هل تصمد المعارضة السودانية أمام ضغط المجتمع الدولي لخوض الانتخابات؟
في تحول مباغت لمعظم القوى السياسية في السودان، قررت الالية الافريقية إجراء تعديل على خارطة الطريق الأفريقية التي وضعت بينها و الحكومة السودانية في 2016 متضمنة مقترحات لوقف الحرب والحوار بين الفرقاء السودانيين، بما يرغم القوى السياسية الموقعة على المشاركة في تعديل الدستور والسماح بترشيح البشير اضافة لدخول الانتخابات نفسها.
وتعد الخطوة الأكثر سُفورا في التحكم في العملية السياسية في البلاد منذ توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005. ويلقي الأمر بظلال كثيفة حول مواقف القوي السياسية السودانية ومدى جديتها تجاه احداث تغيير في البلاد لا سيما في ظل ارتفاع نبرة الخلافات بينها مؤخرا بشأن دخول انتخابات 2020 وما بات يعرف وسط القوى السياسية بعملية الهبوط الناعم الذي تعتقد بعض القوى السياسية أن الغرب يقف وراءه لإجراء تعديل شكلي في السلطة السياسية الحاكمة في البلاد لضمان استقرار السودان والإقليم المجاور الذي يعاني اصلا من الاضطرابات في جنوب السودان وليبيا.
ويعتقد مراقبون ان الخرطوم أجرت صفقة مع المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق برفع العقوبات والتمديد للبشير في 2020 مقابل الخدمات التي تقدمها الخرطوم بشأن الحرب على الإرهاب، والاتجار بالبشر وغيرها من القضايا. و تبقى الاسئلة دائرة حول ما هي انعكاسات قرار الالية الافريقية برئاسة ثابو امبيكي بإجراء تعديلات على خارطة الطريق تحوي مشاركة قوى نداء السودان في التعديلات الدستورية المقبلة التي تحوي السماح بترشيح البشير لفترة رئاسية ثالثة وخوض الانتخابات المقبلة في 2020، على وحدة قوى نداء السودان وعلي علاقة قوى المعارضة المختلفة بعضها البعض.
تسويات
عقب انفصال جنوب السودان في 2011، بدأ ” الاتحاد الافريقي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في نشاط دائم من أجل إيجاد تسوية للنزاع بين السودان وجنوب السودان اضافة لخلق تسوية تضع حلا لأزمات السودان المتعلقة بالحروب والنزاع السياسي، وتم تشكيل الافريقية برئاسة رئيس جنوب أفريقيا الاسبق ثابو مبيكي في العام 2012 للاضطلاع بهذه المهام. ومنذ تشكيلها فشلت الالية الافريقية مدعومة من المجتمع الدولي في إحداث أي اختراق في ملفات السلام في شمال السودان رغم نجاحها النسبي في وقف التوتر بين الخرطوم وجوبا عن طريق اتفاق النفط الموقع في سبتمبر 2012.
وعقب تدهور الأوضاع الامنية في عدة دول في الشرق الأوسط عقب الربيع العربي لا سيما ليبيا واليمن وسوريا وتزامن ذلك مع اندلاع النزاعات في جنوب السودان وأفريقيا الوسطى، بدأ المجتمع الدولي في محاولة خلق صيغة للمساومة لمنع احتمالات تدهور أمني في السودان في ظل تفاقم النزاع والتدهور السياسي والاقتصادي. وبرز مصطلح ما عرف وسط الخبراء السياسيين ب “الهبوط الناعم” الذي يدعم صياغة صفقة سياسية توفر الاستقرار الأمني في السودان والأقليم، وفقا لتغييرات محدودة في تركيبة السلطة الحاكمة.
وأيدت الآلية الإفريقية والاتحاد الإفريقي انعقاد الحوار الوطني الذي دعا له الرئيس السوداني عمر البشير في يناير 2014 فيما عرف بخطاب الوثبة عقب ثلاثة أشهر من مقتل حوالي 200 متظاهر برصاص القوات الحكومية في الخرطوم وغيرها من مدن السودان ، وحث الأطراف المعارضة للوصول الى تسوية سياسية تقضى بدخولها في اجندة الحوار الوطني.
وعقب خروج الأطراف المعارضة من حوار الوثبة ، وفشل ضغوط الآلية في حملها على المشاركة في الحوار الوطني الذي احتكره المؤتمر الوطني وحلفائه، دفعت الية مبيكي بخارطة الطريق في العام 2015.
وفيما وقعت الحكومة دون شروط على خارطة الطريق رفضتها المعارضة السودانية وعادت للتوقيع عليها عقب ضغوط واتصالات من قبل المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة لفترة تقارب العام.
وحوت خارطة الطريق بنودا تتعلق بضرورة الاعتراف بالحوار الوطني مع التأكيد بأنه لم يكن شاملا نسبة لعدم مشاركة حزب الأمة وحركات تحرير السودان مناوي والعدل والمساواة والحركة الشعبية شمال.
رفض
من جهتها رفضت قوى نداء السودان قرار مبيكي الأخير، واصفة القرار بأنه مجرد تصور دفع به رئيس الالية الافريقية تامبو مبيكي. وقال الناطق الرسمي باسم قوى نداء السودان بالداخل محمد فاروق سليمان لـ( عاين) ان قوى نداء السودان لها موقف واضح يرفض الحوار الوطني، مؤكدا تمسكهم بضرورة عقد مؤتمر دستوري يخاطب جذور الأزمات السودانية. ” نحن في نداء السودان تصورنا واضح يبدأ بمؤتمر دستوري والى ان يصل الى كافة البنود المتعلقة بالعملية السياسية في السودان” .
وكانت قوى نداء السودان رفضت قرارات مبيكي الاخيرة ووصفتها في بيان حصلت عاين على نسخة منه بتجاوز خارطة الطريق المتفق عليها.
وفي مؤتمر صحفي لحملة “كفاكم” أكد رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير يوم السبت الماضي إن نداء السودان ما زال متمسكا بعدم تعديل الدستور من أجل السماح بالتمديد للرئيس، مشيرا إلى أهمية وضع دستور دائم للبلاد في ظل شروط عادلة. وقال الدقير ان رفض الدستور لا يأتي كتبرير لعدم خوض معركة مقاومة شاملة مع النظام، مبينا أن اعادة ترشيح البشير مرفوض كواحدة من حلقات مقاومة النظام مثلها مثل مقاومة السياسات الاقتصادية في البلاد إلى جانب ضرورة ضمان الحريات الاساسية وكافة أوجه المقاومة لاقامة السلام والعدالة والتحول الديمقراطي في السودان. وأكد الدقير تمسك تحالف نداء السودان بخارطة الطريق وفقا لمرجعيات قرارات مجلس الأمن 2046، وليس التجاوز الأخير الذي قام به مبيكي على حد تعبيره.
تواطؤ
في المقابل سخر الحزب الشيوعي مما وصفه ب “تجريب المجرب” في التعامل مع المجتمع الدولي ونظام الإنقاذ الذي لم يلتزم بتنفيذ الاتفاقيات التي وقع عليها طيلة السنوات الماضية.
وأكد القيادي بالحزب الشيوعي صديق يوسف في حديث ل (عاين) تمسك حزبه ببرنامج اسقاط النظام ورفضه لأي حوار معه، متهما المجتمع الدولي والاتحاد الافريقي بالتواطؤ مع الحكومة.
“تحدثنا عن خريطة الطريق منذ يومها الأول وقلنا ان خريطة الطريق لن تقود الى حل لازمة السودان والان ” تمخض الفيل فولد فأرا” بعد الاجتماعات المطولة برلين وباريس ومنع القيادات من السفر في الآخر ظهرت حقيقة المجتمع الدولي”.
“نحن في الحزب الشيوعي موقفنا واضح ولا حوار مع هذا النظام ولا طريق سوى اسقاطه ولن ندخل في تجريب المجرب النظام وقع عشرات الاتفاقيات ولم ينفذ أي منها ونحن ليس لدينا ثقة في الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي لأنهم بعملو في تواطؤ مع الحكومة والان نداء السودان توصلو لذات النتيجة.
ضغوط
وعلمت عاين من مصدر مقرب من قوى نداء السودان أن ضغوطا تمارس من قبل أطراف دولية واقليمية لقبول قرار مبيكي الأخير. ورجح المصدر أن يعود زعيم حزب الامة الي السودان للشروع في دخول الانتخابات، فيما تمارس القوى الدولية ضغوطا مكثفة على الحركات المسلحة للعودة سريعا إلى مائدة التفاوض مع الحكومة على قاعدة تسوية مبنية على قرار مبيكي.
وأضاف المصدر أن الوساطة الافريقية مدعومة من المجتمع الدولي تريد ان تنهي ملف التسوية بشكل عاجل قبل انتهاء فترة تفويض رئيس الآلية ثابو مبيكي بنهاية العام الجاري حتى لا يحتاج الأمر لتمديد تفويضه من قبل مجلس الأمن والسلم التابع للاتحاد الإفريقي من جديد.
2020
وشهدت الفترة الاخيرة تضارب في الاراء حول اتجاه القوى الاقليمية والدولية لانتهاج الهبوط الناعم الذي كان يشمل الخروج الآمن للبشير بمعنى إبعاده عن السلطة وتحفيز القوى السياسية بالدخول الى انتخابات 2020.
ودار سجالا حاميا في الأشهر القليلة الماضية بين قوى المعارضة بشأن دخول انتخابات 2020، ففيما أطلقت بعض أحزاب نداء السودان بينها الحركة الشعبية شمال وحزب المؤتمر السوداني دعوة مشروطة لدخول انتخابات 2020، رفضت قوى الإجماع الوطني وعلى رأسها الحزب الشيوعي تلك الدعوة واعتبرتها جزءا من توجه الهبوط الناعم الذي يرعاه المجتمع الدولي في السودان. ويرى مراقبون أن الخطوة الاخيرة تعد تعديلا اساسيا علي فكرة الهبوط الناعم نفسها إذ لا تقدم حوافز للمعارضة كما انها تطالب قوي نداء السودان بالتنازل عن شروطها لدخول الانتخابات وعلى رأسها عدم تعديل الدستور والسماح للبشير بالترشح لفترة رئاسية جديدة.
ويرى المحلل السياسي حاتم قطان أن أي عملية استقرار سياسي في السودان لابد ان تكون مصحوبة بجملة من الشروط، مبينا في حديث لـ(عاين) ان أي حديث عن استقرار سياسي في وجود هذا النظام ودون التفكير في تعداد سكاني حقيقي و سجل انتخابي جديد وايقاف نزيف الدم السائل في أطراف السودان ” دارفور جنوب كردفان جنوب النيل الأزرق” وايصال المساعدات الانسانية للمتضررين من الحرب مع اقامة الحريات بكافة اشكالها بعيداً عن نظام المؤتمر الوطني لن يعني سوى تكريس للإبقاء على النظام والبحث عن الية جديدة لتكرار ذات الازمة تحت المصطلحات على شاكلة الهبوط الناعم وغيرها من التعبيرات موضحاً ان الازمة هي وجود النظام ليس إلا.