مذبحة أطفال هيبان جريمة بشعة … والشاهد والد الضحايا
– شبكة عاين – ١٦ مايو ٢٠١٦ –
“تحول أطفالي إلى إشلاء وتناثرت أعضاءهم في الغابة وحول المنزل، بسقوط دانة من طائرة هنا … وقد انفجرت واحدة في منزلي … عرفت أن أبنائي وأطفال آخرين كانوا تحت الركام … لقد تناثرت اعضاءهم … وبعدها تم تجميع الاشلاء لكي يتم دفنها… أنا لم أذهب إلى دفنهم … تولى الأمر آخرون … لاني لم أحتمل ذلك المشهد“، هكذا بدأ عبد الرحمن إبراهيم – وقد أخذه البكاء دون أن يكمل حديثه – وهو والد الاطفال الثلاث وأحد أقربائهم الذين قتلوا ضمن ثلاثة آخرين في غارة جوية نفذتها طائرات الجيش السوداني في الأول من مايو الجاري على منطقة هيبان، حيث ألقت أربعة قنابل، تفجرت القنبلة الرابعة في “الراكوبة” التي تحتها خندق إختبأ فيه الستة أطفال الذين تحولوا إلى أِشلاء، حدث ذلك في اليوم الأول من مايو الجاري في الساعة السادسة مساءاً بالتوقيت المحلي لمنطقة هيبان.
تناثرت جثث أطفاله … الوالد كشاهد عيان
في المدخل إلى هيبان، قصفت طائرات سلاح الجو التابع للجيش السوداني المنطقة وقامت بإلقاء أربع “دانات برشوت” لم تصب أي دانة الفوج او الشارع الذي كانت تستقله سيارات الجيش الشعبي في منطقة (الازرق)، وقد وقعت ثلاث دانات بالقرب من منازل مواطنين، بينما وقعت الرابعة فوق راكوبة داخل بيت عبد الرحمن إبراهيم التوم، ووجدت ستة أطفال مختبئين داخل خندق مقفول من الأعلى. والأطفال هم نضال عبد الرحمن إبراهيم التوم (١٢ سنة)، جماع عبد الرحمن إبراهيم التوم (٣ سنوات)، إبراهيم عبد الرحمن ابراهيم التوم (٤ سنوات)، كوكو الدولي (٤ سنوات)، كتي حافظ محمود (٥ سنوات) و يوسف يعقوب عمر (٤ سنوات). وألقت الدانة بالاطفال خارج الخندق و مزقت أجسادهم، و دمرت الراكوبة تماماً.
ويقول عبد الرحمن إبراهيم إنه إختبأ في “الخور” المجاور لمنزله ومعه جاره يعقوب عمر، فيما اختبأ الأطفال في خندق داخل المنزل، ويضيف “سمعنا صوت دانة تسقط فوق المنزل ولكنها لم تنفجر … خرجنا من الخور وإتجهنا نحو المنزل وقبل دخولنا إنفجرت الدانة ووجدنا الخندق قد دُفن تماماً“، ويشير إلى أنه ويعقوب كانا يعتقدان أن الاطفال ربما هم أحياء تحت الركام، ويمضي قائلا “لكن … سمعنا نداءاً من أحد الجيران يؤكد لنا إنه عثر على أشلاء إبنتي الكبرى نضال وبالفعل تعرفت عليها … وبعون الجيران تم جمع الأشلاء وتعرفت على بقية أبنائي من ملابسهم التي كانت على أجسادهم الممزقة“، ولم يحتمل المشهد، ولذلك لم يذهب إلى دفن أبناءه بعد أن شاهد أجسادهم وقد تحولت إلى أشلاء وتناثرت في أكثر من مكان بعد أن كان ينظر إليهم قبل لحظات وهم يلعبون أمامه. ولقد إنهارت زوجته فطيم فاروق عند سماعها بالخبر، وقد قرر الأهل بالا تعود إلى المنزل الذي اصبح ركاماً وبدون أبناءها، ويقول عبد الرحمن “لقد تقبلت التعازي وحيداً“، فيما أدخلت زوجة يعقوب، حنان إسماعيل إلى المستشفى بعد اصابتها بجروح.
ووصفت الحركة الشعبية قصف هيبان وإستهداف المدنيين وخاصة الأطفال والنساء بالجريمة التي لا تغتفر، وقال الأمين العام للحركة الشعبية ياسرعرمان في تصريح إن الجريمة تعد عنصرية بإمتياز وتعكس فاشية النظام والمجموعة الأمنية العسكرية للإسلام السياسي. وصعدت الحركة من حملتها وقدم أمينها العام شكوى رسمية إلى مساعدة الأمين العام للامم المتحدة المعنية بحماية الأطفال في مناطق النزاع ليلى زروقي طالب فيها بإجراء تحقيق رسمي حول الحادثة.
وفي ذات الوقت دشن ناشطون ومدافعون عن حقوق الانسان حملة أطلقوا عليها مذبحة هيبان وطالب الموقعون على المذكرة وقف القصف الجوي على مواقع المدنيين في مناطق الصراع. وقد وقع أكثر من (600) من السودانيات والسودانيين بينهم قادة أحزاب سياسية وحركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني على المذكرة، وقد إستنكر الكثير من المواطنين في الداخل والخارج قصف الأطفال والمدنيين في مناطق النزاع.
وقالت الحركة الشعبية انها بصدد رفع دعوى جنائية عبر نقابة المحامين الفرنسيين لمقاضاة المتورطين في جريمة قصف أطفال هيبان وحددت الحركة الشعبية عبر مذكرة مشتركة مع منظمات المجتمع المدني وعدد من المدافعين عن حقوق الانسان كل من “الرئيس عمر البشير باعتباره قائد عام للجيش، وزير الخارجية إبراهيم غندور، الفريق أول عوض ابنعوف وزير الدفاع، الفريق عماد الدين عدوي رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش، الفريق عصام المبارك حبيب الله رئيس هيئة أركان القوات الجوية“.
الحكومة تصف الحملة ضد مجزرة هيبان باليائسة
وكان رد فعل الحكومة عبر مسؤول ملف دارفور في القصر الرئاسي أمين حسن عمر، الذي وصف الحملة “ضد مجزرة هيبان“ بالمحاولة اليائسة، وقال لـ (عاين) ان الحرب لها ازمانها التي تحتمل، وأضاف “الطريق واضح وهو وضع السلاح والانضمام الى السلام،عبر خارطة طريق الوساطة الافريقية“، وتابع “الجيش يعرف التعامل في اطار مهامه ولن يثنيه أحد طالما إن الحرب سجال“. ولكن القيادية بحزب الأمة القومي رباح الصادق المهدي وصفت النظام الحاكم في الخرطوم بالعنصري والدموي، وقالت لـ(عاين) ان النظام إرتكب جرائم كثيرة منذ أن إستولى على السلطة عبر إنقلاب عسكري قبل أكثر من ربع قرن وظل يرتكب المجازر البشعة في حق المدنيين في جنوب السودان قبل إستقلاله و في دارفور منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وفي جبال النوبة والنيل الأزرق منذ خمس سنوات. وإعتبرت أن القتل الذي يمارسه النظام أساسه العرق والدين، إضافة إلى قتل الكوادر السياسية والناشطين في منظمات المجتمع المدني والطلبة.
وأشارت رباح الصادق إلى إنها لم تحتمل مشاهدة صور أشلاء جثث أطفال هيبان التي تم تداولها عبر وسائط التواصل الإجتماعي، واوضحت بقولها “لأنني برؤية هذه الصور أدركت أنها مشاهد لا يمكن أن يحتملها الضمير الإنساني وينبغى ألا يحتمل شعبنا والإنسانية بقاء هذا النظام لانه في وجوده سيرتكب المزيد من المجازر“.
الجيش السوداني يرفض إعلان وقف إطلاق النار من قبل الجبهة الثورية
وقد رفض الجيش السوداني، ما أعلنته القوى المسلحة في الجبهة الثورية عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد، بدأ في الرابع والعشرين من أبريل الماضي ولمدة ستة أشهر حتى 24 أكتوبر القادم. ويقول المتحدث الرسمي بإسم الجيش أحمد الخليفة الشامي لـ (عاين) ان القوات المسلحة تتقدم على الأرض ولا تعترف بما أعلنته حركات التمرد بوقف إطلاق النار، ويضيف “قواتنا الأن تطبق حصاراً على ارض المعركة في كافة مناطق التمرد“، موضحاً أن وقف اطلاق النار مرتبط إرتبطاً كاملاً بخارطة الطريق التي كان قد قدمها رئيس الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي والتي رفضتها الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)، حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة وحزب الامة القومي بزعامة الصادق المهدي.
وإتهم الشامي الجبهة الثورية بإنها تحاول أن ترتيب أوضاعها العسكرية، بعد أن منيت بخسائر على الأرض في دارفور ومنطقتي النيل الازرق وجبال النوبة. وأعلن عن استعداد القوات المسلحة لدحر من أسماهم بفلول الجبهة الثورية وأصحاب الأجندات الخارجية. غير أن المتحدث باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان أرنو نقوتلو لودي شدد على أن إعلان وقف إطلاق النار يندرج ضمن القرارات السياسية التي إتخذتها فصائل الجبهة الثورية في آخر إجتماع لها في العاصمة الفرنسية باريس لتمهيد الطريق أمام مفاوضات السلام الشامل، ويقول “هذا القرار يوضح جدية الجبهة الثورية في الوصول إلى سلام عادل…ولكن الحكومة السودانية ظلت ترفض على الدوام محاولات الأطراف الأخرى لتحقيق السلام“.
ويشير لودي إلى أن المعارك العسكرية التي شهدتها منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق منذ بدء العمليات التي أطلقت عليها الخرطوم بإسم الصيف الحاسم قد تكبدت فيها القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات مندداً بإستهداف القصف الجوي للمدنيين والأطفال، ويقول “لقد تمت مجزرة بشعة في هيبان في الأول من مايو الحالي من قبل القوات الحكومية التي تقوم بعمليات قصف جوي عشوائي يستهدف المدنيين لا سيما الأطفال“، واصفاً مقتل الأطفال في هيبان بأنها جريمة العصر، ويضيف “لابد أن يتحرك المجتمع الدولي وأصحاب الضمائر الحية من السودانيين للضغط على النظام وأقامة حظر جوي في مناطق الحرب فوراً“، ويقول ان الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية سيلحق الهزيمة بالقوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع.
قتلى من الصومال وإثيوبيا وجنوب السودان ضمن القوات الحكومية
وأطلق الجيش الشعبي إسم “فداء أطفال هيبان” على عمليته التي أستهدف بها متحرك القوات الحكومية بإسم “جندك يا وطن” والذي كان قادماً من مدينة تلودي للسيطرة على منطقة أنقارتو شمال شرق تلودي. وإٍستمرت المعركة – بحسب بيان الحركة الشعبية – لخمس ساعات، وأعلن عن استيلاءه على عتاد عسكري من بينها دبابة، وذكر البيان أن عدد القتلى في الجانب الحكومي بلغ أكثر من (32) من بينهم قائد ثاني المتحرك ورتبته عقيد الى جانب ضباط برتب مقدم و نقيب وأن من بين القتلى هناك اثنين من مليشيا تابعة لمتمردين من جنوب السودان إلى جانب صومالي، وإثيوبي، وأصيب اكثر من (100) جندي تابع للقوات الحكومية، فيما قتل جندي من الجيش الشعبي.
ويقول شاهد عيان من كادوقلي لـ(عاين) إن القوات المرتكزة في مناطق “تافري ومرتا” أغلبها من مليشيا الدعم السريع الذين لم يسمح لهم هذه المرة بالتجول داخل المدينة، ولكن بعضاً منهم إستغل المدارس داخل المنطقة كسكن لهم، ويضيف إن القوات وصلت على متن (400) سيارة ذات الدفع الرباعي نصفها بقي داخل المدينة والآخر حولها وباسلحة ثقيلة، وأصبحت مليشيا الدعم السريع ضمن القوات الرسمية خاصة وتتبع لمؤسسة الرئاسة، وسبق أن أعلن قائد مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي” عن استعداد الدعم السريع لكافة العمليات العسكرية في مناطق الحرب.
وشن ضابط في الجيش السوداني يحمل رتبة رائد طلب حجب اسمه – غير مخول له الحديث للإعلام – هجوماً على الطريقة التي يتعامل بها الجيش الحكومي في الحرب، بإستهدافه للمدنيين، موضحاً أن الجيش قادر على خوض معاركه ضد المتمردين في ميادين القتال دون أن يتم إستهداف الاطفال والنساء وكبار السن وطالب سلاح الجو السوداني بالتركيز على المواقع العسكرية للمتمردين وليس مناطق المدنيين بالإٍستهداف والقصف العشوائي الذي قال إن المتضرر منه هم الأبرياء والعزل، موضحاً أن العمليات الجوية كانت لرفع الضغط عن القوات الحكومية المحاصرة في جبل الأزرق، وإستدرك قائلاً :”على المواطنين أن يبتعدوا عن المناطق الواقعة تحت مرمى القصف الجوي والعمليات العسكرية“.