إقتصاد الحرب … افقار مناطق الإنتاج
تقرير – عاين
ساهمت الحروب الأهلية في السودان بشكل كبير في دخول البلاد إلى أزمة اقتصادية، وظل السودان يعاني منها منذ استقلاله قبل (61) عام، وانعكس ذلك بشكل مباشر على الأوضاع الحياتية للمواطنين، خاصة في القطاعات الإنتاجية بمناطق الزراعة المطرية، والتي تغطي حزام السافنا الممتد من منطقة النيل الأزرق في جنوب شرق السودان وحتى جبال النوبة في الجنوب الغربي ودارفور في أقصى غرب البلاد، وهذه المنطقة الشاسعة أصبحت تعرف جغرافيا بجنوب السودان الجديد بعد إنفصال جنوب السودان القديم وشكل دولته المستقلة قبل ستة سنوات.
استمرار الحرب في أجزاء مختلفة من البلاد أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من المواطنين من المناطق الزراعية وهم الذين كانوا يشكلون أساس العملية الإنتاجية، الأمر الذي انعكس على الإنتاج وتضرر منه الاقتصاد القومي، إضافة إلى استشراء الفساد وغياب البدائل الاقتصادية التي يمكن أن تستعيض بها البلاد ما فقدته في مناطق الإنتاج، وتشكل الأسباب أعلاه تهديداً مباشراً على الاقتصاد السوداني، ويرجح كفة انهيار الدولة بعد التصاعد المطرد للعملات الأجنبية مقابل العملة المحلية.
ارتباط بالحرب
الخبير والمتخصص في اقتصاديات الحرب البروفسيور حامد التجاني علي يقول لـ(عاين) : (الصناعات العسكرية التي بدأت في العشرين عاماً الماضية، كانت على حساب المواطن، إذ تم فيها عسكرة المجتمع السوداني، و زيادة الصرف على النزاعات المسلحة منذ الحرب الأولى في جنوب السودان (السابق) وجبال النوبة والنيل الأزرق إضافة إلى دارفور)، ويضيف حامد قائلاً: (هذه الحروبات زادت من كثافة التصنيع العسكري واستخدام العنف الذي خلف زيادة أعداد النازحين واللاجئين). ويرى التجاني أن ذلك يرتبط بمصالح مجموعات معينة في الدولة السودانية، إذ تستفيد من هذه النزاعات، وهي كانت وراء ما يعرف باقتصاد الحرب. ويعتقد أن الصرف على اللاجئين وحركة الاستثمار في مناطق الحرب أصبح مكون أساسي في الاقتصاد السوداني، ويقول حامد : (أكثر من 70% من إيرادات الدولة تصرف على الحرب وما ينتج عنها) ، ويضيف (لذلك نظام الإنقاذ مرتبط إرتباط وثيق جداً مع إقتصاديات الحرب والتي أنعكست سلباً على الخدمات في السودان).
ويربط الخبير الاقتصادي حامد التجاني بأن التراجع الذي يشهده الاقتصاد السوداني ناتج بسبب التحولات الإقتصادية غير المدروسة بالاعتماد على إنتاج النفط فقط وإهمال القطاعين الزراعي والصناعي، وهو ما أضر بالنمو الاقتصادي، وأوضح أن الدليل على ذلك ما شهده الاقتصاد من انكماش بعد إنفصال جنوب السودان، والذي أدى إلى زيادة معدلات الفقر في البلاد، لأن الحكومة لم تعمل على تجهيز بدائل أخرى. ويقول حامد : (إن من عيوب عائدات النفط هو إهمال الموارد الاقتصادية الأخرى). كاشفا عن أن نمو الاقتصاديات يعتمد على الإختراعات والتجديد، خاصة أن هناك تكنولوجيا المعلومات للارتقاء بمستوى الإنتاج.
الاقتصاد في السودان ليس اسلامياً
وفي الرد على سؤال حول تطبيق الحكومة السودانية للاقتصاد الإسلامي ، يقول البروفيسور حامد التجاني: (لا يوجد شيء اسمه اقتصاد إسلامي، الاقتصاد هو إدارة الموارد بطريقة فعالة) ، واستدرك قائلا : (لرواد الفكر الإسلامي الحق في الحديث عن الجانب المالي مثل القروض، ولكن هذه تحتاج إلى نقاش آخر)، ويضيف: (الحكومة تستفيد من أصول أموال الناس، وتأخذ أنشطة البنوك وتستخدم الموارد، لذلك لابد أن يكون لكل شخص عائد باعتبار انه مستفيد من هذه العملية)، وتابع قائلاً :(يمكن أن يكون النقاش حول إذا ما كانت الفوائد شرعية أم غير شرعية، أما الحديث عن اقتصاد اسلامي وغير اسلامي فهذه عملية تسويق للناس)، وقطع بأن الاقتصاد في السودان ليس اسلامياٍ لأن بنود الصرف الإسلامي قائمة على التكافل، وهذا غير موجود، وما يحدث في السودان هو بناء رأس مال طفيلي وتوظيف الشعارات لقضايا أخرى.
الانكماش في الاقتصاد السوداني بسبب الحرب
ويرى حامد أن التدني والانكماش في الاقتصاد السوداني ناتج بسبب إستمرار الحروب في مناطق الإنتاج، ونزوح السكان إلى المدن وتحول المنتج إلى المستهلك، وبالتالي خروجه من دائرة الإنتاج، بعد أن كان ممولاً رئيسياً لسكان المدن الكبرى، فضلاً عن ذلك فإن مناطق الإنتاج الزراعي هي ذات المناطق المأهولة بالثروة الحيوانية، حيث أن 80% من هذه المناطق تم تدميرها تماماً، ومع اتساع رقعة الحرب زادت الفوارق الإجتماعية بين الناس، وهذا عامل مضاف من أسباب الاقتتال.
وحث الخبير التركيز على النمو الاقتصادي، لأن إحداث النمو على 5% من السكان سينعكس ايجاباً على 15% منهم، ويقول:(ولكن في السودان معدلات الفقر أكثر من 50% والثراء زاد باضطراد لبعض الشرائح بسبب الامتيازات التي تقدم لبعض الناس بالاعفاءات الجمركية، كما أن صغار المنتجين لا يدفعون ضرائب، ولذلك تصعب السيطرة على حركة التبادل التجاري) ويضيف: (نلاحظ أن نمو الاقتصاد الطفيلي ساهم في بروز شرائح من قاع المجتمع إلى قمته بسبب الولاءات السياسية، وهذا ما شجع على شيئين، استمرار الحروب وزيادة المهاجرين والنازحين).
الفساد الاقتصادي
ووصف حامد التجاني أن الاقتصاد السوداني هو (اقتصاد فساد)، لأن سياسة الانقاذ هي ( شيلني واشيلك ) فأصبح الوزير تاجر، ومقدم للعطاءات، والرئيس نفسه يستقطب عملات اجنبية ليصرفها بنفسه، لذلك عم الفساد، وأي شخص يأخذ من المال العام نصيباً لحماية نفسه، والفساد أصبح منظماً ومقنناً داخل المنظومة الحاكمة، مثلاً نجد أن الوزير يحتوي أي مستثمر ليصبح عميلاً له كما أن هناك صراع نفوذ سببه الفساد الموجود الذي أصبح من أعلى قمة هرم الدولة إلى أصغر الموظفين، ويضيف قائلاً: (لذلك بعد التغيير نحتاج إلى منظومة جديدة لمكافحة الثراء الحرام والفساد، ومن غير أي تغيير جذري للسياسات لا يمكن استئصال الفساد الذي اصبح مكون أساسي في الدولة السودانية.
وقال التجاني إن كوارث الحرب تتمثل في القضايا الإقتصادية الإجتماعية والسياسية، لا سيما أن المستثمر يبحث عن استقرار لضمان حركة الاقتصاد، ويرى أن الذي يحدث في السودان سببه عدم الاستقرار السياسي الذي إنعكس على اقتصا،د الذي لا يمكن الحديث عن وجوده بالشكل العلمي المتعارف عليه ، واصبح الضغط على المواطن في كل الأمور الحياتية بما فيها التحويلات المالية من قبل المغتربين، والتي أصبحت تتم عليها المقايضة، ويشير إلى أن الحكومة تلعب على وتر انها مع اقتصاد السوق، لكنها في الواقع استخدمت اقتصاد السوق للتخلي عن مسؤوليتها الأساسية، فهي لا تصرف على التعليم والصحة، وقامت بعملية الخصخصة في كافة القطاعات، ويضيف التجاني قائلاً:(تم استخدام القطاع العام كستار لتنمية القطاعات الخاصة التي يمتلكها نافذون داخل النظام، وتم تحويل بعض المؤسسات لمصلحة أفراد مرتبطين بالسلطة).
ووفقاً للتجاني فإن نتيجة ذلك الفساد ظهر في تناقص عدد المستشفيات العامة التي تملكها الدولة، فضلاً عن تردي الخدمات داخل المستشفيات الخاصة، لذلك هنالك حركة بحث عن العلاج خارج البلاد بشكل دائم، ويرى حامد أن ذلك الأمر فيه ضرر على الدولة التي أصبحت سلطتها في تراجع كبير، خاصة في دارفور، كردفان والنيل الأزرق. وفي بعض أنحاء المركز ، ويضيف: (إذا ما استمرت هذه الأوضاع فإن الدولة سوف تتفكك وتنهار، لذلك لابد من الوصول إلى معادلة سياسية تحقق المساواة في الحقوق والواجبات واحترام التباين، وذلك عبر مساومة تاريخية تعالج الأزمات من جذورها وتجمع الكتلة السودانية)، ويحذر الخبير الاقتصادي حامد التجاني من الخيار الثاني، وهو إستمرار الحرب وبالتالي إستمرار الأزمة الإقتصادية ومعاناة المواطن.