ظهور آخر للجماعات الاسلامية في السودان .. خطر قادم
٢٧اغسطس٢٠١٤
لن يرفع احد حاجبيه اذا تم الاعلان عن وجود تنظيم الدولة الاسلامية ( داعش ) في السودان ، لان هناك خلفية تاريخية ( للجهاد ) حيث كان النظام الاسلامي الذي وصل السلطة عبر الانقلاب العسكري هو من قام بتأسيس ودعم هذه الجماعات المتطرفة منذ العام 1990 ، واصبحت الخرطوم آنذاك المحطة الرئيسية لهذه الجماعات الارهابية ، حتى تم تصنيف السودان من الدول الراعية للارهاب ، بل ان اول عملية ارهابية ارتكبت في الولايات المتحدة الامريكية تحرك منفذها الشيخ عمر عبد الرحمن – مصري الجنسية ويحمل جواز سفر سوداني ، وكذلك اسامة بن لادن قائد تنظيم ( القاعدة ) كان قد وصل افغانستان بعد مغادرته الخرطوم منتصف التسعينيات ، وكذلك قائد التنظيم الحالي ايمن الظواهري ، اذن ليس هناك ما يدهش بوجود تنظيمات ارهابية في السودان باعتبار ان الدولة هي التي تفرخها ووجدت رعاية من قبل جهاز الامن والمخابرات الوطني .
ويقول خبير امني آخر فضل حجب اسمه لـ ( عاين ) لظروفه الامنية ، ان الكثير من قيادات الجماعات الاسلامية ظهرت منذ منتصف الثمنينات في الحرب ضد الحكم الشيوعي في افغانستان ، ويضيف ان اغلب هؤلاء القيادات التي نراها ونسمع عنها تم تدريبها بواسطة المخابرات الامريكية سواء في افغانستان او باكستان بل حتى في السودان في اماكن بعيدة ، ويقول ان اول جهة يمكن ان تسأل عن هذه الجماعات الارهابية هي الولايات المتحدة التي قدمت التدريب المتقدم لها والان تتذوق ما ( طبخته بيدها ) ويقصد المخابرات الامريكية .
انكار لتنظيم داعش وتأييد لفكرتها
وانكر محمد علي الجزولي – وهو سبق ان اعتقلته السلطات السودانية عدة مرات ولكنها تطلق سراحه ولم تقدمه الى اي محكمة – صلته بجماعة داعش الإرهابية ، لكنه اكد انه يؤيد فكرتها ، ويقول (انا اؤيد فكرة داعش ولكنني لست اميرها ، انا مؤمن بفكرتها لانها تقف ضد الفكر الامريكي الغربي وجيوب العلمانية التي يسعي الغرب لضرب الاسلام بها ) ، ونفى انه المتحدث باسم الجماعة السلفية في السودان ، مع تأكيده بانه يتفق معها في الحفاظ على امن ( الدولة الاسلامية في السودان ) ممن وصفهم بالاعداء وحددهم بقوى المعارضة خاصة الجبهة الثورية التي قالها ان في حضن الدول الغربية ، ويضيف ( سنقف مع الحكومة رغم اخفاقتها ولكن مؤامرة العدو الاجنبي يدعونا للوقوف خلفها لدرء المخاطر التي تحيط بها ) .
الظهور الاول للجماعات الاسلامية والاغتيالات في الخرطوم
قد شهد عقد التسعينات من القرن الماضي بوادر التصعيد لعنف الجماعات الاسلامية في السودان التي قامت بعدة اغتيالات مشهودة في بعض “مساجد” ولاية الخرطوم، كمسجدي “الجرَّافة” و”أنصار السُّنة” بأم درمان، ومساجد مدن أخرى كود مدني؛ مثلما شهدت ذات الفترة اغتيال الفنان المُغنِّي خوجلي عثمان؛ ومحاولة اغتيال الفنان المُغنِّي عبد القادر سالم ، ومقتل الدبلوماسي الامريكي غرانفيل في اوخر العام 2008 باطلاق الرصاص على سيارته ، ورغم القبض على الجناة وعددهم (4 ) وتقديمهم الى المحاكمة التي حكمت عليهم بالاعدام غير انهم هربوا بتدبير من الحكومة والتحق بعضهم بتنظيم حركة الشباب الصومالي ، وقد قتل بعضهم هناك .
يقول محمد على الجزولي احد المتهمين بدعم التنظيمات الارهابية لشبكة ( عاين ) إن الجهات التى تطلق عبارة ( الارهاب ) وتوصم بها الجماعة الاسلامية – في اشارة منه الى الولايات المتحدة الامريكية – هي التي تقوم بالارهاب ، وتسائل ( إهدار دماء الابرياء في كافة مشارق الارض ومغاربها فهو ارهاب ام لا ؟ واذا كانت الجهات التى تحمي دين الله في الارض توصف بالارهاب فماذا تسمي امريكا التى دمرت العراق بإرثه وحضاراته ) ، ويضيف ( امريكا هي التى أباحت لنفسها اقامة سجن لتعذيب المسلمين اشد انواع العذاب وهو السجن المشهور بسجن (غوانتامو) ، ويقول ان جماعته لا يمكن ان توصف بالارهابية ، غير انه هدد بضرب المصالح الامريكية في الخرطوم ، ويقول ان الولايات المتحدة تريد محاصرة الاسلام وهي العدو الاول ، ويتابع ( انا ادعو الى ضرب المصالح الامريكية في الخرطوم وفي كل بقاع الارض واعني بهذ المصالح الاقتصادية ،السيادية والعسكرية ان وجدت) .
وظهرت مجموعة اسلامية اخرى اطلقت على نفسها بجماعة ( ابو حمزة للجهاد والدعوة ) عقب الاعتداء على عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة ( التيار ) اليومية والتي تصدر في الخرطوم ، وتردد على ان هذه الجماعة تعمل لحساب احد المتنفذين في النظام السوداني ، وقد اصدرت بياناً في يوليو الماضي هددت فيه باستهداف الشيخ النيل ابوقرون وهو احد شيوخ الصوفية في السودان ، وتوعدت كذلك بتنفيذ سلسلة اغتيالات ضد منسوبي جهاز الأمن والمخابرات؛ بالاضافة الي الزعيم السابق لقوات الجنجويد موسي هلال الذي حسب البيان وقع اتفاقا مع الجبهة الثورية والعضو المنتدب لشركة سكر كنانة المقال محمد المرضي التجاني باعتباره ممول للرافضة بالسودان (الشيعة) ، وظهور هذه الجماعة وبهذه الصورة طرح عدة اسئلة في الاوساط السياسية والدينية نفسها ، حول ان كانت الدولة والاجهزة الامنية هي من تقف وراء هذه الجماعات لتحقيق اغراض سياسية اخرى بحيث تبرزها وقت شاءت وتخفيها وقتما تريد .
وضع المسيحيون عند الجماعة الاسلامية في السودان
وفيما يختص بوجود المسيحيين يقول الجزولي لـ (عاين ) أن السودان دولة قائمة على الشريعة الاسلامية وان على المسيحيين دفع الجزية وهم صاغرون او يختار مكان آخر ليعيش فيه ، وهو ذات الشئ الذي فعله تنظيم ( داعش ) للمسيحيين في العراق في اغسطس الحالي ، ويضيف ( نحن لسنا مع المواثيق التي يصدرها الغرب مثل المواطنة هي اساس للحقوق والواجبات ، هذا لايوجد عندنا في شريعة الاسلام . تعاملنا مع اي فرد سيكون مصدره التشريع الإسلامي وفق النص الديني وما دون ذلك فلامكان له عندنا ) كاشفاً ان الحكم في السودان لن يكون لغير المسلمين لانهم الاغلبية فكيف لاقلية من غير المسلمين ان تحكمنا هذا خط احمر. فدعاة المشاريع التي تسمي بالسودان الجديد وغيره من مشاريع العلمانية نحن ندعوهم صراحة الى دولة الاسلام.
وقد استنكر عدد من المواطنين وجود هذه الجماعات الاسلامية المتطرفة وعدوها من مهددات الامن في بلد متعدد الديانات خاصة وجود المسيحيين ، بل ان احد المواطنين الذي طلب في حديثه لـ (عاين ) عدم الكشف عن اسمه ، اتهم جهاز الامن بانه هو من يقف وراء هذه الجماعات الاسلامية ، وربط ظهورها الاخير بعد تبرئة مريم يحى من حكم ( الردة ) عن الاسلام واعتناق المسيحية وفق ما رددته الحكومة ، ويقول ان وضع المسيحيين سيكون صعباً في ظل تصاعد هذه الجماعات المتطرفة ، وربط كذلك بالدعم المعلن من الجهاز لقوات الدعم السريع لتصفية الخصوم السياسيين وان قوات الدعم السريع يمكن ان تطلق على نفسها بعد فترة انها جماعة اسلامية لحماية الدولة الاسلامية في السودان ، فيما يقول المواطن عثمان حسن ان الاعتداء الذي وقع على رئيس صحيفة التيار عثمان ميرغني يؤكد ان الجماعات الاسلامية المتطرفة تقودها الاجهزة الامنية .
خبراء الامن يحملون الحكومة مسؤولية وجود هذه الجماعات
يقدم الفاتح الجيلي المصباح المدير السابق لجهاز الامن والمخابرات السوداني افاداته لـ (عاين ) حول هذه الجماعات ، ويقول ان هذه المجموعات موجودة في الساحة لكن ليس بهذا الحجم الذي تصوره وسائط الاعلام ، لكنه يربط ذلك بارتخاء القبضة الامنية وانتشار التطرف وسط المجتمع السوداني ، ويقول ( قد يكون لدي بعض افراد هذه المجموعات علاقة بافراد في السلطة او ان هناك افراد في السلطة يجنون فوائد غير مرئية ) ،ويضيف ( يجب التعامل مع من يصفون انفسهم بالمجاهدين بقدر كبير من الجدية حتي يطمئن كل مواطن في بيته او مكان عمله ولا تعم الفوضي السودان ) ، وطالب الجهات ذات الصلة بالامن ان تقوم بالبحث عن هذه المجموعات والقبض عليها من اجل الاستقرار في السودان .
اما العميد امن معاش حسن بيومي كان له راي اخر حيث اكد لـ (عاين ) ان اي مجموعة تتبني مثل هذه الاعمال لا يمكن ان تقود عربات دفع رباعي بدون لوحات وتتسلح بسلاح اتوماتيكي في قلب العاصمة الخرطوم ان لم تكن تجد حماية من جهة داخل النظام ، ويضيف ( الامر هو واحد من اثنين لا ثالث لهما اما ان يكون النظام متورط في هذا الامر وتستفيد منه او هو في اطار صراع اجنحته واما ان يكون الامر قد انفلت وخرج من يد الحكومة ) .
العلاقة بين النظام الحاكم والجماعات الارهابية
لم يستبعد المحامي كمال الجزولي ان تكون الجماعة التي قامت بالاعتداء على رئيس تحرير صحيفة ( التيار ) عثمان ميرغني جماعة ارهابية موجودة ولها ارتباط ان كان مرئي او خلافه مع السلطة الحاكمة في السودان ، ويقول الجزولي لـ (عاين ) ان الامر ليس غريبا عليه حيث انه تعرض للتهديد بالتصفية ومعه الكاتب الصحفي الحاج وراق والدكتور حيدر ابراهيم في وقت سابق من العام 2006م ، ويكشف في حديثه انهم طلبوا من الحكومة اخذ الامر علي محمل الجد حينها لكنها لم تقم بذلك ، ويقول ان هناك بعض امراء هذه الجماعات اتصلوا بهم هو الاستاذ الحاج وراق بعد التهديد ، ويضيف ( هناك شخص يدعى الشيخ الصديق اتصل بي وتحاور معي وذكر انه اتصل بصلاح قوش حينما كان مديرا للامن وان قوش قال للشيخ الصديق : لماذا تحاربون الحكومة وحينما ردوا له لانها لاتطبق الاسلام بصورة صحيحة طلب منهم قتال العلمانين قائلا لهم : ان الحكومة ترفع شعارات الاسلام ) .
ويقول الجزولي ان الاعتداء في حال وقوعه من هذه الجماعات علي الحكومة او خصومها فانه امر خطير ، محذراً من غفلة الحكومة في حسم فوضي هذه الجماعات ، ويقول (لان هذه المجموعات يمكنها ان تفتت السودان وهي خطرة علي الجميع حكومة ومعارضة وسوف تفشل كل مشاريع البناء الوطني في السودان القادمة او التي دعا لها النظام الان في حواره مع القوي السياسية التي تتفاوض معه ) ، ويضيف ( بدون تصفية هذه المجموعات الخطرة علي السلام الوطني لن يكون هناك اي سلام بين مكونات المجتمع السوداني ) ، محملاً الحكومة بعدم جديتها في محاربة هذه الجماعات التي يصفها بالخطرة .
من جانبه يقول المحلل السياسي البرفسور الطيب زين العابدين – وهو من الاسلاميين المعروفين- ان على الاجهزة الامنية القاء القبض علي هذه المجموعة الخطرة المتفلتة التي تروع الكل ولم ينجي منها المعارضين او اعضاء الحزب الحاكم حيث هددت الجميع ، ويضيف ان الاجهزة الامنية تقوم بالقاء القبض علي اساتذة جامعة الخرطوم حينما يجتمعون لانشاء نقابة وتعجز عن القبض علي مثل هذه الجماعة التي تهدد الامن والسلم العام وتروع المجتمع السوداني بمختلف اطيافه ،ويضيف ان الحكومة هي التي ساعدت علي ظهور هذه الجماعات وانها غير راغبة في ممارسة مسؤولياتها .