وقف إطلاق نار: إعلان فشل الصيف الحاسم للعام الخامس
– شبكة عاين – ٤ يوليو ٢٠١٦ –
على الرغم من إعلان الرئيس السوداني عمر البشير وقف إطلاق النار في يونيو في منطقتي النيل الازرق وجنوب كردفان لأربعة أشهر، غير أن هناك تقارير ميدانية من المنطقتين تؤكد وجود تحركات وحشود عسكرية جديدة في المنطقتين، ويخشى المواطنون من بدء عمليات عسكرية في الفترة القادمة.
فيما إعتبرت الحركة الشعبية المعارضة في السودان إعلان وقف إطلاق النار من قبل البشير ليس الأول من نوعه، ويحتاج من النظام إرسال وقود إلى أديس أبابا للجلوس في إطار الوساطة الإفريقية لتفعيل إعلاني لوقف إطلاق النار من قبل البشير، والذي سبقه بإعلان قوى نداء السودان والوصول إلى آليات ومراقبة لوقف العدائيات في المسارين. وأكدت الحركة إستعدادها للجلوس فوراً لمناقشة وقف العدائيات ومخاطبة القضايا الإنسانية، ولكنها ذكرت في الوقت نفسه أن هناك متحركات حكومية في منطقة النيل الازرق “تستهدف مناطقنا وسنتعامل معها بدقة ومع أي إعتداء تقوم به وكذلك في منطقة الأزرق في جبال النوبة هنالك محاولات مستمرة وفاشلة لدعم القوات المحاصرة ولاجلاء الجرحى“. وشددت على أنها لن تسمح بذلك إلا في إطار وقف عدائيات إنساني وأنها لا تمانع من السماح بإجلاء جرحى القوات الحكومية في إطار إتفاق مشترك مراقب إقليمياً ودولياً.
وطبقا لوكالة السودان للأنباء فإن اعلان وقف اطلاق النار الذي أعلنه البشير جاء “كبادرة حسن نوايا لإعطاء الفرصة للحركات المتمردة غير الموقعة على وثيقة الدوحة لإلقاء السلاح واللحاق بالعملية السلمية في السودان“.
صمت إقليمي ودولي حول إنتهاكات حقوق الإنسان
ويعتقد كثير من الناشطين أن المجتمع الدولي والاقليمي قد صمتا لفترة طويلة حيال تجاوزات إنتهاكات حقوق الإنسان في مناطق الحروب، خاصة الجرائم التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع التي ما أن تدخل أي مدينة إلا وتعيث فيها فساداً بترويع المدنيين وإرتكاب جرائم في حق المدنيين من قتل ونهب وتعذيب
وفي ظل صمت إقليمي ودولي يدخل الجنجويد المدن والقرى ليعثوا فيها فساداً من ترويع للمدنيين، وإرتكاب جرائم وإنتهاكات في حقوق الإنسان، من قتل وحرق للقرى وإغتصاب للنساء والفتيات وتدمير للبنيات التحتية. إعلان الحكومة المتكرر في الفترة الماضية عن وصول حشود من قوات الجنجويد إلى النيل الأزرق، لقتال قوات الجيش الشعبي كان يحمل عدة رسائل القصد منها إشاعة الرعب والهلع بإرتكاب مزيد من إنتهاكات حقوق الإنسان داخل الإقليم الذي يعاني أهله أصلاً من أوضاع إنسانية قاسية، مع إنعدام كامل للأمن وشح شديد في الغذاء والدواء”.
حرب غير أخلاقية وإستهداف متعمد للمدنيين
ويرى الخبير في الشأن الإنساني في ولاية النيل الأزرق خالد عمّار الذي كان يتحدث لـ”عاين”، أن الحكومة تخوض حرباً غير أخلاقية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان منذ تجدد الحرب في المنطقتين على التوالي في يونيو وسبتمبر 2011م. ويقول إن القصف العشوائي عبر الطيران الحكومي وإستهداف متعمد للمدنيين يأتي متزامناً مع سياسة الحرمان من المساعدات الإنسانية بهدف إنهاك المواطنين الموجودين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش الشعبي.
ويشير عمار إلى أن ما أقدمت عليه الحكومة مؤخراً من حشد لقوات الجنجويد بأعداد كبيرة في النيل الأزرق يعتبر تصعيداً خطيراً سيعقد من الأوضاع الإنسانية “المذرية” في المنطقة، وتثير مخاوف مشروعة وقلقاً مسنوداً بأدلة نظراً لسمعة الجنجويد والتي أصبحت تعرف بميليشيا قوات “الدعم السريع”، التي وصفها بـ “السيئة” والمرتبطة بالجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، وعمليات الإغتصاب وتدمير البيئة والبنيات التحتية. وهذا يعيد للأذهان تجربة الحرب غير الأخلاقية التي خاضتها هذه المليشيات في دارفور، والتي أدت إلى إتهام رأس النظام بإرتكاب جرائم حرب وتهم أخرى تتعلق بجرائم الإبادة الجماعية. ويرى عمار أن الرئيس عمر البشير ونظامه وضعا المجتمع الإقليمي والدولي أمام إمتحان عسير إزاء هذا التطور الخطير، وتم استغلال صمت العالم وعجزه في إيقاف إرتكاب الجرائم ضد الإنسانية بلا خوف.
ويؤكد الخبير في الشؤون الإنسانية في النيل الازرق أن هذه الحرب خلفت أكثر من (300) ألف مواطن، وهو ما يوازي ثلث سكان النيل الأزرق حسب تعداد 2008م وينتشرون في أربع محليات من بين ست محليات مكونة لولاية النيل الأزرق: باو، التضامن، قيسان والكرمك. وأوضح أن هناك من السكان الذين يعيشون في مناطق تقع تحت سيطرة الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية، إضافة إلى وجود لاجئين يعيشون في معسكرات في دولتي إثيوبيا وجنوب السودان تصل أعدادهم إلى (140) ألف لاجئ من مواطني النيل الازرق يعيشون في ظروف إنسانية قاسية زاد من سوءها الوضع الأمني ف جنوب السودان.
وحول الوضع الغذائي، يقول عمار أن الموجود من الغذاء يلبي حاجة (70%) فقط من إحتياجات اللاجئين للغذاء، وسط توتر في علاقاتهم مع مجتمع منطقة “المابان” في جنوب السودان، نتج عنه مقتل ما يزيد عن ألف في الفترة ما بين 2012 وحتى الآن.
مليشيا الدعم السريع تستهدف المدنيين
في اول يونيو تحركت مليشيات قوات الدعم السريع إلى ولاية النيل الازرق في إتجاه مناطق سيطرة الحركة الشعبية، في قوة قوامها (800) سيارة ذات الدفع السريع وفي كل سيارة (10) فرد من الميليشيا. وقال شاهد عيان في الطريق المؤدي الى حاضرة النيل الازرق الدمازين، ان القوات توقفت في قرى بالطريق محدثة رعب وسط السكان الذين لاذو بالفرار.
وبدأت قوات الدعم السريع اعمالها التخريبية بقرية الشهيد افندي جنوب الدمازين. قامت بحرق القرية بأكملها ثم واصلت اعمالها في جبل ابو قرن الذي يبعد مسافة 50 كيلو غرب جبل كيلقو. استولت فيه على نقطة خارجية ثم خور مقنزة فاحرقت القرية بالكامل ووقعت حالة اغتصاب وسط السكان.
وكانت قوات الدعم السريع قد احدثت رعب وسط المواطنين في مدينتي سنجة والدمازين وقالت شاهدة عيان ل(عاين) “تم نهب 15 متجر في منطقة بقيس التابعة لمحلية الدمازين، وتم ضرب عدد من السكان وإساءاتهم بالفاظ عنصرية واخرى نابية. وفي ذات المنطقة تم الإعتداء على عدد سبعة من النساء كانتا في جلب الماء من بئر بقيس، فقامت قوة من الدعم السريع كانت تمتطي عربة لاندكروزر بإيقافهن في الطريق. وبدؤ في التحرش اللفظي والجسدي، مما ادى الى تدخل بعض شباب المنطقة الذين تم ضربهم بالعصي من قبل الدعم السريع“.
وقد عدت الحركة الشعبية نقل قوات الدعم السريع الى النيل الازرق بأنه مخطط لابادة جماعية للسكان الاصليين ونزع اراضيهم التي تعتبر من اخصب الاراضي في السودان.
إتلاف الزرع بالقصف الجوي
يقول مراسل (عاين) في النيل الازرق في الثاني عشر من شهر يونيو الماضي، قام طيران الجيش السوداني بقصف منطقة شالي بعدد (6) قنابل برميلية اسقطتها طائرة الأنتنوف. وفي اليوم التالي تم قصف منطقة يابوس بعدد (4) قنابل برميلية سقطت على مناطق آهلة بالسكان ولكن لم تسفر عن خسائر بشرية، غير أنها أتلفت مزارع واحدثت رعباً وسط المواطنين خاصة الاطفال. واوضح المراسل قائلاً “درج المواطنون بالذهاب إلى المزارع صبيحة كل يوم، في هذه الايام التي تعتبر أيام التحضير للزراعة ولكنهم الآن اصبحوا في حيرة من امرهم، بين الذهاب الى المزارع لرمي التيراب، ام البقاء مع اطفالهم داخل الاكواخ خوفاً من القصف الجوي“.
وشهدت مناطق الحرب في كل من جنوب كردفان والنيل الازرق تراجعاً كبيراً في المعارك القتالية، خاصة مناطق جنوب كردفان بعد أن شهدت معارك عسكرية واسعة خلال شهري مايو وابريل المنصرمين. ويعتقد الخبير العسكري الهادى فضل أن تراجع العمليات العسكرية قد يكون تمهيداً للحوار المتوقع بين الحكومة والمعارضة والتي ستقود إلى وقف الحرب في كافة مناطق النزاع، لكنه إستدرك قائلاً “الجيش السوداني فشل في إخماد التمرد في منطقتي النيل الازرق وجبال النوبة طوال خمس سنوات كما فشلت حملة الصيف الحاسم للمرة الخامسة رغم الإستعدادات العسكرية وحشد النظام لمليشيا الدعم السريع“.