شبح المجاعة يهدد السودان
– شبكة عاين – ٣٠ اكتوبر ٢٠١٥ –
أصدرت بعض المنظمات العاملة في الشأن الإنساني بالسودان تقرير يشير الى إحتمالات مجاعة بمناطق سيطر الحركة الشعبية شمال والتي تسيطر على أجزاء واسعة من ولايتي جنوب كردفان وجنوب النيل الازرق، وقالت منسقية الشؤون الانسانية في الامم المتحدة (اوتشا) في تقريرها الصادر في الخامس من اكتوبر الجاري ان “الأشخاص الذین یعیشون في مناطق السیطرة غیر الحكومیة في ولایات النیل الأزرق، جنوب وغرب كردفان معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد”، ولكن وفقاً لمسح شبكة نظام الإنذار المبكر للمجاعة فأن مساحات كبيرة من السودان تعاني من نقصان في الامن الغذائي، مما يرجح حدوث مجاعة في اجزاء كبيرة من السودان.
المطالبة باعلان شرق السودان منطقة مجاعة
وطالبت القيادية بشرق السودان رئيسة الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة زينب كباشي الحكومة السودانية بإعلان شرق البلاد منطقة مجاعة وتوجيه نداء للمنظمات الدولية للتدخل وتقديم المساعدات الانسانية. وتقول لـ(عاين): إن فشل الموسوم الزراعي بسبب شح الأمطار في شرق السودان يٌنذر بأوضاع كارثية جراء النقصان الحاد في الحبوب الغذائية التي يعتمد عليها إنسان الشرق بشكل مباشر، وتضيف أن المساحة المزروعة قد تقلصت بسبب الكثافة السكانية الناتجة وتدفق اللاجئين من دول الجوار. كما أضافت ان ذلك انعكس حتى على المواشي التي تعاني من قلة الأعشاب وظهر ذلك جلياً في ضمورها البادىء للعيان، وترى أن ارتفاع أسعار الحبوب مع إنعدام السيولة سيكون له الاثر المباشر في ظهور المجاعة سيما وان سعر جوال الذرة بلغ “335” جنيه سوداني، وسعر الملوة وصل الى “12” جنيه .
وتعتقد زينب كباشي ان الحكومة تقع عليها مسئولية ما سيحدث من مجاعة، وتقول ان (الحكومة لا تريد تعترف بأن هناك مجاعة في شرق السودان رغماً عن تحذيرات شبكة الإنذار المبكر التي قالت إن شح الأمطار سيتسبب في تأخير الزراعة)، وتضيف إن الكارثة الإنسانية المحتملة حدثت بسبب تلكؤ الحكومة في إرسال المساعدات العاجلة من المخزون الاستراتيجي، وهو مايوضح محاربة الحكومة لإنسان الشرق بسلاح التجويع عندما طردت المنظمات العاملة في الشأن الانساني وعدم اكتراث الحكومة للإنذارات المتكررة من شبكة الإنذار المبكر، التي قالت معظم مواطني كسلا والبحر الاحمر يعانون من نقص في الغذائي.
هذا وناشدت زينب كباشي منظمات الامم المتحدة بالضعط على الحكومة السودانية لكي تسمح للمنظمة الدولية بإدخال الاعانات الغذائية لانسان الشرق وكافة مناطق السودان التي تعاني من خطر المجاعة، وكشفت عن حملة نظمتها بمعية عدد من ابناء الشرق اخطروا فيها كل الجهات العاملة في الشأن الانساني (بأن هنالك اكثر من مليون شخص يواجهون شح الغذاء، بسبب ضعف الامطار وقلة الانتاجية في العام 2016 مقارنة بالعام 2015)، ووجهت نداءاً للمنظمات والسفارات الغربية الى زيارة شرق السودان للتعرف على الواقع.
تاخر هطول الامطار ادى الى فشل الموسم الزراعي
من جهتها توقعت الحركة الشعبية شمال، إحتمالات وقوع كارثة إنسانية في مناطق سيطرتها بسبب المجاعة، ويقول مسؤول الشؤون الإنسانية نيرون فيلب لـ(عاين) ان الأوضاع في المناطق التي تقع سيطرة حركته تنقسم الى اثنين الاولى هي جنوب كردفان (جبال النوبة) والتي تعاني من شح في الحبوب الغذائية بسبب إنتاجية هذا العام، والتي وصفها بالضعيفة لسببين الاول في شح الأمطار، والثاني هو إستهداف طيران الخرطوم للمناطق الزراعية، ويضيف ان المنطقة الثانية فهي النيل الازرق التي تمر بأوضاع إنسانية سيئة، وتأخر أمطار هذا العام ادى الى فشل الموسم الزراعي، إضافة الى كثرة الآفات التي اضرت كثيراً (بالتيراب) مما يؤكد ان نسبة الحصاد في النيل قد تصل ادنى مستوى هذا العام، ويقول ان المنطقتين في حوجة ماسة للاعانات لسد الفجوة العذائية.
وذهب في ذات الاتجاه داؤد ادم من سكان النيل الازرق بقوله لـ(عاين) إن المحاصيل الزراعية تعرضت الى حريق بسبب عدم هطول الامطار في شهري اغسطس وسبتمبر الماضيين، موضحاً ان اكثر المناطق شحاً للغذاء هي مناطق (القنيزية، مفون، الكومة شمال شرق باو) بسبب وجود مجاعة كاملة، وكانت “اوتشا” قد قالت (وفقا لبرنامج الغذاء العالمي فإن حوالي 23,000 شخص في خمسة مواقع في محليات الدمازين، الروصيرص، وباو في ولاية النيل الأزرق يحتاجون للمساعدات العاجلة)، وقام سفراء من دول الاتحاد الاوربي بزيارة الى المنطقة واكدوا ان الوضع سئ ويحتاج الى تحرك سريع، في الوقت الذي اكدت فيه الحكومة السودانية على لسان وزير خارجيتها ورئيس وفدها المفاوض الدكتور ابراهيم غندور انها لا تمانع للمنظمات إدخال المساعدات الإنسانية الى المنطقتين شريطة أن لا تٌقدم للمتمردين، ولكن الحركة الشعبية شمال اعلنت عن انها تقوم بمساعي جادة لتفادي شبح المجاعة، ويقول نيرون فليب (لدينا خطط وبرامج لتفادي نفاد الحبوب لن نعلن عنها).
غلاء فاحش واسر دون قوت
في وسط البلاد واقصى شمالها، لم تسلما من المجاعة التي باتت تتهدد مناطق واسعة من السودان، ويقول المواطن نضال الطيب في هذا الخصوص لـ(عاين) إن هنالك تردي فظيع في الخدمات الصحية، المياه تنعدم بعد ان تنقطع الكهرباء، وطلمبات ابار المياه التي تعتمد في تشغيلها علي الكهرباء، ويضيف ان الاسعار في ارتفاع مخيف واقل سعر (لسلطة الخضار) 20 جنيها، جوال البصل وصل 700 جنيه و(كيلة) البصل 100 جنيه، وكيلو اللحمة الضاني 80 جنيه، رطل زيت الطعام 10 جنيه، اما الجركانة الكبيرة للزيت 180 جنيه، رطل البن 10 جنيه، السكر 6 جنيه ما يعني ان جوال السكر سعره 300 جنيه، وغاز الطهي الاصطوانة 43 جنيه، وتوزيعه عبر جهاز الامن، سعر الغاز في السوق الموازي 100 جنيه.
اما في اقصى الشمال فان الوضع الغذائي سيئ للغاية خاصة بعد عملية التهجير التي شهدتها مناطق كثيرة بسبب بناء الخزانات، ويقول عز الدين سالم لـ(عاين) ان هنالك 10 الف اسرة تعيش الان في مساحة 20 الف فدان ولكن بسبب غياب الري لم تتمكن من زراعة اراضيها، ويضيف ان هذا الوضع جعل المواطن ان يتحول من انسان منتج الى مستهلك حتى صار يستورد كل شئ، ويقول (لامر عندنا في الشمالية اصبح مرتبط بتحاويل المغتربين لسد الفجوة المالية لكل اسرة لكي تتمكن من مواجهة المعيشة)، وقد توقع كل من نضال وعز الدين احتمال وقوع مجاعة في مناطقهم بسبب شح الامطار الذي ادى الى فشل الموسم الزراعي الى جانب الغلاء .
واطلعت (عاين) على خريطة شبكة نظام الإنذار المبكر للوضع الغذائي والتي اوضحت ن هنالك مناطق كثيرة في السودان واقعة تحت خطر نقص الأمن الغذائي ابرزها مناطق الحرب وشرق البلاد اضافة الى الوسط .
يوليو – سيتمبر 2015 |
اكتوبر – ديسمبر 2015وقف الحروب هو المدخل لسد الفجوة الغذائية
|
وكان استاذ الإقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة دكتور حامد على قد توقع في حديثه مع (عاين) احتمال وقوع المجاعة في غضون الاشهر الثلاث القادمة، ما لم تضع الحكومة حداً لنزيف الدماء ووقف الحروب حتى تتم الاستفادة من ميزانياتها لسد الفجوة الغذائية المتمثلة في انعدام الحبوب بسبب فشل موسم الامطار، اضافة الى ضعف الاجور مع الغلاء الفادح .
ويقول برنامج الغذاء العالمي إن نسبة المناطق تمت زراعتها السودان في سبتمبر بلغت 65 في المائة، مقابل 40 في المائة فقط من الاراضي التي تمت زرعتها في أغسطس، ويرجع ذلك إلى تحسن الأمطار وذلك وفقاً لنظام الإنذار المبكر بالمجاعة. وحسب الدكتور حامد على ان هذه الاسباب كفيلة باحداث كارثة مجاعة في السودان ما لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة أولها بايقاف الحروب.