أنه تكافح الإرهاب.
بيد أن حيدر بدا غير متفائلاً من هذا الحوار بإعتباره لن يقود الى حل طالما أن النظام لم يستشعر أن هنالك خطراً يتهدده، ويشير إلى أن جهود المعارضة “المدنية والمسلحة” في قوى نداء السودان، وحراكها عبر المحطات الخارجية “باريس، برلين، أديس أبابا”، لم تغير في نهج النظام ولم تضغط عليه للقبول الحوار.
الحوار الوطني والمجتمع الدولي
وحول تغيير المجتمع الدولي لسياساته بإنتهاج الحوار بديلاً عن العقوبات، يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي قرشي عوض في حديثه لـ “عاين”، أن المجتمع الدولي لم يتخلى عن الضغوط بدليل تجديد العقوبات الأمريكية على السودان بإعادة إدراجه لقائمة الدول الراعية للإرهاب، لكنه يطرح السؤال بقوله : فيما يستخدم المجتمع الدولي تلك الضغوط … أعتقد انه يستخدمها من اجل الحلول الجزئية للأزمة السودانية.
ويرى عوض أن المعارضة التي تتحدث عن حل شامل لاتملك من ادوات هذا الحل غير النوايا الطيبة، ولسان حالها يقول معلقاً على الضعف الذي تعاني منه المعارضة التي تردد (نحن ناس بنعيش حياتنا بالنية السليمة وكل زول دايرين سعادتو وتشهد الايام علينا)، ويعتبر أن الحوار ليس بالرغبة خاصة في السياسة لكنه بحجم ومعيار توازنات القوى، ويدللّ على حديثه بأن المعارضة المزعجة للبشير هى التي تحمل السلاح، أما المعارضة المدنية فهو يريدها ان تندرج في النظام وفق ثوابته، وحين يتغير الأمر فلكل حادث حديث.
تاج السر جعفر أحد القيادات الشبابية يعبر عن رأيه لـ”عاين” من منطلق حقوقي ويقول أن الشباب في السودان يتم إقصائهم من أي حوار أو تفاوض، ومردّ ذلك إلى أن قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية تحدد لهم مساحات معينة للمشاركة في العمل السياسي داخل التنظيم، وهي غير مستفيدة من الشباب رغم أن المجموعات الشباببية تمثل قوى إجتماعيىة ولديهم مبادرات لتطوير أدوات المقاومة، ويتم إعتقالهم بإستمرار ويرى أن هذه القوى كانت فاعلة جداً في أحداث سبتمبر 2013، وفي الانتخابات الاخيرة حيث نفذت حملة قاطعوا إنتخابات الدم ثم حملة إرحل.
ويقول ان الحركات المتطرفة والمليشيات العسكرية مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها اصبحت تستفيد من الشباب، بعكس أحزابنا وتنظيماتنا السياسية التي لاتوجد فيها مساحة متاحة للشباب، لكن النظام بطبيعته الايدولوجيا لايمنع الشباب من الذهاب إلى الجهاد، ولكنه يستهدف النشطاء من الشباب الحقوقيين والسياسيين، بإلإعتقالات والملاحقات القضائية وهذا النظام نفسه يقف ضد حقوق المرأة قضايا الحقوق المدنية والسياسية وغيرها من قضايا حقوق الإنسان.
ويرى جعفر أن معظم الحركات الشبابية حركة حقوق مدنية ومدافعين عن حقوق الانسان، حال تم الإتفاق أو لم يتم فهم متمسكين بها فهنالك قضايا تعتبر مطالب حقيقية وأساسية للشباب النشطاء، تتعلق بحقوق الإنسان وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد وسيادة حكم القانون ويدافعون من أجل تحقيقها.
بعد ذلك التقت قوى المعارضة السودانية (نداء السودان) في اجتماع بدعوة من مجلس الامن والسلم الافريقي لمعرفة وجهات النظر، وقياس تباينها للمضي في ايقاف الحرب بالسودان.، بيد ان سكان مناطق سيطرة الجبهة الثورية لهم اراء لم تختلف كثيراً عن اراء اخرى (عاين) اجرت تقرير مع سكان مناطق الصراع وبعض ورصدت اجتماع الجبهة الثورية بباريس وحديث الرئيس البشير حول وقف العدائيات لقياس الرأي العامخول وقف العدائيات من قبل الحكومة السودانية والجبهة الثورية فكانت النتائح متقاربة رغم تبيانها الطفيف.
سكان مناطق الصراع نحن لن نثق في البشير
يقول المواطن خالد محمد احمد من جبال النوبة لـ(عاين) عبر الوسائط لن يأخذ هذا الإعلان مأخذ الجد لسكان جنوب كردفان (جبال النوبة) لأن المواطنين لا يثقون في الحكومة والبشير نفسه، وأستدرك قائلاً (في شهر اغسطس من العام 2013 أعلن البشير وقف إطلاق النار، وفي ظهر نفس اليوم اغارت طائرات السخوي والانتنوف على كل جبال النوبة فكانت هي الاشرس من نوعها).
ويرى خالد ان اعلان البشير لوقف اطلاق النار تكتيكي من الدرجة الأولى ليلعب على الزمن، ويقول ” فاذا كان القرار في شهر نوفمبر او اغسطس يمكننا قياس جديته”، ويشير الى ان هذه الفترة تعتبر بداية فصل الصيف وتشتد فيها العمليات العسكرية، ويقول إن وقف إطلاق النار اوالعدائيات لا يتم تنفيذه الا بوجود جهات محايدة لتراقب العملية المبرمة بين الاطراف المتحاربة من أرد إيقاف الحرب عليه ان يطرح ذلك في منابر التفاوض، ويضيف ” الناس في جبال النوبة قيادات عسكرية ام مدنية غير متفائلة بهذا الإعلان ولسان حالهم يقول الموية تكذب الغطاس “.
غارات جوية تلغي قرار البشير بوقف اطلاق النار
وشرع البشير فعلياً في الغاء قرار وقف اطلاق النار الذي اطلقه مع اعلان الحوار فور عودته من الصين حيث قامت القوات المسالحة بشن غارات جوية وارضية على مناطق سيطرة الحركة الشعبية في جنوب كردفان، وقال الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية ارنو لودي ان هنالك قصف طائرات ميج تتبع لسلاح الجو السوداني على منطقة ام سردبة بثلاثة قنابل، وقبل ذلك التوقيت بيوم تم قصف منطقة جلد الواقعة بالقرب من محلية الدلنج بصورايخ شهاب تم اطلاقها من منصات مدينة الدلنج الحربية، وقد رفض الناطق الرسمي السابق باسم القوات المسلحة الصورامي خالد سعد التعليق على حديث ارنو، وقال لـ(عاين) هنالك ترتيبات ادارية تجري الان داخل القوات المسلحة وانه لا يعلم عن وجود قصف جوي.
ولكن لودي وصف رد الصورامي بالهروب من الحقائق بعد ان ضرب البشير باعلانه عرض الحائط، ويقول ان اعلان وقف اطلاق النار دعاية اعلامية ظل يمارسها النظام الحاكم ذراً للرماد في الأعين لصرف النظر عن جرائمه ضد الشعب السوداني، ويضيف “لذلك وقف اعلان النار لم يتعدى كونه اكذوبة من الاكاذيب الكبيرة مثل الوثبة وغيرها “.
من جهته لم يختلف الراي العام في الخرطوم عن راي المواطنين في مناطق النزاع ولم يعد ينظر لحديث البشير بعين الرضى، وفي ذلك يقول الصحفي محمد أمين لـ(عاين) ان الحركات المسلحة معظمها دخل مع النظام الحالي في اتفاقيات ثنائية سواء الحركة الشعبية او حركة تحرير السودان فصيل مني اركو مناوي، ويضيف ” الحركتان مرتا بتجارب قاسية عند تنفيذ اتفاقيتهما مع النظام وهو ما دفع الحركتين بالعودة الى الحرب مرة اخرى” ، ويعتقد ان المطلوب من الحكومة اثبات جديتها بوقف انتهاكات حقوق الانسان وكفالة الحريات.