نزع السلاح : آلية الفوضى الجديدة في دارفور وكردفان
تقارير عاين: ٢٧ سبتمبر ٢٠١٧
تحولت عملية نزع السلاح الذي أعلنته الحكومة السودانية في إقليِمي دارفور وكردفان إلى نزاع مسلح بين حلفاء النظام السابقين بعد أن تضاربت المصالح، وهناك توقعات بأن تندلع حروبات مختلفة في الإقليم، ولذلك تسيطر المخاوف على سكان الإقليمين من حدوث فوضى عارمة، خاصة بعد المقاومة الرافضة لنزع السلاح من قبل قوات حرس الحدود (الجنجويد) بزعامة “موسى هلال” زعيم قبيلة المحاميد.
ويقود هلال ايضاً “مجلس الصحوة “، الذي يشبه مجالس الصحوة التي تشكلت في العراق بعد خروج القوات الأميركية، ويعتبر المجلس حشد قبلي كما كان في بغداد، والزعيم موسى هلال الذي كان حليفاً سابقاً للبشير، وشارك إلى جانب القوات المسلحة في الحرب الأهلية في دارفور منذ العام 2003، أصبح يطالب بموقع متقدم في السلطة، وأن يتقاسم الثروة الموجودة في “جبل عامر”، لا سيما بعد أن ظهر منافس خطير له وهو محمد حمدان “حميدتي” الذي قلب الطاولة على هلال منذ ثلاث سنوات.
ويعتقد المراقبون أن البشير يسعى للتخلص من هلال الذي أصبح يمثل عبئاً ثقيلاً لنظامه، ويتمثل التخلص في صعود حميدتي وإنهاء دور الحليف السابق موسى هلال، الذي بات يبحث عن حلفاء في الإقليم المجاور لدارفور، بدأت منذ وقت ليس بالقريب عبر المصاهرة مع الرئيس التشادي إدريس ديبي، ولكن الخرطوم تتهم هلال بأنه ينسق مع قائد الجيش الليبي خليفة حفتر، الذي يتهم هو الآخر النظام السوداني بدعم الجماعات الإرهابية في بلاده، وذكر تقريرأصدرته مجموعة مسح الأسلحة الصغيرة، إن عدم التوصل لإتفاقات سلام لدمج المتمردين في تشاد والسودان أدى إلى ”سوق للمقاتلين عبر الحدود“ التي تربط بين البلدين وليبيا.
وإتسع الخلاف بين البشير وحليفه السابق موسى هلال للدرجة التي إتهم فيها متحدث بإسم مجلس الصحوة – الذي يتزعمه هلال – النظام بمحاولة فتح معسكرات جديدة، وفتح مخازن لأسلحة محرمة دولياً، وقال في هذا الخصوص: “إن افتتاح المعسكر والمخازن الجديدة جاء بعد أن تم ضرب المخازن القديمة داخل مدينة نيالا بطائرة في وقت سابق “، وأكد أن زيارة البشير غير المرحب والمرغوب بها في دارفور تعني المزيد من الحرب والقتل والفتن وإعطاء الشرعية للمستوطنين الجدد.
إنعدام الأمن
يفسر سلطان قبيلة المساليت مالك يعقوب حمل المواطنين للسلاح بسبب إنعدام الأمن، ويزيد لـ(عاين): “عملية نزع السلاح المستعجلة تفتقر إلى التشاور مع المجتمعات المحلية؛ وتستهدف مجموعات معينة على حساب الآخرين”، موضحاً إن هذه الحملة لن تُخلف سوى الفوضى بدارفور قاطبة. وكانت السلطات السودانية قد شرعت بالفعل في عمليات نزع السلاح في يوليو الماضي، لكنها إصطدمت برفض عنيف من قبل “موسى هلال” الذي أتبع رفضه شتائم نابية طالت نائب رئيس الجمهورية “حسبو عبد الرحمن”، الذي أطلق حملة نزع السلاح في منطقتي دارفور وكردفان، إلى جانب إعادة تنظيم المليشيات المتحالفة مع الولايات في المنطقة.
ووفقا لمرسوم رئاسي، فإن الأسلحة والمركبات غير المشروعة ستسلم طوعاً إلى قوات الدعم السريع وقوات الشرطة أو السلطات المحلية. وكان وزير الدفاع “عوض بن عوف” أعلن عن جمع المعلومات الطوعية، لذلك سيتم جمع الأسلحة بالقوة، وكانت الحكومة قد جندت مليشياتها لمكافحة إنتشار السلاح بدارفور والإندماج في قوات الدعم السريع، وهو أمر تعترضه مليشيات حرس الحدود الموالية للحكومة سابقاً.
وكان نائب الرئيس قد قال إن التدفق الحر للأسلحة غير القانونية بين المدنيين فى دارفور يعد “اكبر تهديد للامن في دارفور” وإن نزع السلاح يمثل “أولوية قصوى للحكومة”. وفي خضم تردد المواطنين بين رفض شعبي لنزع السلاح، وإعلام موجه بنجاح الحملة من قبل مؤسسات الإعلام التابعة للحكومة، أعلن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير زيارة إقليم دارفور، لحث الناس على التفاعل في عملية النزع، ولكن زيارته قوبلت بالرفض من معسكرات النزوح في دارفور.
ففي الوقت الذي إمتنع فيه نازحي معسكر قريضة الغير معترف به من الحكومة، قامت لجنة تنظيم زيارة الرئيس بمخاطبة نازحي معسكر “كلمة” بجنوب دارفور، وتفيد تقصيات (عاين) بأن النازحين كانوا قد رفضوا رفضاً تاماً إستقبال رئيس الجمهورية، مما أدى إلى تدخل قوات الدعم السريع والقوات الحكومية براً جواً لإجبار النازحين على إستقبال الرئيس، وقامت قوات الدعم السريع باطلاق النار على النازحين الرافضين لإستقبال البشير، ونتج عن ذلك وفاة ٤ أشهاص في الحين، وإصابة ٢٦ من النازحين، ووصفت بعثة الأمم المتحدة “يوناميد” الحدث بإنه إشتباك بين قوات نظامية مع النازحين بمعسكر “كلمة”، الأمر الذي أثار غضب الناشطين السودانيين والقوى السياسية المعارضة.
إنتشار السلاح في دارفور
ينتشر السلاح في إقليم دارفور بصورة واسعة، ومواطنيها هم الأكثر موتاً وإصابة جراء إطلاق النار بشكل عشوائي، ففي ٢٠١٣ وحدها مات ١١١ مواطن بسبب إشتباكات قبلية. وتعود عملية إنتشار السلاح بين أيدي المواطنين إلى الديمقراطية الثانية، حيث قام وزير الدفاع الأسبق “فضل الله برمة ناصر” بتوزيع السلاح للعناصر العربية بمنطقتي دارفور وكردفان، بحجة حماية مواشيهم ولصد التمرد آنذاك، ولكن بعد مجيء الإنقاذ في العام ١٩٨٩ أخذ الأمر طابع آخر؛ حيث بدأت حملات الجهاد بجمع المواطنين في قوات مثل الدفاع الشعبي، فبات أي مواطن يمتلك سلاح.
ووفقاً للمسؤول الحكومي سابق بحكومة جنوب دارفور فضّل حجب اسمه، “قامت الحكومة بتوزيع السلاح حكراً على بعض القبائل في دارفور في العام ٢٠٠٣ وذلك لمواجهة التمرد”، وأضاف قائلاً: “واصلت الحكومة في ذلك حتى أصبح السلاح مستشري بين يدي الناس، ووصل الأمر إلى فتح سوق خاص ببيع السلاح في ولايتي شرق وجنوب دارفور”. وأكد ذات المصدر أن الحكومة السودانية كانت وما زالت أكبر مورد للسلاح على مدى العشر سنوات الآخيرة، الأمر الذي حول دارفور لأكبر سوق سلاح في المنطقة.
حتى الآن لم يحقق برنامج نزع السلاح نجاحاً يذكر بسبب المخاوف من إنعدام الأمن من جانب المواطنين، حسبما ذكر زعماء القبائل المحليين، ففي أغسطس ٢٠١٧، تم جمع ١٧٩ قطعة سلاح فقط في جنوب دارفور، ولكن المخزون المحلي يقدر بنحو ٢٠٠ ألف قطعة سلاح داخل الولاية، وفقاً لما ذكرته التقارير الإخبارية، الأمر الذي أدى إلى إطلاق تصريحات من قبل مؤسسة الرئاسة بقتل كل من يرفض تسليم سلاحه للجهات المختصة، وتنفيذاً لهذه التوجيهات شرعت السلطات الأمنية في إعتقال قادة المجتمع المحلي، الذين كانوا قد رفضوا مسبقاً قرار نزع السلاح دون إستشارتهم. وقال “عبد الله أرشو” أحد زعماء الفلاتة لـ(عاين): “الناس في حاجة لحماية أنفسهم بسبب إنعدام الأمن، فمن الصعب على الحكومة جمع السلاح في ظل هذه الأوضاع”، مطالباً الحكومة بنزع سلاح الجميع إن كانت جادة في بسط الأمن، وليس نزع سلاح مجموعات محددة.
ومضى في ذات الإتجاه “محمد الحاج “أحد أقطاب قبيلة المعاليا قائلاً: “على الحكومة جمع جميع الأسلحة بدارفور، وليس إستهداف قبائل دون الأخرى”، كاشفاً لـ(عاين) عن حملة من الإعتقالات طالت زعماء القبائل العربية في شرق دارفور، وتساءل، كيف للحكومة أن تعتقل زعماء القبائل وفي ذات الأثناء تطالب بنزع السلاح؟ مؤكداً بحتمية فشلها مالم تعيد الثقة إلى الناس. بينما يجزم زعماء القبائل الأخرى بأن قوات الدعم السريع ليست مؤهلة فنياً ولا اخلاقياُ ولا مجتمعياً للقيام بهذه المهمة، مطالبين بقوات مشتركة من كافة الإثنيات إذا كان لابد من للقيام بهذه المهمة.
جمع السلاح بطريقة صورية
في مدينة قريضة، مازال المواطن يتحسس أطرافه بفعل الفوضى الخلاقة التي ضربت المنطقة إبان عمليات نزع السلاح، حيث لقي ٨ من المواطنين مصرعهم في تبادل لإطلاق النار، ولم تحرك السلطات ساكنا، وهو ما يعكس الفشل الذريع الذي يعتري عملية النزع التي أطلقتها مؤسسة الرئاسة.
وكشف مصدر فضل حجب اسمه لدواعي أمنية لـ(عاين)، كشف أسباب الإقتتال بين شباب المنطقة الذي ينحدرون من قبيلة المساليت وآخرون من الرزيقات، حيث إشتبك الطرفان خارج المدينة لأسباب غير معروفة، راح ضحيتها ٨ من شباب المساليت، وأردف قائلاً: “هذا ما تريده الحكومة، نزع سلاح من مجموعات محددة على حساب الاخرى، الإمر الذي سيقود إلى سيطرة مجموعات سكانية معينة على كل شي” موضحاً أن رأي الناس في قريضة بجنوب دارفور يتمثل في البحث عن الأمن وإعادة الاستقرار، شريطة أن يتم ذلك بالطرق المقبولة للجميع.
ووصف ذات المصدر طريقة جمع السلاح “بالصورية “ لعكس راي عام عكس وقائع الأحوال، مناشداً السلطات السودانية إن كانت جادة في إستتباب أمن المواطن بمخاطبة جذور المُشكل، فالشعب السوداني أصبح أكثر وعياً والماماً بكل شي مستتر، ويضيف ذات المصدر: “الأسلحة تم إخفائها داخل الأرض، لن تحصل الحكومة على ١٠٪ من جملة السلاح المنتشر).
علامات الحرب
تفيد التقارير أن المليشيات الموالية للحكومة تسيء إستخدام سلطتها في عملية نزع السلاح في عدة قرى في ولاية جنوب دارفور، منها سرقة الأموال وغيرها من الأشياء الثمينة، بما في ذلك تجريد النساء بحثا عن الذهب وتارة للإغتصاب. لذلك يخشى مواطني دارفور تقديم أسلحتهم لقوات الدعم السريع، وتخشى الجماعات المسلحة المحلية من الاستيلاء العسكري، الأمر الذي دعا زعيم الجنجويد السابق”موسى هلال “بتحسس أطرافه من عملية نزع السلاح، الأمر الذي سيفقده قيادته القبلية. وهو السبب الرئيسي وراء رفض “هلال” رفضا قاطعا دمج مليشيا قوات حرس الحدود التابعة له، وهي جماعة مسلحة تضم ٣٠٠٠ من أفراد قبيلة المحاميد.
وفي أغسطس المنصرم، قام “هلال” بالطواف على عدة مواقع من معقله بـ مستريحة شمالي دارفور بصحبة الالاف من المؤيدين – بمن فيهم القادة التقليديون وقادة قوات حرس الحدود – معلناً إستعداده لمواجهة قيادة الجيش، متبعاً ذلك إساءات طالت رموز نظام الحكم في السودان، ويعتقد موسى هلال أن حملة جمع السلاح التي تقودها الدولة ماهي إلا وسيلة لإضعاف بعض المليشيات، وأضاف: “جمع الأسلحة هو خطة صممت من قبل الدولة لإثارة أزمة جديدة في دارفور”، وكانت السلطات السودانية قد إعتقلت ٧ من صفوف “هلال” في الحدود بين دارفور وليبيا، وإتهمتهم بالعمل مع قوة من المتمردين الليبيين. كما أجرى الجيش السوداني في تلك الفترة أكبر مناورة داخلية في تاريخه بالقرب من معاقل “موسى هلال” بمشاركة الدبابات والقوات الجوية.
وتخضع الحكومة لضغوط دولية لجمع الأسلحة، ويدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم ١٥٥٦ إلى نزع سلاح مليشيا الجنجويد وتفكيكها وتقديم قادتهم للعدالة، ويحرص السودان على تنفيذ هذا القرار وإظهار التعاون مع المجتمع الدولي على أمل أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات التجارية والاقتصادية في أكتوبر المقبل.
عملية مخالفة
يقول كبير منسقي سياسات منظمة كفاية الأمريكية، الأستاذ عمر قمر الدين لـ(عاين): “قرار نزع السلاح بالقوة من المليشيات هو قرار من الامم المتحدة في الأصل، و له قواعد وأصول”، و قد عرض برنامج الأمم المتحدة لحكومة السودان شراء السلاح في برنامج المال مقابل السلاح منذ عهد بعيد، لكنها رفضت في ذلك الزمان، حيث كانت منهمكة في تسليح مليشياتها”. ويضيف: “الآن هذه العملية مخالفة لكل الأعراف الدولية في عمليات التسريح وإعادة الدمج والتدريب المتعارف عليها أممياً، وهي عملية تأتي كإحدى عمليات إستدامة السلام، و لما لم يكن هناك سلام في السودان فإنه من المستحيل القيام بمثل هذه العمليات بلا مخاطر و عنف”.
ويضيف قائلاً: “تصريحات موسي هلال والقبائل التي سلحتها الحكومة من قبل للقيام بالحرب بالوكالة، وتصريحات نائب الرئيس التي أكمل تصريحات النظام الجوفاء والاعتباطية، كلها تصب الزيت على النار المشتعلة أصلاً، فلا يمكن أن ينزعوا فتيل هذه الفتنة إلا بدفع مهر من دم يراق ليزيد نزيف الدم الراعف اصلاً، أو بترضيات و تنازلات هم إعتادوا عليها لأجل البقاء في سلطة تضعف يوماً بعد يوم و تفقد السيطرة على البلاد”.
وفي الإجابة على سؤال لماذا جمع السلاح من كردفان ودارفور قال قمرالدين: “المنطقتين تعتبران من أكثر المناطق التي ينتشر فيها السلاح في السودان، و هي المناطق التي أغرقتها الحكومة في بحور من الدماء قبل أن تغرقها بالسلاح الذي أضحى مصدر رزق لمرتزقة الدولة و لعصابات النهب و ترويع المدنيين”.
ويجزم” قمر الدين” على أنه ليس هناك طرف – بما في ذلك الحكومة – يعرف كمية السلاح في أيدي القوات غير النظامية و نوعه، فمن المليشيات الي العصابات مروراً بالحركات المسلحة، هناك الكثير من الأسلحة الخطرة هذا ما ينذر بكارثة من صنع النظام أولاً و اخيراً، وهو المسئول الوحيد عنها.
ووصف “قمر الدين” مسلك الحكومة السودانية الحالي “ببيع الوهم” حيث قال: “كل شيء في السودان الآن يتعلق بالعقوبات، لأن الحكومة تعتقد أن رفع العقوبات يحل مشاكلها، وهي بذلك تبيع الوهم للمواطن السودان، لأن الخلل في الدولة هو خلل منهجي لا يمكن علاجه برفع العقوبات”، وأضاف: “قد ترفع العقوبات غداً، حينها ستزول شماعة العقوبات، وسوف ينكشف بؤس النظام وكذبه الفاض”.