السودان: محاور خارجية جديدة لحماية البشير

تقرير شبكة عاين – السبت 20 يناير 2018

 
في الوقت الذي يقبل فيه البرلمان السوداني على إجازة موازنة العام 2018 بعجز %2.4، فاجأ الرئيس السوداني العالم بزيارة لروسيا، وطلب منها حماية السودان من امريكا. بعدها حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى الخرطوم، زيارة خلطت الاوراق في كافة دول حوض النيل، وأحدثت تقارب إماراتي مصري أريتري، مما إستدعى الحكومة السودانية لأغلاق الحدود مع جارتها أريتريا، ورفع درجة الاستعداد بمدينة كسلا بشرق السودان.
 
تصف قوى الحوار الوطني المشاركة في الحكومة أن العلاقات الخارجية في السودان “بالفوضى”، فهل هذه المحاور الخارجية هي محاولة لحماية البشير. إذ يقول عضو البرلمان القومي عن حزب المؤتمر الشعبي المشارك كمال عمر أن العلاقات الخارجية الحالية تعبر عن فئة قليلة من المؤتمر الوطني بالقصر الجمهوري وليس الحزب كاملاً، وهي عبارة عن فوضى دبلوماسية.
 
الغرب والسودان 
في فترة الإنقاذ، برز إستِعداء السودان للعديد من الدول، وظهرت أدبيات جديدة على شاكلة (أمريكا روسيا قد دنى عذابها)، وفتح نافذة للإعلام الرسمي لكيل الشتائم إلى رؤساء الدول المختلفة في برنامج الحديث السياسي الذي كان يقدمه اللواء يونس. أسفرت هذه العلاقات عن إتهام السودان برعاية الإرهاب في فترتي كارلوس و اسامة بن لادن، فضلاً عن ضلوعه في محاولة إغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. وإتهام السودان أيضاً بتفجير سفارتي امريكا بكل من نيروبي ودار السلام. وتمخض الأمر عن فرض عقوبات أمريكية على السودان 1997.

فترة إستقرار
في العام 2005 دخل السودان فعلياً في تطبيق اتفاقية السلام، التي كانت قد انهت أمد اطول حرب اهلية في الاقليم. وهي الفترة التي يصنفها المراقبون بافضل فترات السودان استقراراً، ولكن قبل ان تكتمل اتفاقية السلام دخل السودان في حرب اهلية جديدة في منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق.
في العام 2014 دشنت الحكومة الحوار الوطني، اسفر عن مشاركة السودان في حرب عاصفة الحزم، أعقب ذلك رفع الحظر الاقتصادي عن السودان بعد 27 عام، مقابل رفعه من قائمة الدول الراعية للإرهاب إن أحرز تعاون  في الملف. ولكن  قبل أن يكتمل رفع الحظر، تدهورت العلاقات مع محور أمريكا السعودية، الذي يسميه العرب بمحور صفقة القرن، ودخل السودان محور جديد وهو محور روسيا تركيا، الامر الذي تسبب في ربكة على مستوى العلاقات الخارجية وشحذ همم دول الجوار لإستعداء السودان.
 
فوضى دبلوماسية
عضو البرلمان القومي عن حزب المؤتمر الشعبي المشارك كمال عمر يصف العلاقات الخارجية السودانية في الوقت الراهن بأنها تعبر عن فئة قليلة من المؤتمر الوطني، وهي عبارة عن فوضى دبلوماسية، موضحاً ان مخرجات الحوار الوطني لم تتحقق حتى الان، بعد إنفراد حزب المؤتمر الوطني بإدارة البلاد دون إشراكهم قائلاً لـ(عاين):”نحن في حكومة الحوار الوطني شاهد ماشافش حاجة” وقطع كمال بأن العلاقات الجديدة لن تصب في مصلحة المواطن ولا الوطن، بل من شأنها زيادة الامور تعقيداً بعد إعادة تنصيب البشير لنفسه دورة جديدة، وأضاف قائلاً: “البشير يبحث عن إعادة إنتخابه، ولا يهتم بشيء، وعلاقاته الجديدة فقط لكسب إستمراره في الحكم واعادة نفسه ثالثاً ورابعاً وعاشراً).
مسئول السياسات بمنظمة كفاية الامريكية عمر قمر الدين

وذهب في ذات الاتجاه الباحث في كلية القانون بجامعة لندن احمد حسين ادم  موضحاً ان أسباب زيارة روسيا ربما تكون مرتبة، ولكن الدافع الاساسي فيها هو مطالبة الامريكان للرئيس البشير بالتنحي من السلطة، وعدم نزوله  فى الانتخابات وهو امر مرتبط بمصير البشير الشخصي، خاصة وان النظام تشوبه الضبابية، فليست هنالك شفافية بل غياب معلومات مؤثر حتى على اعضاء الحزب الحاكم النافذين، واضاف حسين لـ(عاين): “عندما عرف البشير عدم إهتمام ترامب بحقوق الانسان، ظن انه لن يدعم مسالة المحكمة الجنائية الدولية، لكن هذا لم يحدث”.
 
مسئول السياسات بمنظمة كفاية الامريكية عمر قمر الدين وصف زيارة روسيا بالطموح الشخصي للرئيس البشير الذي يحاول أن يثبت للعالم انه قادر على السفر رغم خظره من قبل المحكمة الجنائية، حتي يثبت تحديه للمحكمة الجنائية، وأضاف لـ(عاين)”أتضح ذلك في محاولاته لرشوة بوتين بقاعدة في البحر الأحمر، لكنها محاولة فاشلة، هي من بقايا تكتيكات الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن”. 
 
تنسيق اخواني
حضور الرئيس التركي اردوغان الى الخرطوم. كأول زيارة لرئيس تركي بعد استقلال السودان. وزيارته لجزيرة سواكن التي تبعد 50 كيلو عن المملكة العربية السعودية، ثم اجتماع رؤساء هيئة اركان كل من السودان، قطر وتركيا – في لقاء أسفر عن افتتاح ملحقية عسكرية قطرية بالسودان – أدى كل ذلك الى توتر مصر والسعودية. زيارة أردوغان خلطت الاوراق في كافة دول حوض النيل.
 
زيارة أردوغان خلفت اراء متباينة من السودانيين انفسهم، ففي الوقت الذي تحفظت فيه حركة الاصلاح الان على مخرجات الزيارة، إتهمت المعارضة السودانية الحكومة باعادة إنتاج الاخوان المسلمين. القيادي بالإصلاح الأن المشارك في الحكومة حسن عثمان رزق يقول لـ(عاين): “الخطوة جيدة، لأن التحالف مع روسيا وتركيا مقبول في حدود العلاقات الاقتصادية السياسية، روسيا قوة لا يستهان بها” وإستدرك قائلاً: “لكن اقامة قاعدة عسكرية على البحر الاحمر له نتائج كارثية بالنظر الى ان الاتفاقات الدولية لإقامة قواعد عسكرية تمتد في الغالب الى سنوات طويلة اقلها 50 عاما، وهذا غير مقبول بالنظر الى ان روسيا نفسها دولة ذات تقلبات سريعة)، ويضيف “يمكن الاتفاق مع روسيا اقتصادياً وتوقيع اتفاقية دفاع مشتركة، لكن قاعدة عسكرية لا”.
 
ولكن المحلل السياسي الحاج وراق يربط زيارة الرئيس التركي للسودان وقبلها زيارة البشير لروسيا واجتماع رؤساء هيئة اركان السودان قطر تركيا بالتنسيق العسكري الاخواني للتأثير على ليبيا ومصر، واستدل ورّاق الذي تحدث لتلفزيون دريم دريم بإشارة رابعة التي رفعها الرئيس التركي اردوغان في زيارته الرسمية للسودان.
 

من جهته يقرا احمد حسين ادم علاقات الخرطوم الخارجية الجديدة بالبحث عن البقاء في السلطة ليس إلا، ويضيف: “البشير يظن ان محور تركيا روسيا نجح في حماية الأسد، فقطعاً سيُحميه، خاصة وان تركيا دولة قوية، وان العالم يعرف عودة العلاقات القوية بين تركيا وروسيا بعد معالجة ازمة ضرب الطائرة الروسية).

أبعاد استراتيجية
العلاقات الخارجية السودانية الجديدة تسببت في ازمة مفتعلة، خاصة مع الدول ذات الحدود المباشرة معه. ولكن قبل ان ينفض اقتتال عاصفة الحزم الذي يشارك فيه السودان، واجه صعوبات في استمرارية العلاقة مع المملكة العربية السعودية، خاصة بعد التعامل السيء الذي وجده الرئيس البشير من ولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان. وزادت الامور سوءاً بعد نشوء محور العلاقات الخارجية الجديدة.
يقول رزق: “في ظل هذه التحولات، تظل العلاقة مع السعودية مهمة وتحكمها عوامل عديدة، منها مصالح ملايين السودانيين في المملكة العربية السعودية، بجانب استثمارات السعودية الموجودة في البلاد”، وتابع قائلاً: “يمكن للسودان ان يكون له مأخذ على الاتفاق البحري الذي تم التوقيع عليه بين السعودية ومصر في جزيرتي تيران وصنافير، إذ يعتبر ذلك انتهاكا للحق البحري للسودان في مثلث حلايب. وهذا خطأ سعودي يمكن لفت نظرها اليه والاتفاق وفق معايير محددة تعيد للسودان ارضه”
 
أما احمد حسين  فيرجح موقف الحكومة السودانية من نظيرتها السعودية الى فشل الاولى في تحقيق ما كانت تتوقعه من المشاركة في عاصفة الحزم، وأضاف قائلا: “توقعات عاصفة الحزم لم تُحقق المردود المالي ولا اللعب على كرت الجنائية، البشير كان يعتمد على الامير متعب، لكن بعد وفاته فقد البشير كل شي داخل اضابير الحكم السعودي”.
 

ولكن عمر قمر يصف المشاركة في عاصفة الحزم بالصناعة السُعودية لخلق رأي عام في المنطقة. ويقول لـ(عاين): ”عاصفة الحزم إختراع سعودي لالهاء الداخل من تتبع أثر التغيرات الكبيرة التي تمر بها المملكة” موضحاً انها لن تؤثر فيما يختص بقرار المحكمة الجنائية، “سيظل السودان في قائمة الدول الراعية للارهاب، لانه لم يفعل ما يجب عليه فعله ليجعل من الممكن لصانع القرار الامريكي ان يرفعه من القائمة” قاطعاً بان الجنائية لا تسقط بالتقادم، “الجنائية  الدولية ستظل سيف ديموقليس معلق علي رقبة البشير، وهو يحاول بكل السبل البقاء لأطول فترة ممكنة في الحكم حتي يهرب من الوقوف أمام المحكمة، ولكن ستطارده العدالة أينما كان).

أزمة طاحنة
رغم رفع الحظر الاقتصادي على السودان، الا ان الازمة الاقتصادية لن تبارح مكانها، وكانت الحكومة السودانية تصور لمواطنيها بان رفع الحظر الاقتصادي قد يعود بمكاسب كبيرة على الاوضاع الاقتصادية في البلاد، وهو ما لم يتحقق، مما دفعها للارتماء في محاور خارجية اخرى بحثاً عن روشتة، ولكن عمر قمر يحلل علاقة الاقتصاد السوداني برفع الحظر قائلاً: ” نظام الخرطوم لا يمكن ان يستفيد من فرصة رفع الحظر نسبة لان إشكالات السودان الاقتصادية هي امراض هيكلية يعاني منها الاقتصاد السوداني ولا علاقة لها بالعقوبات، إذ لا توجد استثمارات حقيقة في السودان، الشركات والمستثمرين يعرفون ضيق فرص الاستثمار نسبة للفساد الكبير الذي ينخرعظم البلاد، علاوة على ضعف البنيات التحتية و قوانين الاستثمار المتضاربة”.
 
ويعلق على هذه الجزئية احمد حسين ادم بان “رفع الحظر بشكل كامل يتطلب التعاون في ملف الارهاب وملف الامن بجنوب السودان والوضع الامني في المناطق الثلاثة – دارفور حنوب كردفان والنيل الازرق – وتغيرات داخلية في هيكل الحكم تقضي بابعاد البشير من السلطة، الامريكان دايرين نظام بدون البشير”. 
 

واضاف “ولكن بعد قرار ترامب بنقل السفارة الى القدس للاعتراف باسرائيل السودان تماهى مع تركيا، فمن الصعب التنبؤ بما يحدث غداً في ظل نظام يتماهي فقط وفق مصالحه ) ويتفق كمال عمر مع سابقيه في التحليل قائلاً: “اموال اوردغان وغيرها لن تحل ضائقة البلاد المالية، والرئيس بنفسه يرعى الفساد الذي يشكل اكبر أزمة فيما يخص الاقتصاد الذي اصبح يدار من جيوب افراد”.

أما احمد حسين يرى أن اموال اردوغان لن تحدث انتعاش على الاقتصاد السوداني، خاصة وان التاريخ يعرف الأتراك كتجار ناجحين. ازمة السودان ازمة سياسية تتمثل في حرب الذات  لذلك لن ينصلح حال الاقتصاد مالم يوجد انتاج ومناطق الانتاج هي مناطق حرب، الازمة الاقتصادية لم تحل  برفع العقوبات  لأنها ازمة ادارة بلد  فاي اموال لن تذهب الى معالجة  الاقتصاد مالم يكون هناك وضع سياسي جديد”.

تقاطعات طائفية
لا يُخفى على احد التقاطعات الطائفية بين تركيا وايران، لكل دولة تيار عقائدي مختلف،ولكن الحكومة السودانية لن تخشي الجمع بينهما في علاقات خارجية تحدد مصالحها الذاتية فقط .ورغم ادعاء طرد الحكومة السودانية  للايرانيين لكنها لم تزال مع علاقة لصيقة بهم. وربما تقوى العلاقات في اي الفترات القادمة.
 
وينفي عمر قمر انقطاع العلاقات بين ايران والسودان قائلاً: “العلاقة بإيران لم تنقطع اصلاً حتي تعود، إيران بنت مصانع السودان الحربية و جعلتها الثالثة قارياً في صنع الذخائر و الأسلحة، و ايران التي أرسلت خبراءها و مهندسيها لتأهيل ورفع قدرات سلاح الجو السوداني ومده بالتكنولوجيا الحديثة من طائرات بلا طيار و غيرها، ايران التي دربت كوادر الأمن و أنشأت فروعها المتعددة، لا يمكن ان تنقطع العلاقات معها لمجرد قفل مركزين ثقافيين وثلاث حسينيات. والذين تهمهم علاقات البلدين يعرفون هذا الامر بدقة اكبر”.
 

ولم يخفي كل من كمال عمر واحمد حسين ادم وجود تيار داخل النظام يعمل الان على اعادة الاوضاع كما هي مع ايران، ويقول عمر: “اصلاً العلاقة مع ايران لم تنقطع وهنالك تيار قوي داخل المؤتمر الوطني يعمل على ابراز علاقة ايران في ظل هذه الفوضى” اما احمد حسين يتنبأ بظهور تواصل جديد مع إيران في أي وقت، بالنسبة لهم مسالة زمن ليس الا، البشير سيعود الى ايران عاجلاً ام اجلاً لان الطلاق لم يكن كاملاً.