مملكة تقلي …. حضور في التاريخ وتجاهل في الحاضر
يتكون النسيج الاجتماعي للمنطقة من خليط المجتمعات السودانية تغلب عليه مكونات مملكة تقلي القديمة، يمتهن السواد الأعظم فيها الرعي والزراعة، لذلك شهدت العديد من الصراعات بين الرعاة والمزارعين “المجموعتين ذات الأصول العربية والأفريقية”. نشطت هذه الصراعات في الاونة الاخير بسبب التدخلات الرسمية وتقليص دور الادارة الاهلية.
طبوغرافية… وأهمية
تأتي أهمية منطقة تقلي مملكة تقلي الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي لولاية جنوب كردفان، في أنها ظلت تمثل الدور المحوري على مر العصور في بناء ما يًعرف بالسودان الحديث. وما يتطلع إليه الناس في بناء السودان الجديد، اشتهرت مملكة تقلي بالمواقف الحاسمة في تاريخ السودان، فضلاً عن أنها اولى الممالك التي أوت الامام المهدي اثناء المواجهات مع الحكم التركي – المصري. وأصبحت أولى الممالك التي ساهمت في صد العدوان، على الممالك السودانية، تحديداً مملكتي سنار و المسبعات ذات الحدود المشتركة مع مملكة تقلي. وإخفاء الامام المهدي في منطقة “بطن أمك”، التابعة إلى محلية العباسية تقلي. وتعد بطن أمك هي الأشهر في السياق التاريخي والمعاصر لقاطني ولاية جنوب كردفان.
ورغم الأدوار التاريخية الكثيرة والكبيرة التي لعبتها منطقة تقلي إلا أن المناهج التعليمية والمقررات المدرسية في السودان تجاهلت تلك الأدوار لفترات طويلة. ولم تحتفي مقررات التاريخ بتلك الحضارة والمقاومة التي تتميز بها مملكة تقلي التي لم تسهم فقط في مقاومة الاستعمار بل في توحيد السودانيين على قاعدة التعايش السلمي ورفض الوجود الأجنبي والقهر. وقدم أبناء مملكة تقلي تضحيات كبيرة خلال مقاومة الاستعمار التركي والإنجليزي وكانوا سببا أساسيا في قدرة الثورة المهدية على الاستمرار إذ التجأ إليهم الإمام المهدي والثورة في بداياتها.
وحديثاً اكتسبت منطقة تقلي اهمية اخرى وبحكم موقعها الجغرافي الرابط بين مناطق الصراع المسلح الداخلية بين جبال النوبة والخرطوم. كما إنها ملتقى طرق بين السودان الأوسط والغربي وبين السودان وجنوب السودان. وفي الحرب الدائرة الآن بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال، مثلت منطقة تقلي محور هام في المعارك بين الطرفين.
محور صراعات
شهدت منطقة تقلي أهم الاحداث حديثاً حيث عبرت الجبهة الثورية عمق المملكة من الناحية الغربية في منطقة ابوكرشولا 2013 إلى منطقة شمال كردفان. كما شهدت المنطقة حشود من الجيش الحكومي وقوات مليشيا الدعم السريع التي كانت تتخذ من محلية العباسية مركزاً للهجوم على مناطق الحركة الشعبية.
سودان مُصغر
يتكون النسيج الاجتماعي للمنطقة من خليط المجتمعات السودانية تغلب عليه مكونات مملكة تقلي القديمة، يمتهن السواد الأعظم فيها الرعي والزراعة، لذلك شهدت العديد من الصراعات بين الرعاة والمزارعين “المجموعتين ذات الأصول العربية والأفريقية”. نشطت هذه الصراعات في الاونة الاخير بسبب التدخلات الرسمية وتقليص دور الادارة الاهلية. أبرزها اغتيال القاضي السابق والمحامي عبد الله عبد القادر عجيب (ود عجيب)، ولكن المك مختار آدم جيلي ومن خلفه العمدة الطاهر المنصور استطاعوا تدارك الأمر بحكمة حقنت الدماء وحفظت النسيج الاجتماعي.
تدخلات سياسية
بعد وفاة “المك” مختار جيلي حفيد المك آدم أم دبالو المباشر، ظهرت بعض المسائل التي تتولى رعايتها الحكومة السودانية متمثلة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم لتنصيب من له الولاء لحزب المؤتمر الوطني “الحاكم”، لتغييب دور الإدارة الأهلية التي ظلت تدير الشؤون العامة للمنطقة، حفاظاً على الإرث التاريخي الناصع لمملكة تقلي. ويخشى مثقفو المنطقة وإداراتها الأهلية من انفراد حزب المؤتمر الوطني “الحاكم” بالأمور ووضع المنطقة في مخلب الصراعات التي ظلت تدار لتأليب السكان وهتك النسيج الاجتماعي.
غياب دور الإدارة الأهلية
وتعرضت الادارة لهزة عنيفة بسبب التدخلات السياسية مما ادى الى عجزها في السيطرة على الصراعات بين الرعاة والمزارعين، ويشكي مواطني تقلي من تغييب دور الادارة الاهلية والاستعاضة عنها بلجان تطوير القرى اضافة الى الضابط الإداري. وقال نائب المك أحمد المنصور لـ(عاين) “لجان تطوير القرى لا تعرف شي، وماعندها تجربة لحفظ أهل القرى في الأرض ولم تحفظ حق الأهالي في توزيع المشاريع الزراعية فجاء التقسيم الجديد بنسبة 1% من الأراضي في يد المواطنين، وأعطى 90% لأناس من خارج المنطقة“.
دور المملكة ومتطلبات شخصية المك
ويُعرف وكيل المك أحمد المنصور الإدارة الأهلية في المملكة بأنها كيان تحت أناس وانتماءات مختلفة. على رأسها “المك” لإدارة التناقضات بعقلية محايدة مستقلة ودوه “اي المك” يتمثل في المهارات والمعرفة التي اكتسبها من حوش المك.
يقول المؤرخ عبد القادر دوره لـ(عاين) “على المك القادم المحافظة على بياض سمعة المملكة؛ وعدم الانزلاق في أتون الصراعات السياسية، التي لا ناقة لنا فيها ولا بعير- لكي لاتفقد مملكة تقلي خصوصيتها الممتدة من أجيال سابقة ويتطلع إليها الأحفاد القادمين“.
ويخشى مواطنو العباسية من تكرار تجارب إقليم دارفور بالتدخلات السياسية فيما يختص باختيار الادارة الاهلية حيث يقول عمدة ريفي العباسية تقلي الطاهر المنصور لـ(عاين) “هسي في تدخل سياسي في اختيار الامير نحن الآن لا نستطيع ان نجزم الانسان الاختارتو الأسرة هو حيكون الأمير نتيجة للشغل المنظم البتقودو الحكومة مباشرة في التأثير على نتائج اختيار الأمير“. ويرفض أهالي تقلي ايجاد امير ضعيف لا تتماشى قدراته مع تاريخ ال500 عام لملكة تقلي.