تسليح القبائل … الحرب القادمة والاوسع نطاقاً

 

تسليح القبائل … الحرب القادمة والاوسع نطاقاً ١٨مارس٢٠١٥

تتعدد الاسباب وينتشر السلاح في السودان بصورة غير مسبوقة في الاونة الاخيرة ، رغم ان انتشار السلاح تاريخياً بدأ في مناطق النزاع تحت مسميات مختلفة منها الدفاع عن ” الهوية العربية والاسلامية ” عندما يواجه المركز تمرداً من مناطق الهامش ، او تحت غطاء القوات الصديقة للجيش السوداني في حروبه الداخلية ، او في جانب آخر للدفاع عن ” القبيلة ” ، الى جانب ان مناطق الهامش في دارفور ، وجبال النوبة والنيل الازرق وجنوب السودان ” سابقاً ” شهدت نزاعات كثيرة منذ استقلال السودان (1956 ) مع بداية التمرد في جنوب السودان وما زال الصراع في البلاد مستمراً في مناطق ( جنوب السودان الجديد الذي يمتد من دارفور وحتى النيل الازرق ) ، رغم نيل الجنوبيين استقلالهم في يوليو (2011 ) .

شهدت فترة نظام الرئيس الاسبق ابراهيم عبود (1958-1964 ) اول انتشار للسلاح كان بسبب مد النظام الاسلحة الى الثوار في الكنغو الديموقرطية ولكن انتشر السلاح في جنوب السودان حيث كان هناك تمرد قوات ( الانانيا الاولى ) بقيادة جوزيف لاقو ، وفي فترة الديموقراطية الثانية (1964-1969 ) حيث ظل الحال على ما هو عليه بدعم بعض دول الجوار بالسلاح ( الكنغو واوغندا ) ولكن بعض من الاسلحة كانت تذهب الى ثوار الانانيا ، وفي فترة الرئيس الاسبق جعفر نميري (1969-1985 ) كانت هناك ثورات في دول الجوار وانقلابات عسكرية ، وخلال نظام الحكم الديموقراطي الثاني ، شهدت المنطقة ايضاً حروب بين دول الجوار ( الحرب التشادية – الليبية التي اندلعت في عام  1987 والتي عرفت بحرب التويوتا حيث استخدمت القوات التشادية سيارات اللاندكروزر ذات الدفع السريع للانتقال من مكان الى آخر ، وهذا ما استخدمته الحركات المسلحة في دارفور في حربها ضد حكومة عمر البشير )  .

دواس العدو … انتشار الاسلحة الثقيلة

ولكن ثمة أسئلة يطرحها المراقبون ودعاة السلم الاجتماعي ، تتمثل في : من أين إستجلب المواطنون الاسلحة الثقيلة؟ وكيف يتحصلون على الذخائر بشكل دوري يمكنهم من اطلاق أعيرة النار ؟ وأين هي الجهات التي تعمل على صيانة السلاح ونظافتة ؟ ، وهل الحكومات المتعاقبة في السودان وراء تسليح القبائل خاصة العربية منها ؟

وعقب إنهيار حكم نظام الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969-1985 ) في انتفاضة شعبية ،  تم الإتفاق بين القوى السياسية على التدوال السلمي للسلطة عبر إنتخابات ديمقراطية نزيهة ، في ذات الفترة كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان قد زادت من عملياتها العسكرية ، وكانت قد حققت تقدماً ملحوظ  في عدد من مناطق جنوب السودان ، وانفتحت شمالاً حيث نقلت عملياتها العسكرية الى جبال النوبة في العام 1985 وفي جنوب النيل الازرق في العام 1987 .

حكومة الصادق المهدي (1986-1989 ) السلاح للقبائل

وقد شكل حزب الامة بقيادة الصادق المهدي – الذي كان يحظى باكثرية في مقاعد البرلمان عدد من الحكومات الائتلافية –  وبتلك الاغلبية في الحكومة شرع حزب الامة حزب الأمة بتكليف وزير الدفاع الاسبق – في الحكومة الانتقالية – نائب رئيس الحزب حالياً اللواء ( متقاعد ) فضل لله برمة ناصر في توزيع السلاح للقبائل العربية خاصة في مناطق دارفور وكردفان المتاخمة لجنوب السودان والتي كانت تشهد وقتها الحرب الاهلية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق دي مابيور .

وكان الغرض من تسليح القبائل العربية التي كانت تسمى ( بالمراحيل ) حماية مواشيهم من استهداف قوات الجيش الشعبي ، ولكن كان الهدف المستبطن ان تعمل هذه المليشيات العربية جنباً الى جنب مع القوات المسلحة السودانية في محاربة الجيش الشعبي ( لحماية الدين والهوية العربية ) كما كانت تردد ذلك الحكومة المركزية ، كما سنت حكومة المهدي وعبر برمة ناصر قانون الدفاع الشعبي الذي اجيز في مجلس الوزراء في الحكومة الائتلافية بين حزبي الامة بقيادة الصادق المهدي والجبهة الاسلامية القومية بقيادة حسن الترابي وكان يفترض ان تتم اجازته في البرلمان ولكن تم ارجاؤه الى ان استولت الجبهة الاسلامية على الحكم عبر انقلابها العسكري بقيادة عمر البشير .

ويقول العمدة نحولة من قبيلة (المسيرية الزرق ) ذات الاصول العربية لـ (عاين ) ان القبائل العربية في كردفان كانوا لايعرفون إنتشار السلاح (غير اسلحة محددة وهي المرمطون وضامن عشرة وابو خمسة وهو السلاح الذي كان يستخدم في القنيص وحماية البقر من الهمباتة  خاصة الأبالة منهم ) ، ويمضى قائلاً  ( في سنة 1987 ، عندما اقتربت قوات (التمرد ) من مناطق كبيرة أهلة بالسكان، ينهبون الأبقار وبعض المتاجر أعلنت الحكومة توزيع سلاح للناس لحماية انفسهم ) ، واوضح ان البداية كانت بتجنيد الشباب وتدريبهم على استخدام البنادق ، ويضيف ( كان وقت التدريب في اوقات القيلولة يعني العصريات ) .

ويقول نحولة ان اللواء ( متقاعد ) فضل الله برمة ناصر كان قد زار المنطقة وأجتمع بقياداتها ، ويضيف ( قال لنا برمة ناصر كلام واضح انه وزع السلاح عشان تحموا بيهو أنفسكم من المتمردين وقد كنا اكثر من 10 عمد و8 نظار من مختلف القبائل ) ، ويقول ( منذ ذلك الزمن اصبح السلاح في ايدي المواطنين بإشراف من العمد  وكان في زول إشترى بندقية برضو لازم تُحصر من العمدة ) ويشير الى انه وبعد مرور عام ان السلاح الذي وزعته الحكومة بلغ اكثر من (30 ) بندقية ( كلاشنكوف ) ، واكثر من (15 ) بندقية ( جيم 3 ) ، ويقول ان السلاح التقليدي من ( ضامن 10 والمرمطون اصبح اكثر انتشاراً وطيلة فترة حكومة الامام الصادق المهدي لم تكن هناك حروب قبلية وانما كنا بنداوس العدو فقط ) ، في اشارة لمتمردي الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة قرنق .

تجييش الشعب … مع نظام الاسلاميين

بعد استيلاء الجبهة الاسلامية على الحكم عبر انقلابها العسكري بقيادة عمر البشير ، واصل النظام الجديد ( نظام البشير ) في برنامج تسليح القبائل ، بل وامضى النظام الاسلامي ابعد من ذلك بتجييش قطاعات كبيرة من الشعب السوداني عبر معسكرات الدفاع الشعبي التي  نشطت في بداية تسعنيات القرن الماضي في عملية عسكرة الشعب لمواجهة ما يسميه النظام ( اعداء العقيدة والوطن ) في اشارة للتمرد ، وكان القصد من العسكرة استخدام المواطنين مهما كبر سنهم في الحرب التي كانت تدور في جنوب السودان ، بل اطلق عليها النظام ( حرب الجهاد وان من يقتل في الحرب من جانب الدفاع الشعبي هو شهيد سيدخل الجنة ويتزوج من حور العين ) .

كانت العادة في مناطق كردفان الكبرى ( قبل تقسيمها الى جنوب وشمال وغرب كردفان ) ان يستلم المواطن السلاح ويذهب الى العمليات العسكرية ، ومن ثم اصبح ذلك السلاح ملك للمواطن تمليك البندقية للفرد، ويقول نائب ناظرعموم قبائل الحوازمة بمنطقة ام برمبيطة الطاهر لـ (عاين ) إن تدفق السلاح في يد الأهالي كان في تزايد ، ويضيف (ليس لدينا إحصائية بالسلاح الموجود في المنطقة ولكن اي بيت فيه بندقية… والغالبية العظمي من هذا السلاح تم تسليمها منذ ايام الدفاع الشعبي ) ،  نافياً ان يكون السلاح  الذي في ايدي المواطنين سبباً في اي صراع قبلي في المنطقة سوى التفلتات الفردية .

الدوشكا والكلانشكوف والقرنوف في كل بيت

من جهته يُعزي الحريكة احد نظار المسيرية  إنتشار السلاح لحماية المواطنين من النهب الذي يتعرضون له ايضاً لحماية أنفسهم في مناطق المسيرية الممتدة من الفولة لقاوة بارا بابنوسة ، كاشفاً عن أن  الهدف الرئيسي من السلاح هو الحماية  . ولكن المواطنيين إستخدموه في الصراعات الشخصية مما أنتج عدد من المشاكل القبيلة . ولم يستطع “الحريكة”  تحديد نسبة السلاح في أيدي القبائل مكتفياً بمقولة  ( كتير خالص كافة انواع السلاح موجودة ) .

وتقدر (عاين) ان معدل السلاح بحسب مصادر تحدثت اليها في مناطق المسيرية وفق التوزيع فان كل فرد بلغ الثامنة عشر او اكثر يجيد إستخدام كافة انواع الاسلحة ، فضلاُ عن انه في كل منزل تتوفر مابين قطعتين الى ثلاثة من السلاح ، ويقول احد ابناء المنطقة لـ ( عاين ) ان هنالك سلاح موزع بحسب بطون القبيلة حيث هناك من يعرف ( بسلاح اولاد فلان او خشم البيت الفلاني ) .

من جهته إتهم القيادي بالحركة الشعبية ادم كرشوم الحكومة السودانية بالعمل علي إبادة المسيرية فيما ببينهم عبر نشر السلاح بينهم وتأجيح الصراعات فيما بين القبيلة الواحدة، وتسائل قائلاً لا يمكن لقبيلة مثل( المتانين او اولاد سرور ” أن تمتلك عدد 186 مدفع ثقيل من دوشكا الى أربيجي ولها عربات لاندكروزر تستخدمها ضد بعض لماذا ) ، ويضيف ( ونأتي لنقول ان المواطن امتلك هذا السلاح  بمجهودة الذاتي ؟ ) ، واستطرد قائلاً لـ(عاين) ان الحكومة السودانية أرادت أن تزج بالقبائل في الصراع الدائر بينها والحركة الشعبية، ويقول ( ولكن مجهودتنا أفشلت هذا المخطط ) .

ويقول كرشوم ان العام 2012 شهد  توزيع السلاح في كافة المدن والارياف في المنطقة، إضافة الى دفع مبلغ ( 500 جنيه لكل فرد) ، ويشير الى ان المواطنين اخذوا الاموال ولكنهم لم يقاتلوا الى جانب الحكومة ، ويمضي في حديثه قائلاً ( رصدنا رصد دقيق ان عدد السلاح الذي وزع في المنطقة آنذاك كان (4) الف قطعة سلاح من نوع ” جيم 3 الى كلاشنكوف” ، واكثر من الف مدفع ثقيل ماركة ” أربحي وقرنوف دوشكا رباعي وكاتوشا ”  فضلاً عن فتح الأسواق لشراء السلاح ) ، ويرى ان السلاح في إمتلاك بندقية مثل إمتلاك العصاية أو السكين في الماضي .

ولكن القيادي في المؤتمر الوطني الديرديري محمد احمد  ينفى لـ (عاين ) ضلوع الحكومة في توزيع السلاح بهذه الكمية ، ويقول أن المواطنين إستطاعوا امتلاك السلاح بوسائل وطرق شخصية مع عجز الحكومة عن نزع هذا السلاح ، ولكنه لم ينكر إدخال بعض السلاح للمواطنين لحماية إنفسهم ، ولم يتسنى لـ(عاين) مواصلة الحديث مع الديرديري بسبب إغلاقة هاتفه.

غير إن ادم كرشوم اوضح في رده على الدرديري( اعتماد الحكومة على عمد ومشائخ لم يسمهم باشراف الدريري نفسه وقيادات المؤتمر الوطني الاخرى من امثال صالح صلوحة وعيسي بشرى في عملية إدخال السلاح ) ، ويضيف متسائلاً ( كيف يتم شراء سلاح لا يتم بيعه الا لدولة وهو يفوق سلاح الكتير من الحركات المسلحة في الاقليم ؟ وماهو دور الدولة في حماية أرضها؟ وأين دورهم كابناء منطقة من إيقاف هذا التدفق من السلاح ؟ ) ، ويشدد على إن السبب في انتشار السلاح بهذه الكمية محاولة إضعاف قبيلة المسيرية ولنهب موارد المنطقة خاصة النفط  حيث لم تحظى المنطقة باي خدمات .

يُذكر ان اخر الصراعات كانت بين بطون المسيرية اسفرت عن إغتيال مايفوق ال400 قتيل في العام الماضي.

دارفور انتشار السلاح بشكل غير مسبوق

لم تتوصل (عاين) الى نسب حقيقة  للسلاح وسط الأهالي في دارفور، ولكن كل النسب التقديرية اكدت أن السلاح يقدر بنسبة( 80% ) من جملة عدد السكان في كل منطقة، قرية كانت ام مدينة ،  فهنالك بعض المناطق تمتلك النساء فيها انواع متقدمة من السلاح ، ويقول مصدر فضل حجب إسمه لـ(عاين) إن قبيلة المعاليا تمتلك عن بكرة أبيها أنواع متقدمة من السلاح تم توزيعه بطريقة منظمة من قبل الحكومة ، ويضيف ان هنالك مايفوق ( 100 ) عربة لاندكروزر مجهزة بالسلاح تم ادخالها في  اواخر هذا العام ، ويقول إن تدفق السلاح في منقطتي ( عديلة والضعين ) غير مسبوق، وقد شهدت هذه المنطقة معارك عسكرية مع قبيلة الرزيقات راح ضحيتها اكثر من (200 ) مواطن مع عمليات تعبئة مستمرة للرزيقات والمعاليا وهو ماشجع من النهب . متوقعاً إحتلال مدن كبيرة مثل نيالا من قبل اي مجموعة قبيلية تنحدر من المنطقتين ، واصبحت كل القبائل في درافور تمتلك سلاحاً ثقيلاً، ويقول المصدر ( مثلاً قبيلة الفلاتة تمتلك مدفعية ثقيلة وكذلك قبائل البرتي والقمر والفور اما الزغاوة فحدث ولاحرج ) ، ويضيف ( ولكن الصراعات الظاهرة بين قبيلة الرزيقات التي اصبحت قاسماً مشتركاً في كل صراع داخل دارفور وهي عادة ما تستعين بالمد الحكومي السخي لابنائهم الذين اصبحوا معروفين بالجنجويد ) .

والجيش ينفي علاقته بانتشار السلاح وسط المواطنين

ورغم كل الإشارات التي ترمي بان القوات المسلحة في قفص الإتهام إلا أن الناطق الرسمي بإسم القوات المسلحة العقيد الصوارمي خالد سعد ، نفى علاقة الجيش باي عملية تسليح عشوائي داخل الدولة السودانية ، ويقول لـ (عاين) ان جهات سياسية لم يسمها تقف خلف تسليح القبائل في كافة مناطق السودان، وذهب في ذات الاتجاه المقدم معاش” قادم النو “الذي قال لـ(عاين)  إن سياسة فرق تسد عبر توزيع السلاح وتشجيع حرب القبائل التي تُستخدم في غرب البلاد ليست لها فوائد عسكرية، بقدر ما انها تندرج تحت طائلة  السلاح خارج دائرة القانون ، موضحاً ان المؤسسة العسكرية في البلاد ليست لها القدرة على مواجهة الدور السياسي الذي ادى الى افتقاد الجيش سطوته .

ولكن استاذ الأقتصاد والسياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة الدكتورحامد على إتهم الحكومة صراحة بتوزيع السلاح خاصة الثقيل منه ويقول في اتصال مع (عاين) إذا تم الافتراض جدلاً بان السلاح الصغير يمكن أن يٌباغ ويُشترى،ويضيف ( ولكن كيف يمكن الحصول على الأسلحة الثقيلة؟ وكيف تتم صيانتها  وتستجلب لها الذخيرة ؟ وهل بمقدور القبائل القيام بكل هذه التكاليف الباهظة ) . وأستدرك قائلاً  ( بالتاكيد لا  هذا لا يتم الا عبر الدولة التي يمكنها إدخال مثل هذه النوعية من السلاح ) ويضيف ( إذا قمنا بفحص الأرقام المتسلسلة لهذه الأسلحة نجدها دخلت السودان عن طريق الصين وإيران وروسيا، وهي الدول التي تمد الحكومة بالسلاح في دارفور ،  ويرى ان الوضع في كردفان كان وراءه بعض القادة العسكريين اللذين سلحوا المواطنين في ايام الحرب الاولى بحجة  انهم يسكنون في مناطق التماس ، ويقول ( من هؤلاء القادة العميد ود ابراهيم الذي احيل للمعاش وامثاله كثر وبينهم فضل الله برمة ناصر نائب رئيس حزب الامة ، مما يصعب من عملية نزع السلاح  بسبب عدم معرفة الرقاع التي وزع فيها ، ثانياً كافة ضباط الجيش يريدون أن ينؤو بانفسهم من مثل هذه الاوزار التاريخية ) ، ويتابع ( كافة الأسلحة المنتشرة في غرب السودان مصدرها الأمن والجيش ، والكارثة في أن السلاح الموجود أصبح يستخدم لتصفية الحسابات القبلية الضيقة مثل حرب الزيود وبني عمران ، والمعاليا والرزيقات وغيرهم من القبائل التي تتطاحن فيما بينها ) .