الخرطوم والسعي لمحاصرة المعارضة إقليميا
تتويجا لسياسات الحكومة الخارجية تجاه دول الإقليم، والتي لعبت عوامل عدة في تحسينها مدفوعة بالأجندة الأمنية؛ التي تجيد الخرطوم التلاعب بكرُوتها منذ أمد ليس بالقصير، استطاعت الخرطوم خلال الفترة الماضية إقناع العديد من دول الاقليم بطرد المعارضين السودانيين، أو علي الاقل رفع الدعم عنهم بصور مختلفة.
أحد أبرز الوقائع التي حدثت مؤخرا في هذا الإطار، هي رفض الحكومة المصرية للإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الامة ورئيس تجمع نداء السودان. من دخول أراضيها. بيد أن الخطوة المصرية غير المتوقعة بمنع دخول رئيس الوزراء السوداني لم تكن الوحيدة في هذا الجانب، وكانت عدة عواصم اقبلت على هذا الأمر بدرجات متفاوتة، أبرزها كمبالا وانجمينا اضافة الى جوبا وغيرهم تحت لافتات ودواعي مختلفة.
ويري مراقبون إن تضافر عوامل، ومتغيرات اقليمية عديدة متعلقة بمحاولات فرض حلول الهبوط الناعم؛ على المعارضين السودانيين واجبارهم على معادلة تغيير شكلية للنظام القائم في الخرطوم. ربما يواجه المعارضين السودانيين ضغوطا أكبر في عواصم إقليمية عديدة، ما لم تُبذل جهودا حثيثة لإعادة الأزمة السودانية الى أولويات الأجندة الإقليمية والدولية باعتبارها واحدة من الأزمات التي يمكن أن تهدد السلم والأمن الإقليميين. وتستفيد الخرطوم من كل هذه التناقضات الدولية والاقليمية لممارسة ضغوط كثيفة على المعارضين تصل في بعض الاحيان لمنع اقامتهم او زيارتهم لبعض العواصم.
الخطة الأمريكية
واستجابت الخرطوم للخطة الأمريكية التي عرفت ب (اتفاق المسارات الخمس) والتي كان جزءا منها مرتبط بهندسة السياسات في الإقليم، وضرورة لعب الخرطوم دورا واضحا في السلام الإقليمي بلعب دور ايجابي في إحلال السلام في جنوب السودان. ووقف دعم الجماعات المتمردة ، اضافة لوقف دعم جيش الرب اليوغندي وملاحقة زعيمه جوزيف كوني.
بجانب التزامها بالمسار الأمريكي في العلاقات الاقليمية، ووقف حروب الوكالة التي كانت تشنها الخرطوم علي معظم دول الجوار. تلاعبت الخرطوم بالتناقضات السياسية في الشرق الاوسط، وحاولت أن تعيد تموضعها عن طريق الانضمام للمعسكر السعودي والقفز بصورة دراماتيكية من المعسكر الإيراني.
وتسلمت الخرطوم كتتويج لتلك السياسات ملف سلام جنوب السودان، واستطاعت أن تمارس ضغوطا على الأطراف المختلفة في المحادثات المستمرة حتى الآن في العاصمة السودانية. وتحصلت الخرطوم في المقابل علي وعود من جوبا بوقف أي دعم محتمل للحركات المسلحة السودانية سواء في المنطقتين أو اقليم دارفور. بل وعرض رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت امكانية توسط بلاده بين الحكومة والمتمردين في السودان.
وتحاول الخرطوم جاهدة التملص من الشروط الامريكية الاضافية التي وضعت أمام التطبيع الكامل بين البلدين ورفع اسم السودان من لائحة الإرهاب عقب رفع الحظر الأمريكي، والمرتبطة بتحقيق التحول الديمقراطي ووقف الحرب الاهلية والالتزام بحقوق الانسان اضافة لبسط الحريات الدينية واستبدالها بحوافز سهلة مثل التعاون في ملف الإرهاب ومحاربة تدفق اللاجئين من أجل ضمان كسب ود ادارة ترامب تجاه مسالة الهبوط الناعم التي ربما تتيح فرصة لترشح البشير في 2020 وتخفف عنه ضغوط الجنائية وفقا لتغيرات شكلية في تركيبة النظام.
ويرى المحلل السياسي عبد الله ادم خاطر ان تحسن العلاقات الاقليمية مع السودان في الفترة الاخيرة، يرتبط بالتحسن النسبي في العلاقات السودانية الامريكية عقب التزام السودان بعدة شروط أمريكية، بينها وضع حد للنزاعات في المنطقة بأكملها وبالأخص القتال الدائر في جنوب السودان منذ خمسة سنوات.
ويعتقد عبدالله ادم خاطر في حديث أدلي به لـ(عاين) ان الادارة الامريكية ما تزال قضية التطبيع الامريكي مع الحكومة السودانية، ومساندة المجتمع الدولي بإنهاء القتال في المنطقتين ودارفور ايضا، والسعي إلى إنهاء النزاعات الإقليمية والتعاون مع حكوماتها في هذا الشأن،
ويرى خاطر أن السودان نجح بصورة نسبية في هذه الملفات، مضيفا” بدأ السودان في جني ثمار هذه الجهود جني السودان متمثلا في تطور علاقاته الاقليمية اضافة لاعادة استئناف نقل بترول جنوب السودان، عبر أنابيب حكومة الخرطوم.
وفي سياق ليس ببعيد، تسير الخرطوم وفقا للشروط السعودية للتطبيع بين البلدين وإيجاد سبل للدعم الاقتصادي، استجابت الخرطوم بقطع العلاقات مع إيران وأرسلت قواتها لحرب اليمن. وحازت الخرطوم نسبيا علي الرضي السعودي الذي تمثل في بعض الدعم الاقتصادي والتوسط لرفع العقوبات الامريكية اضافة لتسليم عدد من المعارضين السودانيين والصحفيين المقيمين في المملكة للخرطوم.
لكن القيادي في المؤتمر الوطني ربيع عبدالعاطي يدافع عن ادارة الخرطوم لعلاقاتها الخارجية، مشيرا الى انها تقوم على حسابات المصالح والمكسب والخسارة من كل خطوة.
ويضيف بالقول لـ(عاين) “العلاقات بين الدول الجارة وحتى الاقليمية، وهذه تتحكم فيها المصالح بين الاطراف، والحفاظ عليها كحد أدنى”، وهذا ما تركه النظام العالمي الجديد للأنظمة السياسية بالعالم الثالث”.
فيديو لزيارة البشير لرئيس يوغندا ياوري موسفني – نوفمبر 2017
مواقف إقليمية
ظلت الخرطوم في حالة حركة اقليمية في شمال ووسط وشرق القارة واستطاعت انتزاع عدة انتصارات كان أهمها تصنيف الحركات المتمردة كمجموعات سلبية تهدد السلم والأمن الاقليميين، كما عقدت عدة مؤتمرات قيادات المخابرات في القارة الافريقية في الخرطوم لمناقشة خطورة حروب الوكالة والتمرد التي تقودها عدة دول ضد بعضها البعض، إضافة للتوصل الى بعض التفاهمات مع عواصم مجاورة بينها كمبالا، جوبا، القاهرة وانجمينا لوقف أي شكل من أشكال الدعم للمعارضة السودانية.
منذ العام 2015 بدأت الخرطوم وكمبالا في تجسير خلافاتهما إلى أن انتهت بحظر الحركات المسلحة السودانية وأغلقت مكاتبها ايضا، كما توجت مؤخرا بالعمل المشترك وممارسة الضغوط على أطراف النزاع من أجل إحلال السلام في جنوب السودان.
علي صعيد ذو صلة توصل السودان وتشاد لاتفاق سلام دائم منذ العام 2009 ، على قاعدة محاربة المعارضين والحركات المسلحة في البلدين. وبعد شد وجذب وجولات واسعة من المعارك المباشرة تارة وحروب الوكالة تارة أخري، اتفاق نشر قوات مشتركة على الحدود بين البلدين خصيصا لإنجاز هذه المهمة التي نتج عنها توقيف عدد من قادة الحركات المسلحة السودانية ومنعهم من دخول الأراضي السودانية في دارفور عن طريق تشاد، بل وساهمت تشاد في رعاية عدة اتفاقيات سلام بين الحكومة السودانية ومجموعات متمردة منقسمة عن الحركات المسلحة الدارفورية.
اجتماعات السيسا
ويري سكرتير اتحاد الصحفيين الأوغندي سايمون اوما ان الاتفاقات التي أبرمها قادة المخابرات والاجهزة الامنية الأفارقة والمعروفة اختصارا بالسيسا لعبت دورا أساسيا في الوقف المتبادل لدعم المتمردين بين عدد من الدول الافريقية بينها السودان أوغندا.
وقال أوما لـ(عاين) “استبعاد المعارضة السودانية من يوغندا جاء لسببين الأول هو القوانين الجديدة التي وضعت لضبط الحركات المسلحة ومكافحة الإرهاب في اجتماعات السيسا والثاني هو عدم تقدم المعارضة السودانية على الأرض”.
وأضاف “هذا في ظل الحراك الدبلوماسي لحكومة الخرطوم المصحوب بنقاشات دولية عالية المستوى. واستطرد قائلاً ما تبقى في الأراضي اليوغندية عبارة عن لاجئين سودانيين وليسوا معارضين . واستدرك قائلاً ” الخرطوم كان تستضيف جوزيف كوني لكنها توقفت”
وفي اطار تطوير علاقات البلدين قام الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني بزيارة السودان. وفي أكتوبر الماضي التقى وزير الدولة بوزارة الخارجية الأوغندية باتريك موقويا، بوكيل وزارة الخارجية السودانية عبدالغني النعيم، نوقش القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، والسودان في التزامه بشراء المنتجات الاوغندية، من ضمنها البن الأوغندي، و راجع الاجتماع تطبيق القرارات السابقة في كل المجالات، ثم التعاون بين البلدين في كافة المستويات.
أجندة أمنية
ويرجع المدون المصري احمد فوزي سالم منع الإمام الصادق المهدي من دخول الأراضي المصرية إلى تحسن العلاقات المصرية السودانية مؤخرا على قاعدة الاجندة الامنية المشتركة . وزاد على صفحته بتويتر “مستوى العلاقات المصرية حاليًّا مع السلطة في السودان، ظهرت جليًا في أزمة الصادق المهدي، بعدما أشاد الحزب الحاكم بمنع مصر زعيم حزب الأمة من دخول أراضيها، فالموقف بالنسبة له إيجابي ويتسق مع مواقف السودان الأخيرة تجاه مصر” وفي الوقت الذي وصف فيه حزب الامة رفض دخول الامام الصادق المهدي للاراضى المصرية بالسلوك العدواني ومطالبة الجانب المصري بالتفسير. اكتفى جانبي القاهرة والخرطوم بالصمت التام حول الحادثة . ولكن المهدي يرى أن السبب الرئيسي لمنعه هو المشاركة في اجتماعات المعارضة السودانية ببرلين. وقال في لقاء معه على تلفزيون روسيا اليوم، بعد، ، أن السلطات المصرية منعته من دخول أراضيها بعد مشاركته بمؤتمر للمعارضة السودانية في العاصمة الألمانية برلين، وهذا هو السبب الرئيسي لمنعه من دخول الاراضي المصرية، بعد العودة من ألمانيا.
فيما أوردت تقارير إعلامية ان التزام الخرطوم بوقف دعم تنظيم الإخوان المسلمين المصري وإبعاد بعض قادته من الخرطوم اضافة لبعض التفاهمات المرتبطة بالأوضاع في ليبيا ساهمت بشكل مباشر في تحسن علاقات البلدين
التوتر الإقليمي
وفيما يحذر ناشطون من تمدد ظاهرة تسليم النشطاء والمعارضين والصحفيين المقيمين في دول الجوار للخرطوم، يرى خبراء ان السودان ما زال مهددا للسلم والامن الاقليمي.
ويقول الخبير الاستراتيجي سليمان بلدو أن السودان ما يزال يمضي قدما في تشكيل المليشيات، بل ويستخدمها في تطبيق التزاماته مع الاتحاد في مجال محاربة الهجرة غير الشرعية، عبر السودان، ويشير بلدو في حوار حصري مع (عاين) ان الخرطوم استطاعت أن توجد لنفسها كروتا أمنية تربطها بمجموعة مصالح مع المجتمع الدولي الذي كلفها بعدة مهام مثل حماية الحدود مع دولتي مصر وليبيا، دوره في حرب اليمن، توفير المعلومات عن الارهاب الاقليمي، وغيرها من الهمام ذات الطابع الأمني والعسكري.
بينما يقول الباحث والكاتب احمد حسين ادم لـ(عاين) ان ما ساهم في استمرار المليشيات الحكومية، وأهمها قوات الدعم السريع، هي الأوضاع المتوترة بعض في مناطق دول الجوار كليبيا وأفريقيا، ثم أفريقيا الوسطى، هي ما ساهمت في تطور مثل هذا النوع من المليشيات، باعتبارها عوامل اقليمية معقدة جدا، فتحت الباب أمام مليشيات الجنجويد للانتشار في دارفور وإعادة الانتشار في معظم دول الإقليم.